الجيم الحسانية تحققت فيها صفات الجيم العربية الخمس المحققة لذاتها
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على من نطق بأفصح جيم، في أبلغ كتاب نزل من لدن حكيم عليم، وبعد فقد قرأت كتاب العالم الجليل سليل العلماء الأجلاء الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد مسعود اليعقوبي الموسوي، عن الجيم: (نيل الأرب في تصحيح جيم العرب)، فوجدته صحيح النقل ،حصيف العقل، فهو حق أريد به حق، والحق أحق أن يتبع.. ولا شك ولا ريب أن الجيم التي نزل بها القرآن هي جيم عربية فصحى، بلسان عربي مبين. فقد قال جل من قائل في سورة الشعراء: ..نَزَلَ بِهَ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِك لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ..وقد ورد نزول القرءان بلسان عربي مبين في أكثر من سورة كما في ” يوسف” و” الزمر” و”النحل”، وغيرها. وفي الجيم الحسانية من الخفة والسهولة ما ينسبها إلى اللسان العربي المبين، وفي الجيم المنعقدة من الثقل والانعقاد ما يقطع الأسباب بينها وبين هذا اللسان، ويتأكد ويتضح في قراءة بعض الآيات بالجيم المنعقد كما في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ (النور،35-36)، و إنَّ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ ..(الكهف94)، و كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ (النساء56)..و مَا فِيهِ مُزْدَجَرْ (القمر4)..و فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (الحج96).. وقد ذكر الشيخ أحمد بن محمد الحاجي موضع ثقل الجيم هذه في رائيته المعروفة فقال:
ككُلِّمَا نَضِــــــجَتْ جُلُودُهُمْ ” وَجَبَتْ :: جُنُوبُهَا”، لَمْ يَجِدْ” يَاجُوجَ و”ازْدَجَرَا”
لَقَدْ “جَعَلْنَا أجَاجًا ” مَعْ ” تِجَارَتِهِمْ” :: “زُجَاجَةُ”،”جُدَدٌ” يَاجُوجَ” و”انْفَجَرَا”
ولم يختلف السلف الصالح في الجيم، لا في نطقها ولا في مخرجها ولا في صفاتها، بل الخلاف في هذا الحرف حديث،؛ لذالك قال إدييج الكمليلي في كتابه “المرعى من السعدان، في رد جيم السودان” :
الْحَرْفُ لَمْ يُنقَلْ عَن الأسْلاَفِ :: مَا كَانَ فِيهِ الْيَوْمَ مِنْ خِلاَفِ
وقد ظل الشناقطة يقرأون بالجيم العربية الحسانية، ولا يعرفون غيرها قرونا طويلة، ولم تدخل الجيم المنعقدة الوافدة إلا في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري.. ويستنتج من رسالة الشيخ سيدي أحمد لحبيب اللمطي أن الجيم المنعقدة وصلت في الفترة نفسها تقريبا إلى المغرب وافدة من المدينة المنورة..
ويقول الشيخ محنض باب بن أعبيد الديماني إن أصل الجيم المنعقدة في الشرق دخول قراء من السودان إلى الحرمين تعلموا حتى مهروا في القراءة، فأخذها الناس عنهم. ويروي محنض باب للأمين بن مودى مالك قوله:
قَدْ غَيَّرَالْجِيمَ جِيلُ كَانَ مَسْكَنُهُمْ :: أرْضَ الْحِجَازِ وَهُمْ سُودَانُ سَنَّار
ويؤكد الشيخ إدييج الكمليلي هذه الرواية فيقول عن أصل الجيم المنعقد:
والأصلُ فِيهِ عَجَمٌ قَدْ سَكَنُوا :: مَدِيــــــــنَةَ النَّبِيِّ نِعْمَ الْمَسْكَنُ
وأُخِذَ التَّجْوِيدُ عَنْهُمْ وَانتَشَرْ :: فِي كُل قِطرٍ لَفْظُهُمْ بَيْنَ الْبَشَرْ
وَهَــــلْ بِلاَلُ الْحَبَشِي مُـقَلَّدُ :: فِي شِينِهِ وَهِيَ شِـــينُ “أشْهَدُ”
وقد قرأ بالجيم العربية الحسانية وألف في نصرتها أضعاف من قرأوا وألفوا في الجيم المنعقدة، وذبوا عنها، ومن الذين قرأوا بها، وألفوا في نصرتها
– الشيخ سيدي محمد بن الطالب لحبيب بن أيد لمين الجكني (ت1151هـ)
– الشيخ منيره بن حبيب الله الألفغي (ت1162هـ
– الشيخ محمد اليدالي الديماني (ت1166 هـ)
– الشيخ أحمد بن محمد الحاجى (ت1252هـ)
– الشيخ إدييج الكمليلي (ت 1270هـ)
– الشيخ محنض باب بن أعبيد الديماني (1277هـ)
– الشيخ محمد المامي اليعقوبي (ت1282هـ)
– الشيخ محمدو بن حنبل الحسني (ت1300هـ)
– الشيخ محمد عالي بن سيد الحيبلي (1310هـ)
– الشيخ محمذن بن محنض باب الديماني (1319هـ)
– الشيخ محمد فال (ببها) بن محمذن بن أحمد بن محمد العاقل (ت1334هـ)
– الشيخ حامدن بن محمذن بن محنض باب الديماني (ت1367هـ)
وغيرهم كثير، ومن تبع هؤلاء العلماء العاملين فلن يضل إن شاء الله، ولن يحيد عن سواء السبيل، والصراط المستقيم بإذن الله تعالى وتوفيقه، والخلاف في الجيم هو خلاف في فهم كلام الأئمة في بعض صفات هذا الحرف، ولم يتركز الخلاف في المخرج بل قام أساسا على بعض الصفات، فصفات الجيم المحققة لذاتها خمس هي:
الشدة والجهر والاستفال والانفتاح والقلقلة، وهي بحمد الله متحققة في الجيم العربية الحسانية وينتفى بعضها في الجيم المنعقدة.
والقول إن الجيم الحسانية رخوة لا شدة فيها قول قائم على وهم وسوء فهم لكلام اللغويين والقراء لأسباب عديدة نكتفى منها هنا بواحد، وهو أن صفات الحروف تشكيكية، ويعنى هذا المصطلح عند أهل الفن أن الصفة في حرف تختلف عنها في حرف آخر، لأن المطلوب من الصفة هو ما يميز الحرف عن مشاركه في المخرج.وما زاد عن هذا القدر فهو مجهود ضائع لا تقبله اللغة. وفي الجيم من الشدة ما يميزها عن أختيها في المخرج:الشين والياء، ثم إن الشدة- كماقال الشيخ حامدن- ليست قبول التطويل في الزمان، وإنما الانضغاط في المكان، وهذا هو التفسير الصحيح لكلام سيبويه، ومن جاء بعده من أئمة اللغة والمقرأ.
فتكون الجيم الحسانية شديدة، وبما أنها مجهورة فهي مقلقة كذلك، ولم يطعن طاعن في استفالها ولا في انفتاحها. وبذلك تكون قد تحققت فيها صفات الجيم العربية الخمس المحققة لذاتها.أما الجيم المنعقدة فهي مفتقرة إلى الاستفال والانفتاح وهما صفتان محققتان لذات الجيم العربية، ولا تستقيم قرآنيتها بدونها.
فجزى الله خيرا فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد مسعود اليعقوبي الموسوي فقد نيل الأرب “بنيل الأرب، وصححت جيم العرب ب”تصحيح جيم العرب”..
الولي محمذن ولد المختار ولد محمودن
كامل الود