أدب الفكاهة هو لون أدبي نخبوي ينتقي من المقاصد البسيطة سبلا قصيرة نحو الطرفة والنكتة، ويقوم ذلك على توظيف المعاني الجادة بصفة تبدو وكأنها المغزى الاساسي في حين أنها مجرد وسيلة لخلق السخرية في ثوب خفي لا يصله إلا من يحمل وعيا ثقافيا رفيعا يخوّله بلوغ المقصد من الرسالة التي تبدو وكأنها سخيفة ومنحطة في حين أنها هي قمة في العمق والتشفير.أدب الفكاهة هو لون أدبي نخبوي ينتقي من المقاصد البسيطة سبلا قصيرة نحو الطرفة والنكتة، ويقوم ذلك على توظيف المعاني الجادة بصفة تبدو وكأنها المغزى الاساسي في حين أنها مجرد وسيلة لخلق السخرية في ثوب خفي لا يصله إلا من يحمل وعيا ثقافيا رفيعا يخوّله بلوغ المقصد من الرسالة التي تبدو وكأنها سخيفة ومنحطة في حين أنها هي قمة في العمق والتشفير.
وقد وجد أدب الفكاهة أرضا خصبة في “هذه الربوع” حتى أنك لتجد جماعة من الشيوخ تنصت بجدّ لجديد القصص الطريفة و تجّد في السؤال والبحث عن آخرما يروى من تلك النكت التي تنقل من أرض لارض دون أن تفقد وزنها الفكاهي، بل قد تجد روحا فتية في تربة أخرى غير تلك التي أنتجتها والأمر مشاهد.
وفي هذا السياق أخذت الكلمة شحنة بلاغية كبيرة تحمل معجما ثقافيا متكاملا، حتى صارت وحدة بلاغية، تتغير من مكان لآخر حسب الظروف والمستوى العمري للجماعة فلكل سن من العمر خارطتها وحدودها الفكاهية التي يدور في فلكها معنى الكلمة كما لكل مكان انعكاسه الذي يحوط العبارة، ويتراوح مدى الوحدة البلاغية بين نباهة السمع وسبق اللسان، حيث يتفاوت فيها الناس حسب الوعي الثقافي و مسوى الفهم لمقاصد الكلام ويظهر ذلك جليا عند أول شعور ببلاغة الكلمة..
ومن خلال تقديم بسيط لأدب الفكاهة نصل إلى أن العلاقة بين بلاغة الاذن وبلاغة اللسان هي مربط الفرس في فهم وتذوق هذا اللون الجميل، وكأنها باب من أبواب النقد في الادب الفكاهي يتناول مقارنة عميقة وطريفة بين قدرات حسية قد تتعاوض في ما بينها لتنتج صورة متكاملة تمكّن القارئ من تسلّق جدار الكلمة ليصل أعلى مراتب الذوق حسب بيئته ثقافته ومجتمعه.
وللمقارنة بين حاسة الاذن واللسان في ميزان البلاغة لابدّ من وصف بسيط لكلا المستويين، فبلاغة اللسان وعي ثقافي واجتماعي طبيعي ، ينمو مع الزمن وذلك تبعا لنسبة احتلال المجتمع لوعي الفرد، أما بلاغة الأذن فموهبة من مظاهر النباهة والذوق تنبئ أن صاحبها يستحضر ثقافة المجتمع بقوة ويقف من المتكلم موقف النّاقد من الأديب.
وحين نأخذ قصة متداولة في الثقافة الحسانية تتضح لنا العلاقة التي تربط هذين المستوين من البلاغة وكونهما أقرب للتلازم منهما للاختلاف، حيث تروي القصة أن الذئب حكى للحيونات قصة ساخرة فضحك منها بعض الحاضرين وبعد ثلاثة أيام إذ أقبل الحمار وعلى وجهه أثر السعادة وما إن رأى الذئب حتى أطلق صيحة عظيمة وسقط من الضحك فتساءل الجمع ما بال الحمار اليوم ؟ فقال أنه يضحك من قصة الذئب التي مضى عليها ثلاثة أيام ونسيها الجمع .
وحسب ما يبدو من هذه الحكاية أن هناك علاقة وطيدة بين المستوين البلاغين تقرب من التعلاق فالتعبير باللسان يعلو من مستوى بلاغي لآخر حسب قدرة الإنسان على الفهم والاستحضار والتوقع.
ثمّ إنّ بلاغة الأذن تقوم على بناء متوقّع لمستوى بلاغي مسبق يعتاده السامع كما تألفه جماعته، حتى أنك لترى بعض ذوي الآذان البليغة يضحك قبل أن ينطق البليغ، وأعرف أحد الزملاء يقول إنه قد يحبس الكلمة لعدة أيام حتى يجد أذنا يعرفها، وأن كلامه في غياب فلان هو تفريط في بلاغته ومنع لكلماته البليغة من أن تعيش عمرها الطبيعي.
وخلاصة القول أن أدب الفكاهة هو رسالة موجهة بالذوق وتصل لغايتها القصوى عبر عدة قنوات حسية ووسائل تبدأ من الوعي الثقافي و النفسي والاجتماعي لتصل الذوق المحض والتوقع ، من هنا يجدّ الصراع المتلازم بين بلاغة الأذن وبلاغة اللسان فعليهما يدور المدار في وصول تلك الرسائل لمشفرة مع العلم أن التوقع والذوق والفهم قدرات حسية نكتسبها من البيئة وتنمو وتموت في أذهاننا حسب الثقافة والبيئة كذلك.
ديدي نجيب
تعليق /محمدن بن مناح علي مقالة ديدي التي عالج فيها موضوعا فنيا ومفيدا وطريفا في نفس الوقت ، فأنا أشكره وقد قال المثل [أنجز حر ما وعد]وهو كذلك فبارك الله فيه وحفظه ورعاه والسلام ذ/محمدن بن عبدالله تيب عليهما وعلي جميع المسلمين