حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا |
عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ |
وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه |
ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ |
خــطَطت للـدين والدنيـا علومَهمـا |
يـا قـارئَ اللـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ |
أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ |
لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ |
وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ |
بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ |
سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً |
لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ |
هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا |
همْسَ التسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟ |
وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم |
كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟ |
فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم |
كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ |
لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما |
وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ |
توارَيــا بجَنــاح اللــهِ، واسـتترَا |
ومــن يضُـمُّ جنـاحُ اللـه لا يُضَـمِ |
يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي |
وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟ |
المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ |
لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ |
مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى |
وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ |
اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه |
مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟ |
وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن |
يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ |
هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ |
تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ |
البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ |
والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ |
شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت |
والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ |
والليــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه |
إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السـلاح كَمِي |
تهفــو إِليـكَ – وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا |
فـي الحـربِ – أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ |
محبـــةُ اللــهِ أَلقاه، وهيبتُــه |
عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ |
كـأَن وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى |
يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ |
بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه |
كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظلَـمِ |
ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً |
وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ |
اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ |
وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ |
إِن قلتَ في الأَمرِ:”لا”أَو قلتَ فيه: “نعم” |
فخيرَةُ اللهِ في “لا” منـك أَو “نعمِ” |
أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ |
وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ |
والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً |
فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ |
قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا |
لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ |
جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ |
فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ |
لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ |
تكفَّــلَ الســيفُ بالجهـالِ والعَمَـمِ |
والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه |
ذَرْعً، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ |
سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت |
بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ |
طريـدةُ الشـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها |
فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ |
لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا |
بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ |
لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ |
وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ |
لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشـريفُ على |
لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ |
جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ |
إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ |
أَخُـو النبـي، وروحُ اللـهِ فـي نُـزُل |
فُـوقَ السـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ |
علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه |
حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ |
دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ |
والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ |
لـولاه لـم نـر للـدولاتِ فـي زمـن |
مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ |
تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ |
في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ |
بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ |
لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ |
أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ |
ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ |
مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها |
تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللـهُ بـالرُّجُمِ |
عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ |
لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ |
مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ |
شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ |
لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى |
بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ |
بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم |
من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ |
كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ |
من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ |
لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما |
تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ |
شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا |
عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ |
يلـوحُ حـولَ سـنا التوحـيدِ جوهرُها |
كــالحلْي للسـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ |
غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى |
ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ |
نـورُ السـبيل يسـاس العـالَمون بهـا |
تكــفَّلتْ بشــباب الدهــرِ والهَـرَمِ |
يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزمانِ على |
حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ |
لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت |
مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ |
وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً |
رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ |
كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها |
فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ |
للعِلـم، والعـدلِ، والتمـدينِ ما عزموا |
مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ |
ســرعان مـا فتحـوا الدنيـا لِملَّتِهـم |
وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ |
سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم |
إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ |
لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ |
وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ |
نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا |
عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ |
دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا |
كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ |
وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه |
هــوى عـلى أَثَـرِ النـيران والأيُـمِ |
واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ |
فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ |
دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ |
دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ |
مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم |
ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ |
ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها |
عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ |
مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم |
تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتخُـمِ |
ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ |
فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ |
يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا |
مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ |
ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ |
ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ |
خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ |
فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ |
مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟ |
وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟ |
وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا |
بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ |
الزاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ |
والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟ |
أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ |
يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ |
ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا |
عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟ |
جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما |
جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي |
ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم |
بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ |
بـالحزم والعـزم حـاطَ الدين في محنٍ |
أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ |
وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ |
فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ |
يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه |
فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟ |
لا تعذلــوه إِذا طــاف الذهـولُ بـه |
مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ |
يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على |
نـزيل عرشِـك خـيرِ الرسْـل كـلِّهمِ |
مُحــيي الليـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا |
إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ |
مســبِّحًا لـك جُـنْحَ الليـل، محـتملاً |
ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ |
رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا |
ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ |
وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ |
جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ |
بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ |
شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي |
وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً |
فـي الصحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ |
الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم |
مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ |
الصــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ |
الضــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ |
يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا |
واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ |
سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه |
تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ |
رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه |
أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ |
فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا |
ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ |
يـا ربِّ، أَحسـنت بَـدءَ المسـلمين به |
فتمِّـم الفضـلَ، وامنـحْ حُسـنَ مُخْتَتَمِ |