كان من عادة السلف الصالح الاهتمام بالمطر، ويحرص أهل الخبرة به على نقل المعارف إلى الأجيال “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَاتُوعَدُونَ”. وقد أدركت شيوخاً وعجائز في انيفرار قد تراكمت لديهم خبرات كبيرة في تحليل أحوال الطقس، حيث يعتمدون على علامات وأمارات ودلائل مؤذنة بقرب هطول السحاب، ولديهم مؤشرات على حجم التساقطات المطرية.
من ذلك أن سيلان العرق من الساعدين منذر بنزول المطر ، وكذلك رعد الهجير ويسمونه “بَلاَّلْ اشْكَاوِ”،وتخافت البروق في الجهة الشمالية الشرقية “عَمْشِتْ تَلْ شَرْكْ” ، والبرق الصَّلواني وهو الذي يلمع من جهة باب السماء، إضافة إلى قرب السماء من الأرض، وهبوب رياح الجنوب، ومما يروون في هذا السياق أن فلانياً بدأ رحلة انتجاع بقطيعه فلما هبَّت الجنوب رجع إلى حيه لأنها مؤذنة باقتراب سقوط المطر فسماها الناس ريح الفلاني، ولهم إسوة في ذلك فقد سمت العرب رياح الصبا باسم الشاعر لبيد بن ربيعة فقد كان من عادته أن ينحر عند هبوبها، وقد أشارت إلى ذلك ابنته في أبيات تمدح بها الوليد بن عقبة منها:
إذا هبت رياح أبي عقيل …دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أبيض عبشمياً…أعان على مروءته لبيدا
ومن المعروف أنا الصبا تثير المطر، والشمال تجمعه، والجنوب تدره، والدبور تفرقه.
ومن أمارات “طَمْعْ اسْحَابْ” أيضاً طلوع بحرية، ومدرك ذلك حديث ورد في بلاغات الإمام مالك ” إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين عذيقة”، ويروى أن الشيخ محمدن بن فالِ -رحمه الله- رأى بحريتان في سماء دكار، فغادرها في نفس اليوم، وباتت السواري تهمي على المدينة مما تسبب في حدوث فياضانات وسيول.
كما يعتبر ظهور الرباب “آمْريكْ” متجهاً إلى جهة الشرق إحدى علامات قرب فصل الخريف، وقد أوصى بنو دامان رباباً مرّ بهم وهم في محْل شديد بأن لا ينسى الحالة التي تركهم عليها،
وقد أدركنا العجائز يقلن إن الرباب “آمريكْ” إذا بدا قبل المطر فذلك دليل أمان وسلامة من الصواعق، وإلى ذلك يشير الشيخ الأديب امحمد بن أحمد يوره بقوله:
ونرى الرباب على السحائب ضمناً…أن لا نراع برعده وببرقه
وكان الناس زمن الفركان وسكن الخيم يفرحون “لِسْحَايِبْ آروادين” ويخافون “اسْحَايِبْ توْجِّ” لأنها قد تؤدي إلى تلاقي العواصف الرعدية، وهو ما يعبرون عنه محلياً ب” اتْلاَطِيمْ ارْشِكْ” وحدوثه يثير الرعب في قلوب العجائز فيجأرن بالدعاء والابتهال وقراءة المديح النبوي، وقد حفظت عدة مقطعات شعرية في تلك الأجواء المشحونة بالخوف والرجاء.
وسمعت من إحدى المتخصصات في طمع اسحاب، أن النوء أثناء التكاثف ينقسم أحياناً بصورة أفقية إلى قسمين، فالقسم الأول تكون بروقه خلباً ولا يمطر، بخلاف القسم الثاني الذي يمطر امْنَيْنْ إسَحِّ النَّوْ لَوَّلْ.
وكانوا يقولون إن بزوغ القمر يبدد السحاب “اخَصَّرْ التِّركَابْ”، وقد جرب قدماء العرب هذه الظاهرة يقول الشاعر:
أرجي من سعيد بني لؤي …. أخي الأعياص أمطاراً غزارا
يلاقي نوؤها سرار شهر …. وخير النوء ما لاقى السرارا
من ناحية أخرى، فقد كانت لدى السلف مقاييس المطر الخاصة بهم، كأرشراش وهو الطَّل الذي يعني المطر الخفيف، والدَّزَّ وهي السحاب المتوسط، واسْحَابْ الكَاطْعَ الصَّيْفَ وهي الوسمي، وتعتمد مقاييس المطر على أعضاء الإنسان والحيوان، فالحافر مثلاً يعني المطر الخفيف لأن أظلاف الحيوانات تثير أثر المطر عن الأرض، أما “ارسِغْ” فيدل على أن ندى المطر بلغ طول اليد، والطريف أن هذا المقياس كان مستعملاً لدى قدماء العرب، فقد كانوا يقولون أسَّل المطر تأسيلاً إذا بلغ نداه أسَلَةَ اليد، والأسلة مستدق الساعد مما يلي الكف.
ومنها كذلك “المرفك” و ‘العظلَ” و”المنكب” وهذا الأخير مؤشر على غزارة المطر، ولعله يساوي مائة ملمتر بالمقاييس الحديثة، كما أدركنا الأكابر يقولون غِبَّ المطر الغزير “الكَوْدْ اصْبَحْ اطْبَلْ”
ويوم الطل -وهي عبارة فصيحة- يكون الجو فيه غائماً حيث تمنع المزن أشعة الشمس من الوصول إلى الأرض، وهو ما يثير إشكالاً فقهياً يتعلق بتحديد أوقات الصلوات، فكان السلف يستدلون على دخول وقت صلاة الظهر بخروج “أنَمْرَايْ” إلى البئر حاملاً حبل السانية على عاتقه، وأما وقت العصر فيستأنسون لدخوله بعودة العجول من المراعي.