انطلقت منذ أيام حملة انتخاب الشيوخ و هي حملة تختلف عن سابقاتها لأنها لا تستهدف إلا المنتخبين الأخيار من أهل المجالس البلدية، ليس للغوغاء فيها نصيب إلا أن تكون دعاية أو مساندة نظرية أكثر مما هي عملية لأن فاقد الشيء لا يمنعه و لا يعطيه كما يقال.انطلقت منذ أيام حملة انتخاب الشيوخ و هي حملة تختلف عن سابقاتها لأنها لا تستهدف إلا المنتخبين الأخيار من أهل المجالس البلدية، ليس للغوغاء فيها نصيب إلا أن تكون دعاية أو مساندة نظرية أكثر مما هي عملية لأن فاقد الشيء لا يمنعه و لا يعطيه كما يقال.
والشيوخ جمع شيخ ، جمع كثرة لأنهم في بلادنا يزيدون على الخمسين و لو كانوا على نحو العشرة مثلا لسموا مجلس الأشياخ بجمع قلة.
والشيخ في اللغة تطلق على المسن و لما كانت الأعراف في المجتمع العربي و الإفريقي أن يكون المسن محل تبجيل و إكرام أصبحت كلمة الشيخ عندهم تكاد تكون مرادفة للرئيس المبجل المحترم و للقدوة الذى يصدر الناس عن رأيه في الأمور العظام.
أما في الديمقراطية الحديثة فإن مؤسسة مجلس الشيوخ إنما أنشئت لمراعاة التمثيل الإقليمي الذى لا تضمنه انتخابات النواب للحد من مساوئ الاقتراع العام الحر المباشر الذى هو مثل الشبكة لا يدري الناس بماذا ستأتى ، فهل ستأتى بسمك أو ثعبان أو فقاعات من زبد البحر.
و تختلف تسمية هذا المجلس حسب البلاد ، ففى البلاد التى لا تحب كثرة الشيوخ يسمونه مجلس المستشارين ، وفي بعضها يسمى مجلس اللوردات ، وكل إلى ذلك المعنى يشير ، وبالرغم من أن كلمة الشيخ تحمل في الغالب شحنة من الاحترام لصاحبها كالشيخين لأبى بكر وعمر في البخارى ومسلم، والشيخ ابن عرفة الورغمي، فإنها مع ذلك قد تحمل غير ذلك ، فكلنا سمعنا عن الشيخ النجدي وهو أبو مرة إبليس و شيخ اليمامة مسيلمة بن حبيب الكذاب، وهناك شيخ “لوبات” وهم طبقة الخشابين في المجتمع البولاري كانوا يبجلون شيخهم بأن يربطوا عنده حميرهم فتمتلئ عرصة داره بروث الحمير و أبوالها و هو يفتخر بذلك ويعتبره علامة لولائهم له مع أنه في الحقيقة لا يجنى من ذلك نفعا عاجلا و لا آجلا فصار يضرب مثلا لكل رئاسة لا يحصل صاحبها منها إلا على المضرة، كذا قالوا و لعمرى لقد حافوا على شيخ “لوبات” فما هو – والله- بدعا في ذلك فلا بد لكل سيد أيا كان مركزه ، أن يتحمل الأذى و يكف الأذى و لله در من يقول:
حمل المشقة و احتمال أذى الورى *** ليس المشــمر للعلى كالــقاعد
قل للـــذى يطـــلب العلى بسواهما *** هيهات تضرب في حديد بارد )] |]
و الأدب العربي غني بالأشعار التى تحمل سخطا على الشيوخ و تسيل تذمرا عليهم فكلنا يعرف كيف جعل جرير مشايخ بنى نمير لا تعدل عند الوزن جناح ذباب ، وكيف جعل الآخر شيوخ محارب كنقيق الضفادع ، ولعل أبلغ ما ورد في هذا السخط على الأشياخ قول بعض الأعراب:
[| [( فإن لـنا شيـــخين لا ينفعــــاننا *** غنــيين لا يجرى علينا غناهماهما سيدان – يزعمان- و إنما *** يـــسوداننا إن أيسرت غنماهما
كأنهــــما ضبان ضـــبا قرارة *** عظيمان علودان صفر كشاهما )] |]
وطبيعي أن يكون من يتحمل الأعباء العمومية عرضة للنقد و السخط إذ أن من جلس في بيت أمه و أبيه ولم يتعرض لشيء من الولايات و المناصب العمومية ، قل أن ينبزه أحد بسوء اللهم إلا ما يسلطه الله على بعض عباده ليبلو بعضهم ببعض.
ومما فاق به مجلس الشيوخ مجلس النواب أن مجلس الشيوخ لا يمكن حله فهو في مأمن على نفسه من ذلك المخوف فلا يحله إلا بركان ثائر أو انتخاب جديد يحاسبه فيه ناخبوه من المستشارين البلديين إذا رأوا فيه عوجا أقاموه و إذا رأوا فيه استقامة أمسكوه.
و إذا كان الحكيم زهير بن أبى سلمى يرى رأيا قاطعا أن سفاه الشيخ لا حلم بعده فأنا لا أشاطره هذا الرأي مع كامل احترامنا لأبى كعب ، لأننا نومن بأن الإنسان قابل للصلاح ما دامت عنده نية صادقة مع شيء من توفيق الله تعالى.
و إذا كان القانون قد حرم الجمع بين بعض المأموريات كمأمورية الشيخ مع مأمورية النائب ووظيفة الوزير و ما شاكلها، فإنه أباح الجمع بين كثير من المأموريات الأخرى، فيخول للشخص حسب قانونا ان ينتخب شيخا في مجلس الشيوخ و أن يكون مع ذلك شيخ قبيلة و شيخ تربية و شيخ ما شاء الله من منظمات المجتمع المدني، وهذا من محاسن نظامنا.
و أغرب ما فى مجلس الشيوخ عندنا الشيوخ الممثلون للموريتانيين في الخارج ، فقد خرجوا عن جميع قواعد القياس ينتخبهم من لا يمثلون ، و لا يعرفون هم من يمثلون، و لا كيف يمثلونه و لا كيف يتعرفون عليه و يتلمسون همومه و مشاغله.
أليس من الممكن إنشاء رابطات أو هيئات ينتخبها مواطنونا في الخارج و تكون هي التى تنتخب الشيوخ الممثلين لأهل الخارج ؟ ليس ذلك بعزيز لو ان إحصاءا ولو تقريبيا قيم به لأولئك المواطنين الذين ظلوا حتى الآن محرومين من حق التصويت ، وهو أمر يجب تلافيه ، ولكن هذا بحث آخر لا يختص بالشيوخ.
بقلم الأستاذ: محمد فال بن عبد اللطيف
نقلا عن كتابه عيبة الشتيت