مجلس اللسان العربي بموريتانيا
محاضرة بعنوان
تقنيات التخميس في ديوان الوسائل المتقبلة لابن المهيب ومكانة هذا الديوان في الثقافة الشنقيطية
يقدمها
الأستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف
بتاريخ 25 ربيع الأول 1441
الموافق 23 نوفمبر 2019
بمقر المجلس في نواكشوط
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق حبيب الحق وعلى آله وصحبه
ثم إن شكري هنا لمجلس اللسان لا يعبر عنه لسان إذ أتاحوا لي فرصة الحديث أمام هذا الجمع الكريم من العلماء والمثقفين والدكاترة المرموقين في موضوع له علاقة بمأمورية اللسان وشرف المكان وقدسية الزمان شهر ربيع الأول.
موضوع هذه المحاضرة ـ أو الحديث على الأصح ـ هو تقنيات التخميس في ديوان الوسائل المتقبلة لابن المهيب[1] ومكانة هذا الديوان في الثقافة الشنقيطية.
وقد قسمنا هذا الموضوع إلى خمسة فصول ـ معينة في فهمها على الوصول ـ تتقدمها مقدمة تحدثنا فيها عن سبب اختيارنا لهذا الموضوع والخمسة الفصول هي:
ـ الفصل الأول في التعريف بالشاعرين المُخمس بصيغة اسم المفعول والمخمِّس بصيغة اسم الفاعل وهما الفازازي وابن مهيب.
ـ الفصل الثاني في التعريف بالديوان اسمه وموضوعه ومحتواه.
ـ الفصل الثالث مميزات الديوان
ـ الفصل الرابع ظاهرة التخميس وتقنياته عند ابن المهيب
ـ الفصل الخامس مكانة الديوان في الثقافة الشنقيطية .
مقدمة في سبب اختياري لهذا الموضوع
لعل الدافع الحقيقي لاختياري لهذا الموضوع بالذات هو ارتباطه لا شعوريا بذكريات سعيدة عشتها في طفولتي الأولى على النجد الشرقي والنجد الغربي لبئر انيفرار حاضرة أهلنا في قلب إيكيدي حيث كنت أستمع وأنا صغير إلى المشايخ والشباب وهم يقرأون وربما يترنمون بقصائد هذا الديوان، ثم إنه قد ارتبط عندي لا شرطيا بأفراح العيد عيد المولد النبوي الشريف وما كان يصاحبها عند الناس من تحرر من صرامة الرقيب الاجتماعي في ذلك المجتمع المعروف بالحفاظ على الحشمة والوقار.
وبالإضافة إلى ذلك لا شك أن هذه المناسبة التي نعيشها في الوقت الراهن وهي إطلالة العيد النبوي المبارك هي مبرر كافي لهذا الاختيار، فهذا العيد هو حسب رأيي هو عيد كلمة الإخلاص.[2]
وبناء على هذا اقترحت على السيد رئيس مجلس اللسان العربي ـ أيده الله ـ أن لا تمر هذه الفرصة (فرصة العيد النبوي) دون أن يكون لهذا المجلس الموقر ذكر وشدو وزفن، لشدة ارتباط مأموريته بهذه الذكرى، فاللغة العربية هي لغة صاحب هذا المولد الشريف ولغة كتابه ولغة دينه ولغة أصحابه ولغة أهل الجنة التي وعد المتقون من أهل أمة إجابته فاقترحت عليه أن أقدم عرضا في هذا الإطار وتم اختياري لهذا الموضوع “تقنيات التخميس في ديوان الوسائل المتقبلة لابن المهيب ومكانته في الثقافة الشنقيطية”، نظرا لهذه الأسباب ولجودة الشعر وحسنه ولا غرابة في ذلك فهو من منبع أندلسي وزهر من تلك الرياض وشدو عندليب من تلك الخمائل وخرير جدول من تلك الجداول.
فوفق الله تعالى فجمعت في هذه الأوراق من ذلك ما أنا ملقيه إليكم أيها السادة الكرام مع البراءة من كل عيب يكون فيه، ظاهر أو خفي مع يقيني أن موضوع الكتاب يغفر كل ذنب ويبدل كل سيئة حسنة.
الفصل الأول في التعريف بالشاعرين وهما أبو زيد عبد الرحمن الفازازي وأبو بكر بن المهيب :
1ـ أما الفازازي فهو منسوب إلى جبال فازاز بالمغرب واسمه عبد الرحمن أبو زيد بن يخلفتن الأندلسي. ومن الشائع في البلاد الأندلسية والمغربية أن كل من تسمى بعبد الرحمن يكنى بأبي زيد[3].
ووصفوا الفازازي بأنه “الوزير” “الفقيه” “الفاضل” وترجم له في نيل الابتهاج وقد أنشأ هذا الديوان سنة 604 هـ في حاضرة قرطبة من بلاد الأندلس ورواه عنه الإمام الحافظ الشهير يوسف بن مسدي المهلبي المالكي في شهر شعبان سنة 624 هـ وحدث به في المسجد الحرام.[4]
والفقيه في الاصطلاح القديم هو من يعول عليه في الفتوى والقضاء والشورى في القضاء.
أما الوزير فتعني في المصطلح القديم كذلك كل من له وظيفة رسمية فكرية في بلاط الأمير وقد تكون له حقيبة وزارية فعلية وقد يكون مجرد كاتب. ويلاحظ أن هذه الوظيفة في القطر الأندلسي كانت لا تتنافى بتاتا مع التبحر في العلوم الشرعية واللغوية وكلنا يعرف عن أبي داود سليمان بن نجاح مولى الأمير هشام المؤيد وهو إمام في المقرأ وعن البطليوسي والأعلم الشنتمري وابن زيدون وغيرهم وهذا لا يستغرب إذا علمنا أن الأمير الحكم الأموي كان من المولعين بالعلم والتقاييد العلمية وجمع المكتبات والمخطوطات ومن شأن ذلك أن يشجع غير الأمراء على هذا التوجه لأن الرعية كما يقال على قلب الأمير.
أما صفة الفاضل فتعني في مصطلح الثقافة القديمة أن المتصف بها لم ينس حظه من الدنيا ولا من أسباب الشهرة والفتوة وقد يتصف بالعلم ولا يشترط فيه الصلاح ولا النسك.
وتضافر هذه الصفات في المترجم يعطينا فكرة عن شخصيته ومكانته العلمية والاجتماعية.
كان الفازازي عالمًا بالآداب متصرفًا في فنونها كاتبًا بليغًا شاعرًا مجوّدًا وافر المادة قوي العارضة مشاركًا في أصول الفقه، ذا معرفة بعلم الكلام ناظرًا في الفقه، كتب دهرًا طويلًا للولاة، وجال بلاد العدوة والأندلس كثيرًا، غلب عليه الأدب ومال للتصوف بأخرة وشهر به وله أشعار في الزهد سارت عنه، ومال لصحبة المريدين والسعي في مطالبهم والتشدد على أهل البدع.
ونالته في آخر حياته جفوة السلطان بقرطبة واشبيلية فألزمه داره سنة 626 هـ ثم ظعن في آخرها للعدوة فتوفي بمراكش في ذي القعدة سنة 627 هـ. [5]
وله العشرينيات المعروفة في مدحه صلى الله عليه وسلم وخمسها ابن المهيب وهي موضوع حديثنا.
2ـ وأما ابن مهيب فهو أبو بكر محمد بن المهيب اللخمي نرجم له ابن الخطيب في كتاب الإحاطة وعده في من دخل غرناطة.
ولخم قبيلة مشهورة من القبائل القحطانية برز منها ملوك في الجاهلية ودخلت الأندلس منها أسر مرموقة منهم آل عباد ملوك إشبيلية.
وورد في بعض طبعات ديوانه أنه من صحراء المغرب.[6]
والذي في ترجمته أنه أندلسي لم يزر المغرب إلا مرة واحدة زار مدينة سبتة وبها توفي[7]. فلعله أن يكون هاجر إلى الأندلس في فترة مبكرة من عمره مع أن تيار الهجرة في تلك الحقبة كان على العكس لأن حركة الاسترداد استرداد الأندلس قد بدأت تستفحل فنحن في القرن السابع الذي سقطت فيه مدن الأندلس واحدة بعد الأخرى فلم يبق منها إلا حمراء بني الأحمر في غرناطة محاصرة مدة قرنين.
وابن المهيب فقيه وشاعر ذكر ابن الخطيب نماذج من شعره[8] ولا شيء أدل على تفننه في الشعر وسيطرته على زمام البلاغة من تخميسه لعشرينيات الفازازي، ولابد من التنبيه على أنه معاصر للفازازي وبين وفاتيهما ثماني عشرة سنة فلا يبعد أن يكون قد أخذ عنه وروى عنه مباشرة العشرينيات التي خمسها.
وتوفي بسبتة أول ليلة من جمادى الآخرة عام 645 هـ.
الفصل الثاني: التعريف بالديوان
ديوان الوسائل المتقبلة عبارة عن تسع وعشرين قصيدة تبدأ بحرف الهمزة وتحتوي على حرف اللام والألف وتنتهي بالياء ولا وجود فيها للألف المقصورة.
وكل قصيدة تحتوي على عشرين بيتا من بحر الطويل وكل قصيدة خصص لها حرف من حروف المعجم حسب الترتيب المشرقي وموضوعها هو مدح النبي صلى الله عليه وسلم والثناء على أخلاقه الكريمة ومكانته عند الله ونفعه في الدنيا والآخرة للبشرية والأمة والثناء على ذاته الشريفة ودينه القيم وأصحابه البررة والحنين إلى زيارته وزيارة البقاع الطاهرة ذات الصلة به من مكة موضع ميلاده ومهبط الوحي إليه والمدينة المنورة داره ومحل إقامته.
ويحتوي الديوان على 2900 شطر.
والديوان المخمس اسمه الوسائل المتقبلة كما ورد في مقدمة تخميس ابن مهيب قال: “وبعد فإني لما وقفت على القصائد العشرينيات التي نظمها على حروف المعجم الشيخ الفقيه الجليل العارف أبو زيد الفازازي (…..) ورأيت أنه نفعه الله إذ قد توسل بذلك من الوسائل المتقبلة بأنجحها …. فانبعثت لقصائده المذكورة ولست من رجال أبي زيد ولا من أقرانه …. وقد بلغت من فضيحة نفسي أن جاريته في ميدانه فقرنت مخشلبي وسيء جلبي بلؤلؤه ومرجانه….. إلخ.[9]” إلا أن ابن المهيب مع هذا التواضع قد تحدى القارئ إذ قال أنه يأذن لمن لم يعجبه هذا التخميس أن يأتي بمثله أو يبحث عنه عند غيره.
كما ورد ذكره بهذا الاسم في الشرح المعروف بالنفحة العنبرية للشيخ محمد بن مسنة بن غم بن محمد بن عبد الله بن نوح البرنوي مع أنه لا يستبعد تسمية الدواوين بهذا النوع من الأسماء في تلك الفترة وقبيلها فهذا ابن عبد ربه ينشأ ديوانا في الزهد والحكم سماه “بالممحصات” أي مكفرات الذنوب تكفيرا عما قاله من الأشعار التي خصصها للغزل ووصف الخمر والملاهي.
وقد طبع هذا الديوان عدة مرات في مصر وفي لبنان وفي غيرها وغالبا ما تطبع معه أشعار ومقطعات للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني وتوجد منه مخطوطات أدركتها في مكتباتنا الأهلية كما حظي بعناية الدارسين.
وقد شرحه علماء أحسب أنهم من نيجيريا منهم الشيخ الذي ذكرناه آنفا محمد بن مسنة البرنوي شرحه بكتابه المعروف بالنفحة العنبرية وقد اختصر هذا الكتاب الشيخ محمد غبريم بن محمد الداغري المالكي الأشعري التيجاني اختصارا سماه النوافح (أو النوافج) العطرية المختصرة من النفحة العنبرية في حل الألفاظ العشرينية في مدح خير البرية أكمله في ربيع الثاني سنة 1366 هـ.[10]
كما كانت عشرينيات الفازازي كذلك موضوعا للدراسات التالية:
ـ دراسة وصفية في الموضوع الشعري لعشرينيات الفازازي للأستاذ الدكتور علي كاظم المصلاوي المدرس المساعد بجامعة كربلاء/ كلية التربية.[11]
ـ دراسة بلاغية تحليلية، أحمد موسى عبد الله، جامعة إفريقيا العالمية.[12]
كما عشره الشيخ الحاج عمر بن سعيد الفوتي رحمه الله فرفع عدد أشطاره من خمسة إلى عشرة.
الفصل الثالث: مميزات هذا الديوان
من أهم مميزات هذا الديوان الأمور التالية:
1ـ اقتصاره على بحر الطويل. ولنا أن نتساءل عن السبب في ذلك والذي يظهر أنه اختار هذا البحر لأنه من البحور الطويلة “الجدية” التي هي أقرب إلى الوقار وقدسية الموضوع وهو مدح النبي عليه الصلاة والسلام وقد ثبت بالاستقراء أن العرب أكثر ما نظموا في الجد هو في بحر الطويل ومن استقرأ الدواوين كالحماسة والشعراء الستة وديوان غيلان وديوان جرير والفرزدق وشعراء هذيل وجد بحر الطويل قد استحوذ فيها على المواضيع الجدية، ولا يعكر على هذا ما نظمه الشعراء العذريون من قصائد كثيرة في بحر الطويل من أمثال جميل وقيس بن الملوح وقيس بن ذريح فإن الغزل والتعبير عن الحب عندهم هو من المواضيع الجدية.
على أن المناسبة بين البحور الشعرية وأغراض الشعر موضوع لم يشبع بعد بحثا حسب ما نرى وإن كانت قد تبرز منه نبضات في بعض الأحكام النقدية ولعل أول من تطرق له بشيء من الجدية والتحليل هو الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله في كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب.
قال: “الطويل والبسيط أطولا بحور الشعر العربي، وأعظمها أبهةً وجلالةً، وإليهما يعمد أصحاب الرصانة. وفيهما يفتضح أهل الركاكة والهجنة. وهما في الأوزان العربية بمنزلة السداسي عند الإغريق، والمرسل التام عند الإنجليز. والطويل أفضلهما وأجلهما وهو أرحب صدرًا من البسيط، وأطلق عنانًا، وألطف نغمًا. ذلك بأن أصله متقاربي، وأصل البسيط رجزي، ولا يكاد وزن رجزي يخلو من الجلبة مهما صفا.
ومما يدلك على سعة الطويل، أنه يقبل من الشعر ضروبًا عدة كاد ينفرد بها عن البسيط. مثال ذلك أن الشعراء الغزليين على عهد بني أمية أكثروا من النظم فيه على أنهم أقلوا جدًا من البسيط.
وقد أخذ الطويل من حلاوة الوافر دون انبتاره، ومن رقة الرمل دون لينه المفرط ومن ترسل المتقارب المحض دون خفته وضيقه، وسلم من جلبة الكامل وكزازة الرجز وأفاده الطول أبهةً وجلالةً. فهو البحر المعتدل حقًا. ونغمه من اللطف بحيث يخلص إليك وأنت لا تكاد تشعر به.”[14]
وقد تطرق المعري لهذا المعنى بشيء من الطرافة حيث ضرب في رسالة الصاهل والشاحج لبحور الطويل والبسيط والمديد مثلا بأولاد الخليفة المهدي فجعل المديد بمنزلة إبراهيم بن المهدي والبسيط بمنزلة موسى الهادي والطويل بمنزلة هارون الرشيد وسماه ملك بحور الشعر.
ولعل الفازازي اختار هذا البحر ابتعادا عن البحور الراقصة التي كانت أدباء الأندلس يسلكونها في أشعار المجون والخمريات ونحو ذلك من أمثال الرمل والمضارع والبسيط والمتقارب والمتدارك والسريع ونحوها.
ولعل هذا السبب نفسه هو ما جعله يعزف بالمرة عن استعمال المقدمة الطللية والغزلية في هذه الأشعار مع أنه لا حرج فيها من الناحية الشرعية فلا تنافي الزهد ولا الورع.
2ـ اختياره لعدد العشرين فلم يزد عليه ولم ينقص ولعل السبب في ذلك هو السعي إلى التوسط بين المقطعات القصيرة وبين القصائد المطولة ذلك أن القطع القصيرة قد لا تفي بالمراد والقصائد الطويلة قد لا تخلو من الإسهاب فكان بين ذلك قواما.
3ـ التزامه في أول البيت بحرف الروي في آخره مما يمكن أن نسميه بالروي المقلوب.
ومعروف أن هذه الممارسة لا علاقة لها بالأغراض البلاغية[15] كما نبه على ذلك ابن الأثير في المثل السائر وإنما هي نوع من عرض العضلات وإظهار التمكن في اللغة فهي تشبه ما تعاطاه القاسم الحريري في مقاماته من المقطعات التي فيها حروف معجمة وحروف غير معجمة ونحو ذلك.
ولا يبعد عندنا أن يكون التزام هذا الحرف أول البيت تأثرا بممارسات علماء الأوفاق والجداول والأسرار الذين يقطعون الأسماء والآيات القرآنية فيجعلونها في خانات مربعة أو دائرية يطلق عليها الجداول والأوفاق حسب ضوابط عندهم معروفة وقد ازدهر هذا العلم ابتداء من أوائل القرن السادس.
ويوجد كثير من ذلك في أشعار الشيخ الخديم امبك ـ رضي الله عنه ـ يعمد إلى آية من القرآن فيجعل كل حرف منها بداية بيت من الشعر يتوسل به إلى الله تعالى ويدعوه.[16]
وقد تطور هذا الاتجاه إلى تخصيص كلمة من أول البيت لتصير بداية قصيدة تقرأ عموديا وربما قصائد متعددة كما فعل الشيخ سيدي الكبير في مدح الشيخ سيدي المختار الكنتي في قصيدته التي مطلعها:
طلعت ببرجك للبرية أسعد أيام جاد بك الزمان الأجود
ففي هذه القصيدة ثلاث قصائد في بحور مختلفة كل واحدة منها تسمى باسم هندسي كسرد المساحة ونحو ذلك.
وقد يقع ذلك في الكتب النثرية فيحتوي المؤلف الواحد على عدة مؤلفات في فنون شتى كما وقع في كتاب عنوان الشرف الوافي في الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي لإسماعيل بن أبي بكر المعروف بابن المقري الحسيني اليمني الشافعي المتوفى سنة 837 [17]هـ وقد ذكر السيوطي أنه ألف كتابا على هذا النحو.
ولهذا الروي المقلوب فوائد عند طلاب المحاظر إذ كان يساعدهم فيما كان يسمى بالندوات الشعرية التي يطالب فيها المشاركون كل بإنشاد بيت يبدأ بحرف على روي البيت الذي أنشده من قبله في الدائرة ولهم في ذلك حروف سهلة وحروف بكيئة.
4 ـ سلامة الألفاظ وفخامتها وسلاستها وبعدها عن التعقيد مع وجود المحسنات البديعية فيه بصفة عفوية سهلة لا متكلفة ولا متعسفة ونكتفي هنا بثلاثة أمثلة الأول قوله:
فكم دارم للموت من آل دارم ومن صارم أبلى بهامة صارم
وكم من أبي في العرمرم عارم ظنابيبهم مقروعة بصوارم
من الحق تغدو في الكلاءة والحفظ [18]
والمثال الثاني:
فكم ترحة قد ذادها ومعرة وكم فرحة قد قادها ومسرة
وكم بسطت منه لدى كل عسرة يمين نوال تحت نور أسرة
فأهلا وسهلا بالصباح وبالسقيا[19]
المثال الثالث قوله:
تأخر بعثا وهو فرد مقدم من النجم أهدى بل من الغيث أكرم
من الأم أحنى بل من الأب أرحم جميل جليل في القلوب معظم
به الأرض تزهو والبرية تبهج
5 ـ عزوفه عن تصريع البيت الأول فلم يصرعه إلا في حرف الباء حيث قال في اول الحرف:
صبوت إلى الدنيا وذو اللب لا يصبو وغرك منها السلم باطنها حرب [20]
مع أن تصريع البيت الأول عادة درج عليها غالب الشعراء على أن منهم فحولا لم يتقيدوا بها وعلى رأسهم الشاعر الفرزدق فجياد قصائده خالية في الغالب من هذا التصريع ولم يقدح ذلك في جودتها فلعله هو سلف الفازازي في هذا المسلك.
6 ـ كونه يفيض عاطفة وصدقا ويعرب عن حب عميق ولا سيما عندما يشكو ألم البعد عن الحبيب وتعذر الوصول إليه مع نزعة صوفية يكاد يصرح بها في آخر كل قصيدة فاستمع إلى قوله:
لقد مسنا طول الفراق بنصبه فصرنا نحب الموت ضيقا بكربه
فيا ليتنا متنا اختراما بحبه يسير علينا الموت في جنب قربه
ومن قصد المحبوب لم يسأل البقيا
فيا ربنا في أرضه وسمائه أمتنا على تصديقنا باصطفائه
وإنا وذو الأشواق يعيى بدائه يشق علينا الموت دون لقائه
إذا الدين لم يكمل فلا كانت الدنيا [21]
وقوله:
سلا قلب من يسلو وقلبي ما سلا وعن كل شيء ما خلا حبه خلا
يعز علينا أن نقيم وترحلا خفاف المطايا نحوه تسم الفلا
وليس لها إلا العقيق منوخ
الفصل الرابع: ظاهرة التخميس وتقنياته في الديوان
التخميس عبارة عن جعل البيت الذي كان شطرين خمسة أشطار بزيادة ثلاثة أشطار في أوله بمثابة ما نسميه في الشعر الحساني بالعقارب ولم يظهر التخميس إلا في القرون المتأخرة.
ذلك أن تسلط الشاعر على شعر غيره يتجلى في خمسة أنماط هي:
ـ الانتحال ويسمى سرقة اللفظ والمعنى ولا خير فيه[22] وقد أفتى الحريري في مقاماته بأن سرقة الأشعار كسرقة البيضاء والصفراء[23] وأفتى ابن الشيخ سيديا بوجوب قطعه وحسمه بالنار.[24]
ـ السلخ وهو دون السرقة وقد تكلم عليه علماء البلاغة.
ـ التضمين بشروطه الواردة في كتب البلاغة.[25]
ـ المعارضة وهي الإتيان بشعر في نفس الموضوع وفي نفس البحر وعلى نفس الروي ولم تظهر إلا في العصور المتأخرة وعرفت شنقيط كذلك منها نماذج رائعة كقصائد امحمد ابن الطلبه ومقصورية الشيخ محمدو ابن حنبل.[26]
ـ التشطير وهو زيادة كل بيت بشطرين أولهما على روي الشعر المشطر وثانيهما غير مقيد بروي.
(وتطلق عبارة التشطير عند المجتمع الزاوي التقليدي على قراءة قصيدة البردة للإمام البوصيري من طرف شخصين يتولى أحدهما قراءة الشطر الأول والثاني للشطر الثاني ويقولون إنها مجربة لكشف الكروب ودفع البلايا).
ـ التخميس وهو الذي يعنينا هنا وقد عني به المتأخرون فقد ذكر العياشي في رحلته أنه خمس ميمية البوصيري وهو إذ ذاك في حجته[27] كما خمسوا قصيدة كعب بن زهير: “بانت سعاد فقلبي اليوم متبول”.
ولا أحسب الشناقطة تعاطوه.
على أن كثيرا من الناقدين يرى أن التخميس والتشطير نوع من الكسل والركون إلى الانضواء تحت راية الشعراء الآخرين ففيه نوع من الاستقالة من “مسئولية” الشعر ويؤيدهم في رأيهم هذا كثرة البرودة في التخميسات وانحطاطها عن الجودة إلا أننا مع ذلك قد لا نوافقهم على هذا الحكم القاسي فالحق أن التخميس إذا جاء على وجهه فإنه من مجالات الإبداع و”تحيين” للمعاني وربط للماضي بالحاضر.
والتخميس غير التسميط الذي هو الإتيان ببيت يشتمل على عدد من الأشطار أكثر من اثنين وقد نسبوا إلى امرئ القيس بن حجر أبياتا من المسمط شكك الناقدون في صحة نسبتها إليه.[28]
وقد أطلق علماء البلاغة عبارة التسميط على البيت الذي يتألف من عدة فقر على وزن واحد ذكر السيوطي في عقود الجمان منها نماذج.
وقاعدة التخميس أن تندمج الزيادة مع الأصل بصفة عفوية لا يكاد القارئ يلاحظ فيها نشازا ولا نتوءا بمعنى أنه يمتزج المخمس بالمخمس به امتزاج الجزء بالكل ويحتاج ذلك إلى توحيد الأسلوب والموسيقى وتناسق المعنى والمبني.
فالتخميس من هذه الحيثية يشبه “الإجازة” وهي أن يأتي الشاعر ببيت أو شطر فيطلب من شاعر آخر أن يجيزه بشطر أو بيت من شكله ولعل من أول ما روي لنا من هذا النوع قطعة امرئ القيس بن حجر التي تقاسمها هو والحارث بن التوأم اليشكري وهي:[29]
أحار ترى بريقا هب وهنا كنار مجوس تستعر استعارا
أرقت له ونام أبو شريح إذا ما قلت قد هدأ استطارا
كأن هزيزه بوراء غيب عشار وله لاقت عشارا
فلما أن دنى لقفا أضاخ وهت أعجاز ريقه فحارا
فلم يترك بذات السر ظبيا ولم يترك بجلهتها حمارا
وقد استعمل ابن مهيب عدة “تقنيات” ليكون تخميسه على هذا النسق وقد استقرأت منها عدة نماذج نذكر منها على سبيل المثال سبعة أمثلة. وفي التعبير بالتقنية مسامحة لأن هذه اللفظة ” الجافة” لا تتماشى مع طبيعة الشعر ولكننا آثرنا استعمالها تمشيا مع عصر الرقمنة:
التقنية الأولى: تغيير وظيفة الجملة في البيت المخمس كجعلها مثلا نعتا أو بدلا بعد أنها كانت خبرا مثاله قول الفازازي:
أحق عباد الله بالمجد والعلى نبي له أعلى الجنان مبوأ
ويقتضي معنى هذا البيت أن يكون قوله أحق…مبتدأ فلما جاء التخميس وهو قوله:
خليلي عوجا بالمحصب وانزلا ولا تبغيا عن خيفه متحولا
فأكرم به مغنى تحراه منزلا
أصبح فاعلا لتحراه وأصبح الشطر الثاني بدلا أو عطف بيان.
التقنية الثانية: جعل البيت المخمس جوابا لشرط جاء به التخميس فتتغير وظيفته الأولى. مثاله:
فلما دجا ليل الشجون وعسعسا ولم أر للإصباح فيه تنفسا
وخاب رجائي في لعل وفي عسى قسمت فؤادي بين شوقي والأسى
كذاك يكون المستهام المحقق
التقنية الثالثة وهي حكاية القول إذا تعذر عليه ربطه بالتخميس بأن كان أول البيت المخمس يلزم التصدير أو بسبب بلاغي آخر كقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن منجدا لطيبة حيث النور يسطع مصعدا
فأرفع صوتي بالسلام مرددا سلام كعرف الروض أخضله الندى
على خير مخلوق من الجن والإنس
وقوله:
دع الإفك واكلف بالحقيقة ترشد وأشد إذا الأفاك لج وردد
لقد صدقت فيه مقالة منشد: هدى الله أهل الأرض طرا بسيد
أبان به فه وأبصر أكمه [30]
التقنية الرابعة إدخال التخميس مستقلا عما بعده في شكل جمل متتالية مفصولة على قاعدة التعداد وهي من مواضع الفصل المذكورة في علم المعاني كقوله تعالى: ((وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة وجوه يومئذ ناعمة)) الآيات قال:
قريب بعيد في هداه وسبقه حبيب لمولاه حبيب لخلقه
مهيب على ما كان من حسن خلقه وهوب إذا ضن الغمام بودقه
ضروب إذا كع الجبان عن الخطو
التقنية الخامسة : جعل البيت المخمس علة لما قبله كقوله:……..
فلا دد مني لا ولا أنا من دد نعمت بذكر الهاشمي محمد
وساعدني في مدحه اللفظ والمعنى
التقنية السادسة: جعل البيت المخمس تأكيدا لفظيا لما قبله كقوله:
ومما شجاني عند تجديد ذكره شجاني قعودي دون زوار قبره
فكم قاعد يدنو إليه ولم يمش
التقنية السابعة : جعل البيت المخمس خبرا بعد أن كان مبتدأ مثاله:
بصيرته في الأمر يشكل صرفه بصيرة معصوم إذا نام طرفه
فللقلب طرف لا ينام له هدب.
وقوله:
ثباتي عنه حيث لم يقض قربه ثبات بعيد الدار عمن يحبه
يطير اشتياقا والقضاء يلبث
والقاعدة التي يتأصل عليها كل هذا هو ما ذكره علماء البلاغة في باب الوصل والفصل وهو باب له خطورته إذ حكموا أن من أتقنه فقد أتقن علم البلاغة ولا مجال هنا للدخول في تفاصيل تلك القواعد على أن الشيخ محمد اليدالي رحمه الله قد ذكر في الذهب الإبريز: “أن الوصل تارة يكون بالاستئناف وتارة بالفاء للتفنن في العبارة كما هو عادة بلغاء العرب وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه” انتهى كلامه وفي هذا توسعة على البلغاء والكلمة الفيصل في ذلك لأهل الذوق السليم.
ولا بد أن ننبه هنا أن للتخميس إكراهات قد تلجأ الشاعر إلى استعمال ألفاظ غريبة لا تستجيب لمعايير الفصاحة ولا سيما في بحثه عن روي مناسب قد لا يتوفر في أسواق اللغة فنجده مثلا يتحدث عن “الدلظ” بحثا عن الظاء و”اللكث” بحثا عن الثاء و”النجهة” بحثا عن الهاء.
الفصل الخامس مكانة الديوان في الثقافة الشنقيطية
يحتل ديوان الوسائل المتقبلة مكانة كبيرة في الثقافة الشنقيطية ويتجلى ذلك في النقاط التالية:
1 ـ جعل هذا الديوان وردا يقرأ في شهر ربيع الأول وفي بعض المناطق في شهر إبريل أيضا باعتباره هو الشهر الشمسي الذي ولد فيه النبي عليه الصلاة والسلام قال امحمد بن أحمد يور:
إن الذي جاءه بالوحي جبريل نال الربيع به فخرا وإبريل
وذكره كذلك صاحب قرة الأبصار.
فكانوا يخصصون لكل يوم حرفا من حروف المعجم وكان هذا أمرا معمولا به لا سيما في المدن القديمة كولاته وتيشيت وشنقيط يقرأه الناس زرافات ووحدانا وربما كان ذلك في المساجد إذ لا يرون في ذلك انتهاكا لحرمتها بل نوعا من تعظيمها[31] فقد ذكر البرتلي بهذا الخصوص أن عمر بن باب الولاتي المتوفى سنة 1245 هـ كان مداحا حسن الصوت في مدحه النبي صلى الله عليه وسلم وله ضربة حسنة في تخميس ابن مهيب والعشرينيات يقال لها ضربة الطالب عمر يغني بها المداحون في ذكرى المولد الشريف.
وقد روي أن بعض العلماء دخل مسجدا في إحدى المدن القديمة ووجدهم يقرأون ديوان ابن مهيب في البيت الذي يقول فيه:
.. دعوا كل شغل لامتداح محمد
فقدم مشاركتهم في الإنشاد على تحية المسجد.[32] وهذه زهرة لا تحتمل الحك وتحية المسجد لا تفوت بالجلوس.
وكذلك الشأن في شبه الحواضر الزاوية في بقية البلاد وقد يقرئونه بشيء من الترنم خاص به له علاقة بالمقام الموسيقي وقد ذكر الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير في تعليقه على كتاب الأغاني والمغنين للأستاذ المختار بن حامدن أن الغناء في كر الأكحل بشعر ابن مهيب يسمى مدح أولاد ديمان ويسمى مدح العيش (ومدلول اللفظين واحد وربما كان الثاني مجازا مرسلا عن الأول علاقته التلازم) وذكر أن هذه التسمية جاءت من ظاهرة كانت منتشرة موجودة ومطردة في أغلب جهات المجتمع البدوي الشنقيطي وهي ظاهرة النشادين وهم أفراد أعطاهم الله نداوة في الصوت وعذوبة في الغناء مع أنهم ليسوا من شريحة إيكاون وذكر جملة من هؤلاء النشادين مما يدل على أن تعاطي الإنشاد عند هؤلاء الشباب كان من مقومات الفتوة بمفهوم ما وقد ذكر امحمد ابن الطلبه في قصيدته العينية أنهم كانوا يستمعون إلى فتى حسن الغناء قال:
ويسمع كما شاء المسامع من فتى خبير بتحبير الغناء المرجع
إذ رجع التغريد ريعت لصوته روائع صينت في الحجال الممنع
ولعل من المؤسف أن هذا التقليد بدأ يختفي مع أن في أرشيف الإذاعة الوطنية عينات منه مفيدة.
ثانيا: التبرك بهذا الديوان ولهم فيها تجارب معروفة عند الطلبة بالمعنى التقليدي نذكر[33] منها أنهم قالوا أن من قرأ حرف الهمزة وحرف اللام وحرف الياء في مهم كفاه الله ولا يستبعد ذلك في بركة الممدوح ولعل من المناسب أن نذكر عينات من هذه الحروف قد يستشف منها السر في إضفاء تلك الخصوصية عليها فمن باب الهمزة قوله:
بنى قبة الإسلام تظهر خمسها فأشرق بدر الصالحات وشمسها
وإذ كان موضوعا على البر أسها أطاعته جن الأرض طوعا وإنسها
وفضل بالسبق الفريق المُبَدأ…
عسى وطن يدنو به ولعلما وإلا فلا أنفك دهري مغرما
حليف أسى قد خالط اللحم والدما أعلل نفسي بالوصال وربما
تشكى الفتى أدواءه وهي تبرأ
وفي حرف اللام:
خرجنا به من كل ضيق وغمة دخلنا به في ظل أمن وعصمة
أتتنا به لله أسبغ نعمة لحقنا به السباق من كل أمة
ولولاه كان البعض يسبقه الكل
جرى حبه في القلب مني مع الدم وذنبي يأبى في الرفاق تقدمي
وما بان عن فكري ولا زال عن فمي لدى يثرب أضحى ثوا كل مسلم
فهم نحوها دبا كما دبت النمل
ومن حرف الياء:
يريح من البلوى يزيح عن الردى يدل على التقوى يسوق إلى الهدى
يطب من الشكوى يصول على العدى يفوق الورى ذاتا ويسبقهم مدى
ويبهرهم نورا ويفضلهم زيا
إذا المرء لم يسطع من الضر منفذا ولاذ به من بأسه وتعوذا
أصاب مجيرا من أذا الدهر منقذا يجود بلا من ويغضي بلا أذا
فلله ما أحبى ولله ما أحيى
ثالثا: عناية العلماء الشناقطة به بالضبط تارة وبالشرح أخرى نذكر ممن شرحه: النابغة الغلاوي وهذا الشرح لم أقف عليه ولكن وقفت على نقلة بخط العلامة أحمذ بن زياد الأبهمي ذكر أنه نقلها منه.
رابعا: إقبال الفنانين الموريتانيين على اختيار الأصوات التي يغنون بها منه وقد ذكر العلامة المختار بن حامدن في كتاب الأغاني والمغنين سبعة عشر صوتا كلها من هذا الديوان وغالبها من حرف الهمزة ونسب كل صوت إلى صاحبه.
وغالب هذه الأصوات في “كر الأكحل” يبدئون بها الغناء وقد طوع الفنانون على عادتهم بحر الطويل لمقام كر مع أن الذي يناسبه من البحور إنما هو الكامل والوافر والسريع ونذكر من هذه الأصوات على سبيل المثال:
خليلي عوجا بالمحصب وانزلا ولا تبغيا عن خيفه متحولا
فأكرم به مغنى تحراه منزلا أحق عباد الله بالمجد والعلى
نبي له أعلى الجنان مبوأ
غنت به عيشه بنت سيد محمد بن الببان.[34]
وقوله:
أحب النبي الهاشمي محمدا أجل الورى ذاتا وأصلا ومحتدا
وأطيبهم نفسا وأطولهم يدا أطاب له الرحمن نشرا ومولدا
فلا زال ممن خالف الحق يبرأ
غنى به محمد ابن انكذي
وقوله:
لقد فاز من كان الرسول أمامه وقاد به نحو النجاة زمامه
وكل من استعصى عليه أنامه[35] تسير رياح النصر شهرا أمامه
فأعداؤه ما بين خوف وذلة
غنى بها أحمدو ابن الميداح.
وقوله:
له خلق عذب وبر ووصلة وصبر على جهل الجهول ومهلة
ووجه كما لاحت من البدر جملة بهي مهيب لم تعاينه مقلة
من الناس إلا شفه الرعب والحب
غنت به فاطمه بنت عوه.
وقوله:
على كل فن فضل الله فنه بأن فرض الدين القويم وسنه
وقد ساس إنس الخلق طرا وجنه أعد نظرا في الخلق تعلم بأنه
كأحمد لم ينشأ ولا هو ينشأ
غنت به امانه بنت ابيسيف.
وقوله:
حوى كل مجد للورى وجــــلالة وجـــــــاء بآيات محت كل قالة
فمن شك فيه فهو حلف ضلالة أفي الحق شك بعد ألف دلالة
تقدمها ذكر مدى الدهر يقرأ
غنى به امحمد ابن انكذي وابنه محمد عبد الرحمن وعيشه بنت محمد اعل.
وقوله:
أليس الذي حاز المفاخر والعــــــلى بما نص من آي الكتاب وما تلا
فأنى يدانى في المقام الذي اعتلى أتم الورى جاها وأبهر حلى
له المدح يجلى والشفاعة تخبأ
غنت به العاليه بنت الببان.
وقوله:
وكم سيد فيها منوط بـــــــــسيد فحسبك بالصديق تلو محمد
وبالسيد الفاروق حسبي بهم قد صلاة وتسليم على قبر أحمد
وقبر أبي بكر وقبر أبي حفص
غنت به ناصرهل في كر
خامسا: تأثر الشعراء البولاريون بابن مهيب في شعرهم المسمى بالبيتي يخصصونه لمدح النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهم وربما خلطوا فيه مواعظ وأحكاما من الفقه وقد كتب عنه بعض طلاب المدرسة العليا للأساتذة ولم يتح لي العثور على تلك الدراسات.
خاتمة
وبهذا نرجو أن نكون قد وفينا بما كتبنا على أنفسنا من المساهمة في خدمة اللغة العربية وتعظيم هذه المناسبة الشريفة ونحن مسرورون إذا كنا حققنا النتيجتين التاليتين ولو جزئيا أولاها: إثارة فضول الباحثين إلى هذا الميدان الغني البكر واستكناه أسراره من الناحية الثقافية والبلاغية والتاريخية.
ثانيتهما: المساهمة في تبديد ما استقر عند الناس من أن الشعر الصادر عن الفقهاء ولو كان في قمة الإبداع يظل دون الشعر الصادر عن غير الفقهاء ولهذه المسألة غور يرجع إلى موقف الأصمعي ـ رحمه الله ـ من كل شعر ليس فيه جرعة لا بأس بها من الباطل. وموقف الأصمعي هذا على وجاهته من منظور ما فإنه يصطدم مع ما نرويه لكبار الفقهاء والصالحين من الأشعار الفائقة ولا سيما عندنا نحن معاشر الشناقطة وإسوتنا في ذلك الإمام شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري فمن قرأ ميميته البردة علم أنها لا تقل روعة عن روائع المتنبي فاستمع إليه وهو يصف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ :
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم***ما ذا رأى منهم في كـــــل مصطدم…
المصدري البيض حمرا بعد ما وردت***من العدى كل مــــــسود من اللمم
والكاتبين بسمر الخط ما تركـــــــت***أقلامهم حــــرف جسم غير منعجم
إن قام في جامع الهيجا خطيبــهم***تصاممـــــــت عنه أذنا صمة الصمم
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربـــى***من شِدَّة الحزم لا من شَــدَّة الحزم…
كأنما الدين ضيف حل ساحتهـــــم***بكل قرم إلى لحم العدى قـــــــــرم
يجر بحر خميس فوق سابحـــــــة***يرمي بموج من الأبطال ملتطــــــــــم
من كل منتدب لله محتــــــــــسب***يسطو بمستأصل للكفر مصطلـــــــم
وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد فال ولد عبد اللطيف
قائمة المصادر
– نيل الانتهاج نسخة المكتبة الشاملة.
– النوافح العطرية في شرح تخميس ابن المهيب لعشرينيات الفازازي للشيخ الشيخ محمد غبريم الداغري– دار الفكر
– الوسائل المتقبلة – المكتبة الشعبية بيروت
– الإحاطة في أخبار غرناطة – المكتبة الشاملة
– المرشد إلى فهم أشعار العرب – المكتبة الشاملة
– ترجمة الشيح الخديم امبك مصور من مخطوط بحوزتنا
– عقود الجمان للسيوطي دار الفكر بيروت
– مقامات الحريري – المكتبة الشاملة
– أحمد بن الأمين الشنقيطي – الوسيط- مؤسسة منير.
– مصطفى صادق الرافعي – تاريخ آداب العرب – المكتبة الشاملة
– أشعار الشعراء الستة الجاهليين الأعلم الشمنتري – المكتبة الشاملة
– فاطمة بنت عبد الوهاب – الرقابة واستراتيجيات الخطاب – مجلة اللسان
– الأغاني والمغنون للمختار بن حامدن، تحقيق الدكتور سيد أحمد بن الأمير
[1] من المؤسف أن كثيرا من المثقفين يجارون العامة في تحريفهم اسم هذا الشاعر فيسمونه بابن وهيب بالواو والحقيقة أنه بالميم وهذا الغلط دليل واضح على القصور وعدم الدقة في البحث.
[2] ذلك أنه انقدح في قلبي منذ بعض الوقت أن عيد المولد النبوي هو في الحقيقة عيد الشهادتين اللتين هما أحد أركان الإسلام التي وردت في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنه ذلك أنه ورد في الصحيح أن يوم الجمعة ويوم عيد الفطر ويوم الحج الأكبر هي أعياد أما عيد الفطر فيرتبط بدعيمة الصيام فهو عيد الجائزة الكبرى وأما عيد الأضحى فيقترن بدعيمة الحج لأنه اليوم الذي تبدأ فيه أيام الأكل والشرب. وأما يوم الجمعة فهو عيد الصلاة يتكرر بتكرر الأسبوع أما دعيمة الزكاة فلا يخفى ارتباطها بفاتح السنة الهجرية وهو شهر المحرم ولا سيما يومه العاشر “عاشوراء” حين يبدأ حول الزكاة فلم يبق من الدعائم إلا دعيمة الشهادتين فاقتضى السبر الصحيح أن يكون عيدها عيد ميلاد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عيد يجمع بين الإيمان بالله وبرسوله والفرح بالله ورسوله بغض النظر عما يقع من الجدل العقيم في شأن هذا العيد.
[3] كما أن من اسمه محمد يكنى أبا عبد الله ومن اسمه عبد الله يكنى أبا محمد ومن اسمه أحمد يكنى أبا العباس ومن اسمه علي يكنى أبا الحسن ومن اسمه إبراهيم يسمى أبا إسحاق ومن اسمه سليمان يكنى أبا الربيع وقد سألت أحد المؤرخين عن سر هذه الظاهرة فقال لي أنه لم يحضره شيء بشأنها ذلك الوقت.
[4] نيل الانتهاج نسخة المكتبة الشاملة
[5] المصدر السابق
[6] النوافح العطرية – دار الفكر ص 2 ، الوسائل المتقبلة – المكتبة الشعبية بيروت ص1
[7] الإحاطة في أخبار غرناطة – المكتبة الشاملة
[8] المصدر االسابق
[9] الوسائل المتقبلة – المكتبة الشعبية بيروت ص1-2
[10] النوافح العطرية – دار الفكر ص 4-7
[11] انظر الرابط https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=66125
[12] انظر الرابط http://dspace.iua.edu.sd/bitstream/123456789/4453/1/reseach.pdf
[13] انظر الرابط https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=84378
[14] المرشد إلى فهم أشعار العرب – المكتبة الشاملة
[15] انظر المثل السائر لابن الأثير
[16] ترجمة الشيح الخديم امبك مصور من مخطوط بحوزتنا
[17] صورة منه بحوزتنا
[18] الوسائل المتقبلة – المكتبة الشعبية بيروت ص 94
[19] المصدر السابق ص 155
[20] المصدر السابق ص 9
[21] المرجع السابق ص 158
[22] عقود الجمان للسيوطي دار الفكر بيروت ص 163
[23] انظر المقامة الشعرية للحريري
[24] إشارة إلى قوله في قصيدته المشهورة
واليوم إما سارق مستوجب … قطع اليمين وحسمها فليقطع
[25] عقود الجمان للسيوطي دار الفكر بيروت ص 163 – 164
[26] أحمد بن الأمين الشنقيطي – الوسيط- مؤسسة منير ، ص من 96 إلى 163 و ص من 319 إلى 330
[27] رحلة العياشي المسماة ماء الموائد
[28] مصطفى صادق الرافعي – تاريخ آداب العرب – المكتبة الشاملة
[29] الأعلم الشمنتري : أشعار الشعراء الستة الجاهليين
[30] الفه ضد الفصيح والأكمه الرجل الذي ولد أعمى
[31] فاطمة بنت عبد الوهاب – الرقابة واستراتيجيات الخطاب – مجلة اللسان
[32] حدثنا بهذه القصة العلامة البركة محمد المختار ول امباله
[33] فاطمة بنت عبد الوهاب – الرقابة واستراتيجيات الخطاب – مجلة اللسان ص 147
[34] شهرة هؤلاء الفنانين تغني عن التعريف بهم
[35] أنامه أي قتله ومنه قول أبي هريرة في وصف الأنصار يوم فتح مكة: ” فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه” وهو في صحيح مسلم.