كان مفهوم “العيد” أحد العناصر المؤثرة في تشكيل شعر أغلب قصائد شعراء العربية، وبخاصة في شعر المناسبات والتهنئة، حيث دومًا ارتبط العيد بمظاهر البهجة والسرور، والفرحة والحبور، وأشكال التضامن الاجتماعي، وكان توظيف هذه المعاني التي يشتمل عليها “العيد” بمظاهره الجميلة؛ من الأهمية بمكان لأغلب الشعراء، الذين جربوا قلمهم في الاستفادة من كل هذه المترادفات في قصائدهم وبديع أشعارهم.كان مفهوم “العيد” أحد العناصر المؤثرة في تشكيل شعر أغلب قصائد شعراء العربية، وبخاصة في شعر المناسبات والتهنئة، حيث دومًا ارتبط العيد بمظاهر البهجة والسرور، والفرحة والحبور، وأشكال التضامن الاجتماعي، وكان توظيف هذه المعاني التي يشتمل عليها “العيد” بمظاهره الجميلة؛ من الأهمية بمكان لأغلب الشعراء، الذين جربوا قلمهم في الاستفادة من كل هذه المترادفات في قصائدهم وبديع أشعارهم.
ونجد أيضًا ارتباط مفهوم العيد عند كثير من الشعراء بالمعنى الديني العميق، وبخاصة في قصائد الزهد والحكمة، من حيث كون العيد استكمال لنعمة الله في الصوم المفضي بهم إلى آجل الفوز والرضوان، وسعة الفطر المريح للأبدان، وإجزال الثواب الأخروي، وما يستدعيه ذلك من التفكر في حكمة قدوم العيد بعد شهر الصوم وبعد الامتناع عن الملذات والطعام والشراب، وتذكرةً بالتكافل الاجتماعي الذي يحييه العيد بين عموم المسلمين.
وقد جمعتُ بعضًا من أشعار هؤلاء الشعراء في هذه المعاني، وأذكرها هنا من باب الترويح واستكناه خريطة الشعر العربي عما ضمته من معاني بديعة ومرادفات توليدية “لمفهوم” العيد عند الشعراء، وما ارتبط به في أذهانهم من خيالات وتشبيهات.
التهنئة بالعيد:
فمنه ما قاله الشاعر العباسي “أشجع” لما عاد هارون الرشيد في آخر شهر رمضان بعد إحدى غزواته للروم، وجلوسه للشعراء يوم العيد، فدخلوا عليه وفيهم “أشجع” فبدرهم وأنشأ يقول:
[| [(
لا زلتَ تَنشُر أعياداً وتَطْوِيها
تَمْضِي بها لكَ أيام وتَثْنِيها
مُستَقبِلاً زِينةَ الدُّنيا وبَهْجَتها
أيامنا لك لا تَفْنَى وتُفْنِيها
ولا تَقضَّت بك الدُّنيا ولا بَرِحَتْ
يَطْوِي لك الدَّهرُ أياماً وتَطوِيها
ولْيَهْنِكَ الفتحُ والأيّام مُقبِلةٌ
إليكَ بالنصر مَعقوداً نواصِيها
أمسَتْ “هِرقْلَةُ” تَهْوِي من جوانبِها
وناصرُ اللهِ والإِسلامِ يَرْمِيها
)] |]
وقال “ابن معتوق” في بعضهم في التهنئة بالعيد:
[| [(
ليهنكَ بعدَ صومكَ عيدُ فطرٍ
يريكَ بقلبِ حاسدكَ انفطارا
أتاكَ وفوقَ غرَّتهِ هلالٌ
إذا قابلتهُ خجلًا توارى
يشيرُ وعادَ نحوكَ كلَّ عامٍ
يحدِّدُ فيكَ عهداَ وازديارا
ولا برحتْ لكَ العلياءُ دارًا
ومتَّعكَ الزَّمانُ بملكِ دارا
)] |]
وقال أيضًا:
[| [(
ليهنكَ سيّدي عيدٌ شريفٌ
يبشّرُ عنْ صيامكَ بالثّوابِ
فَقَابِلْ بِالْمَسَرَّةِ وَجْهِ فِطْرِ
تَبَسَّمَ عَنْ ثَنَايَاهُ الْعِذَابِ
وَجَلَّى رَوْنَقُ الْبُشْرَى هِلاَلاً
تصدّى كالحسامِ بلا قرابِ
هلالاً شقَّ جيبَ الهمِّ عنّا
بِمِخْلَبِهِ وَضَرَّسَهُ بِنَابِ
)] |]
وقال أيضًا:
[| [(
هُنِّئْتَ في عِيدِ الصِّيَامِ وَفِطْرِهِ
أبداً وقابلكَ الهلالُ بسعدهِ
العيدُ يومٌ في الزَّمانِ وأنتَ لل
إسلامِ عيدٌ لم تزل من بعدهِ
)] |]
وقال “ابن عبدربه الأندلسي”:
[| [(
بدا الهِلالُ جَديداً
والمُلكُ غَضٌّ جديدُ
يا نِعْمَةَ اللّهِ زِيدِي
إنْ كانَ فيكِ مَزيدُ
إنْ كانَ للصَّومِ فِطْرٌ
فَأنتَ لِلدَّهْرِ عِيدُ
إمامُ عدلٍ عليهِ
تاجانِ : بأسٌ وجودُ
يومَ الخميس تبدَّى
لنا الهلالُ السعيدُ
فكلَّ يومِ خميسٍ
يكون للناسِ عيدُ
)] |]
ولـ”ابن الرومي” من وزن الخفيف:
[| [(
قد مضى الصوم صاحباً محمودا
وأتى الفطر صاحبًا مودودا
ذهب الصوم وهو يحكيك نسكًا
وأتى الفطرُ وهو يحكيك جودا
)] |]
وقال “أحمد شوقي” في التهنئة بالعيد:
[| [(
مَولايَ ، عيدُ الفطرِ صُبحُ سُعودِه
في مصرَ أسفر عن سنا بشراكا
فاستقبلِ الآمالَ فيه بشائراً
وأشائراً تجالى على علياكا
وتلقَّ أَعيادَ الزمان مُنيرةً
فهناؤُه ما كان فيه هَناكا
أيامكَ الغرُّ السعيدةُ كلها
عيدٌ ، فعيدُ العالمين بَقاكا
)] |]
ويقول “أحمد محرم” مستغلًا معنى العيد في أحد أشعاره الحماسية:
[| [(
حيوا الهلال وحيوا أمة النيل
واستقبلوا العيد عيد العصر والجيل
يا أيها العام يزجي كل مرتقبٍ
من الرجاء ويدني كل مأمول
بشر بأصدق أنباء المنى أممًا
أنحى الزمان عليها بالأباطيل
)] |]
في التذكرة والموعظة بالعيد:
لم تخل أشعار الشعراء من ذكر لحكمة العيد، والغاية منه بعد انقضاء أشهر الصوم، فيوم العيد يسمى “يوم الجائزة” لمن أطاع ربه وصام شهر رمضان وقام لياليه، وقد سُألَ راهب: متى عيدكم؟ فقال: “كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيدُ”، وقد استغل الشعراء هذه المعاني الروحانية العميقة من قدوم العيد، وأنشدوا في هذا المعنى كثير من أشعار المواعظ والرقائق والآداب، فـ”لأبي العلاء المعري” في رجل رآه يجر ثيابه خيلاء في يوم عيد؛ فقال:
[| [(
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
لا أن تجر به مستكبرًا حللك
كم من جديد ثياب دينه خلق
تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
وكم مرقع أطمار جديد تقى
بكت عليه السما والأرض حين هلك
ما ضر ذلك طمراه ولا نفعت
هذا حلاه ولا أن الرقاب ملك
)] |]
ويقول “البحتري” من بحر الطويل:
[| [(
مضى الشهر محمودًا ولو قال مخبرًا
لأثنى بما أوليت أيامه الشهر
عصمت بتقوى الله والورع الذي
أتيت فلا لغو لديك ولا هجر
وقدمت سعيًا صالحًا لك ذخره
وكل الذي قدمت من صالح ذخر
وحال عليك الحول بالقطر مقبلًا
فالباليمن والإقبال قابلك الفطر
)] |]
وقال “أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي” المعروف بـ”ابن العلاّني المعرّيّ” يمدح “فخر الملك ابنُ عمّار” صاحب طرابلس، واصفًا إياه بحسن قضاء شهر الصوم واستقبال العيد:
[| [(
ودّعت شهرًا أنت في هذا الورى
بعُلُوِّ قدرِكَ مثلُه في الأشهر
تقضي فروضَ الصّوم أكرمَ صائمٍ
وأهلَّ عيد الفطر أكرمَ مُفطِر
لا تعدَمُ الأعيادُ إن ألبسْتَها
ببقائك الممدود أحسن منظر
فإذا سلمتَ فكلُّ عيدٍ عندنا
مُوفٍ على عيدٍ أغَرَّ مُشهَّر
)] |]
ولإبي “إسحاق الصابي” في “المطهر بن عبد الله”:
[| [(
عيد إليك بما تحب يعود
بطوالع أوقاتهن سعود
متباركات كل طالع ساعة
يوفي على ما قبله ويزيد
يأتيك من ثمر المنى بغرائب
معدومها لك حاصل موجود
قضيت شهر الصوم بالنسك الذي
هو منك معروف له معهود
أكثرت فيه من تهجد خاشع
ما يطمئن بمقلتيه هجود
فاشرب وسق عصابة قد مسها
عطش وجهد في الصيام جهيد
أرويتها جودًا فروّ مشاشها
راحا فمنك الجود والناجود
وتمل عيشك في سرور دائم
سرباله أبدًا عليك جديد
)] |]
في الغزل والمجون والهجاء:
ومنه قول بعض العراقيين في بعض القضاة، وقد شهد عنده برؤية هلال الفطر، فلم يجز الشهادة:
[| [(
أترى القاضي أعمى
أم تراه يتعامى
سرق العيد كأن ال
عيد أموال اليتامى
)] |]
وقال “السري الرفاء” في انقضاء شهر رمضان وقدوم العيد عليه:
[| [(
قد تقضى الصوم محمودًا فعد
لهوىً يحمد أو راح تسر
أنت والعيد الذي عاودته
غرتا هذا الزمان المعتكر
لذا فيك المدح حتى خلته
سمرًا لم أشق فيه بسهر
)] |]
وقال “أبوإسحاق الصابي” في مقابلة بديعة بين وجه الممدوح وقدوم العيد:
[| [(
رأى العيد وجهك عيدًا له
وإن كان زاد عليه جمالا
وكبر حين رآك الهلال
كفعلك حين رأيت الهلالا
رأى منك ما منه أبصرته
هلالًا أضاء ووجهاً تلالا
)] |]
ولبعضهم في الهجاء يصف بخل يد بعض جيرانه في يوم عيد:
[| [(
وجيرة لن ترى في الناس مثلهم
اذا يكون لهم عيد وإفطار
إن يوقدوا يوسعوني من دخانهم
وليس يبدو لنا ما تنضج النار
)] |]
الحزن في العيد:
ولا يخلو العيد في أشعار الشعراء من مواجيد ولواعج حزن مرت على بعض الشعراء في أيام سرور الناس وفرحهم، فذكرها الشاعر في أسى وبثها في أبيات قصائده، وقد تكون هذه المواجيد والأحزان لفقد حبيب، أو شكوى من الناس وتصاريف الزمان، أو معاناة من مرارة أسر.
فمن ذلك قول “إسماعيل بن عمار” يرثي “خالد بن خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط” وكان إليه محسنًا، فلما ورد نعيه الكوفة في يوم فطر، أنشد يقول:
[| [(
ما لِعَيْنِي تَفِيضُ غيرَ جَمُودِ
ليس تَرْقَا ولا لها من هُجودِ
فإذا قَرّتِ العيونُ اسْتَهلّتْ
فإذا نِمْنَ أُولِعتْ بالسُّهود
ألِنَعْيِ ابنِ خالدٍ خالدِ الخَيْرات
في يومِ زينةٍ مشهود
سَنَحَتْ لي يومَ الخميسِ غداةَ الفِطْرِ
طيرٌ بالنَّحْس لا بالسُّعود
فتعيَّفتُ أنَّهنّ لأمرٍ
مُفْظِعٍ مّا جَرَيْنَ في يومِ عيدِ
فنعتْ خالدَ بنَ أرْوَى وجَلّ الخطبُ
فِقْدانُ خالدِ بن الوليدِ
)] |]
ومنه قول “ابن رشيق” لما غاب “المعز بن باديس” سلطان أفريقية وجاء عيد فكان ماطرًا:
[| [(
تجهم وجه العيد وأنهلت بوادره
وكنت أعهد منه البشر والضحكا
كأنه جاء يطوي الأرض من بعد
شوقًا إليك فلما لم يجدك بكى
)] |]
وأنشد الفقيه الأديب “أبو محمد بن حذلم” لنفسه فقال:
[| [(
يقولون لي خل عنك الأسى
ولذ بالسرور فذا يوم عيد
فقلت لهم والأسى غالب
ووجدي يحيا وشوقي يزيد
توعدني مالكي بالفراق
فكيف أسر وعيدي وعيد
)] |]
ولـ”أبي الحسن علي بن الحسن الأندلسي” يصف تجدد أحزانه رغم توالي الأعياد عليه:
[| [(
والحزن باقٍ على ما كنت أعهده
وإن تكرَّر عيدٌ بعده عيدُ
)] |]
وقال “صالح بن مؤنس” يصف شوقه في بعض آل الفرات في يوم عيد:
[| [(
قد مر عيد وعيد
ما اخضر لي فيه عود
وكيف يخضر عودي
والماء منه بعيد
يا من له عدد المجد
كلها والعديد
آل الفرات نداهم
على الفرات يزيد
وأنت فضلك فيهم
عليك منه شهود
)] |]
وقال الشاعر الأمير “أبوفراس الحمداني” وهو أسير ببلاد الروم وقد أتى عليه العيد:
[| [(
يا عيد ما جئت بمحبوب
على معنى القلب مكروب
يا عيد قد عدت على ناظر
عن كل حسن فيك محجوب
يا وحشة الدار التي ربها
أصبح في أثواب مربوب
قد طلع العيد على أهلها
بوجه لا حسن ولا طيب
ما لي وللدهر وأحداثه
لقد رماني بالأعاجيب
)] |]
وأخيرًا يقول “أبوالطيب المتنبي” بيته المشهور وقد رحل عن مصر يوم عيد بعدما أخلف عهوده معه واليها “كافور الأخشيدي” ولم يعطه ما مناه به؛ فأنشد قصيدة طويلة بديعة كان منها هذا البيت:
[| [(
عيدُ بأيّة حالٍ عُدْتَ يا عيدُ
بما مضى أمِ لأمر فيكَ تجديدُ
)] |]
ومن هذه القصيدة أيضًا يشكو ما لاقاه من أهل مصر؛ فيقول:
[| [(
إني نزلتُ بكذابين ضيفُهمُ
عن القرى وعن التَّرحال محدودُ
جودُ الرجالِ من الأيدي وجودُهمُ
من اللسانِ فلا كانوا ولا الجودُ
)] |]
ومنها في “كافور”:
[| [(
أكلما اغتال عبدُ السوءِ سيده
أو خانه فله في مصرَ تمهيدُ
)] |]
المصدر شبكة الألوكه http://www.alukah.net/spotlight/0/58637/