الرئيسية / تأملات / العمر والحياة الشعورية ..بحث عن لحظة..! ديدي نجيب

العمر والحياة الشعورية ..بحث عن لحظة..! ديدي نجيب

الانسان من جديد عنوان صغير يختزل أبعاد الكون في شكل مألوف ومعقد وبناء جميل وغريب ولغة طبيعية لا يمكن أن نقفز خارج معانيها الواسعة.. إنه أصبح يتملص من الغرابة ومن قبضة الزمن نحو المألوف والمعرفة، يريد أن يعرف ذاته ويخرج من قفص الجهل وغطاء الظروف الداكنة ولا يريد لشيئ أن يبقى كما هو مجهول.

وخلال مسيرته الشعورية يدخل الانسان ديمومة من الصراعات يختزلها الآخر في علمه وفي جنسه وبعض الأبعاد البيولوجية التي لا نفرق بين جانبها الطبيعي وعمقها الاجتماعي.

جاء هذا الكائن المسكين إلى عالم التناقضات وصراع الأضداد يحمل عقلا لا يقبل الأمور إلا بالترتيب المنطقي ولا يتجاوز أي لبنة من بناء المعرفة، إنه يصعد رفوف التحدي بكل غرور وعند كل مرحلة يثبت أنه لا يريد شيئا سوى أن يعي ما يحدث له وما ذا يريد منه الزمن الذي يقلبه من قمة لقاع ولا يعي ذلك إلا حين يغادره مساء ذلك اليوم وهو يتابع غروب ذاته بكل أسف..

وكانت أول هزة حزت في شعوره هي وطأة اللحظات وصراع الشعور والواقع وانتقاله من مرحلة شعورية لاخرى، فلكل مرحلة عمرية من حياة الانسان ما يرافقها من مشاعر ورغبات وطموحات ومشاكل فالعمر والشعور فرسا رهان في حياتنا البيلوجية تعادلا في أكثر من وقعة وأرهقه الشعور في غالب ما جمعهما من لقاء وكان العمر كثيرا ما ترسم آثار الشعور رغما عنه وبكل سرور.

والذي يمزق أشلاء هذا المسكين أنه ينتقل بالعفوية من مرحلة عمرية إلى أخرى وترافقه خلال ذلك الانتقال حمولة كبيرة من بقايا المرحلة السابقة،،ولا يكاد يضع قدمه في المرحلة الحاضرة حتى تختفي عليه إشارة التمييز ويضيع عليه معيار السعادة هل نجعل من بسمة الآخر وسروره عنوانا لسعادتنا ونخفي مآسينا في أثواب الصبر الكتومة؟، أم نقاطع أي طريق قد يؤدي بنا إلى ذلك الساحل المطل على الآخر ؟ ونذوب في مياه الأنا ونجعل من الصمود شعارا لثورتنا حتى تنحني الايام للحوار؟.

وكما من طبيعة الآخر أن ينظر للأمور من ناحية واقعية مستثنيا صفحات كبيرة حوت أغلب ما يهمنا من خبره، يبقى الإنسان طريح جرأته وحيرته يصارع إملاءات واقعية ومنعرجات لم يألفها مقارنا بين زمن عاشه بالايمان وزمن عاشه بالتصور وآخر يعيشه بالحواس، فنراه يصعد قمة الذات أحيانا باحثا عن بقايا تاهت في ازدحام الظروف وصرامة الآخر، وضيق تقديره.

<img454|center>

ولا يقف الصدام بين الزمن والشعور عند عتبة الحيرة والضياع بل يمنحنا أحيانا خبرة كبيرة عن معرفتنا وعن تاريخنا الشعوري، فنحن اليوم نتجاوز عدة خطوات عقلية كانت غائبة عن علمنا ونلمس حلولا لإزاحة ترهات الصمت التي كانت ترسب على أفهامنا، إنه صدام قوي لا يمكن أن نتنبأ بنهايته فقد يختزل لنا أعمارا من الحياة في أيام من واقعنا وقد يتجاوز بنا أعظم كبوة على الطريق الرسمي في حياتنا الشعورية كما قد يفقدنا القدرة على التفريق بين طعم الحلاوة والمرارة.

ولن نغادر قبل أن نوضح أن العمر جزء بسيط من حياة الإنسان ولكنه أهم لحظة في مسيرته الشعورية، لكن شعوره بالزمن يخرجه أحيانا من دائرة العمر فيضل ذاته ويمضي عليه الحين في البحث عن حياته وضرورياتها وهو قيد الزمن لكنه خارج العمر، وأكبر حظ شغل الانسان ما يأخذه التفكير في مستقبله فماضيه قد فات ولا حاضر في الشعور فأنت بين الماضي والغيب، وجميعنا يخرج ألف خطوة ويعود للبحث عن بقيته في الوجود…إننا نبحث عن لحظة..!

ديدي نجيب

تعليق واحد

  1. merci à notre cher Didi pour ce texte philosophique profond, qui essaye de naviguer entre les différentes facettes de l’âme

اترك رد