وورد على خنزب الأصغر هذا السؤال: ما العمل في الوسوسة في الصلاة؟ فإنا رأينا طرق الأشياخ في ذلك تختلف فأحببنا أن تعطونا في ذلك الوجه الأكمل حتى نتبعه فإنه قد كثر الخلاف في هذه المسألة حتى خفنا أن يتفاقم الأمر.
فأجاب بما نصه: الوسوسة في الصلاة باب عظيم ومدخل كريم وقد روي عن خنزب الأكبر أنه كان يقول: وورد على خنزب الأصغر هذا السؤال: ما العمل في الوسوسة في الصلاة؟فإنا رأينا طرق الأشياخ في ذلك تختلف فأحببنا أن تعطونا في ذلك الوجه الأكمل حتى نتبعه فإنه قد كثر الخلاف في هذه المسألة حتى خفنا أن يتفاقم الأمر.
فأجاب بما نصه: الوسوسة في الصلاة باب عظيم ومدخل كريم وقد روي عن خنزب الأكبر أنه كان يقول: الوسوسة في الصلاة هي أعظم كنز عثر عليه إبليس وذلك أن المصلي يناجي ربه ويتلذذ بتلك المناجاة ويتنور قلبه فإذا دخلت الوسوسة قلبه لم يدخله النور ولم يتلذذ بمناجاة ربه وحرم لذة الخشوع وصار يأتي بالحركات الصورية في الصلاة حتى تنتهي صلاته وهو لم يعقل منها شيئا. والطريقة المتبعة في الوسوسة تختلف من شيطان إلى آخر ومن شخص إلى آخر ونحن نذكر لك في ذلك الطريق الأكمل فاعلم أن الوسوسة أجدى ما تكون في حالة قراءة المصلي أو ركوعه وأما في حالة السجود فمن العبث أن تحاول فيه الوسوسة لأنها لا تنفع وكان الأشياخ ينهون عن محاولة الوسوسة في حالة السجود أما الوسوسة في حالة القراءة ففيها طرق:
الأولى: أن تشغل المصلي بأداء الألفاظ عن التفكر في المعاني ومرادنا بأداء الألفاظ ما خرج عن الترتيل الشرعي حتى يخيل إلى المصلي أنه لم ينطق الدال من الحمد أو نسي النون من نستعين أو أبدل قاف المستقيم كافا وهذه الوسوسة إنما تعمل في غير الفقهاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أن تذكر المصلي شيئا من أموره الدنيوية فإن كان تاجرا ذكرت له التجارة والربح والحوانيت وإن كان شاعرا نظمت على لسانه أبياتا جميلة وإن كان فقيها عرضت عليه مسألة من الفقه وقس على ذلك.
الثالثة: أن تذكره شيئا من أمور الآخرة كالصراط والميزان وعذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة حتى يشتغل به عن مناجاة ربه وهذه أحسن الطرق لأن صاحبها ربما حسب نفسه على شيء وحسب تفكيره في الآخرة خشوعا وهو ليس بخشوع.
الرابعة: أن توحي إليه بأنه نسي الطهارة أو تكبيرة الإحرام أو زاد أو نقص أو نسي النية وهذه الحيلة إنما تنجح في غير الفقهاء من العباد.
الخامسة: أن تشككه هل مؤمن هو أم لا حتى يجدد إيمانه كل لحظة ويبدأ الصلاة.
قال خنزب: وهذه الطرق الخمسة قل أن يسلم بعدها المصلي من الوسوسة وهي كما رأيت تختلف باختلاف الأشخاص فرب شخص تنفع فيه الأولى ولا تنفع فيه الثانية والعكس. قلت وهذه الطرق الخمس إنما هي جانب من الوسوسة الكبرى ولها جانب آخر ليس هنا محل بسطه وأما الوسوسة الصغرى فهي التي ينشأ عنها الالتفات في الصلاة وترك الطمأنينة وترك الترتيل والتساهل في الفضائل وتسمى في العرف سرقة وهي أقل خطرا من الأولى هكذا يروى عن خنزب الأكبر.
وسئل أحد شياطين علماء إينشيري: أشكل علينا استحباب تحريك السبابة في الصلاة في المذهب المالكي وتعليلهم إياه أنه يطرد الشياطين مع أن الشيطان حيث هو يحب الحركة ويكره السكينة والوقار أبينوا لنا وجه الجمع بين هذين المقالين جوابا شافيا.
فأجاب: هذا من باب الواحد فالشخص له حيثيات فتحريك السبابة يبغضه الشيطان من حيث إنه عبادة وهذا معنى دقيق خفي على بعض علماء المسلمين فأنكر تحريك السبابة فقال إن حركت سبابة حرك الشيطان عشرا وخفي عليه أن الصلاة نفسها حركات وإن قلت إنما أنكر تحريك السبابة من أنكره من العلماء لأنه لم يثبت عندهم قلنا إن لم يثبت عندهم فقد ثبت عندنا نحن فقد حدثنا الثقات أنه رأوا أهل المدينة هكذا يفعلون وبالجملة فالشيطان يكره العبادة من حيث إنها عبادة ويحبها من حيث إنها حركة ألا ترى أن التفكر والرضى والزهد أبغض إلى الشيطان من الصلاة والصوم والذكر لأن التفكير والرضى والزهد لا حركة فيها فهي من أعمال القلب بخلاف الصوم والصلاة والذكر فهي حركات من أعمال الجوارح وبما ذكرنا يتضح لك عدم التعارض بين ندبية تحريك السبابة شرعا وبين حب الشيطان للحركة.
وسئل أحد شياطين أطار: ما تقولون في رجلين من المسلمين اختصما في عقار ادعى الأول أنه ورثه من أبيه وادعى الآخر أنه اشتراه من أب الأول فأراد جماعة من المسلمين إيقاع صلح بينهم وكان صلحا يخالف الشرع هل الأفضل أن ندعهم يوقعون ذلك الصلح الذي يخالف الشرع أم الأفضل أن نمنعهم من الصلح ليستمر النزاع وتنشأ الشحناء والبغضاء؟ أجيبوا مأجورين.
فأجاب بما نصه: الحكم أن ينظر إلى هذا الصلح فإن كان حراما اتفاقا لم يقل به عالم من المسلمين بأن كان مما ينقض فيه حكم الحاكم أمضي لأن الحرام النقد لا يترك لحرام مؤجل مع أن الخصام يمكن أن يستمر بعد الصلح كما هو العادة والصلح قد لا ينزع الشحناء والبغضاء وإن كان الصلح جائزا أو مكروها فلا ينبغي التأني بإفشاله ليتفاقم النزاع بين الطرفين وإفشال هذا النوع من الصلح خير من تسويل تركه أصلا لأن المسألة إذا أعيت على المصلحين تكون أصعب من مسألة لم يحاول فيها صلح قط ولذا كان من نصائح إبليس لبنيه دعوهم فليتداعوا إلى لصلح فإن قبلوا فأفشلوا عليهم صلحهم وهذا نص في المسألة.
وورد هذا السؤال على رئيس شياطين شنقيط فكتب تحت الجواب أما بعد فالذي أراني الله أن ما كتب فوق فهو صحيح وهو الحق الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وعليه جرى عمل الأئمة في شنقيط وتجكجه وتشيت وبه كان يفتي شياطين شمامه وآفطوط كتبه اللافظ بن الولهان.
وسئل أحد الشياطين: أي أنواع الوسوسة خير؟
فأجاب: خير أنواع الوسوسة الوسوسة في العقيدة وخيرها وسوسة الخلق أن توسوس للإنسان من خلق كذا حتى توسوس له بقولك من خلق الله.
وسئل أحد شياطين انواكشوط: عن نازلة صورتها شيطان كان يوسوس في مسجد فقام المؤذن ينادي فخرج ذلك الشيطان كما هي العادة مغربا فلم يكد يجاوز الشارع حتى تعرض له أذان ثان خارج من الجامع الجديد فصار الشيطان بين أذانين.
فأجاب: الأمر سهل فحكم هذا الشيطان أن يذهب إلى السوق أو إلى أحد المراقص الموجودة قريبا منه أو يوقف سيارة أجرة ويذهب إلى المقاطعة الخامسة أو يركب في الحافلة ليعين شيطانها في مهمته فما ضاقت السبل على شيطان قط وفي إبليس الكبير أسوة حسنة إذ رجع يوم بدر بين يدي جبريل وميكائل فالفرار ليس عيبا في شرع إبليس ألا ترى أنه يفر يوم عرفة أمام جمع من الناس ولو كان عيبا لما فر وفيما ذكرناه كفاية.
وسئل أيضا عن شيطان كان يوسوس في مسجد بعد صلاة العصر فجاء شيخ من أهل العرية للمسجد وبدأ يذكر الله سرا ثم جاء رجل من أهل انواكشوط وبدأ يتنفل بعد صلاة العصر أي الشخصين خير أن يوسوس عليه؟
فأجاب: مثل هذا لا يتوقف فيه من له مسكة من عقل وسوس على الشيخ ولو بأن توحي إليه أن يذكر جهرا ودع عنك المصلي حتى ينتهي من الصلاة فإن استطعت أن توقع بينهما خصاما فافعل وإن قدرت أن يستمر الخصام حتى يتكامل الناس في المسجد فافعل .
وسئل بعضهم: ما حكم شارب الخمر الذي يذكر اسم الله عليها قبل شربها هل نشرب معه أم لا؟
فأجاب: اشربوا فإنه حرام على حرام فشرب هذا النوع من الخمر أفضل من شرب الخمر البسيطة لأن الخمر في نفسها حرام وذكر اسم الله عليها حرام فأنى يتوقف أحد في شربها ومثل الخمر في ذلك مال الغير.
وسئل بعضهم عن لعب ظامت؟
فأجاب: أجيبكم بما أجاب به الولهاني من سأله عن ذلك ففي النفحات الولهانية ما نصه: فائدة سئل الولهاني عن حكم لعب ظامت فقال لم يزل العارفون من أمة الإسلام يكرهونه ويرون أنها غفلة عن الله تعالى وعلى كل حال فالغيبة أحب إلي منها وهي أحب إلي من حديث الإخوان بعضهم لبعض وتأنسهم انتهى بلفظه. قال كاتب الأحرف وهذا جواب صادر عن من يعرف أسرار الشريعة الإبليسية فلا تعد عيناك عنه.
وسئل بعضهم عن امنيجه ؟
فأجاب: هي كالشاي حكمها تابع لعوارضها ويرى المتأخرون أنها لا بأس بها لأنها داخلة في عموم العبث وما لا فائدة فيه فالقاعدة تقتضي أن تكون مندوبة ويحكى عن بعض علماء المسلمين عنها أشياء لم نرها نحن معاشر الشياطين.
وسئل خنزب الصغير: هل الوسوسة في الوضوء أفضل أم الوسوسة في الصلاة ؟
فأجاب : بأنا معاشر الشياطين لا نعتبر الوضوء عبادة والوسوسة فيه إنما هي وسوسة في الصلاة لكن في المرحلة الأولى وذلك أن الوسوسة في العبادة الواحدة تأتي على ثلاث مراحل: وسوسة قبلها ووسوسة أثناءها ووسوسة بعدها مثال ذلك في الصلاة إذا أراد الشخص أن يصلي نهيناه عنها إلى آخر الوقت ثم وسوسنا له في وضوئه أو تيممه ثم في طهارة البقعة والجسد واستقبال القبلة ثم في استحضار النية وهذه هي المرحلة الأولى فإذا نجحت فبها ونعمت وإلا تابعنا معه وهي المرحلة الثانية الوسوسة داخل الصلاة والذي يمكن أن يذكر منها في الكتب خمس طرق وسوسة الأداء ووسوسة الدنيوي ووسوسة الأخروي ووسوسة السهو ووسوسة الإيمان ولا يتسع المقام لبسطها وإذا انتهت الصلاة تابعنا معه وهي المرحلة الثالثة الوسوسة بعد الصلاة وهي نوعان نوع سلبي وهو الوسوسة بكونها لم تقع على الوجه الشرعي فتنبغي إعادتها مثلا ونوع إيجابي وهو تسليط الآفات عليها مثل العجب والرضى ونحو ذلك وبهذا يعلم أن السؤال أيهما أفضل وسوسة الوضوء أم وسوسة الصلاة لا معنى له لأن مقصودها واحد والوسائل إنما تتفاضل بتفاضل الغايات وهذا بعكس وسوسة الصوم ووسوسة الصلاة مثلا فإن وسوسة الصلاة أفضل بلا خلاف لأنها عماد الدين فافهم الفرق بين هذين الفرعين فإنه مما يلتبس على الطلبة فهمه.
وسئل بعضهم: أصحيح ما يقال إن إبليس قتل يوم بدر وأنه المراد بالوقت المعلوم؟
فأجاب: هذا قول لا أساس له من الصحة والمشاهدة تخالفه وهذا إذا حملنا القتل على ظاهره وأما إن حملناه على المجاز فهو من الأسرار التي لا تفشى والذي ينبغي أن يدان به هو أن إبليس حي وأنه ما زال منظرا وأنه لا ييأس من تضليل أحد أبدا وهذا هو الحق.
وسئل بعضهم: لماذا يأتي الشيطان الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ولا يأتيه من فوقه؟
فأجاب: لأنه ممر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم أنا ما أدركنا الناس يسألون عنه فالسؤال عنه بدعة ولا يمكن أن يجب عنه بأكثر من هذا لأن غيره من الأسرار التي لا تفشى لأن في إفشائها هدم لما يعرفه الناس والذي ينبغي أن يقال لعوام الناس أن الإنسان ليس له فوق فلا وسوسة من فوق لارتفاع محلها وعلى هذا جرى عمل السلف في القديم.
وسئل بعض الشياطين: ما معنى قول إبليس لبعض الناس هكذا يكون؟
فأجاب: بأن هذه المقالة لم تثبت ولو فرضنا أنها ثبتت عنه فهي محمولة على الرضى لا على التفويض لهم وتركهم وشأنهم لأن ذلك مخالف لما تقرر في المذهب من أنه لا يترك أحد وشأنه فتضليل الناس ابتداء شيء وإمساكهم في الضلال شيء آخر وكلاهما يحتاج إلى جهد جهيد ومثابرة دائمة فأنى يتوهم أن يترك إبليس أحدا ولو كان أضل الضالين.
وسئل أيضا: ما تقولون في قول بعض المسلمين معية الله لخلقه بذاته؟
فأجاب: وجد في كنانيش إبليس ما نصه: لم أكتف من الناس بأن قالوا بأن الله معهم في كل مكان بذاته حتى جئتهم بحجة تحجب عنهم ما في هذا القول وهذه الحجة أن اعتقاد أن الله في كل مكان بذاته أدعى للحضور في ساعة العبادة وأدعى للخشية في كل ساعة وقد عرض لي أن المسلمين لا يعدمون من كنيفات العلم من يقول لهم إن المعية إذا كانت بالعلم فما ذلك بأقل دعاء للحضور منها إذا كانت بالذات فأنا الآن أبحث عن حجة لأنه لا بد من حجة تخفي حقيقة هذا القول وقد بحثت في أقوال السلف فلم أنجح في ذلك فأنا الآن أبحث في الطرق الصوفية لعلي أجد فيها طلبتي ولاسيما عند أهل الشطح منهم انتهى بلفظه.
وسئل قاضي الشياطين في مدينة انواذيب: ما هو رأي إبليس في تغيير العوائد في البلاد الإسلامية هل يعتبره خيرا أم شرا؟
فأجاب: كان إبليس يقف من العوائد موقف الحذر ….
يتبع بحول الله
[الجزء الأول->http://www.niefrar.org/spip.php?article169]
نرجوا منكم رفع ما تبقى من الرسالة فنحن ننتظره بفارغ الصبر.ونشكركم على نشركم انتاج هذا الأديب المتفنن أطال الله في عمره ونفعنا به.