لقد أتحفنا الأخ يكبر بن ألما مشكورا بمخطوط بيد المرحوم محمدن بن فال وهو عبارة عن مقامة يتحدث فيها المرحوم عن المسابقات الشعرية و مواضيع أخرى أظهر فيها سعة باعه في الأدب و بعد غوره الفكري. هذا ولم نجد تاريخا محددا في المخطوط ولكن المواضيع المعالجة فيه ترجع إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي. و إليكم الجزء الأول من هذه المقامة و الذي اعتمدنا فيه كليا على المخطوط. لقد أتحفنا الأخ يكبر بن ألما مشكورا بمخطوط بيد المرحوم محمدن بن فال وهو عبارة عن مقامة يتحدث فيها المرحوم عن المسابقات الشعرية و مواضيع أخرى أظهر فيها سعة باعه في الأدب و بعد غوره الفكري. هذا ولم نجد تاريخا محددا في المخطوط ولكن المواضيع المعالجة فيه ترجع إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي. و إليكم الجزء الأول من هذه المقامة و الذي اعتمدنا فيه كليا على المخطوط.
المقامة الغلافية المسماة:
نبذ الشعرا والمسابقات الشعرية إلى الورا
وهي من رواية أبى نثر عن أبى شعر :
حدث الراوية أبو نثر عن صديقه أبى شعر، قال : قال: جلست في أحد مجالس الأدبْ، و أصحاب الرتبْ، لأسْرُوَ عنى الوصبْ، و أستريح من النصبْ.
فبينما نحن نتناشد الشعر وغرائبهْ، ونوادره وعجائبهْ، إذ دخل علينا ذو سمت حسنْ ، ولسان لسِنْ ، فقال بعد السلامْ، وتبادل الكلامْ، إنى والله لا أمينْ، وفى نقل الخبر لأمينْ، و إن كنت ممن يمينْ، فما علي من يمين إلى يمينْ ، وقد جئتكم بنبإ يقينْ، و إن كذبت فمن يقينْ، و أي سماء تظلنِى ، و أي أرض تقلنِى، إن عصيت مالك الملوكْ، ونكبت عن الصراط المستقيم والسلوكْ.
إنى سمعت البارحة عجبًا ، رجوت لكم منه أربًا، إنها مسابقة شعر كبرَى، تدر الدنيا و الأخرَى، فهي تحيى الفكرْ، وتنشر الذكرْ، وتنفخ الجيبْ، وتخفى العيبْ، ممولة من طرف أيد وفيةٍ، و أكف هيئات سخيةٍ، وهي فرصة متاحهْ، لأرباب الفصاحهْ، فتهللت وجوههم فرحًا، وازدادوا انشراحًا ومرحًا.
ثم قالوا : إنك أبا الأشعارْ، من طرفنا أنت المختارْ، و إن كان هذا الأدبْ، فأنت خير منتدبْ، ونرجو لقصيدتك أن تكون الفائزهْ، و لا تنس نصيبنا من الجائزهْ، و لأنت أبو الشعر و أمهْ، وخاله وعمهْ. فقلت المواضيع ثلاثة جافًَهْ، و الإقدام مع العجز آفهْ، و سأشارك فى هذه المسابقهْ، بناءا على آرائكم السابقهْ، و أرجو أن أكون عند الظنِّ، و إن كنت متشائما في هذا الفنِّ.
ثم لكت القصيدة لوكًا، وحكتها حوكًا، ثم دفعتها على عجلْ، قبل اقتراب الأجلْ، أجل أجلْ ، ولم أكر على وجلْ، لإتكالى على من علا وجلْ.
وبعد عدة شهورْ ، كأنها عندنا دهورْ، جلست لجنة التصحيحْ، و أعلنت الناجحين بالتصريحْ، واستدعانا المدير ببلاغ فى الإذاعهْ، فقلنا السمع والطاعةْ، واتجهنا إلى القاعةْ، وانتظرنا ساعهْ.
فجائنا المديرْ، كأنه وزيرْ، ومعه مساعدون، وجاء من التلفزة وافدونْ، وعندهم كثير من الآلاتْ، و أجهزة وكامراتْ، وكأنه يوم مشهودْ، أو عيد من الأعياد معهودْ، ثم سلم المدير على الشعرَا، ثم رجع القهقرَا. وألقى أحد مساعديه كلمهْ، قصيرة معجمةْ، فصور المصورون جماعتَهُ، وسجلوا كلمتهُ، ولم ينشد في هذا اليوم شعرْ، ولم يسمع له ولا للعربية ذكرْ.
ثم توجه المدير صوب المكتبْ، مع أصحاب الرتبْ، ثم أوقفونا عند البابْ، لندخل واحدا واحدا بلا اصطحابْ. ثم كانت عجيبة العجائبْ ، وغريبة الغرائبْ، في تقسيم الجوائز المكتومهْ، في الأغلفة المختومهْ، فوقع كل واحد ثلاث أوراقْ، عجمية بمعزل عن الأبواقْ، وقعها بكل اشتياقْ، فرحا بالإستحقاقْ.
ولما لم يكن الدخول منظمًا، ولا الترتيب محكمًا، تواريت قليلا عن الأنظارْ، لأكون فى آخر الزوارْ، لأتمكن من الحوارْ، في جوائز الأشعارْ، لما عرفت أن الجائزة فى غلافْ، وعرفت بذلك عدم الإنصافْ.
وكنت كلما مر علي ذو غلافْ، أقول له كم فيه من الآلافْ، فيعرض عن الجوابْ، ليسرع بالإيابْ، وأخيرا مر علي ذو غلاف مختومْ، فقلت: إن هذا غير معلومْ، فافتح الغلافْ، لنعرف كم فيه من الآلافْ، فلعله ملغومْ، أو فيه إنك محرومْ، فقال لا أفتحه إلا في دارِى، أمام زوجتى و أصهارِى. فقلت: ألا تعلم قصة الخابيهْ، فقال: لا ولا الغلام والجاريهْ، فقلت: انظرها في أعلام الناسْ، بما وقع للبرامكة مع بنى العباسْ، ثم دخلت وسلمتُ، وتسلمت ما تسلمتُ ، أوراقا توقعْ، وجائزة كانت تتوقعْ، ففتحت الغلاف أمامهُمْ، ثم نظرت إمامهمْ، بما ظهر أنها ألف واحدةْ، كأنها شاردةْ، ثم قلت يا للعجبْ ، ها إننا فوزنا أجبْ، ولو علمت أن هذه الحالْ، لما كلفت نفسى بالمُحالْ. ثم وقعت الأوراقْ، تجنبا للشقاقْ، ثم خرجتُ ، بعد أن قلت ما قلتُ، وفعلت ما فعلتُ، فقال لى المدير شكرًا شكرًا، فقلت في نفسى مكرًا مكرًا.
ثم تذكرت ما كنت أقوله في نفسِى، في أول يوم هذا و أمسِى ، من تقسيم هذه الجائزةْ، على المهمات البارزةْ، أن الجائزة إن كانت أربعينْ، أدفع للتاجر منها خمسة آلاف وسبعينْ، وأشترى ثوبا ثميناً، وكبشا سمينًا، أطعم بالمناسبة به أصحابِى، من الشعراء و أحبابِى، و أشترى للصبيان تُحفاً، وكتبًا وصحفاً، وتفاحًا وموزًا، وبرتقالا ولوزًا، و أشياء مما ينهش ويلتهمُ، ويلاك ويقضمُ، وادخر الباقى للتجرِ، وزيادة الوفرٍ، ليكون ذلك فاتحة للكسبِ، و رأس مال للنشبٍ.
ثم قلت أن قد حرم الشعر بعد اليومْ، وسأخبر جميع القومْ، وتوجهت إلى زملائى تحت الشجرْ، لأحيطهم علما بما شجرْ، فوكزنى عند الوصول أحد القومْ، وحمل علي باللومْ ، وقال مالك تأخرت اليومْ، أم كنت مستغرقا فى النومْ، فقلت أما علمت أن الأربعين ألفا صارت ألفًا، و أن الوعد صار وعيدا وخلفًا.
ولما أصاب صفو خاطرى من الكدرْ، صرت أتصرف من غير نظرْ، فأجريت في القوم تعيينا وتحويلاً، وقررت فيهم تبديلا وتعديلاً، ولم يكن لذلك سبب ملموسْ، سوى أننى أحتل أكبر منصب في
ثم جددنا دعائم اللعب وقواعدهْ، وحددنا شروطه ومقاعدهْ، وجعلنا كل اللعب جدَّا، وغلب الرد ردَّا، ومن عده عدَّا، فقد جاء شيئا إدَّا، فكم رجل
ثم أخذنا
ولقد صدق من سماهم
ثم طفقنا نبوس العيدان بوسًا، وتدوس البعر دوسًا، و إنك لا تسمع إلا همسًا، و إلا ثلاثا و أربعا وخمسًا. وإنك لتسمع من الحكم و الإفاداتْ، والفكاهات ما يسليك عما فاتْ، ومن الأنباء ما جدْ، في جميع أنحاء البلدْ، لأننا ننحدر من كل حدب وصوبْ، ملتزمين إلى هذا المكان الأوبْ.
فأمهات العبث الأربعْ، علمتها اليوم في هذا المجمعْ، و أن لا يعلمها إلا الأذكياءُ، و لايجهلها إلا الأغبياءُ، وأنشدنى بعض الزملاَ، الجالسين في هذا الملاَ:
[| [( رأيت ظبـــــيا على كثيب *** شبـــــيه بدر إذا تـلالا
فقلت ما اسمك فقال لو لو *** فقلت لى لى فقال لالا )] |]
و أنشدنى بعض الحاضرينْ ، وكان من المُحاضرينْ:
[| [( لا تكســــــبن بعقل *** إنما العقـــل جنون
عامل الدهر بحمق *** إنما الدهر خؤون )] |]
و أفادنى بعض هؤلاء الرجالْ، بفائدة مفيدة فقالْ: إن العلم إذا كان أوسع من العقلْ، أوقع صاحبه في الزيغ والزللْ، و أضله في السهل والجبلْ، فينبغى في تكديس العلمياتْ، أن يُوازِى في النمو العقلياتْ، فقال له رجل كان في ناحيتهْ، وكلٌ يعمل على شاكلتهْ، لا زيادة للعلم إلا بزيادة العقلْ، فهما متلازمان في النهاية والأصلْ، والعقل و العلم عند أصحاب اللُّغَى، فهما شيئ واحد عند البلغَا، فقال له بعض أصحابهْ، وكان من أحبابهْ، بل هما يا أخى أمرانْ، مختلفان متغايرانْ.
فالعقل قوة وملكَهْ، و إن زاد عليه العلم كان مهلكَهْ، و ما العقل إلا كالوِعَا، لما فهم ووعَى، وينبغى للظرف أن يكون أوسع من المظروفْ، و إلا كان ما هو معروفْ، فلا بد من تفوق العقل على العلمْ، ليلا يغرق صاحب العلم في الوهمْ، أو على الأقل يساويهْ، ليلا يهوى ذو العلم في مهاويهْ.
فالعلم القويمْ، لا يوجد إلا في العقل السليمْ، والعقل هو الشرط والأساسْ، والعلم للعقل كالمقياسْ، والعلم كالبضاعة والمالْ، تدبيره على غير العاقل مُحالْ، وكل زيغ وانحرافٍ في المِللْ، ناشئ في الأصل عن هذا الزللْ.
وقد يكون هذا الانحراف في الشبابْ، لوجود غشاوة على عقولهم وضبابْ، لاكنه سرعان ما ينجابْ ، إذا قلد الشيب ولم يقلد الأترابْ، ألا ترى الأنبياء عليهم الصلاة والسلامْ، وعلمهم يحصل بالوحي والإلهامْ، لم يومروا باستخدام علمهم في الأنامْ، إلا بعد أربعين من الأعوامْ، إذ لا بد للعلم من عقل يدبرهْ، ويديره ويطيقه ويقدرهْ.
والعقل قبل العلم لا يسمى عقلاً، إلا بمعلومات يجعلها أساسا و أصلاً، فهو قبل العلم ملكة و أهليةْ، خالية وحتى من همة عليةْ.
ثم قال له رجل يجاورُهْ، وكثيرا ما كان يحاورُهْ، لقد جعلت العقل أساسا للهدايةْ، في البداية والنهايةْ، وإن العقل كثيرا ما أضلْ، إذا اكتفى به صاحبه واستقلْ، وقد قيل في المثلْ، من استقل برأيه فقد زلْ، لا سيما إذا تجرد من العلمْ، وآراء العلماء والحكماء وذوى الفهمْ.
ثم تذكرت قضية الجائزةْ، إذ لم تنسنى فيها الفائدة الجاهزةْ، فقلت: رب رجل شاعرْ، دِيسَ وهو شاعرْ، فقال لى أحد الجالسينْ، وكان من الشعراء المفلسينْ، بل كم ذى قصائدْ، ليس لها قاصد و لا صائدْ، فقال له بعض أترابهْ، من كان أدرى بهْ، بل كم ذى فرائد فوائدْ، لم تسمع منه فرائد فرائدْ، لقلة الموائدْ، والفرش والوسائدْ، فقال أحد محاوريهْ، وكان ممن يجاريهْ، بل كم رجل ديسْ، بأن ليس له
ثم قال رجل من القاعدينْ، وكان من المتقاعدينْ، رب رجل كان ذا شكْ،لم يبق في شكه إلا شكْ، فقال له من يقابلهْ، إسمع ما أنا قائلهْ، كم رجل كان تاجرا بالملايينْ، لم يبق عنده منها إلا أحد الموازينْ، فقال له أحد اللاعبينْ، من جلسائه المقاربينْ، لا عتاب و لاحسابْ، على من ليس عنده حسابْ، ثم قال أحد النزالينْ، وكان من الضالين الزالينْ، ليتنى كنت منتفخ الجيبْ، لينتفي عنى كل عيبْ، وليتنى كنت مملوء الجرابْ، ليكون ما أقوله هو الصوابْ، ويكثر أصحابى و أحبابىِ، ويلزمون جميعا بابِى.
ثم قال أحد المجَّانين، من لم يكن من المجانينْ: إننا إلى توظيف العضلاتْ، أحوج منا إلى توظيف الثقافاتْ، والتوجه إلى ما هو آتْ، خير لنا من الالتفات إلى ما فاتْ.
ثم قام أحد الرجالْ، وكان ذا مهابة وجلالْ، وكان من العلماء الصالحينْ، العاملين المفلحينْ، وقد غضب لما سمع من شكاية الحالْ، وتمنى أنواع المُحالْ، فقام كالليث إذا كشر عن نابهْ، رضي الله عنه وعنَّا بهْ، ثم قال لنا بعد أن جالْ، وهو يطلب الأسماع من الآباء والأنجالْ، وحسر عن ذراعيهِ، وقارب كُراعيهِ، وجعل الكل أمام عينيهِ، وليسمع منه ما يقول بأذنيهِ:
إسمعوا أيها الناس الشاكون من الإفلاسْ، و أخص الشاعر المداسْ، ومن تكلم بعده من الجُلاسْ، اذكروا اليوم الموعودْ، والإشهاد والعهودْ، واتركوا البعرة والعودْ، وابحثوا عن حلال النقودْ، واستعيذوا بالله من شر الخنَّاس، الذى يوسوس في صدور الناسْ.
واعلموا أن هذه اللعبةْ، إن لم تكن حراما ففيها شبههْ، بالنسبة لمن كانت له حاجبهْ، عن أداء أمور واجبهْ، وهي أم أمهات العبث الأربعْ، وهي من العبث في المقام الأرفعْ، واعلموا أن العاطلين عن العملْ، موجودون في جميع القبائل والدولْ، ومن ليس في عقله خبلْ، لا يتكبر عن عمل مهما قلْ، لا سيما مع قلة المؤهلاتْ، المخولة لكبرى المحاولاتْ، مع أن فرص العمل قليلة جدَّا، و لاينالها إلا من كدَّ كدَّا، وجد جدًّا. فلا يصح “بوس بائسْ”، لعاجز الجسم بائسْ، ولا لكهل “كائسْ”، و لا لجاهل بائسْ يائسْ.
ولو كنتم في غير هذه الدولةْ، لتجرعتم مضض العيلةْ، ولسكنتم مع الكلاب الضالةْ، كما هو موجود في الدول الزالةْ، وقد نعمتم بأخلاق العربْ، الموروثة من الأم والأبْ، وباشتراكية الإسلامْ، النافعة لجميع الأنامْ، حتى تفرغتم لهذا اللعب المدامْ، المشبه من وجهين بالمُدامْ، والاتكال على ذلك الكرم القبيحْ، وتحريمه على غير العاجز الصحيحْ، و أقول لمن غرق في الأمانى و الأحلامْ، أحلام اليقظة والأوهامْ، أو من اغتر بما يرى في الأفلامْ، بما هو شبيه بما يرى في المنامْ، أقول له إياك أن تفتح جفنيكْ، قبل أن تقرأ وَ لاَتمدَّنَّ عَيْينَيكْ.
و أقول للشاعر صاحب الجائزهْ، أن تلك قضية غير جائزةْ، و أن من طلب في هذا الزمان العدالةْ، دل ذلك على أنه ذو جهالةْ، فهو كمن طلب الإنابة والإصابةْ، كما لو كانت في عصر الصحابةْ، وعليكم بكتاب سعادة الرجالْ، لما يناسب من الأعمالْ، ففيه ما يُقصعُ الغلهْ، ويشفى العلهْ.
و أختم حديثى بما به بدأتْ، ثم أخرج عنكم من حيث جئتْ، فاستعيذوا بالله من الخسرانْ، ومن كل شيطان ليطانْ، وعليكم بصحبة الأبرار والأخيارْ، و لاتصحبوا الفساق والفجارْ، واستفيدوا من هذا الفراغْ، و لاتكونوا كمن ضل وزاغْ، واعبدوا من شق لكم السمع والأبصارْ، وسخر لكم الشمس والقمرْ، وأنبت لكم هذا الشجرْ، الذى هو عبرة لمن اعتبرْ، وانظروا إلى هذه الظلالْ، ساجدة في الغدو والآصالْ، وانظروا إلى هذه القصورْ، فهي غير بعيدة من القبورْ، فكأنكم لا تعلمون الموتْ، و لاتخشون الفوتْ، فبادروا بالتوبةْ، من جميع الحوبةْ، واحمدوا الله واذكروهْ، واشكروه و لا تكفروهْ، وخافوا من شديد عقابهْ، و أطمعوا في جزيل ثوابهْ، واجعلوا قسما من الليل والنهارْ، لعبادة الخلاق الوهاب القهارْ، فهو الذى عليه المدارْ، في هذه الدار وتلك الدارْ، و أعيذ نفسى و أعيذكم بالله من النارْ، ومن شر الأشرارْ، ومن شر المعضلات القواصمْ، والمصائب الفواصمْ، وشر ما يحدث في العواصمْ، وليس لنا منه إلا الله عاصمْ، وشر كل أمر واصمْ، وشر كل ظالم وغاشمْ، وشر الزلازل والملاحمْ، وغصص الغلاصمْ، و شر فتن آخر الزمانْ، التى قد تكون في الأديانْ، فتزلزل القواعدْ، من كل العقائدْ، و أعوذ به من الخبال والوبالْ، والتراشق بالنبالْ، وكل داء عضالْ.
كما نعوذ به من شر العمل والعُــمَــلْ، وشر قلة العملْ، وشر الكسل وطول الأملْ، وشر الجد والهزلْ، والقهر والجبر والعدلْ، وشر الفيضانات والخسفِ، وشر الهدم والعسفِ، وشر الداهِى ، واقتحام النواهِى، وشر الدوانى والقواصِى، وشر الأدانى والأقاصِى، وشر العواصٍِى من النواصى، وشر المطيع والعاصى، وشر الداهم والدهمْ، والبندقية والسهمْ، و أمراض الفهم والوهمْ، و أمراض السغب والنهمْ، وشر ضعف الهممْ، وتبَــيُّــغِ الدمْ، و أنواع السقمْ، وشديد الألمْ، والتدخين والشَّمْ، ونسأله إصلاح الدنيا والآخرهْ، الباطنة والظاهرةْ.
هدانا الله و إياكم لما فيه الرشادْ، بجاه خير العبادْ، عليه الصلاة والسلامْ، وعلى آله وصحبه الكرامْ. فتأثرت الجموع بأقواله وأحوالهْ، حتى تعلقت بأسماله وأذيالهْ، وطلبت منه العود إلى الشجرْ، للزيادة من هذه الدررْ، ثم خرج من حيث جَا، فكأنه يشكو الوَجَا.
ثم جاءت امرأة قطعت الكلامْ ، وبدأت بالسلامْ، تسأل عن رجل لم تذكر إسمهْ، إلا انه وسَمَتهُ سِمَهْ، وبعد علاج طويلْ، وكلام ثقيلْ، تبين أنه رب البيتِ، وصاحب القيل والبيتِ، فقال لها أحد المُكلــمينْ، وكان منه إلى جهة اليمينْ، بيتين من بحر السريعْ، شفعهما بكلامه السريعْ:
[| [( فإنها لعـــــــــــادة سيئه*** ركيكة قبيــــــــحة نيئة
تجنب المرأة لإسم جلا*** بين الجموع عادة سـيئه )] |]
ألم تعلمى أنه من أطيب ما يطيبْ، عدم التفريق بين البغيض والحبيبْ، و أنه من أطيب الطيباتْ، عدم التخصيص في المجالساتْ،لا تميزى أبدا من ظل وزالْ ،عن من بات وأصبح وقالْ: فتلك من عوائد سالف الأبدْ، قد أخنى عليها الذى أخنى على لبدْ.
ثم قال رجل بات ساهرًا، بما أن زميله بات ناخرًا، قال بلهجة قوية للشاخرْ، وهو من الشاخر ساخرْ، أسهرتنى ليلة البارحة بالشخيرْ، ولاسيما في الثلث الأخيرْ، شخيرك شخير ثور مذبوحْ، يتشحط في دمه المسفوحْ، قد كادت أن تخرج منه الروحْ، وهذا التشبيه معين على الوضوحْ.
يا هذا أنت مريضْ، وعليك التداوى ولو بالجريضْ، أو تجرى لك عملية جراحيةْ، تكون لمرضك هذا ماحيةْ، قيقطع عنك ما يسد طريق الريحْ، فتنام ونستريح وتستريحْ، ولأن تموت في العمليةْ، خير لك من هذه البليةْ، أو تطعن في الحنجرهْ، طعنة مثغنجرهْ، أو تحتجم في البلعوم والحلقومْ، وتشرب زقين من الزقومْ.
فقال الشاخر للساهرْ، ما هذا إلا كلام ماكر ماهرْ، بل الذى لا ينام حول النخيرْ، بلزمه التداوى بلا تأخيرْ، فيجب عليك التداوِى، ولو بمحمرات المكاوِى، وما شبهتك إلا بعصبيِّ، أو من عقله عقل صبيِّ، فابتلع الأقراصْ، كي تحصل على الخلاصْ، ولكي تنسى المحن والإحنْ، وتطمإن بالإضجاع والوسنْ، فابتلع المنوماتْ، فالضرورات تبيح المحظوراتْ.
أو أنت مسحور لا ينامْ، لكثرة التفكير والأوهامْ، فاذهب يا أخى إلى حجابْ، لينكشف عنك الغم وينجابْ، فيدخل فيك مِشراطهْ، ويخرج منك مُشاطهْ، وينفث لك في العقدْ، فيخرج منك العقدْ.
وعليك بكل بارد رطبْ، في كل أكل وشربْ، واحذر الشاي والتدخين والنصبْ، وما شابه دخان الحطبْ، وإياك ثم إياك والرطبْ، فيخشى عليك منه العطبْ، وتجنب لبن
فانقسم الحاضرون قسمينْ، و أقسما أجهد أيمانهما قسمينْ ، كل يؤكد ويدينْ، بأن في جانبه حق اليقينْ، ثم تدخل “نزال” برأي بسيطْ، وحل للمشكلة وسيطْ، كان ممن سمع كلامهمَا، وعرف مقامهمَا، فقال : اذهبا إلى طبيب حكيمْ، يخرجكما من هذا الخلاف الأليمْ، فيحكم بالمرض على الشاخرْ، أو بالقلق على الساهرْ، فأيكما فحصه وداواهْ، و إلى مستشفاه آواهْ، فهو المريض بلا ريبْ، ويرجع إلينا زميله بلا عيبْ، “فيبوس ما نبوسْ، ويكوس كما نكوسْ”.
ثم سمعت حديثا ليس في الموضوعْ، لكنه ليس من الغريب ولا الموضوعْ، أن ليس من الغريبْ ،عند كل أريبْ، أن شطر بيت الرمل إذا تمْ ، يترجز بمتحرك يتقدمْ، وأن شطر السريع يترجزْ، إذا لحق به متحرك في العجزْ، و أن شطر الطويل في أذن السميعْ، يشتكل غالبا على شطر من السريعْ. ولا أن تكون القصيدة قصيدتينْ، من بحرين متقاربينْ، لكل منهما حرفها القافِى، المميز لها كما فِي:
وهذا أن الزيادة واحدةْ، قبل البيت الأول قاعدةْ، ويبقى من آخر بيت نهايةْ، مثلما زاد في أول بيت البدايةْ، فتكون بسيطا سويَّا، إلا أنك لا ترى لها رويَّا، وبالإمكان إفراز رويينْ، لكل من القصيدتينْ، فقلت هل عندك مثال يشهد لهذا المقالْ؟ قال عندى مثال ، لما هو سويٌّ، وليس رويُّ، واسمع القطعة العادية أولاً، ولم يكن المثال مطولاً، ثم سكت قليلاً ، قال إليكها طويلاً، ثم استجم فكره و أجالهْ، و أنشدنى مقالهْ:
[| [( قفا نبك من ذكر الأحبة في الـــهنا*** ودار لهــند والرباب وفــــــــــرتنا
بسقط اللوى بين الدخول فحــومل *** وجـدت المنى حتى جنيت به الجنا
تفرقن في “الكـــبات” بعد صـــبابـة*** وشــبن بها شيبا يخـــــــــــبر بالفنا
و تبن إلى الرحمان توبة مخلص*** وتاب الذى يبــــــك الديار من الخنا
تفرقن في “الكبات” بغــــــية قطعة *** من الأرض قصوى لا تقر بها البُنا )] |]
و إليكها بسيطا بزيادة (ألا) ونقص حرف (بُـنَا) ثم تلا قطعة شعرية بلا رويٍّ، بصوت جهوري قويٍّ، لا تزيد إلا بحرف استفتاحْ، وهو للقطعة كالمفتاحْ:
[| [( ألا قفا نبك من ذكر الأحبة فى الـ *** هنا ودار لهــــــــــــــــند والرباب وفرتنا بسقط اللوى بين الدخــــول فحو *** مل وجدت المنى حتى جنــــيت به الـ
جنا تفرقن في “الكبــــات” بــعد صبا *** بة وشين بها شيبا يخــــــــــــــبر بالــ
فنا وتبن إلى الرحــمان توبة مخـــ *** لص وتاب الذى يبك الديـــار من الــ
خنا تفرقن في “الكبات” بغـــية قطــ *** عة من الأرض قصوى لا تقر بها الــ (بنا) )] |] ولو سمح الوقت لأريتك رويينْ ، بارزين للقطعتين متحدتينْ.
يتبع في الجزء الثاني بحول الله
مقامة روعة تستوقف في كل مقاطعها من مقدمتها إلى خاتمنها وهكذا محمدن رحمه الله وأوقفتني تأملاته حين قال
و أختم حديثى بما به بدأتْ، ثم أخرج عنكم من حيث جئتْ، فاستعيذوا بالله من الخسرانْ، ومن كل شيطان ليطانْ، وعليكم بصحبة الأبرار والأخيارْ، و لاتصحبوا الفساق والفجارْ، واستفيدوا من هذا الفراغْ، و لاتكونوا كمن ضل وزاغْ، واعبدوا من شق لكم السمع والأبصارْ، وسخر لكم الشمس والقمرْ، وأنبت لكم هذا الشجرْ، الذى هو عبرة لمن اعتبرْ، وانظروا إلى هذه الظلالْ، ساجدة في الغدو والآصالْ، وانظروا إلى هذه القصورْ، فهي غير بعيدة من القبورْ،….
شكرا لكم على هذه الدرر النفيسة
جزاكم الله خيرا على هذه التحفة الفنية الرائعة
يجمع الكل على أن المرحوم محمدن بن فالى كان شخصية فذة متميزة ورغم أنه رحل عنا بتأملاته واستنتاجاته ، إلا أن موقعنا المحترم جلب لنا نزرا من تلك التأملات من خلال هذه المقامة الحريرية الرائعة.
فهي عصارة من النثر الفني السهل الممتنع ناقش الأديب من خلالها الكثير من الظواهر المنتشرة في المجتمع خصوصا فى بدايات التقرى في انواكشوط و أبان فيها عن امتلاك ناصية العديد من الفنون من شعر ونقد و أدب و نكت وفقه و أصول وطب وعلم اجتماع……
و من الطريف استخدامه لبعض العبارات الدارجة مثل البعرة والعود وهو أمر تعودناه في شعر أهل اببابة ويبدو أن نثرهم أيضا لم يسلم منه و لعل ذلك هو السر وراء تذوق الجميع على مختلف مستوياتهم لأدب هذه الأسرة العلمية العريقة.
و ليت يكبر و الموقع زادونا من كنوز الفقيد