صليت مرة ركعتين خفيفتين نافلة بعد صلاة المغرب في أحد المساجد فما كدت أسلم منهما حتى شعرت برجل ورائي في الصف الثاني وهو يغمزني في قدمي اليمنى فالتفت نحوه وأنا أخشى أن تكون إحدى الحشرات قد قرضتني فإذا به رجل معتم عمامة سوداء داكنة يدل كل شيء على أنه من أهل الخشوع.صليت مرة ركعتين خفيفتين نافلة بعد صلاة المغرب في أحد المساجد فما كدت أسلم منهما حتى شعرت برجل ورائي في الصف الثاني وهو يغمزني في قدمي اليمنى فالتفت نحوه وأنا أخشى أن تكون إحدى الحشرات قد قرضتني فإذا به رجل معتم عمامة سوداء داكنة يدل كل شيء على أنه من أهل الخشوع، وأن خشوعه ملازم له حتى بعد الصلاة، وأنه قد يكون من ذلك الصنف من العباد المتماوتين الذين ضربهم عمر بن الخطاب بالدرة وقال لهم: لا تقتلوا علينا ديننا.
فلما اطمأننت سألته: ما الخطب؟ فقال: إنك لم تركع ولم تسجد والله يقول: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا وأنت لم تركع ولم تسجد، لأنك لم تطل الركوع ولا السجود.
ولما سمعت منه هذه المقالة، نزغ بي الشيطان حتى خفت أن أكون ممن أخذته العزة بالإثم وقلت له ـ بدل أن أقول له جزاك الله خيراـ ما أنا بسائلك عن حكم من أحكام الله، ثم خفت أن أقول كلاما لا يليق بقداسة المسجد الذي هو بيت الله وأجدر مكان بالتعظيم والتبجيل فسكت وأنا أكاد أتميز من الغيظ.
فلما خرجت من المسجد وعرفت أعصابي بعض البرودة فكرت في هذه الحادثة وتدبرت في تأسيسها من الناحية الفقهية، فإذا أنا والحمد لله لم أرتكب منكرا مجمعا عليه وإنما قصارى أمري أني أهملت مستحبا إذ لم أزد على ثلاث تسبيحات وكان الأكمل أن أبلغ بها عشرا مع أني كنت مستعجلا لئلا يفوتني أمر من ضرورياتي، وهذا المستحب كان الأجدر به أن يلتمس لي أحسن المخارج في ارتكابي “لذنبي” هذا فقد يكون لي عذرا آخر لا يمكنني أن أبوح به على حد تعبير الإمام مالك رحمه الله.
وما دام الله سبحانه وحده هوا لذي سيحاسبني ـ وهو يعلم السرائرـ فإنني لا أخشى شيئا فإنه تعالى لا يظلم أحدا.
وجاءتني أيضا فكرة لم أستطع ردها وهي أني لا بد أن أحمد الله تعالى على أن عدم قبول “المحتسب” لصلاتي هو لا يعني بحال من الأحوال أن الله- ربي وثقتي ورجائي ـ لم يتقبلها، فإذا “ردها” علي المحتسب فقد يتقبلها الله تعالى ويستر علي عوارها ويزكيها وذلك الظن به سبحانه.
قال لي الشيطان ـ ورفضت أن أقبلهاـ إن هذا الرجل إنما حرص على انتقاد صلاتك لأنه معجب بصلاته هو وبكل عبادته إذ لو لم يكن كذلك لكان له شغل بنفسه عن عيوب الناس، وأن هذه من الأمراض التي قل أن ينجو منها العباد إلا من عصم الله
مع أنه يحمل أن يكون قد صدقني في هذه وهو كذوب، إذ حوليات العباد الذين لم يتدسموا من الفقه مليئة بهذا النوع من التجارب السيئة فكم من عابد تألى على الله أن لا يغفر لعبد من عباده أسرف على نفسه فأحبط الله عمل العابد واجتبى المسرف على نفسه وجعله من عباده المخلصين، والسر في كل ذلك اعتداد العباد بعملهم وإذلالهم به مع أن أهل الحق أجمعوا على أن معصية أورثت ذلا وإنكسارا خير من طاعة أورثت كبرا وافتخارا.
وإن الرجل المجود للقرآن القائم به ليله ونهاره إذا لم يتداركه لطف من الله وتوفيق، لن يلبث أن يعتقد أن من لم يكن كهيئته فليس على شيء، وقد يتمادى به الزهو والخيلاء إلى أن يظن أن من لم يتقن القرآن إتقانه هو فهو كافر ويحرم النظر في المصحف على تسعين في المائة من المسلمين، وقد غاب عنه أن الله قد يفتح لعباده أبوابا أخرى من الخير.
ولقد سمعت على وجه الدهر قصة تبرهن على ما نقول وهي أن أحد العباد رأى شيخا من بعض النواحي يصلي متيمما فسأله عن سبب تيممه فقال له إن به مرض الشقيقة.
فقال له العابد: يجب أن تذبح كبشا سمينا من ضأنك لتداوي عنك هذه الشقيقة لتصلي بالوضوء.
فما كان من الشيخ المذكور إلا أن قال له: هل عندك من غنم تؤدي زكاتها؟ قال: لا قال، فجملك هذا النجيب كم ترى يساوي ثمنه ضأنا قال: لا شك أنه يساوي خمسين جذعة، فقال له الشيخ فيجب عليك ـ بناء على ما قلت لي ـ أن تبيعه لتزكي، كما يجب علي أنا أن أتداوى لأتوضأ.
ولا شك أن هذا العابد هو أجهل الناس بالفقه والأصول إذ من المعلوم أن تحصيل سبب العبادة لا يجب شرعا فليس كتحصيل الشرط وإنما حمله على اقتراحه هذا شدة إعجابه بنفسه ورضاه عن صلاته بالوضوء وفاته أن الصلاة بالتيمم بشرطه لا تقل عن الصلاة بالوضوء.
وفي هذا الباب يندرج تطويل خطب الجمعة فكل خطبة طالت فلا شك أن فيها نصيبا لغير الله وهي على كل حال مئنة لعدم فقه صاحبها وكذلك التطويل في مساجد الجماعات لا يخلو من مدخل للشيطان وهو على كل حال مخالف لأمر صريح من الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم.
أما صاحبي الذي انتقد علي صلاتي فإني أرجو من الله تعالى أن يجازيه عني خيرا ويسدد خطاه في حسبته التي يقوم بها، ولو كنت كسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه لما قال أهل الكوفة إنه لا يحسن يصلي، لكانت لي دعوة أخرى.
الاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف
وخيرت غزيت ال تنشر كتابات هذا العلامة الولي الكامل الاديب هوم مقالات يجبر فيهم اهل المجون حظ امن اللهو والناقد شمن النقد اماهي في الحقيقة فهي مقالات اظن المؤلف يحاول دائما كمايفعل في كل كتاباته ان يأتي فيها بنتف من العلم الحقيقي روح الاسلام التصوف الذي هجره اهل هذا الزمان فتارة يصرح بها وتارة يشير اليها فإن من تأمل مقالات وجدها كتابات في التصوف والفقه والادب والنقد الاجتماعي تبارك الله عليه يعمله ما تنكال اوراه اطول عمرو وادوم اعلين واعليه العافية وخيرت.