كل يوم بعد يوم يقترب منا عالم الافتراض كما نقترب منه، ويصبح مألوفا كأي غرفة من غرف منزلنا ندخلها لمختلف الأغراض.
ومع تقدم الزمن واستمرار التصادم بين طبيعة الإنسان و احتكاكه بالناس في الواقع وبين شخصيته في عالم تمثله به صورة وكلمات يرسلها إلى غيره، تولد ثقافة اجتماعية جديدة تأخذ عند كل قوم منحى موافقا في الغالب لديدنهم الذي تلقوه في حيهم الذي عاشوا فيه بداية حياتهم.
هذا وقد بدأت نتيجة التصادم بين الإنسان في عالميه تخرج للعيان وبدأنا نشعر ذلك في بعض ما يجمعنا من مواقف وأحداث ينعكس بعضها على الصفحات الافتراضية بقصد أو بلاوعي من صاحبها.
حتى أننا أصبحا اليوم ونحن هنا في الافتراض نشاهد جميع التصنيفات التي نصف بها شخصية الإنسان في الواقع، حسب منشوراته وتعليقاته وإعجاباته، فظهر استبتيك الافتراضي و لكياسة الافتراضية والثقل الافتراضي والخجل الافتراضي ولعكر الافتراضي وازروكية الافتراضية واستدمين الافتراضي والمطابقة الافتراضية وهناك مزدوج اتموليح والثقل والغسلة، كما أشار علي أحد الزملاء أنه تختلف ازروكية الأديب عن ازروكية الفتى بالتأنيث والتذكير.
إلا أن بعض هذه التصنيفات لم تكن دقيقة عندنا في الواقع، حيث يختلف الناس في إطلاقها في الواقع تبعا لبيئتهم ولعواطفهم ومواقفهم من الآخر، ما جعلها هنا تبدو أوضح منها في الواقع، وذلك باعتبار أن “الفيس بوك” كما أسلفنا عالم يختبر لاوعي الإنسان ويستفز مكبوتاته ويعكس الجانب الخفي من شخصية الانسان؛ وكأنه يتجسس على شخصيته المكتومة، ما يجعل الكائن الافتراضي يتيه وكأنه بمفرده. .
وقد اختلف اهل آسكر في تعريف ازروكية كما اختلف “هل افيسبوك” في امتثالها، ويرى بعضهم أنها ضد “الكز”، وقد عرفها بعضهم أنها صفات وأقوال تظهر شخصية الإنسان بوضوح و يبدو صاحبها جليا وعلى بابه، ويصفها بعضهم أنها مستوى من الغياب الاجتماع ناتج عن قلة الانتباه وضعف الوعي “الآسكري”، وهي في نظر بعضهم ظهور حقيقة الإنسان قبل حينها وعدم أخذ الحيطة في امتثال إملاءات المجتمع الأصلي والتهاون في تجنب محظوراته.
أما “ازروكية” الافتراضية فلم تبتعد من الأخرى لكنها اختلفت عنها قليلا وجاءت كالظل لها وتظهر أكثر في بعض المنشورات كما تظهر في التفاعل مع بعض المنشورات التي تتجاوز أحيانا حدود اللياقة الاجتماعية في العادة والعبادة حسب المستويات العمرية وجنس الإنسان.
ومن الجيد هنا أن نتناول قضية الصداقة الافتراضية لنشير على عجل إلى انها اختيار من طرفين ولا تلزم أحد طرفيها باعتبار الآخر غير صديق، فهي تراض وتوافق ولكنهما سيجدان نفسيهما مضطرين لأخذ موقف كل من صديقه الجديد الذي يعرف له واقعا غير الصداقة، وخصوصا إذا كان لهما ماض وحياة مختلفة .
وليس من الغريب إن يجد “ازرك” مكانا مثاليا في عالم مارك الأزرق؛ حيث أن مجرد إنشاء حساب جديد يتطلب من الإنسان أن يتملص من وصايا مجتمعه، ويعرف بنفسه، ويبدأ في استزريك والخروج على ذاته.
عالم مارك ورغم ما يوجد به من ما يخالف الطبع الأصيل للانسان البدوي ذي الشخصية الرزينة، إلا أنه يوجد به بعض من مازالوا يقيمون على ديدنهم الأول متمسكين بخلفيتهم الأولى لم يزغهم عنها زائغ، حتى أن بعضهم لم يجعل لنفسه ولا لحسابه صورة أخرى على حسابه، ومن النادر أن يكتبوا شيئا أو يتفاعلوا مع المنشورات وغالبا ما يكتفي أحدهم بالإعجاب ، وفي أولائك يقول الشاعر:
إن في الفيس لدينا فطنا @تركوا التدوين خوف الخنى
نظروا نظرة توجيه لنا@ميزت بين ظلام وسنا
وإن رأوا منا قليلا صالحا @سألوا عنا وقالوا مالنا
وإذا رأوا منا نقيضا طالحا @حسنوه لنراه حسنا
وكذا المرأ جميل عنده @ ما يرى غير جميل زمنا
وقد انتبه بعض المفكرين إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ما هي إلا استفزاز نفسي أو اختبار نمطي لإظهار شخصية الإنسان الراسخة في خلده والتي يخفيها دائما ويحاول أن يظهر بخلافها، حيث أنه لا وجود للافتراض فما إن ينفعل الانسان تحت أي تأثير وبأي اسم مستعار حتى يمكن تحديد اتجاهه النفسي، ومساره الاجتماعي وفق بعض الاعتبارات التي يعرفها أهل “ذلك الفن” ويميزون بها غيرهم.
ديدي النجيب