نص علماء الإدارة و جهابذة علم “المنجمنت” على أن وظيفة التنسيق و انسياب المعلومة هما من أهم الركائز التى يقوم عليها التسيير السليم للمؤسسة ، ذلك أن التنسيق بين مختلف دواليب المنظومة هو وحده الكفيل بعدم إهدار الجهود و أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب لأنه بدون التنسيق تكون كل حلقة من المنظومة تصرخ في واد ،و ربما نجم عن ذلك تضارب في التخطيط و تناقض في الإسراف.
وقد ضرب الحكماء لذلك مثلا قصة قرأناها في المقررات من اللغة الفرنسية للشعب الأدبية. وتعرف تلك القصة بقصة “سراويل موريبا” وموريبا هذا يبدو أنه رجل مالي الجنسية عاش في أواسط القرن الماضى.
ومجمل القصة أن موريبا كان مزارعا بسيطا يعيش فى إحدى القرى الريفية المالية ، وكان يعيش بسلام في بيته مع أمه و أخته و زوجته ، وقد سمحت له وفرة المحاصيل تلك السنة بتوفير مبلغ نقدي اشترى منه سراويل جديدة طالما اشتاق إلى الحصول عليها لأنها كانت من جيد القماش القادم من وراء البحار لا مما ينسج على الآلات المحلية.
إلا أن السروايل كانت مع الأسف طويلة جدا بالنسبة إليه و ما به أنه قصير القامة و لكنها على ما يبدو قدت على مقاس عمالقة أوربا الشمالية من أهل الجنس الآري المعروف.
لكن موريبا أحب أنه لم يكن عيب سراويله القصر، فالقصر صعب الدواء أو لا دواء له أما الطول فدواؤه التقصير بالجلمان ثم كف السراويل من جديد بعد ذلك.
دخل موريبا بعد يوم شاق من العمل إلى البيت فطلب من زوجته أن تقصر له سراويله بمقدار وحدده لها، ولكن زوجته اعتذرت له يومها بكثرة الأشغال من عجن وطبخ و غسل و استجلاب ماء من بئر القرية، فلما استيأس منها رجع إلى أمه فطلب منها أن تقصر له سراويله بالمقدار الذى ذكره فاعتذرت الأم بضعف بصرها و بوعكة صحية ألمت بها ذلك اليوم.
لم يبق أمام موريبا إلا اللجوء إلى أخته لتقوم بهذا العمل الذى أعرضت عنه الزوجة و الأم لكنها صارحته بأنها لا تقصر سراويل رجل زوجته قاعدة تفرقع أصابعها لا شغل لها.
لم يجد موريبا بدا من أن يسلم الأمر لله ثم يدخل غرفته مخلدا إلى النوم بعد يوم من العمل المضني معلقا سراويله على أحد أغصان شجرة الدار، ولكنه لم يكد ينام و تراه زوجته وهو متمدد ينفخ في النوم حتى قالت في نفسها ، مسكين موريبا لم يجد من يقصر له سراويله و الله لأقصرنها له قبل أن يستيقظ ، فأخذت إبرتها و مقصها فقطعت من طول السروايل القدر الذى حدد لها ثم أرجعت السراويل إلى غصن الشجرة.
وبعد ساعة من ذلك قالت الأم وقد وصل إلى سمعها نخير ابنها وهو نائم مسكين موريبا لم يجد من يقصر له سراويله والله لأقصرنها له قبل أن أنام فأخذت من طولها المقدار المحدد ثم أرجعت السراويل إلى غصن الشجرة.
وبعد ذلك بقليل ندمت أخت موريبا على ما فرطت فيه من مساعدة أخيها و قالت في نفسها ، بئست أخت الرجل أنا إذا لم أقصر له سراويله فأخذت من طولها بالمقدار المحدد.
لما جاء الله بالصباح تناول موريبا سراويله و كم كانت دهشته عندما لاحظ بمرارة أنها أصبحت قصيرة جدا كاللبان المسمى بالعربية بالكيلوت ولم يجد صعوبة في تفسير ما وقع خصوصا أن كل واحدة من الخياطات سألته كيف رأى عملها في السراويل .. و لا ندرى ما ذا فعل موريبا بعد ذلك و لا ما ذا قال.
المهم أنه لو كان هنالك أدنى تنسيق بين هؤلاء النسوة لما وقع ما وقع في هذه المصيبة المالية على هذا المزارع المالى فذهبت بمدخراته أدراج الرياح.
هذا و ما أكثر سراويلات موريبا في غالب السياسات القطاعية عندنا فكم من مشروع اقتصادي واجتماعي قصرته الزوجة والأم و الأخت فهدرت فيه أموال و جهود كبيرة و لم يؤت النتيجة المتوخاة منه.
و يخيل إلي أن ما درجت عليه السلطات العمومية من تسعينيات القرن الماضى من تخصيص سياسات “مستهدفة” دون أن يكون هنالك تنسيق مع السياسات العامة للدولة لا يخلو من شيء من نحو “سراويل موريبا” رغم ما بذل فيها من تدقيق و تمحيص على أن نية المؤمن أبلغ من عمله والكل مأجور إن شاء الله.