نواصل مع السادة المتصفحين الكرام نشر رسالة الشيخ عبد الرزاق بن سيد محمد حول دلائل العجمة في المفردات العربية واليوم سنكون على موعد مع جزئها الثانى و الأخير
الجزء الثانى
و من ذلك الجوسق كجورب معرب و هو القصر و الحصن قال:
فسيان بيت العنكبوت وجوسق *** رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج
و قرية بمصر اتجاه بلبيس و أخرى بالعراق على دجيل كزبير الخ، و كذا الجاثليق كالعالمين لرئيس النصارى وهو تحت بطريق انطاكية ثم المطران كعجلان تحت يده ثم الأسقف تحت المطران ثم القسيس ثم الشماس الخ، و الجُرامُقة لقوم من العجم بالموصل واحده جرمقاني بضم جيمه و ميمه، و الجُرموق كعصفور لما يجعل على الخف معرب جرموزة ، والجَردق كجعفر وبهاء الرغيف و تعجم ذاله فارسيته كرده و جردقان للحافظ معرب كرده بان أي حافظ الرغيف، و كذا الجَوالق بضم جيمه و فتح لامه و بكسرهما للغرارة معرب كواله جمعه جواليق و جوالق و جواليقات، و الجُهاليق بالضم للبندق معرب، وكذا الجُوق بالضم كالجوقة لجماعة الناس أو لجماعة السفلة كالرعاء، والقولنج بضم قافه و لامه و فتحهما و تكسر لامه أو هو لازم لانعقاد أخلاط الطعام في قلون فلا تنزل ويعسر خروج الريح و يصعد البخار إلى الدماغ فيهلك الشخص وهو أقسام ، وروى أبو نعيم: أكل الشمر أمان من القولنج الخ، وقولون سادس الأمعاء السبعة أولها المعدة ثم ثلاثة تتصل بها هي البواب فالصائم فالرقيق وهذه الثلاث رقيقة ثم العور فقولون فالمستقيم و طرفه الدبر و هذه غليظة و لصاحب الأصل:
هي معـــدة فثلاثة وصلت بها *** بوابها مع صائم فرقيق
فالأعور القالون ثم المستقيم *** فهذه الأمـعاء يالتحقيق
وكذا القبج كفلس كما في القاموس و اللسان ، قال ابن الطيب : و لا قائل به بل هو كحجل وزنا و معنى لطائر معروف معرب كبج، و الجعفليق كزنجبيل للمرأة العظيمة كالجنفليق بالنون ، قال أبو حبيبة الشيباني:
قام إلى عــــــذراء جعــفلــيق *** قد زينــت بكـــعثب محلوق
يمشى بمثل النخلة السحوق *** معـــــجر مبــــجر معـــروق
هامتـــــه كصخــرة فــي نيق*** فشق منها أضيق المضايق
طـــرفه للعـــــمل المومــوق *** ياحـــــبذا ذلـــك مـن طريق
و بكعثب لغة و كذا الجقة بالكسر للناقة الهرمة و جق الطائر إذا ذرق الخ، فما ذكر هنا كله معرب شأن ما اجتمع فيه جيم و قاف غير حكاية صوت وهو باب مطرد عند الأئمة كالجوهري و خاله الفارابي وغير وغير، و أما قُجْ ككم زنة ومعنى، وقِج بالكسر للرجل كجق بمعنى اخرج فهو من التركية لا من العربية الخ.
العاشر: من أدلة العجمة أصلا اجتماع الجيم والكاف كالسُكُرجة بضمتين وفتح رائه مشددا و ضم رائه خطأ، ويقال أسكرجة بضم الهمز للثقوة بالضم لإناء توضع فيه الكوامج من الجوارش على الموائد حول الأطعمة للتشهى و الهضم معرب اسكره، وفى الحديث ما أكل صلى الله عليه وسلم على خوان و سركجة، والكماج لخبز مصر واحده كماجة، والجنك لآلة للطرب ككمنجل لرباب الطرب معروف قال:
انهـــض خــليل بادر *** إلى سمـــاع كمنجا
وليس من صد تيها *** و راح عـنا كمــــن جا
ومنها: اجتماع صاد و طاء كالاصطبل لموقف الدواب، والأصطُبَّة بالضم و شد الباء للمشاقة معرب و أغفله القاموس، و الإصطفلينة واحد الإصطفلين لجزر يؤكل، و من كتاب معاوية إلى قيصر : و لأنتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة الخ، و أما الصراط فصاده بدل من السين لا لغتين أصلا وهو إبدال مطرد عند وجود الطاء و ما بعدها مما فى قول صاحب الأصل:
بالسين أو الصاد فه *** عنــــــد حـروف أربع
أوائـــل فــي قولنــا *** قد خـــــاب غير طيع
و الحاء زد فى لغــة *** لكلب كالسفح فعى
فالقاف كسقر و صقر ، والخاء كصخاب و سخاب و صرخ وسرخ ، والغين كسغب و صغب و صبغ و سبغ ، والطاء كاستفلين و اصطفلين و كالسراط و الصراط، والحاء كالسفح و الصفح في لغة كلب، و لا يشترط اتصال الصاد أو السين بما ذكر الخ.
ومنها: اجتماع سين و ذال فلذا أستاذ و سذاب و ساذج معربات ، وكذا السين و الزاي كسرموزة.
ومنها: كون مادته ب س ت كبست بالضم لمدينة بكابل بين هراة و غرنة، قال الخطابي البشتي صاحب معالم السنن:
و إنى غريب بيــــن بست و أهـــلها *** و إن كان فيـــها أسـرتى و بها أهلى
و ما غربة الإنسان في شقة النوى *** و لكــــنها و اللــه في عــدم الشـكل
و منها: مادة ب ق م و لا و ب م و لا م ب ق فلذا كان بقم كشمر معربا، و كذا مركب ج ر م ن وتصرفه إلا ما اشتق منه المرجان و لم أجد له فعلا، و لبعضهم أنه معرب وهو به حر.
ومنها: التركيب من حرف واحد إلا قولهم غلام ببة للسمين، وفي كلام عمر رضي الله عنه لئن بقيت إلى قابل لأجعلن الناس ببانا واحدا، أي طريقة واحدة في العطاء، و قيل ليس هذا بعربي محض أو نونه أصلي فلا إشكال. و قال ابن درستويه في شرح الفصيح: لا يجوز كون فاء الكلمة و عينها مثلين إلا بفصل ككوكب و قبقب ، و أما ببة فلقب كأنه حكاية صوت ،
وزعم الخليل أن ددا حكاية صوت اللعب و اللهو لا هما الخ، وهو أضيق مما ذكر و قوله زعم أي قال هنا، وهو منقوص كيد و لامه واو كقفا،، وددد و ددن بثلاث محركات و بالنون كعصا وديد كزيد و كزيدان لغات ، و في أثر : لست من دد و لا الدد منى رواه البخارى في الأدب و الطبرانى ، وروى ابن عساكر : لست من دد و لا دد منى.
فائدة: ببة لقب عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب لقول أمه هند بنت أبى سفيان ترقصه:
لأنكحـــن ببه *** جـــــارية خدبة
مكرمة محبة ***تجث أهل الكعبة
أي تغلب نساءهم فى الحسن ، وعاش ببة رضي الله عنه بعد يزيد و كان بالبصرة فوليها و كان يشبه النبي صلى اله عليه وسلم.
ومنها: كون آخره واوا ساكنا قبله واو مضموم، و لذا لما عربوا خسرو للملك المعروف بنوه على فعلى و أبدلوا خاءه كافا فصار كسرى بالوجهين، و كذا وزن فوعلاء بضم فسكون فكسر ممدودا ، قال الأندلسي في المقصور و الممدود : هي بنية لا توجد إلا معربة كصورياء مدينة بالروم و لوثياء للحوت الذى عليه الأرض و بورياء للبارى و جودياء للكساء نبطية و لوبياء لموضع ونوع من القطنية و سوبياء لشراب، وقد كان يصح إدراج هذا في الدليل الثانى كما مر و أفرد للبيان هنا.
المتم العشرين: من أدلة المعرب و عجمة الأصالة كون اللفظ الرباعي فصاعدا ليس فيه أحد حروف الذلاقة الستة التى يجمعها مر بنفل ، وهي الذلق كالحمر كأنه جمع أذلق، ثم هي ذلوقية نسبة للذولق كجورب للسان لأنها من ذلقها لطرفه وزنا و معنى ل ر ن ، و شفوية لأنها من ذلق الشفة لطرفها ب ف م ، وسميت كلها ذلقا لأن ذلاقة المنطق أي حدته في ذلق اللسان و الشفة، و هذه الستة هي أخف الحروف فلذا كثرت في الألفاظ العربية بحيث ما إذا وجد فى العربية رباعي فصاعدا بلا زيادة ليس فيه بعضها حكم بعجمته و تعريبه، ولذا سمي غيرها من الحروف بالمصمتة أي ببناء مفعول الرباعي المؤنث أي المصموت عنها إذ العرب سكتت عن بناء رباعي فأعلى منها سالما من بعض اللذاقة ، هذا وقد تقوم مقام الذلق السين لشبه السين بالنون في تفشى الغنة ، فلذا كان العسجد للذهب و الجوهر و العسقد كقنفذ للطويل الأحمق عربيين، فحكم علي قارى في قاموسه على العسجد بالعجمة و التعريب بما مر غفلة عن هذا، وقد شنع عليه ذلك غير واحد كابن الطيب على القاموس الخ، و كذا اختلف في القسطاس للميزان هل هو عربي أو رومي معرب أو توافقت فيه اللغتان أقوال، و ليس يوسف عربيا لوجود الفاء و ذلك أنه مما عرفت عجمته بالنقل كالوجه الأول، وكذا أسماء الأنبياء و الملائكة غير هود و شعيب و صالح و محمد صلى الله عليه وسلم العربيين الخ، و قد قيل عدم الخلو من الذلاقة علامة العربي و حكم العلامة لزوم طردها لا عكسها، أي فيلزم من وجود الخلو في الرباعي الخ العجمة و لا يلزم من عدم الخلو عدم العجمة ، فارتفع استشكال عجمة يوسف و نحوه مما فيه ذلقي وهو جيد، لكن كلامهم كالصريح في أن ما فيه ذلاقي فعربيته محضة حتى يخرجه نقل أو علامة كما مر.
وزاد بعضهم في أدلة العجمة عدم دخول أل و خطأ الحكم بتعريف المسيح لهذا. وهو غفلة فقد قال التبريزي في شرح ديوان أبى تمام عند قوله:
من عهد اسكندر أو قبل ذلك قد *** شابت نواصى الليالى وهي لم تشب
المتعارف أن الإسكندر فيه أل فحذفها كما صنع أيضا في قوله : ما بين أندلس إلى صنعاء الخ المعروف أن الأندلس بأل الخ أي واللفظان عجميان أصلا اتفاقا فهو صريح في دخول أل على الأعجمي ، وفي شرح الأبنية من شرح كتاب سيبويه: وقد تعرب الأسماء العجمية فتلحقها العرب بأبنيتها أي و استعملتها باستعمالها و ربما تركوها بحالها إذا وافقت حروفهم الخ.
فائدة: قال فى الشفا : لا توجد الظاء و الضاد فى غير العربية ، أما الضاد فبلا نزاع، و أما الظاء فلا توجد بمخرجها الخاص بها في غير العربية، قال الفيوضي وهو من أهل القرن الحادى عشر:
كن كيسا سهل الجناب و لا تكن ***صـعـب المراس فإنه ازدراء
انظر لحرف الضاد أصبح ساقطا *** لما تعــسر و استقام الظاء
وعن ابن الأعرابي : يجوز تعاقب الضاد و الظاء و أنشد:
إلى الله أشكو من خليل أوده *** ثلاث خصال كلها لى غائض
بالضاد أي غائظ الخ، لكن قال التبريزي و غيره أنه من غاضه إذا نقصه لا من الغيظ الخ.
تذييل: اختلف في فساد الصلاة بهذا الإبدال ، واختار متأخروا الحنفية الفساد في القادر على الفرق و إلا فلا، و قد أسلمت العجم في الصدر الأول و لم ينقل حثهم على الفرق و لا تعليمه لهم من الصحابة ولو لزم ذلك لفعلوه ونقل إلينا.
وهنا انتهى ما رمته من اختصار رسالة العلامة شهاب الدين أحمد بن أحمد بن اسماعيل الحلوانى الخليجى الشافعى المسماة بقطع اللجاج فى مسألة الأجاج ، قال فيها إنه فرغ منها سنة 1300 فهو من أهل هذا القرن و أواخر الماضى.
والحمد لله أولا و آخرا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد و آله باطنا و ظاهرا من كان فى سائر الفضائل و المكارم مثلا سائرا. اللهم واستعملنا فلى مرضاتك وعاملنا بكرامتك آمين آمين آمين.
وكتب الشيخ سيد محمد بعد ذلك:
هكذا صورة ما كتب والدنا عبد الرزاق رحمه الله عند انتهاء تأليفه هذا ومن خطه نقلت