من المعهود في القطر المغربي عموما والشنقيطي خصوصا ضبط بعض التواريخ المهمة بطريقة حساب الجمل أو الطريقة الفشتالية بعد أن خصتها غلبة الاستعمال بهذا الاسم.
وهذا النوع من الشعر و إن كان مهما عند الباحثين لأنه يكفيهم مؤونة تحقيق و ضبط التواريخ ومقارنتها إلا أن المتذوقين للأدب قلما يجدون فيه ضالتهم لخلوه في الغالب من طعم الشعر الجيد.
وقد اتصل بي بالأمس صديقى الأديب عبد الله بن امين بن داداه – الذي يقضى راحته في انيفرار حاليا – و روى لي أبياتا جميلة جديدة كان قد تلقاها لتوه من شيخنا محمد فال بن عبد اللطيف.
الأبيات عبارة عن نظم عقد به الأستاذ محمد فال تاريخ و مكان وفاة العلامة محمذ باب بن داداه وكان قد وجدها بالأمس على هامش كتاب كان يطالعه ، وهي من خط الشيخ الصدوق الخلوق الشاه بن محمد سيديا بن الشيخ أحمد الفاضل وقد كانت تربط الرجلين علاقة محبة إلهية قوية يعرفها أهل الحي حتى أنهما كان لا يفترقان إلا قليلا رحمة الله عليهما.
جاء نظم الشيخ محمد فال هلهلا سلسا ضابطا للتاريخ بالساعة واليوم والشهر والعام ، وقد حمله الشيخ شحنة قوية من الشاعرية جعلته يرتقى إلى مستوى المرثية ، فقد أشار ضمنيا إلى علو كعب الشيخ في الفقه من خلال قوله “قف” إذ أن القف من المصطلحات الخليلية المطروقة، كما ضمنه بيتا جمع فيه شطرين من نظمين شهيرين ، الشطرالأول من ألفية ابن مالك، استخدمه استخداما مزدوجا لمح من خلال ظاهره إلى شدة محبة الشيخ محمذ باب بن داداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم و كثرة صلاته عليه وحبه الشديد لأهل بيته وعترته واحتذائه بشمائله، أما باطنه فيشير إلى إتقانه لعلم أهل البصرة والكوفة ، وتدريسه للطرة حتى يرى الحاضرون النار تضطرم.
أما الشطر الآخر فهو من نظم قرة الأبصار االشهير وقد أكد الناظم من خلاله اتقان الشيخ لعلوم السيرة و أيام العرب …..
وقد ختم النظم بتضمينه لبيتين كان الشيخ محمذباب قد عقد بهما تاريخ ومكان ولادته لتكتمل عناصر الموضوع فجزاه الله خيرا. و يشير رمز قف رشيد إلى سنة 1394 هجرية.
وقد طلب الشيخ محمذباب بن داداه من العالم الشاعر بباه بن اميه أن لا يرثيه من شدة حبه للخمول وعز العزلة ، ومع ذلك فقد اعتبر الفتيان محمد فال بن عبد اللطيف و عبد الرحيم بن أحمد سالم و محمد سالم بن عبد المومن ذلك النهي خاصا بالأديب بباه فرثاه الثلاثة بقصائد تعتبر من عيون المراثي الأعمرية
و هذه هي الأبيات كما وصلتني من المصدر
ظهـــيرة الأحـــد سادسَ رجب *** من عام قِفْ رشيدُ للمولى انقلب
ببـــئر انيفرارَ شيــــخنا الهمام *** محـــــــمذن باب بن داداهَ الإمام
عن عـُــمُر قد ناهز التـــسعينا *** قــــضاه مخـــــــبتا يسوس الدينا
مصليا على الرسول المصطفى *** صـــلى علـــــــيه ربنا و شرفا
و بـــث فــــــيه من نفيس العلم *** ما ضاق عن حصر مداه نظمى
و مولد الشـــيخ اقـــتده في نقله *** بـــه فـــقـــــد نظــــمه بقـــــوله
وعــــام مالك رشـــــــيد بسحر *** لــــيلة الأربعــاء من شهر صفر
ولدت بالبـــئر اللــذى قد سمى *** عند الــــذى سمـــاه تــندك سمى
وقد ذيلتها بما يلي :
عقــــدته من أسطر في هامش *** خـــوفا عليه من غلو داعش
من خط شيخ ضابط ثبت وبر *** صدق هذا الشيخ في كل خبر
أعنى به الــشاه سليل الصلحا*** و العـلما و الفصحا والنصحا
يعقوب بن عبد الله
رحم الله امني والشاه وأطال في أعمار بباه ولد عبد اللطيف وعبد الله ولد امين، ولا عدمنا “بعضهم” فهو فتى إكيدي بلا منازع. يقول اتاه في رثاء امني رحم الله الجميع:
محمذن باب إمام الفئه ۞ نشأ يخشى ربه منشئه
مطبقا لسنة المصطفى ۞ أمرا ونهيا مائة في المائه
معبئا لصد أهل الهوى ۞ جهوده يا حسنها تعبئه
مصارما لكل ذي بدعة ۞ من قدرية ومن مرجئه
فما رأى مبتدعا عاتيا ۞ إلا رآه شكه في الرئه
ومخطئ الصواب في دينه ۞ إن يرمه الشيخ فلن يخطئه
كان فقيه القطر نحويه ۞ صوفيه قارئه مقرئه
كان على ما كان من عزة ۞ يدرأ بالحسنة السيئه
لا حقد لا حسد لا لا التي ۞ هي لنفي الجنس والتبرئه
من فئة عريقة في الندى ۞ والعلم من ميزات تلك الفئه
تواضع عن شرف منبئ ۞ وعزة عن ورع منبئه
تلقى الضيوف عنده شاههم ۞ وشاءهم والظل والتدفئه
ثم تهيأ فنون القرى ۞ تهيئة ما مثلها تهيئه
وإن تهيأ القرى هانئا ۞ فللقراءة إذن تهنئه
يا رب يوم صالح منهمُ ۞ فيه لك الهناء والتهنئه
وكم فتى فيهم نجيب ولا ۞ حاجة للتعيين والتجزئه
يا فئة عريقة في الندى ۞ معيدة في شأوه مبدئه
ما إن لنا عنكم غنى إنكم ۞ لدائنا أدوية مبرئه
مسجدكم قدما وقرآنكم ۞ وغيثكم حرز من الأوبئه
حياتكم رغم لهيب الأسى ۞ فينا لحر ناره مطفئه
والشيخ في جوار خير الورى ۞ في برزخ قمن أن يهنئه
فليثو في مقعد صدق كما ۞ يبغيه وليهنئه وليمرئه
وليتكئ فيه على رفرف ۞ وعبرقي حسن التوطئه
وليهن من نجلهم إنهم ۞ مثَّل كل منهمُ ضئضئه
فكلهم بالعلم بله التقى ۞ مُلِّئ ما أبوهمُ مُلِّئه
قد واطؤوه في الهدى والندى ۞ لم تعد منهم قدم موطئه
تعزية وجيزة ربما ۞ تكون إن سامحتمُ مجزئه
فهدئونا أنتمُ إننا ۞ نحتاج للتثبيت والتهدئهْ
دمت تتحفنا بهذه الروائع سيدي يعقوب بن اليدالي
وهذا تطفل على ذاك الجناب:
جادت ضريح الشيخ ديمة الرضى == والعفو والرحمة من غير انقضا
تهمي عليه بنوال المعطي == “وتقتضي رضى بغير سخط”
محمذن باب محب المصطفى == “وآله المستكملين الشرفا”
حياته ما بين علم “وعمل == بر يزين وليقس ما لم يقل”
وحفظ الله فتى الفتيان == وغرة الزمان والمكان
محمدا فال الأديب المخبتا == دام “منيرا وجهه نعم الفتى”
له بخدمة جناب طه == أعلى المراتب فواها واها
وللصديق الكاتب المبرز == من “قرب الأقصى بلفظ موجز”
يعقوب ذي الإبداع في التحرير == كامل شكرنا مع التقدير
“ولن ترى في الناس من رفيق == أولى به الفضل من الصِّدِّيقـ(ـي)”