أشفغ عبدالله مجهول…..
بينما كنت أتصفح آخر ما نشر من الدرر في في إحدى مجموعات “الواتساب” لفت انتباهي نشر أحد الباحثين لصور من صفحات لكتاب من كتب التراجم. وقد جاء في الإحالة الثالثة الواردة في الصفحة 285 ما يلي: ((..هذا وقد أرخ عبد الله بن محمد بن القاضي الشهير بابن رازقة ضمن تذييله للفشتالية للمسمى عبد الله ، أحد أعلام المنطقة بقوله :
سيادة عبدالله ما غادرت شقا * سعادة مبهاه الأغر المبجل
وصرح المحققان أن عبد الله المؤرخ لوفاته في بيت ابن رازقة مجهول انتهى كلامه))
استغربت أن يصدر مثل هذا الكلام عن باحثين محققين، وقررت أن أكتب نبذة مختصرة عن هذا المجهول، لعل أن يكون معلوما في الطبعات المقبلة من الكتاب.
أشفغ عبدالله هو الابن الأكبر للجد الجامع لأهل أعمر إديقب؛ أعمر اليزيكيذي بن محنض بن أعمر بن يعقوب بن يحي أبهم بن مهنض أمغر الجد الجامع لبطون بني ديمان، أمه تنغوس بنت باب أحمد بن يعقوب الله بن يديمان.
أخذ الشيخ أبو محمد عبد الله بن عمر المعروف بأشفغ عبد الله عن علماء جيل شربب و شارك في وقائعها، وهو معاصر للإمام ناصر الدين، عاش معه نحوا من خمس وعشرين سنة، وقد وقعت له معه مكاشفات روى الشيخ محمد اليدالي بعضها في كتابه الموسوم بأمر الولي ناصر الدين، وسنركز على إحداها وهي أن الشيخ كان كثير التيمم لمرض ألمَّ به في شبابه فقال الإمام إن أشفغ عبد الله وخاله الفالل بن باب أحمد، يحشران يوم القيامة غرا محجلين في إشارة منه إلى أن تيممهما بلغ درجة الوضوء لصحة موجبه، وإلى هذه النكتة أشار العلامة الأديب ابن رازكة في بيته الذي ضبط فيه سنة وفاة الشيخ أشفغ عبدالله، على طريقة الفشتالي بقوله:
إمامة عبدالله ما غادرت شقا * سعادة محياها الأغر المحجل
وقد لاحظت أن نسخة البيت التي أورد المحقق تختلف عن النسخة التي عندنا ؛ فقد أبدل إمامة ب لفظ سعادة، و الأدق عندي إمامة لأن الشيخ أشفغ عبد الله كان فقيه تشمشه كلها غير مدافع، كما أنها تشير إلى بشارة ذكرها أحد الصالحين للشيخ، ضف إلى ذلك أنه ترك الإمامة كلمة باقية في عقبه إلى اليوم. كما تختلف النسختان أيضا في كلمة “مبهاه” وهي عندنا “محياها” والمحيى أكثر استخداما من طرف الشعراء ، والمحجل صفة تأتي عادة بعد الأغر وقد رواها المحقق بالمبجل .
ومن الواضح أن الشيخ ابن رازكة شحن بيته ببعض الإشارات الدقيقة التي تشي بخبرته العميقة بالشيخ، ولا غرابة في ذلك خصوصا أن الشيخ أشفغ عبد الله هو شيخ محمد اليدالي بن محمد سعيد، وقد أدرك من عمره أربع عشرة سنة، و أكد الشيخ محمد اليدالي مو ضوع التلمذة في كتبه؛ حيث لقبه في كتابه فرائد الفوائد بضياء الدين، كما اعتمد على نظمه “مورد الظمآن” في نظمه لما حذف من الألفات في القرآن و إياه عنى بقوله:
بل نقتفي ترجيح عبد الله * العالم العلامة الأواه
وقد أشار إلى ذلك القاضي أحمد سالم بن سيد محمد بن الشيخ أحمد الفاضل في نظمه لأنساب أهل أعمر إديقب، عندما شرع في تفريع ذرية أعمر اليزيكذي، بقوله:
أما بـــنوه فــــهمُ بلا نكير * أشفغ عبد الله ذو العلم الغزير
القارئ الذي محمد اليدال * عـناه في مورده من حيث قال
بل نقتفي ترجيح عبد الله * الـــعالم الـــــعلامــــــــة الأواه
كما ورد ذكر الشيخ أشفغ عبدالله أيضا في رسالة النصيحة حيث كتب الشيخ محمد اليدالي ما يلي (…و اعلموا أن باب الأمر والنهي قد ضيع أكثره بعد مشائخنا المرحومين الصالحين أبو محم و الطالب أجود وعبد الله بن عمر اليزيكذي)، وقد شاع – في إكيد- أن الشيخ أشفغ عبدالله كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد اشتهر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أحمدُّ بن سليمان رحمه الله في قطعته التي يتوسل فيها ببعض صلحاء إيدابهم بقوله:
بمن أنار ومن أمَّ ومــن نصرا * ذا الــــدين حــــــقا فهم ساداتنا الأمرا
بهم تـــوسلت كــيما أنال منى * يغــــار منها جـــــهارا كـــل من نظرا
واهتف بأشفغ عبد الله وانتخبن * سيدي الأمين الولي ابني سيدي عمرا
فذاك بالأمر بالمعروف مشتهر * ما دام حــــيا وهذا خصـــص المطرا
و قد ذكر الشيخ الباحث محمد فال بن عبداللطيف أن أشفغ عبدالله هو أول من ألف من الزوايا بعد شربب، وقد ترك الشيخ أشفغ عبد الله عدة مؤلفات منها :مورد الظمآن و نثر في خط المصحف و آخر في التجويد و نظم في المطالب السبعة.
من جهة اخرى فقد ذكر الشيخ المختار بن حامدٌ كتاب مورد الظمآن في لاميته التي مدح بها أهل انيفرار وأهل ابير التورس فقال:
علومهم مورد الظمآن أنهله * منها فقيههم وعله عللا
وقوله “فقيههم” يشير إلى لفظ أشفغ الذي يطلق على الشيخ باللغة الصنهاجية.
كما أشار إليه عدة مرات تلميحا ، في أشعاره التي يخاطب بها أهل انيفرار.
توفي الشيخ أشفغ عبدالله عام 1101 هجرية وهي عدد نقط كلمة “شقا” فالشين 1000 القاف 100 و الألف 1 وهو ما مجموعه 1101، ودفن في مقبرة “تنياشل” وهو من أوائل الأعلام الذين دفنوا فيها، يقل الشيخ بن جنكي في نظمه للمدافن:
أشفغ عبدالله حلَّ بيسار * تنياشل ومعه جمٌ يزار
و قد ترك الشيخ ذرية صالحة سارت على نهجه في الورع والعلم والاستقامة وهي تشكل أحد أضلاع المثلث المتساوي الأضلاع الذي تفرعت عنه شجرة أنساب أهل انيفرار، وقد خصهم الشيخ أحمدُّ بن اتاه بن حمين بقوله في قصيدة يمدح بها أهل الحي:
وأبـــناء عبدالله أشـــــفغ فاندبن * فعــــلمهمُ زانـــــته غر المحامد
فكم في بني ألف البدور وألجد * و إخوتـــهم من ثاقب الفهم عابد
وأبناء زياد الـــــهدى قد تقلدوا * من المجد والتقوى نضير القلائد
ولا بيت في أبناء أعمر يعقب * لعــــمرك إلا وهو بيــت القصائد
كتبه العبد الفقير يعقوب بن اليدالي بن أبٌ
أنعم به وأكرم رحمه الله
تأليفه في الحذف هو عمدة الشيخ المختار بن علي بن الشواف الجكني في نظمه المشهور المسمى “تسهيل حفظ الحذف” الذي كان معتمدا في مدارس موريتانيا ومالي وفي بعص مدارس المغرب والجزائر وليبيا وغيرها وقد طبع قديما
ذكر المؤلف الجليل وصاحب الخط النفيس سيدي عبد الله بن امبوجه التيشيتي (توفي سنة 1284هـ/ 1867م) شيخ القراء أشفغ عبد الله رحمه الله تعالى في كتابه الفائق الرائق “إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن”، وسماه مرارا في ذلك الكتاب عبد الله بن عمر التونكلي. من ذلك قول ابن امبوجه: “ثم رأيت في هذا الباب تلخيص إبراهيم بن المختار التمرقي الذي جعله على مذهب شيخه عبد الله بن عمر التونكلي رحمهما الله وهو نثر حسن”. وكما قلتم أستاذنا الفاضل يعقوب، فإن أشفغ عبد الله كان فقيه تشمشه وهو أول من ألف من زوايا الگبلة بعد حرب شرببه، من مؤلفاته المورد الصغير نظم رسم القرآن، وسمي الصغير مقابلة للمورد الكبير للخراز وعلى المورد الصغير اعتمد اليدالي أيضا في نظمه لما حذف من الألفات في القرآن كما كان من مراجع ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران.
من الآخذين عن أشفغ عبد الله تلميذه عبد الله إبراهيم بن المختار التمرقي، والتمرقي نسبة لقبيلة تِيمْرگيونْ وهم قبيلة علم ومعرفة بالقرآن الكريم وهم أخوال رئيس موريتانيا الأسبق المختار ولد داداه فوالدته: خديجة بنت محمود بن إبراهيم من قبيلة تِيمْرگيونْ رحم الله الجميع.