قبل ظهور المواقع الإلكترونية، لم يكن باستطاعة مثلي من العوام أن يرى اسمه الكامل وصورته مرفقين مع مقال أو دراسة منشورة، فقد كانت الجرائد والمجلات حكرا على الإعلاميين والمثقفين، أما الكتب والمصنفات فهي من اختصاص العلماء والشيوخ، و من المستحيل عقلا – آنذاك- أن تحدثك نفسك بالتصنيف فمن ألف فقد استهدف.
وبعدما أصبح الإنترنت مشاعا، وظهرت المدونات والمواقع، وانتشرت منصات التواصل الاجتماعي، وعمت البلوى باستعمال الهواتف الذكية، بات فتح حساب في فيسبوك مثلا يمنحك فرصة التعبير عن رأيك بدون حسيب علمي أورقيب لغوي، وبمجرد نشرك لبضع تدوينات، تنهال عليك التعاليق والإعجابات المشيدة بك وبعلمك، فتميل نفسك إلى تصديق ذلك، اعتمادا على أن معظم المعلقين ليسوا من أقاربك الأدنين، ولا ينحدرون من مسقط رأسك، ولا يربطك بهم سابق ولا لاحق معرفة، ولا شك أن إعجابهم بما تكتب إنما جره تميز طرحك، وجودة أسلوبك، ورجاحة عقلك، وليس داخلا في باب المجاملة إطلاقا، وقديما قال سلفنا الصالح إن ألسنة الخلق أقلام الحق ، فلعل الله ألقى القبول على كتاباتك، فتلقفتها ألف حساب من أهل الفضاء الأزرق، وما النصر إلا من عند الله، ثم تتتابع السنوات وتتضاعف التدوينات، ويضيق الحساب عن استيعاب الأصدقاء الافتراضيين، ويكثر المتابعون، فتحدثك نفسك أنك أصبحت من كبار المدونين، وقادة الرأي الذين يؤثرون في المجتمع، وأن المخزن أصبح يحسب لحسابك ألف حساب، ونظرا إلى أن مواكبة الأحداث اليومية، تتطلب تفاعلا سريعا من المدونين الكبار، فسيدفعك ذلك إلى تسور علوم الفقه والتاريخ والجغرافيا و فلسفة العلوم، والطب التقليدي، وعلم الجفر والأوفاق، وقصص ماركيز، وكفاح اتشيغيفارا، ومذكرات كلينتون، وفكر علي عزت بيجوفيتش، و الفرق بين الحرب الهجينة والحرب بالوكالة، ونظرا لضيق الوقت ومتطلبات عصر السرعة، وتشعب الموضوعات فستلجأ إلى الطريق المختصر المعروف اصطلاحا ب “المعرفة فود” على وزن “فاست فود” فتتعلم تقنيات البحث في الشيخ غوغل وشقيقته المكتبة الشاملة، وتطور مهارة القص واللصق، وكلما كنت محترفا زاد معجبوك و تضاعف المشاركون لما تنشر، وانتشر المشيرون إليك، فتهدي من تشاء وتضل من تشاء.
ثم إن من سنن الله في خلقه أن كل نجاح يخلق عدوا، لا سيما في ظل انتشار أمراض القلوب وندرة شيوخ التربية، فتضطر إلى أن تغمس يمين حلف مع بعض التيارات ذات الخلفية الفكرية، على أساس أسلفني أسلفك، ولا شك أن طلب الشخص من غيره أن يمدحه، يدخل في باب النهي عن تزكية النفس، وقد يقود صاحبه إلى المداهنة والتضامن والتغابن والتلاسن، وقد يجرك الحلفاء الجدد – لا قدر الله – إلى أن تنشر تدوينة لا تلقي لها بالا فترميك في غياهب السجون، فتندم ندامة الكسعي، خاصة إذا تقاعس عنك المدونون وتنكر لك الحلفاء، وتشفى فيك المرجفون، وقد يعفو صاحب الدعوى ويصفح، فترجع إلى أصدقائك الافتراضيين بوجه غير الوجه الذي ذهبت به عنهم وذو الوجهين لا يكون وجيها عند الله.
من ناحية أخرى، فقد اتفق متذوقو الأدب في المفازة على أن “أمات لبتيت” تعد قمة أدب الحسانية، ويقابله “بوسوير” وبينهما مراتب يدخل فيهن إنتاج كثير من أهل اليوم، وقد اتفق النقاد على إطلاق مجموعة من الألقاب على مختلف المراحل التي يمر بها الشاعر الحساني، ابتداءً من بوسوير مرورا بلغن والبدع وانتهاءً بالأدب، فكيف يمكن الاستفادة من هذه التجربة في اختيار ألقاب تلائم مراحل التدوين عند الموريتانيين؟؟؟
سؤال موجه للمتابعين المحترمين
وهذا مقال صغته متدخلا ***به الملتقى من ذي سوير ملفق
يعقوب بن اليدالي
رحم الله بباه ول أميه رحمة واسعة
فما هو من أهل ذي السوير فقد فاق و ذاق و تخير من المانات و فدر السنام
و كذلك مقالكم أخي الباحث دام قلمكم ينم عن حس نقدي عميق
يعرض بسخرية لاذعة لا يدرك كنهها عامة الناس
طلاوة ظاهره و و قرب مأخذه و أدب تناوله و فكاهة اسلوبه تجعل أغلب القراء لا ينفذون إلى المعاني الدقيفة و الأفكار النيرة و الإشكالات المهمة و الممارسات المشبوهة التي يعرضها المقال
هذا المقال يعتبر في نظري تأسيسا لنوع جديد من النقد و التقويم و التقييم لا بد منه كصمام أمان يراقب هذه الحالة الفوضوية التي ستنتج إن تواصلت نقيض مبغاها