وردت بريد الموقع رسالة من الأديب محمدن بن امد تضمنت معالجة أدبية لبعض النصوص الشعرية للعلامة امحمد بن أحمديورة رحمه الله وسننشرها كما وصلتنا :
تروي كتب الأدب والتاريخ أن رجلا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان يمتدحه وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم، فقال له عبد الملك: هل تعرف أمدح بيت قالته العرب في الإسلام ؟ قال: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا==وأندى العالمين بطون راح
فرفع جرير رأسه وتطاول لها، قال: فأي بيت أفخر؟ قال: قول جرير: تروي كتب الأدب والتاريخ أن رجلا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان يمتدحه وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم، فقال له عبد الملك: هل تعرف أمدح بيت قالته العرب في الإسلام ؟ قال: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا==وأندى العالمين بطون راح
فرفع جرير رأسه وتطاول لها، قال: فأي بيت أفخر؟ قال: قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم==حسبت الناس كلهم غضابا فتحرك جرير. ثم قال: أي بيت أهجى؟ قال: قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير==فلا كعباً بلغت ولا كلابا فاستشرف لها جرير. قال: فأي بيت أرق؟ قال: قول جرير:
إن العيون التي في طرفهـــــــا حور==قتلننا ثم لم يحيــــــين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به==وهن أضعف خلق الله أركانا
هكذا حكم هذا الأعرابي وإن كان النقاد في العصور السالفة يجزمون باستحالة التفضيل بين الشعراء واختيار بعض الشعر على بعض وذلك لاختلاف الرأي والذوق، و”الذوق سر ليس عنه يعبر” كما قال شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حَمَّ أطال الله بقاءه في أبياته الشهيرة:
الذوق سر ليس عنــــــــــــه يعـبر==لم تحوه الألفاظ بل هو أكــــبر
قصرت عبارات المعـــــبر دونه==إن العبارة دون ذلك تقــــــصر
حاز التستر في الضمير تحـــتما==فله تحتم في الضمـــــــير تستر
مثل الذي في المضمرات يحوزه==”كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر”
قال الآمدي في الموازنة: “ولست أحب أن أطلق القول لاختلاف آراء الناس في الشعر، وتباين مذاهبهم فيه”، ومع جزم الأدباء بهذا فإن بعضهم ألف في التفضيل والإختيار كأبي تمام في الحماسة والأصمعي في الأصمعيات والمفضل في المفضليات وابن سلام في الطبقات، وما جرى لهؤلاء في ذلك يجري لأهل شنقيط فقد اختلفوا في التفضيل بين شعرائهم تبعا لاختلاف أهوائهم وآرائهم فالدكتور جمال ولد الحسن مثلا يرى أن أجود ما قيل في النسيب قول العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يورَ:
قف بالربوع التي “بالــخط” أدراســــا==لا عار في وقــــــــــــفة فيها ولا باســـا
تهدي الى ذي الهوى من نشر ساكنها==بعد التقــــــــــادم أنـــــــــفاسا فأنفاســـــا
كانت سرورا وأمست وهي محــزنـة ==والدهر من صــــــــرفه ماسر إلا ســـا
لا تعذلوني وواسوني بأدمعـــــــــكـــم==فأفضل الصحب عند الخطب من واسى
وأظلم الناس من يهدي المــــــلام إلي==من لم يقاس من الأشــــــواق ما قاســى
من لم ير “الخط” ممطورا وســـاكنه==فإنه ما رأى الدنيا ولا الـــــــــــــناســــا
وبعضهم يرى أن أجود ما قال الشاعر في النسيب أبيات “المدروم” الشهيرة:
على الربع بالمدروم أيـــــه وحيــه==وإن كان لا يدري جواب المؤيه
وقفت به جذلان نفـــــــــس كأنمــا==وقـــــــفت على ليلاه فيه وميــه
وقلت لخل طالــــــــــــما قد ألفتـــه==وأدنيــــــته من دون فتيان حيــه
أعني بصون الدمع من بعد صـونه==ونشر سرير الشوق من بعد طيه
فما أنت خل المرء في حال رشده==إذا كنت لست الخل في حال غيه
وقد استحسن شعراء الشام هذه الأبيات وحاولوا النسج على منوالها فما وفقوا، فرقة شعر امحمد ودقة معانيه وظرافتها تأبى ذلك ألا ترى معي أن قوله في الوداع:
أتمسك دمع العين وهــــو ذروف==وتأمن مــكر البين وهو مخوف
تكلم منا البعض والبعض ساكت==غداة افـــترقنا والوداع صنوف
فآلت بنا الأحـــــوال آخر وقفــة==إلى كلمــــــات ما لهن حـروف
حلفت يمينا لســـــت فيها بحانــث==لأني بعقبى الحانثـــين عـروف
لئن وقف الدمع الذي كان جاريا==لثم أمـــــــــور ما لهن وقــوف
أرق من قول ابن زيدون:
ودع الصبر محــــب ودعك==ذائع من سره ما اســـتودعك
يقرع السن على أن لم يـكن==زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وســـــنى==حفظ الله زمـــــــــــاناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكـــم==بت أشكو قـــــصر الليل معك
وأبلغ وأظرف من قول ابن زريق البغدادي في عينيته الشهيرة:
أستودع الله في بــــغداد لي قــمراً==بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يــــودعــــــني==صفو الحيـــــــاة وأني لا أودعه
وكم قد تشفع بي أن لا أفـــــارقه==وللضـــــــــرورة حال لا تشفعه
وقد تشبث بي يوم الرحيل ضحى==وأدمعي مســــــــتهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق==عني بفرقــــــــــــته لكن أرقعه
ومع روعة هذا الشعر فإن لامحمد بن أحمد يورَ قدرة على التعبير بما قل ودل وظرف وجاد ليست لغيره من الشعراء فاسمع معي مثلا قوله يمدح أولاد سيد الفال:
قد زاد (باظى) الي الأحبــاب تشويقي==وقبله كنت مشـــــــتاقا على الريــق
دار الكرام الألى فاقوا الكـــــرام على==ما كان من سعة في الدهر أو ضيق
أفنى تلادهم بذل الرغائــــــــــــب لا==”قرع القواقــــــيز أفواه الأباريـــق”
ولعل من أحسن ما قيل في الوصايا قول ابن أحمد يورَ:
أوصيكم ووصايا القــــــوم عادتهـا==من دون إيجازها أن تكسب الملـلا
لا يأمنن نيوب النائبـــــات خـــــلا==من في حريم رسول الله قد دخــــلا
إنا دخلنا حريم المصطفى وكـفى==به فلا وجعا نخـــــشى ولا وجـــلا
حريم من فاق كل الخلق منـزلة ==ومن عليه كتــــــــاب الله قد نـــزلا
وهي من قصيدته الرائعة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مطلعها:
البدر عنك تولى آفلا أفلا==تذري الدموع على البدر الذي أفلا
وقد أبدع الشاعر امحمد بن أحمد يورَ في غرض الإستسقاء إبداعا تعذر بسببه الإختيار بين قطعه فيه وإن كانت نفسي أقرب إلى قوله:
هذا العيال وإن طغى في فـــــــــــــسقــه ==من ذا الذي يسقيه إن لم تسقه
ياربنا والــــــــــــــــــــهنا يا شامــــــلا ==كل العبـــــــاد برفقه وبرزقـــه
عجل علي ” ذي المزن” مزنا عاجلا==”بئر الطريق”طريقة من طرقـه
وعلى “العجائز” تســــــــتهل كعـــابه==فتنال حظا وافرا من ودقــــــــه
متـــــــــــــــتبعا آبارنا فـــــكأنــــــمــا==فهم الحقيقة وحـــــده من حـذقـه
ونرى ثراه الجــــعد غــــب سمــــــائه==يخفي الذراع المستطـيل بعمقـه
ونرى الرباب علي السحائب ضــــمنا==أن لا نراع برعـــــــده وببرقــه
ونرى الرياض وقد تفاوح زهـــــــرها==فوحان مسك فائــــــح من حقـه
ونرى الزمان وكان قبل مغاضــــــــبا==يلقي الورى ببشوش وجه طلقه
يا ربي صل على بعيثـــــــك آخــــــرا==وهو الأول لفضــــــله ولسبقــه
أما الرثاء فإنني أكاد أجزم أن أحسن ما قال فيه قصيدته الرائعة في رثاء العلامة محمذن بن علي الأبهمي ولجودتها عندي فسأوردها كاملة ههنا:
نغر بهدأة الزمن القـــــــــصـــير==وقد حان المسير الي المصــــــير
ونعرض عن عوارض كل يوم==تلوح لذي البصــــــــيرة والبصـير
وما تغني عن العــــــذراء شيــئا ==مضاجعة الحصور على الحصير
ستصرمك الغدور فصارمنـــها==وقل بيدي لا بيـــــــــــدي قصــير
ألا يا ديمة الرحمــــــــوت أمي==فقيدا كان مفـــــــــــــــتقد النظـــير
وجرى من ذيولك كــل خــــــير==على ذي الخــــير والورع الخطير
على نعم المــــلاذ إذا ألمــــــت==نوائب ذات شر مستـــــــــــــطــير
وضاق لها الجوانح من كبــــــير==وشاب لها المــــــفارق من صغـير
ستبكي المكرمات وكل فــــــــن==عليه ومســــــــــند الخبر المنـــير
ويضحي الشعر منتثر القـوافي==ويمسي النـــــــــحو منكسر الضمير
وتحسبه بذي قار شهــــــــيـــدا==عيانا بين مجمـــــــــــــــعها الكبـــير
وفي حرب البسوس وقال فيها==”أليلــــــــــــــــــــــتنا بذي حسم أنيري”
وفي أحد وفي حـــــــملات بــدر==وحرب بني قريظة والنضـــــــــــــــير
وما فعل الخــــــوارج في قديــد==وأفعال الفويـــــــــــــــــسق والمبــــيرِ
وهذا من مناقبـــــــــــــــه قليــــل==وقد يبدو القلــــــــــــــــيل من الكثــير
صلاة الله يتبعـــــــــــــــها ســــلام==على ذي الســــــبق في الزمن الأخير
هذا وإني لست مؤهلا للإختيار من هذه الدرر البهية، والنجوم السنية، ولم أكن من فرسان هذا الميدان، ولا من رجال هذا الشان، ولكنني وقعت في شرَك الإعجاب، بما يكتبه بعض الأدباء الأنجاب، فأصابتني العدوى والهوى يعدي كما قال شاعرنا امحمد بن أحمد يورَ في أبياته الرقيقة:
سقى النخلات اللائي يظهرن من بعد==إلى النهر من ثوبان مرتجس الرعـد
تذكرني تلك المعـــــــــاهد دعــــدها==علي حين لا يلفى التواصل من دعد
وما كنت أهوى نهر ثوبـــــــــان إنما==أصابته عدوى حبها والهوى يعـدي
تشبهت إذن بهؤلاء الأدباء وإن لم أكن مثلهم فخضت في هذه البحار العذبة مستمتعا بهذه الدرر المنثورة من شعر امحمد ابن أحمد يوره، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بقلم : محمدن بن امد
جزى الله عني خيرا أستاذنا الشاعر الأديب الفاضل ابن الخالة سليل العلماء العاملين محمدن بن عبد الله بن أحمد”مناح” بن محمد على ما كتب وإن كنت لست أهلا لما ذكر إلا أنني أتبرك به وأحوز منه الفأل الطيب فهو من بيت علم وصلاح ونور، والله المستعان على ما طلب مني ونصحني به، وشكرا للقائمين على هذا الموقع الرائد الرائق الرائع على نشر هذه المحاولة، وإن لموقعهم موقع الصدارة في المواقع من حيث المادة العلمية والثقافية والأدبية ولا غرابة في ذلك فماء العود من حيث يعصر، والعلم علم أهل انيفرار والنوازل نوازلهم والصلاح صلاحهم، وإن لهم علي حقين عظيمين حق المشيخة وحق الأبوة نفعنا الله ببركتهم وجزاهم عنا خيرا.
أقول في المقال الجميل التالي للأستاذ الاديب الأخ مُحمدن ول أمَّد ول أحمدُّو عن شعر امحمد ول أحمديورَ :
لقد أثلجَ الصَّدرَ المقالُ و أبردَا °° فشكرًا جزيلا يا أديبُ مُحمَّدا
فقد أحسن الندبُ الأديبُ مُدوِّنا°° و قد أحسنَ النّدبُ الأديبُ مُغرِّدَا
وتلكَ لعمرِي منهُ في الفيْسِ عادةٌ °° و كلٌّ لهُ في الفيسِ ما قد تعوَّدا
أقول في المقال الجميل التالي للأستاذ الاديب الأخ مُحمدن ول أمَّد ول أحمدُّو عن شعر امحمد ول أحمديورَ :
لقد أثلجَ الصَّدرَ المقالُ و أبردَا °° فشكرًا جزيلا يا أديبُ مُحمَّدا
فقد أحسن الندبُ الأديبُ مُدوِّنا°° و قد أحسنَ النّدبُ الأديبُ مُغرِّدَا
وتلكَ لعمرِي منهُ في الفيْسِ عادةٌ °° و كلٌّ لهُ في الفيسِ ما قد تعوَّدا
دراسةعميقة وامثلة موفقة من كاتب متضلع ما شاء الله فجزيت خيرا وكفيت ضيرا
شكرا لك شكرا لك…ياشاعر فنحن نعرف أنك شاعر ،وأن ذوقك في الأدب راقي ، ولا غرو ، فإني أهنؤك ، شخصيا أصالةعن نفسي ،وعن موقع اخبار انيفرار ، ولاأجاملك ، بما كتبته فأنت ،من أنت ، وأنا :محمدن بن عبد الله بن مناح ،وأبارك لك وأطلب منك أن لا تتردد في بعث مشاركاتك ، فهي أجدر بأن تاخذ موقعها الجغرافي في الموقع ،كما أحبذ، أن تستمرّ في موضوع المختارات لأي شاعر ، في أي موضوع،لأنك لديك القدرة علي الأختيار ،ولك المقدرة علي التحليل والمقارنة والاستنتاج ، فبارك الله فيكم ، وهنالك ،أمر آخر أذكركم به :أن الموقع ملك للثقافة ،والمتقفين، والأذكياء والمبدعين في جميع
نواحي ،المعمورة عموما وفي الوطن خصو صا ، الأ هل فهم أولي به إذا ما فهموا المبدأ المؤسس عليه،وهو فيما أظن ، جلب الفائدة ،وأخذها وجمعها وتصديرها للآخرين ،ودمتم بخير : يا محمدن بن أمّد بن أحمدو بن المختار الأبهمي الديماني .أخوكم المتسمي أعلاه.