حضرت مساء الأحد الماضى في فندق وصال ندوة نظمها المركز الموريتانى لترقية الثقافة والديمقراطية و التنمية المحلية حول المديح النبوي في بلاد شنقيط ” ديوان حُمْر النَّعَم نموذجا”، وقد ضمت القاعة شخصيات علمية وثقافية وازنة كشيخنا الأستاذ محمد فال بن عبد الطيف و الفقيه محمد المختار بن انباله وولي الله محمذن بن محمودا و الأستاذ الخليل النحوى والفقيه الشاعر بونه عمر لى و السيناتير محمد سالم بن محمد سيديا (ميماه) و الإداري بدنّ بن احمدناه رئيس المركز وصاحب الدعوة…. كما حضر إلى القاعة أيضا لفيف من الأساتذة الجامعيين و رجالات الصحافة والإعلام و بعض المهتمين بالشأن الثقافي في البلد. وقد أدار الحوار الإعلامي المتميز الدكتور الشيخ بن سيد عبدالله. وسأحاول في هذه التدوينة أن أنشر ما علق في خاطرى من الفوائد و النكت واللطائف الكثيرة التى أتحفنا بها منعشوا الندوة جزاهم الله خيرا لعلَّ أن يفيد ذلك من لم يحضر إلى الوصال.
بدأت الندوة بكلمة للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف شكر من خلالها هيئة عينين ول أييه و مركز بدن على جهودهما القيمة التى ساعدت في نشر ديوان المديح، ثم تطرق إلى العنوان ” حمر النعم في مدح خير الأمم” فشرح عبارة حمر النعم قائلا إنها تطلق على الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب ولذلك ربما ورد الإغياء بها في الحديث, كما أشار أيضا إلى انسجام العنوان مع سجعة صلى الله عليه وسلم، و قد نبه الحاضرين إلى أنه ينتمى إلى وسط لا يحبذون إطالة الأشعار واستشهد على ذلك ببيت الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا الشهير :
وسردك القصائد الطوالا *** مستثقل عندهمُ استثقالا
ثم اختار لنا ميمية رملية من ديوانه الآنف الذكر، كان قد كتبها في باريس مشيرا إلى أنه التزم في ديوانه ذكر الأمكنة التى كُتبت فيها قصائده ،لأنه من تمام شكر النعمة ذكر محل الإنعام، وقد تفاعل الجمهور الحاضر مع القصيدة و لا غرو فما خرج من القلب يدخل القلوب و قد أجاد فيها و أفاد وخصوصا عند قوله
إنَّ يَوْمًــــا لَيْسَ فِيهِ ذِكْـرُكُــــــمْ == لَهُو الْيَوْمُ بَــــطِيءُ الأَنْـجُــــــــمِ
ثم تناول الكلام الفقيه محمد المختار بن امباله فذكر فتوى بعض فقهاء المالكية -كالقاضى عياض -المتعلقة بوجوب مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، و أشار إلى أن مُنتج المديح و قارئه و المستمع إليه مأجرون كلهم و الحمد لله، كما نبه إلى أنه من عظمة رسول الله صلى الله مدح العباد الحادث له بعد مدح الخالق القديم، و أشار إلى نكتة لطيفة وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث رحمة للعالمين، وقد رأينا على مر التاريخ بعض الفرق شقيت بمن اتبعتهم ومعاذ الله من أن يسبب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم الشقاء لأحد. و نبه أيضا إلى أن وظيفة المديح كانت من الوظائف الرسمية لمدينة تيشيت كالإمامة والقضاء… لكنها تتميز عن غيرها بأنها ليست مقصورة على أسرة معينة.
وختم الفقيه مداخلته بابيات جميلة عزاها للشاعر شيخنا محمدو ولد احمد الصغير
يامن على الغزو قد اغراه وروا ره*** وغره بعد ما يصمى وتعماره
فإن وروارنا مدح النبي وما ***إن خاب من كان مدح هو ورواره
ألقى الشاب الخلوق محمدعالى بن امد كلمة المنتدى العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتى اختصر فيها تحقيقا كان قد قام به لشرح الشيخ بن حمَّ لقصيد بانت سعادُ فأبان بعض مخبآتها اللغوية و الأدبية والفقهية, ثم ألقى الأديب الحسن بن محنض كلمة باسم صالون الولي محمذن بن محمودا لخصها في قطعة شعرية جميلة :
ها نحـــن في مركــــز للعـــــلم والأدب *** و نشـــــر أجــــود ما يلفى من الكتب
و فيه أيـــضا لـــذى التثــــقيف ترقـــية *** و فيـــه تطــــــوير أفكـــــار لمنتخب
و اليـــوم يفتــــتح الأعــــــــمال مبتدئا *** بمــــدح أفضــــــل خلق الله خير نبى
من كان بالمــــدح يعـــنى و هو مبدؤه *** في أمـــــره منتـــــهاه الــــنيل للأرب
وذا كتـــاب فتـــــــى عبد اللطيف أتى *** في بــــابه بنــــــــضيد التبر و الذهب
فالشعر في غير ميدان الوغى – سيما *** في المدح – أصــدق إنباءً من القضب
سود الصــحائف لا بيض الصفائح في *** متـــونـهن جــــلاء الشــــك و الريب
حروفه ســـطعت في الأفق بل مـلأت *** بالنور صفـــحَتَيِ الشـــهباء و الشهب
في قــــلب قارئه تــــسرى المـحبة أو *** يسرى الهدى سريان الكرم في العنب
شــــكرا له ثم شـــــــكرا للــذين رأوا *** حضـــور أمـــداح طه غـــاية الرغب
شكرا لمن حضروا مدح النبي ومن *** آووا ومن نصـــروا في ســابق الحــقب
أما الدكتور بلال بن حمزة – الممثل الثانى للصالون- ، فقد أشار بإيجاز إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سنَّ للبشرية مدونة معاملة أسرى الحرب من خلال معاملته لأسرى السرايا والغزوات خصوصا في بدر وبنى المصطلق وبنى قريظة وحنين ، وذلك قبل المعاهدات الدولية الوضعية التى يتشدق بها بعض المسلمين اليوم، كما قرأ علينا الفقيه الدرديرى بن معط – من حفظه – مديحية الشيخ أحمد بن محمد بن محمد سالم المجلسي الشهيرة التى مطلعها :
أتذرى عينه فضض الجمان *** غراما من تذكره المغانى
أشار الفقيه الشاعر بون عمر لى في مداخلته إلى نكتة جميلة وهي أن الذين يقولون إن بعض مُداح خير الورى يبالغون فيه ويطرونه سبب ذلك هو جهلهم لأساليب العرب ولحن خطابهم، وبالتالى فجهل اللغة العربية منبع من منابع التضييق على المسلمين وقد نبه إلى ذلك الشيخ محمذفال بن متالى في قوله :
والأصل في التضييق ضيق الباع *** في العلم والبحث والاطلاع
بعد ذلك تناول الكلام الشيخ الخليل النحوي فأعطى كل ذى حق حقه و نوه بالمتدخلين وخص الثلاثة اللذين تدخلوا قبله مباشرة بقوله:
سنَّ بــــــلال سنة حسنة *** ألجمت الأفــواه و الألسنة
خالفها قوم و قد أحسنوا *** كل لـــه في ســعيه حسنة
فأيَّ هــــذين تُرى أقتفى *** فأدرأ النــــوم بها و السِّنه
أشار الخليل أيضا إلى أن مدح النبي صلى الله عليه وسلم قربة من أعظم القربات عند الله، و نبه الى أن الصلاة الإبراهيمية تظهر قمة تواضعه صلى الله عليه وسلم حيث شبه فيها نفسه بمن دونه وهو محال عند البلاغيين ، كما أشار أيضا إلى أنه لا يخشى على الأمة الإفراط في النبي صلى الله عليه وسلم بل يخشى عليها التفريط فيه، و أكد على أنه لا يحبذ عبارة ” و أصلى” التى ينطق بها البعض مؤخرا بل الأفضل أن يترك لفظ الصلاة المعهود.
وقد ختم كلمته المختصرة بجملة مفيدة من مآثر الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف نوه فيها بكتاباته الطريفة الساخرة كما أشار إلى أن شعره أيضا لا يقل رونقا وسبكا عن نثره خصوصا إذا كان في غرض شريف كالمديح النبوي، ثم روى لنا موقفا طريفا ملخصه أن الأستاذ الأديب سيدأحمد بن الدي – وهو من المطالعين لمقالات محمدفال ورسائله- التقى به مرة ومحمد فال آنذاك مستشارا للوزير الأول فسأله ( شِنْهُ التَّالِ تِكْتِبْ ؟ فأجابه محمد فال quelques projets de décrets ) .أي بعض مشاريع المراسيم.
بعد الخليل النحوي تناول الكلام الخليل العروضي السيد المعلوم لمرابط فقام بقراءة في ديوان حمر النعم، ذكر فيها أنه جاء في اثنين وستين وأربعمائة بيت، موزعة على سبعةَ عشر نصا، كتبت على ستة بحور خليلية مشهورة ، كما أشار إلى مشارب الشاعر المختلفة من قرآن وحديث ومخارج حروف وفقه و أصول و أدب وشعر مستشهدا على ذلك بمقطعات مختلفة من الديوان، وقد تفاعل الجمهور الحاضر مع كلمة المرابط خصوصا أثناء إلقائه للقصيدة التى يبدو أن الشاعر كتبها وهو لما يبلغ العشرين من العمر.
ثم تناول الكلام الشاعر المفلق محمد الحافظ بن أحمدُ فنوه بغرض المديح وساق للحاضرين نماذج من نقاشات وجدالات جمعته مع بعض المتشددين في منع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وسأورد نموذجين من ذلك، قال له أحدهم مرة إن الثانى عشر من ربيع الأول الثابت فيه أنه تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم وليس مولده ؟ فأجابه محمد الحافظ بأن يوم لقاء النبي برفيقه الأعلى بمثابة عيد، قال تعالى على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام: ( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا )، ثم إنه من الثابت أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة كان يوم الثانى عشر من ربيع الأول وقد احتفل الرجال والنساء والصبيان بمقدمه وما نهى عن ذلك ، ثم إن أبابكر الصديق لم يبدإ التأريخ بالهجرة من شدة تعظيمه لبيعة العقبة فافهم.
ونهاه أحدهم مرة عن الإستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سبحان الله كيف لا أستغيث به وقد جاءنا في الحديث الصحيح الذى رواه أنس بن مالك هذا الدعاء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وقد قرأت في القرآن ” وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ “فتأمل ثم ختم المداخلة بقصيدة جميلة كعادته.
وقبل الختام صعد الأديب سلامى بن محمدن المنبر و ألقى على الحاضرين قطعة جميلة من المديح النبوي الشريف جعلتها ختاما مسكا لهذه التدوينة :
وصــف الحبـيب محمدن لا يحصر *** فالفـــــــهم يقصـــر والتعقل أقصر
وعبارة اللـــسن البلــــــــــيغ كلـــيلة *** والشـــــــأن جــل فليس عنه يعبر
والمــــادحون تفنـــنوا في وصـــــفه *** كل علـــــى حسب الذى يتصور
هــــــذا يـــقــــــول ممــــــجد ومكرم *** ويقــــــول هــــــــذا فاتح ومظفر
ويقول ذا وســـــع البـــــــرية بسطة *** ويقول ذا صـــــافى الأديم منور
ويقول ذا كالبــدر بل مـــــن شمسه *** رأد الضحى أبهى الجبين و أبهر
كل رأى ذاك الــــــجمال و ما ورا *** ذاك الجـــــمال بحـــــوره لا تعبر
يا من سما عن كل وصف وارتقى *** رتبا لأدناها الفـــــهوم تحــــير
صلى علــــيك الله كــــــــلُّ زماننا *** ذا ليــــــلة غرا و يــــــــوم أزهر
صلى عليــــــــك الله أعطر صلوة *** وســــلامها منــــها أرق و أعطر
فاحت بنفـــــــــــح محمد و أريجه *** فالمـــــسك يقصر هاهنا و العنبر
يعقوب بن عبد الله
ندوة مفيده احتصرتها لنا فى سطور فافدت واجدت بارك الله فيك وعليك