الرئيسية / قراءات أدبية / إحيائية محمدْ والدْ بن خالُنَا النثرية تطوير للكتابات المحظرية : كتاب كرامات أولياء تشمشه نموذجا. بقلم الدكتور: محمذن بن أحمد بن المحبوبي

إحيائية محمدْ والدْ بن خالُنَا النثرية تطوير للكتابات المحظرية : كتاب كرامات أولياء تشمشه نموذجا. بقلم الدكتور: محمذن بن أحمد بن المحبوبي

إحيائية محمدْ والدْ بن خالُنَا النثرية تطوير للكتابات المحظرية : كتاب كرامات أولياء تشمشه نموذجا*

بقلم الدكتور: محمذن بن أحمد بن المحبوبي رئيس شعبة اللغة العربية بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية.
نواكشوط – موريتانيا

مقدمة:

لعل من المهم في هذا السياق أن نذكر بأن عناية أبناء الثقافة العربية الإسلامية بالمنظوم ظلت أكثر من اهتمامهم بالمنثور، لذلك كان الشعر ديوان العرب، وجامع الحكم، وناظم التجارب، ومعتمد التوثيق، ومتنفس أرباب الإبداع والمعبر عن ذات الصدور، وبقي النثر قليل الحضور بارز الضمور، منحصرا في يسير الخطب وبعض نماذج الحكم والأمثال وأسجاع الدجاجلة والكهان.
ولم يكن الشناقطة بمنأى عن هذا التوجه الذي يوثر النظم على النثر، فقد امتازت ثقافتهم بالنظمية، فكان الشعر في منتوجهم ذا حضور كبير بينما عرف النثر في ثقافتهم بعض التراجع والفتور، فماذا عن مكانته بين أظهرهم؟ وكيف تجلى في مختلف ضروب المكتوب لديهم؟ وما أبرز جهود محمد والد بن خالُنا في إحياء الأساليب النثرية وتطويرها، وهل جدد في جانبها وأضاف؟ أم أنه كرر وأعاد؟ وما أوجه التقاطع بينه وبين سلفه من رواد النثر الفني؟ وأخيرا ما أبرز تجليات الأطر المرجعية والأنساق الثقافية في كتاباته.
ذلك ما يسعى هذا الجهد إلى إبراز بعض ملامحه اعتمادا على المحاور الآتية.
أولا: الموضوع منطلق وتأسيس
وخلال هذا المحور سنتناول مسألتين أولاهما تهتم بمناقشة العنوان واستنطاقه وإبراز دلالاته، وثانيتهما تعنى بتأصيل هذا الموضوع وتنزيله في سياقه.
أ- العنوان مناقشة وتحليل
يقوم هذا العنوان في بنيته التركيبية على شطرين أولهما مبتدأ يعتمد تركيبا إضافيا نعتيا “إحيائية ابن خالنا النثرية” وثانيهما شغل وظيفة الخبر وهو مبني على اسم مفرد معزز بشبه جملة مركبة تركيبا نعتيا، “تطوير للكتابات المحظرية” والتركيب الأول مفتتح بكلمة “إحيائية” وهي مصدر صناعي يتألف من المصدر “إحياء” وياء النسبة وتاء التأنيث “ية” والإحياء مصدر أحيا الله الأرض أخرج فيها النبات، وفي التنزيل العزيز: ﴿فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها﴾ والإحيائية مصطلح حديث يعني استلهام المفكر أو المبدع تراث أمته في عهود القوة ولحظات الازدهار، استنهاضا للهمم واستثارة للعزائم ودفعا للضعف والفتور، واستعادة لإشراقات الماضي المزدهر واستشرافا لومضات المستقبل الواعد، انتقالا من المدنس إلى المقدس والمرفوض إلى المفروض، استرجاعا لنماذج التفوق والامتياز، وإحياء لأيام العزة والابداع. بوصفها المنطلق الأساس للتجديد، والوقود الفاعل في كل مشروع نهضوي يراد له التميز والنجاح. وهذه الإحيائية مضافة إلى ابن خالنا، ونقصد به محمد والد بن خالُنَا الأبهمي الديْماني المتوفَّى سنة 1212هـ. وقد وصفت هذه الإحيائية بـ”النثرية”، التي هي مصدر صناعي من النثر، وهو “الكلام الجيد المرسل بلا وزن ولا قافية وهو خلاف النظم”()، وهو مشتق من نثر الشيء إذا رمى به متفرقا، يقال نثر الحب ونثرت الشجرة حملها ونثر الكلام صاغه نثرا.
وجاء الشطر الثاني من العنوان مستهلا بكلمة “تطوير” وهي مصدر طور الشيء إذا حوله من طور إلى طور، مشتق من الطور وهو الحال والهيئة، قال تعالى: ﴿وقد خلقكم أطوارا﴾. وهذا التطوير مضاف إلى الكتابات جمع كتابة، وهي مصدر كتب يكتب كتابة، إذ خط بالقلم في رق، أو غيره، والكتابة صناعة الكاتب وجهد الناثر. وهذه الكتابات موصوفة بالمحظرية، نسبة إلى المحظرة وهي:«جامعة شعبية متنقلة تلقينية فردية التعلم طوعية الممارسة»(). وقد وصفها أحد المستكشفين الفرنسيين بأنها مؤسسة عمومية “تستقبل كل من يرد عليها من جميع المستويات الثقافية والفئات العمرية والجنسية والاجتماعية، مجددة للعالم معارفه، ويردها الطفل والشيخ والمرأة والفقير والموسر، يبذل لكل طالب ما يريد من ضروب المعرفة حسب مستواه الثقافي وهوايته وطاقته، واستيعابه، وهي لا تسد أبوابها وإن عطلت الدراسة أياما معدودات، بل تستمر في العطاء على مدار السنين، وهي لا ترد طالبا لعدم وجود مقاعد شاغرة ولا تغلق أبوابها لقلة عدد الطلاب المنتسبين”().
ووصفت في بعض تقارير وزارة الشؤون الاسلامية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية بأنها : “المؤسسة التي حملت مشعل الحضارة الإسلامية العربية منذ تسعة قرون ونيف ولا زالت تتابع رسالتها”().
ومما سبق نخلص إلى أن المحظرة مؤسسة تعليمية مفتوحة أمام المتعلمين من مختلف الفئات العمرية والمستويات العلمية يديرها شيخ يسهر على مصالحها حسبة لله تعالى وابتغاء لمرضاته، في جو من الانضباط والاستقامة في حالي الظعن والإقامة، ويطبع نهجها تطوع متميز وحرية عارمة. وتغطي بجهودها التدريسية مختلف مراحل التعليم، ومعتمدة أساليب تربوية جادة تجمع الحفظ إلى التلقين والإثارة إلى التشويق، والتربية إلى التكوين.
والمقصود من العنوان جملة هو إبراز جهود ابن خالُنا في تطوير النثر الشنقيطي وسعيه الجاد إلى إحياء أساليبه المتداولة في القرون الماضية خاصة نموذج المقامات.
ب- الموضوع مقاربة وتأصيل:
وضمن هذا المحور نذكر بأن اهتمام الشناقطة بالنثر كان يسيرا، ومع ذلك فقد خلفوا في جانبه عدة نماذج نقتصر في هذا المقام على إيراد بعضها منبهين إلى أن القوم في الجملة لم يعنوا كثيرا بالتأليف النثري وإن خلفوا في جانبه بعض الكتابات ذات القيمة الفنية المعتبرة.
ولعل من أوائل النصوص النثرية التي ظهرت في هذه الربوع الشنقيطية تلك الرسالة التي سطّرها أحد أبناء هذا البلد في أواخر التاسع الهجري، وبالتحديد عام: 898هـ، حيث استفتى ضمنها الإمام جلال الدين السيوطي عن بعض الأحكام الفقهية. وسمى رسالته: “مطلب الجواب بفصل الخطاب”. وأهمية هذه الرسالة تكمن في تقدم عهدها، وفي إفصاحها عن جانب من التواصل المعرفي القائم يومئذ بين بلاد شنقيط وبين المشرق العربي وخاصة البلاد المصرية.ثم إن هذه الرسالة تسلط الضوء على حقبة من تاريخ البلاد تكاد تكون مجهولة،فالمعلومات المتعلقة بها نادرة وشحيحة.
وقد جاء هذا المنثور ليقص علينا من أوضاع الناس يومئذ متحدثا عن مستوى عيشهم ودرجات تعلمهم وتفقههم في الدين.
وهذا النص النثري يبدأ بالثناء على الله سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تتوالى الأسئلة بعد ذلك على شكل فصول قصيرة، والرسالة تقع في سبع صفحات من الحجم الكبير().
وقد استفتحت بسؤال يتعلق بالمكوس والضرائب التي يفرضها الملوك على مواطنيهم، يقول مؤلفها: “الحمد لله الكامل الذات، الحي القيوم الأزلي الصفات، وصلى الله على حبيبه المفضل على سائر المخلوقات، وعلى آله وصبحه وأزواجه الطاهرات.
فصل: الجواب على من علمه الله فرض كما قال الله تعالى لآدم:{أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ} -[سورة البقرة : الآيةً 33.(…) وسؤال من يعلم فرض على من لا يعلم، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}-[سورة النحل : الآية 43]().
فصل: نسأل عن قوم عادة ملوكهم أخذ الأموال منهم بعادة معروفة في زمن معروف، وأكثره عند ظهور الثريا أو الشتا أو الصيف بأموال شتى().
وقد تم توقيع هذه الرسالة من قبل لمتوني ذي تعلق بالإمام السيوطي شديد وذلك ما أوضحه بقوله:: “أنا أحبك في الله وإني مشتاق إلى لقائك غاية واسمي محمد بن محمد بن عالي اللمتوني فلا تنسني من دعائك والسلام”().
ولا يخفى ما في أسلوب هذه الرسالة من السجع الخفيف غير المتكلف، والاقتباس اليسير من القرآن الكريم.
وتتواصل الكتابات النثر الفني إثر هذه الرسالة مع الشيخ محمد اليدالي() الذي ألف رسالتين إحداهما سماها “رسالة اللفعه” وهي تعرض لتأصيل الملكية الفكرية، إذ يدافع خلالها عن أحقيته في استخدام مَيْسَمٍ على شكل أفعى أخذه عن شيخه مينحن بن مود مالك() وهي متوسطة الحجم تقع فيما يقارب أربعين صفحة.
أما الرسالة الثانية فتسمى “النصيحة”، وهي عبارة عن منثور قصير كتبه الشيخ نصحا لبني جلدته وتحذيرا لهم من المخالفات، وتقع في أربع وعشرين صفحة من الحجم الكبير وقد استهلها الرجل بالنصح والإرشاد لقومه محذرا من التباغض ومن الركون إلى الدنيا وزهرتها يقول: “أما بعد وفقنا الله وإياكم لقبول النصيحة ورزقنا وإياكم لما يقربنا إليه من نية صحيحة، فأنتم معشر تشمشه، قدوة الزوايا قديما وحديثا وأسوة لها يقتدون بكم في كل أمر (…) وإياكم وما يؤدي إلى التباغض بينكم في أمور الدنيا فهي أقل من ذلك فإن أمرها يسير وقدرها حقير، كأنها سحائب صيف، وإلمامة طيف، مسرتها مقرونة بغم، وحلاوتها معجونة بألم”(). والرسالة مليئة بالنصح والإرشاد والإحالات الثقافية مبينة عن معارف صاحبها فقد استودعها الكثير من الحكم والأمثال، والأحاديث، والقصص والأشعار، كل ذلك في أٍسلوب محكم ورصين يكثر خلاله من السجع والاقتباس.
ويتواصل هذا الجهد مع والد بن خالُنا في كتابه كرامات أولياء تشمشه، الذي عمل خلاله على تسطير مناقب أولياء منطقته ضمن مؤلف منقبي متوسط الحجم يقع في ثمانين من الصفحات، وهو محقق(). وقد استفتح مؤلفه ببراعة استهلال رابطا بين المعجزة والكرامة ربطا وثيقا حيث جعل الثانية امتداداً للأولى، كأنه يشير إلى أن الأولياء لم يبلغوا تلك الدرجات إلا بالإخلاص في العمل وحسن اتباع الرسل، يقول: “الحمد لله الذي جعل كرامات الأولياء من معجزات الأنبياء”(). ثم ينتقل إلى ذكر الباعث الذي دعاه إلى تأليف الكتاب، مصرحا أنه ينحصر في الاستجابة لطلب من بعض أفراد أسرته ألح عليه أن يكتب في المناقب والكرامات، يقول: “وبعد فقد أشار علي ولوح، ثم عادوني وصرح والدي وشيخي حبيب الله المعروف بخيليد بن متيلي أن أجمع بعض خوارق أولياء الزوايا، وخصوصا تشمشه، فطالبني بالغدايا والعشايا فأجبته إلى ذلك”(). وإثر ذلك يحدد منهجه في استقاء المعلومات مصرحا أنه يعول على الثقات، دون أن يسند أي رواية إلى قائلها، مع أنه يكتب عن جيل سبقه بقرن أو ما يزيد عليه بقليل، ولم يعرض لمعاصريه إلا يسيرا يقول: “وأنا لا أعتمد غالبا على غير الثقات”(). ولا ينسى أن يلون مقدمته بشيء من التواضع المعرفي غير قليل، مشيرا إلى ضعفه وتقصيره، ملتمسا من القارئ العذر يقول: “على أنني بطيء الفهم سريع الوهم ولا غرو إن الإنسان محل النسيان، ولا سيما غبي غوي، عريض الوسادة حشو الإزار”().
ثانيا: أسلوب كتاب الكرامات عرض وتقديم:
إن القارئ لهذا الكتاب يدرك بوضوح التزام صاحبه بنهج أسلوبي متميز، لذلك نلحظ كثرة السجع بشكل عام وحضور الاستشهاد بالقرآن والحديث مع شيء غير قليل من الاستئناس بالشعر والأمثال، ولو أردنا أن نتحدث عن أسلوب هذا الكتاب لانطلقنا من زاويتين نعرض لهما في ما يأتي:
أ- حضور الأساليب البلاغية:
ونقصد به ركون المؤلف إلى استحضار النماذج البلاغية التي تسهم في نقل مؤلفه من مستوى الإخبار والإبلاغ ومجرد التوثيق العلمي البحت إلى مستوى البلاغة والتأثير في السامع بحيث يكون المضمون المعرفي مغلفا بأصباغ بلاغية جذابة، تزيد الكتاب وجاهة وإقناعا والموضوع طرافة وإبداعا، وهو ما يدعونا إلى أن نقسم الأساليب البلاغية في الكتاب إلى مستويين هما:
1- الأساليب البيانية:
ونقصر الحديث في هذا الجانب على بعض ما ورد في هذا الكتاب من أساليب علم البيان، وفي هذا الإطار نذكر بأن الرجل استخدم كثيرا من والتشبيهات والاستعارات والكنايات،
ومن نماذج التشبيه في هذه المدونة المنقبية قوله في وصف الشيخ أحمد بزيد: “ومن ضريبته (طبيعته) أنه في الفانية غير متشوق، وللباقية أي متشوق، تشوق الحبيب لحبيبه، وحب القريب لقريبه، واليهودي لصليبه، والغانم لنصيبه، ورغبة الغازي في سمهم والوارث في سهمه(). فهو هنا يشبه محبة الشيخ للعمل والعبادة والإقبال على الآخرة بمحبة الحبيب لحبيبه.. إلخ.
ومن هذه التشبيهات أيضا قوله في وصف هذا الشيخ دائما: “يذب عن بيضة الإسلام ويحميها عن صولة الشبهة وسطوة الحرام كما ذب الذباب عن عشة العسل، وحمى الهمام همته عن النوم والكسل، وذب الطائر عن بيضه وطرد الساقي عن حوضه”().
ومن هذه التشبيهات أيضا ما أشار إليه في أسلوب من التواضع وهضم النفس كبير يقول: “وكأنه – يعني من يعظ الناس ولا يتعظ- والله يعنيني فإني كالفتيلة تضيء لغيرها، وتحرق نفسها، وكالإبرة تكسي الناس وهي عريانة، وحجر الشحذ يسن ولا يقطع” ().
ومن هذه التشبيهات قوله: “كأن به صمم أو نخوة أو شمم”. وأنشد حاله قوله():
يا لائمي في الهوى العذريّ معذرةً
مني إليك ولو أنصفت ام تلُمِ!

أما نماذج الاستعارات فهي غير كثيرة في هذا المؤلف، ويمكن تقسيمها إلى قسمين: استعارات من صميم إبداع المؤلف، واستعارات استقاها من غيره، فكأنه بإيرادها في تضاعيف كتابه يعتمد جمالها، ويسعى إلى التأثير في مخاطبيه من خلالها.
فمن الاستعارات التي هي من إبداعه قوله في مقدمة الكتاب: “وصلاته على أكرم الخلق (…) وسلامه على أفصح من نطق بالضاد، ما كتب أما بعد وابتسم البرق، وقهقه الرعد وبكى الغمام وناح الحمام().
فلا يخفى ما في ابتسام البرق وقهقهة الرعد، وبكاء الغمام من التعبير عن لمعان البروق وتسبيح الرعد، ونزول المطر.
فمن أمثلة ما ورد فيه من الكنايات: “عريض الوسادة حشو الإزار” فهاتان كنايتان عن صفتين هما البله والبلادة، وهذا تواضع من الرجل. وكذلك قوله: “وبقي صفر اليدين، وأفقر من ابن يومين” فصفر اليدين كناية عن الفقر الشديد، وابن اليومين كناية عن حداثة العهد بالولادة.
ومن هذه الكناية أيضا قوله: ولم يغادر لأهله راعد فريصه، ولا مثل خربصيصه()” وهو يكني بذلك عن كثرة إنفاقه إذ لم يترك لأهله شيئا. ومن أمثلة هذه الكناية أيضا قوله: “فليم على ما فعل، فلم يلتفت إلى من عذل، ولم يجب من سأل، كأن لم يسمع لهم لوما، أو نذر للرحمن صوما()، فقوله نذر للرحمن صوما، هو كناية عن السكوت والامتناع عن الكلام.
ومن هذه الكنايات أيضا قوله: “فعذل على ما أوهب الله وأقرض فتصامم وتباكم وأشاح وأعرض وصعر خده وأبدى صده”(). فقوله صعر خده، كناية عن الأنفة والاستكبار.
2- المحسنات البديعية:
ويبدو اللون البديعي حاضرا بشكل مكثف في هذه المدونة المنقبية، ونستفتح نماذجه ببراعة الاستهلال، التي جاءت في مقدمة كتاب الرجل، فقد استفتحه بقوله: الحمد لله الذي جعل كرامات الأولياء من معجزات الأنبياء، فهذه الفاتحة مشعرة بأن الرجل سيتحدث عن كرامات أولياء قومه، أما السجع فنماذجه متعددة وكثيرة لا تكاد تخلو منها صفحة ومن أمثلته قوله: “وبعد فقد أشار علي ولوح، ثم عاودني وصرح، ثم راودني وألح، ذات مرار والدي (…) قطب الرحى، وشمس الضحى، حبيب الله المعروف ب”خيليد بن متيلي” أن أجمع خوارق أولياء الزوايا، وخصوصا تشمشه، فطالبني بالغدايا والعشايا، فأجبته إلى ذلك، متوسلا بهم ومتابعيهم لعل الله يجعلني من تابعيهم”(). ومن أمثلة هذا السجع أيضا ما نلحظ ضمن كلماته من تواضع معرفي كبير، حيث يصف نفسه قائلا: على أني بطيء الفهم سريع الوهم، سيء الرسم ولا غرو فالانسان محل النسيان”(). ومن نماذج هذا السجع أيضا قوله مصرحا باستجابته لأوامر خاله: “فامتثلت وائتمرت أمر خالي على ضعف حيلتي وسوء حالي واشتغال بالي بعيلتي وعيالي”(). ومن أمثلته في هذا الكتاب أيضا قوله: “والله يعلم أني صغير الجرم، عظيم الجرم”.
أما نماذج الجناس بنوعيه الناقص والتام فأكثر من أن تحصى، وأوسع من أن تستقصى، ومن أمثلة الجناس الناقص قوله: “لا سيما غبي غوي”، وكذلك قوله: “ويعدون اصفراره إسفارا، وأدوات أسفاره دواة وأسفارا”، ومن روائع الجناس التام الذي ورد في هذا الكتاب بيتان شائعان في كثير من المدونات البلاغية وهما:

أحسن خلق الله وجها وفماً
إن لم يكن أحقّ بالمدح فمنْ

مثل الغزال مقلةً ولفتةً
من ذا رآه مقبلا و ما افتتنْ

ومن نماذج البديع في هذا الكتاب، ذلك البيت المشهور الذي يمكن أن يقرأ من الصدر ومن العجز ولا يتغير معناه،  وقد أورده بعد بيت مرتبط به يكمل معناه، والبيتان هما:

أحب المرء ظاهره جميلٌ
وباطنه لصاحبه سليمُ

مودته تدوم لكل هولٍ
وهل كلٌّ مودته تدومُ ؟!

ومن نماذج البديع في هذا الكتاب أيضا حضور الاقتباس من القرآن الكريم، ولكثرته سنخصه بوقفة إن شاء الله.
ومن نماذج البديع في هذا الكتاب كذلك التورية ومن أمثلتها ما وصف به نفسه في تواضع: “والله يعلم أني (…) ضعيف الجسم صحيح الإثم، معتل الفعل مقصور الاسم عافي الرسم داثر الوسم”.
ب- حضور الأطر المرجعية:
ونقصد بها جملة الأنساق الثقافية التي وظف الرجل في ثنايا كتابه تعزيزا للأطروحات التي يصدر عنها أو أملا في تقوية المقاصد أو رغبة في إقناع المخاطب، أو لفت انتباهه أو غير ذلك من التوظيف الذي ينشئ نوعا من الترابط الفني بين النص المنقبي وبين سواه من النماذج المعرفية.  وهذا الترابط داخل تحت دائرة ما يعرف بالتناص، وهو الحضور اللفظي أو الدلالي لنص داخل نسيج نص آخر، إما استشهادا أو إحالة أو تضمينا، بحيث يتجلى نص إبداعي على سطح نص آخر يشترك معه في المقصدية والموضوع، وعبر ذلك التجلي تبرز أوجه من القرابة الأسلوبية والرحم اللغوي بين نصين ينتميان إلى حقل دلالي مشترك غالبا.
فظاهرة التناص حاضرة في هذه المدونة المنقبية بشكل كبير، إلى درجة أننا لو استخرجنا من هذا الكتاب ما تضمن من الآيات والأمثال والأشعار لم يبق إلى ثلثه أو أقل مما يكشف عن سعة ثقافة الرجل وتنوعها، وسنعرض لهذه الأطر المرجعية في ما يأتي:
1- حضور الآيات القرآنية:
وسنركز في هذا الجانب على حضور النص القرآن الذي يمثل مركز الثقل في هذا النص المنقبي فقد عول عليه المؤلف في تأسيس خطابه الاقناعي، إذ هو البرهان القاطع والحجة البالغة، ولعل ذلك ما جعله يلوذ بأسلوبه، ويستشهد بآياته، تبركا وتيامنا وتقوية للرأي وتعضيدا، وطمأنة للأفئدة وتثبيتا، وجذبا للنفوس وتشويقا، إذ يعتبر الميل إلى القرآن الكريم أمرا ذا حضور في مدونات التأليف المنقبي كبير، ويتجلى ذلك بشكل واضح في كتاب الكرامات، فقد أورد صاحبه ما يربو على حزب من آيات القرآن وذلك أمر مستساغ إذا ما عرفنا أن معارف الرجل تأسست على تلاوة الذكر الحكيم، فلجوء الرجل إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم، ليس مرجعه إلى ما فيها من جمال أسلوبي رائع فحسب، بل لما تنطوي عليه كذلك من جلال قدسي، فالمسلم يتلوها متعبدا بلفظها المعجز ومؤمنا بمحمولها الديني.
والطريف لدى الرجل قدرته الفائقة على استحضار الآيات ذات المعاني المتقاربة، فنراه مثلا في إطار التحذير من الدنيا وبهجتها يستحضر نصوصا قرآنية كثيرة، رابطا بعضها ببعض، مكتفيا بأن يضم الآية إلى أختها ويتجلى ذلك في قوله: {وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ}-[سورة البقرة : الآية 223].{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}-سورة البقرة : الآية 254]. {لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}-[سورة الشعراء : الآية 88]. {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}-[سورة المعارج : الآية 10]. و{ لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ}-[سورة لقمان : الآية 33]. {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا}-[سورة الانفطار : الآية 19]. {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}-[سورة غافر : الآية 18].{يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}-[سورة الإنسان : الآية 7] . {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}-[سورة الإنسان : الآية 10].{يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}-[سورة المزمل : الآية 17].ويقول الظالم {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}-[سورة الحاقة : الآية 27]. و{ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}-[سورة النبأ : الآية 40].و{لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ}-[سورة الحديد : الآية 15]. {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ *وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}-[سورة المعارج : الآيات 11-12-13-14] ().
2- حضور النصوص الشعرية:
وهي متنوعة ومتعددة في هذه المدونة، فقد أورد المؤلف ضمن كتابه ما يقارب ثلاثمائة بيت (مائتان ونيف وخمسون بيتا) وهذه الأشعار تنتمي إلى كل العصور الأدبية، وتتراوح ما بين شاهد نحوي، ومثل سائر، وحكمة بالغة، ونصيحة صادقة، وموعظة مؤثرة، ناهيك عن ما في تلك الأشعار من الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير القلوب، وتربية النشأ. وسنوزع هذه النصوص إلى المستويات الآتية:
❖ الرقائق الصوفية:
ويمكن أن ندرج تحتها أكثر النصوص الشعرية الواردة في هذه المدونة، وهي في أغلبها تتحدث عن جانب كبير من التواضع وانكسار النفس، والدعوة إلى الاعراض عن الدنيا والزهد في ملذاتها، ففي جانب التواضع نراه يورد أبياتا يصف بها نفسه فيها كثير من الانكسار والبعد عن الأنفة والاستكبار والأبيات هي:

يظنون بي خيرا ولست بخيِّرٍ
ولكنني عبد ظلوم كما تدري

سترت عيوبي كلها عن عيونهم
وألبستني ثوبا جميلا من الستر

فصاروا يحبوني وما أنا بالذي
أحبوا ولكن شبهونيَ بالغير

فلا تكشفنْ ستري إلهيَ بينهمْ
ولا تخزني يوم القيامة والحشر

كما أورد نصوصا شعرية عديدة تذم الدنيا وتحط من قدرها يقول: “يسيرها” – يعني الدنيا يكفي – وكلها إذا أنت لم تعط القناعة لا تغني، وهي كما يقول أبو بكر بن قسومي اللخمي الأشبيلي:

اضرب عن الدنيا هديت ولا تخل
جهلا بأنك قد تركت نفيسا

لئن هجرت لقد هجرت حقيرة
ولئن وصلت فقد وصلت خسيسا

وأحيانا يورد ما يؤكد حتمية الموت والفناء، نحو قول الشاعر:

ألا إن ما الانسان ضيف لأهله
يقيم قليلا عندهم ثم يرحل

وكذلك قول الآخر:

صاح شمر ولا تزل ذاكر المـ
ـوت فنسيانه ضلال مبين

كما قد يتعرض لبعض الثوابت الأساسية في العقيدة الإسلامية كالتوكل على الله والإجمال في طلب الرزق والأخذ بالأسباب، وقد ساق في هذا الصدد أبياتا تدعو إلى هذا المنهج، متعجبة كل التعجب ممن يعول على غير الخالق أو يستعين بما سوى الله في تحصيل الرزق، متهكمة ممن لا يسلم وجهه إلى الله، ولا يرضى بما قسم له، يقول صاحبها:

أتطلب رزق الله من عند غيره
وتصبح من خوف العواقب آمنا

وترضى بصيراف وإن كان مشركا
ضمينا ولا ترضي بربك ضامنا

و من هذه النماذج كذلك ما أورد من الترغيب في الإنفاق وبذل المال والتحذير من البخل به واكتنازه، وذلك ما أشار إليه ضمن أبيات وردت على لسان أحدهم يقول فيها:

مالي عليَّ حرام إن بخلتُ به
وصاحب البخل بين الناس مذموم

مالي أشح بمال لست أملكه
والمال بعدي إذا ما متُّ مقسوم

لا بارك الله في مال أخلفه
للوارثين وعِرْضِي فيه مكلوم

❖ الشواهد الشعرية:

وقد أورد الرجل ضمن هذه المدونة المنقبية عددا من الشواهد الشعرية منها تلك الأبيات المشهورة التي تنسب لأبي الأسود الدؤولي وهي:

يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام من الضنى
كيما يصح به وأنت سقيم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

ومن هذه الشواهد كذلك قول جرير:

أقلي اللوم عاذل والعتابن
وقولي إن أصبت لقد أصابن

وكذلك قول الآخر:

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
ويرجعن من “دارين” بجر الحقائب

على حين ألهى الناس جل أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب

وكذلك قول الآخر:

لئن كان حبك لي كاذبا
لقد كان حبيك حقا يقينا

وما كنت إلا كذي نُهزة
فيبدل غثا ويعطي سمينا

وكذلك قول الآخر:

بأي كتاب أم بأية سنة
ترى حبهم عارا علي وتحسب

كذلك قول الآخر:

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا
ألا يجاورنا إلاَّك ديار

وكذلك قول الآخر:

كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

❖ الحكم والتوجيهات الوعظية:

وفي هذا الجانب سنعرض لعدد من الأبيات جرت على ألسنة الناس وهي في أكثرها نصائح وإرشادات وأمثلة سائرة. ومن أبرزها بيتان أوردهما لبعضهم وهما:

أتانا من الأرياف قوم تفقهوا
وليس لهم في العلم قَبْلٌ ولا بَعْدُ

يقولون هذا ليس بالرأي عندنا
ومن أنتمُ حتى يكون لكم عِنْدُ

ومن هذه الحكم والتوجيهات ما ضمن قول أحدهم:

وخير مال الفتى مال أشاد له
ذكرا تناقله الركبان أو صيتا

ومن هذه الأبيات كذلك قول المتنبي:

لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والاقدام قتال

ومن هذه النماذج قول أحدهم:

فلي فرس للخير بالخير ملجم
ولي فرس للشر بالشر مسرج

فمن رام تقويمي فإني مقوم
ومن رام تعويجي فإني معوج

❖ الثناء والنماذج المدحية:
ضمت هذه المدونة كثيرا من الأشعار المدحية ولا غرابة في ذلك، فالمناقب مرتبطة أشد الارتباط بالمدح والثناء،وسنسوق هنا نماذج من الأشعار الواردة في هذا الجانب على نحو ما نقرأ في بيتين أوردهما في هذا السياق وهما:

نِعْمَ أنت المتاع لو كنت تبقى
غير أنْ لا بقاء للانسان

ليس في ما بدا لنا منك عيب
عابه الناس غير أنك فان

ومن هذا الثناء الحسن كذلك :

ثمانية لم تفترق مذ جمعتها
فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر

فؤادك والتقوى وكفك والندى
ولفظك والمعنى وسيفك والنصر

وكذلك قول الآخر:

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

ومن هذه المدونة المدحية بيتان أوردهما وهما:

لا يبعدن قومي الذين هم
سم العداة وآفة الجزر

النازلون بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر

وكذلك قول الآخر:

إن ترد علم حالهم عن يقين
فالقهم في مكارم أو نزال

تلق بيض الوجوه سود مثار الـ
ـنقع خضر الأكتاف حمر النصال

وكذلك قول الآخر:

من النفر العالين في السلم والوغى
وأهل المعالي والعوالي وآلها

إذا نزلوا اخضر الثرى من نزولهم
وإن نوزلوا احمر القنا من نزالها

وبالجملة فإن نفس الرجل في الشعر طويل، لذلك نلحظ حضورا للعديد من مدونات الشعر الجاهلي خاصة ديوان الستة وغيلان كما نصادف كذلك حضورا للأشعار الأموية والعباسية والأندلسية ونماذج عصر الضعف وخاصة بردة البصيري،  ناهيك عن الشواهد الشعرية والأمثال السائرة فكل ذلك تقرأه من أول هذا الكتاب إلى نهايته.
خاتمة:
وصفوة القول أن هذا المؤلف كتب بأسلوب رصين يركن في نماذجه إلى أساليب النثر الفني أيام الجاحظ وأبي حيان التوحيدي، بل إنه أكثر من ذلك اعتمد طرائق مبدعي المقامات مركزا بشكل خاص على مقامات الحريري، مما جعله يعول على السجع والجناس إلى درجة كادت تغرقه في بحر التعقيد اللفظي، وأكثر من ذلك فإنه استأنس بالقرآن والشعر كثيرا، فنراه في أحايين كثيرة يكتفي بأن يضم الآية إلى أختها، ويؤلف بين بعض الأمثال والأشعار دون أي تدخل أو تعليق.
وبالجملة فإن هذه المدونة المنقبية تكشف عن موسوعية الرجل، التي تتجلى في قدرته الفائقة على استحضار نصوص كثيرة مع التمكن من تنسيقها وربط بعضها ببعض، فهو يستطيع أن يحرر فقرات طوالا، دون أن يكون له فيها أثر سوى فضيلة الربط، مكتفيا بأن يلصق بعضها ببعض، في أكمل رباط وأحسن تنسيق.
وقد امتازت هذه المدونة المنقبية بميزات نذكر من بينها:
* الاحيائية: وتتجلى في إعادة الاعتبار للنثر الفني في عصور ازدهاره وإلى العناية اللافتة بفن المقامات، وذلك تطويرا لأساليب النثر العربي، وتجسيدا للعديد من مقررات القوم في علوم اللغة خاصة البلاغة والنحو ومدونات الشعر.
* التوثيقية: فهذا النص يعد وثيقة تاريخية تروم رأب الصدع ولمَّ الشمل، عاملة على رد المياه إلى مجاريها، فهو وساطة جادة ومسعى حميد وجهد حثيث لتجديد أواصر الرحم والقرابة، ولتوحيد الصف الشمشوي، وقد تجلَّى ذلك على مستوى البنية التأليفية في الكتاب، حيث عمد الرجل إلى عدم ترتيب القصص والتراجم المسطورة، فجاءت ممتزجة امتزاجا قد نفهم منه رغبة المؤلف في أن تعود جماعته، إلى مثل هذا الامتزاج الممنهج والاتحاد المتميز، فهو مثلا يبدأ بالحديث عن أحمد بزيد من أهل باركللَّ ليتبعه بباب أحمد ومحنض بن يديمان، ليعود إلى أحمد بزيد ثانية، ولعل في هذا التداخل نوعا من الحرص على استعادة الروابط وتقوية الصلات.
* الموسوعية: يعد هذا المؤلف موسوعة ثقافية متميزة، حيث اعتمد المصادر الأساسية للثقافة الشنقيطية، ويتجلى ذلك في حضور القرآن الكريم بشكل مكثف، وحضور الأشعار والأمثال والقصص الصوفية. فهو يحيل على أبرز المصادر الشرعية والأدبية واللغوية لهذه الثقافة خلال القرن الثاني عشر الهجري.
* السردية: فهذه المدونة يمكن اعتبارها منطلقا للكتابات المنقبية ذات النفس القصصي، لذلك تلزم الإشارة إليها أثناء الحديث عن الإرهاصات الأولية لظهور القصة وانطلاقة الكتابات الفنية ذات البناء السردي.
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نتوج هذا الجهد بعدد من التوصيات نذكر من بينها:
☒ إدراج نصوص من هذا الكتاب ضمن المقررات المدرسية خاصة في المراحل المتقدمة من التعليم، فهو كاشف عن تمكن القوم من النثر وقدرتهم الفائقة على توظيف المحفوظات، ولهذا المؤلف صلة وثيقة بالسرديات كما بينا، فيستحسن أن تختار منه نصوصا لتدرج ضمن الكتب المدرسية المعتمدة عندنا.
☒ العمل على إعادة تحقيق هذا الكتاب بعد أن ظهرت الموسوعات الشعرية والأدبية التي تساعد على تخريج العديد من الأشعار والأمثال التي أوردها الرجل في هذا المؤلف.
☒ السعي الجاد إلى طبع هذا الكتاب ووضعه في متناول الباحثين حتى يتداول ويكون منطلقا للعديد من الدراسات الأدبية والأسلوبية والصوفية.

والله ولي التوفيق ..
————————-
• أُلقيت هذه المحاضرة ضمن ندوة نظمها مركز الرشاد لترقية الثقافة والديمقراطية بالتعاون مع جامعة شنقيط العصرية في مقر الجامعة يوم الأحد 14 يناير 2018م تحت عنوان :” العلامة محمدْ والدْ بن المصطفى بن خالُنا الديْماني : آثارُهُ وتأْثيرُه”..Mohameden Ould Sidi Bedena

اترك رد