الرئيسية / إخوانيات / إخوانيات الأديب عبد الله بن أحمد سالم المعروف ب (بل بن ديدِ)

إخوانيات الأديب عبد الله بن أحمد سالم المعروف ب (بل بن ديدِ)

يرى كبار النحويين أن النحو إنما احتيج إليه لأمن اللبس، ولذلك نجدهم يتسامحون في نصب الفاعل إذا أُمِن التباسه بالمفعول، وقديما قيل إن ابليس مشتق من الإبلاس و التلبيس.
وقد اتفق أهل العلم بالشعر على بعض المصطلحات ولرفع اللبس بينها وضعوا حدا لكل واحد منها، فأدب الإخوانيات مثلا غير داخل في فن المناقضات و شعر المعارضات يختلف عن الإخوانيات، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس.يرى كبار النحويين أن النحو إنما احتيج إليه لأمن اللبس، ولذلك نجدهم يتسامحون في نصب الفاعل إذا أُمِن التباسه بالمفعول، وقديما قيل إن ابليس مشتق من الإبلاس و التلبيس.
وقد اتفق أهل العلم بالشعر على بعض المصطلحات ولرفع اللبس بينها وضعوا حدا لكل واحد منها، فأدب الإخوانيات مثلا غير داخل في فن المناقضات و شعر المعارضات يختلف عن الإخوانيات ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس.
تتسم الإخوانية غالبا بروح الظرف والفكاهة، وتكون عادة بين صديقين أديبين، حيث يكتب أحدهما بيتين أوقطعة شعرية ، فيرد عليه صاحبه بشعر يفند أو يثبت فيه دعوى صاحبه. وقد يكون ذلك الشعر فصيحا أو حسانيا حسب المقام.
والمعارضة هي أن يكتب شاعر قصيدة فيعجب بها شاعر آخر، فيحاكيها على البحر والقافية نفسيهما مثل ما قام به الشاعر المقتدر محمد بن الطلبة لقصائد الشماخ بن ضرار و حميد بن ثور رضي الله عنهما.
أما المناقضة فهي أن ينظم الشاعر فخرا بنفسه أو هجاء لغريمه فيرد عليه الغريم في نفس البحر والقافية، فينقض اللاحق ما قال السابق، نظير ما حصل بين الشاعرين جرير والفرزدق و أمثلته كثيرة في الشعر الموريتاني.
ويكثر أدب الاخوانيات في الشعر العربي القديم والحديث، فقد جمع الدكتور أميل ناصيف في كتابه “أروع ما قيل في الإخوانيات” نماذج منه لسبعة عشر شاعرا و أديبا بدءا من البحترى وانتهاءا بتوفيق الحكيم .
وكمثال على ذلك نسوق نصا خاطب به الدكتور طه حسين زميله مصطفى العقاد :
[| [( و آية العــقاد ضيق الصدر*** فليـــس يدرى أنه لا يدرى
كمثل عصـفور بكفي صقر*** حــــين يساوى شعره بنثر
)] |]

فرد العقاد عليه في الحال بقوله:
[| [( إسفنجة تسعى لشرب البحر***وشمعة تطفىء ضوء البدر
والشيخ طه فى انتقاد الشعر***ثلاثة مضــــــحكة لعمرى
)] |]


وقد تذوق أهل” إيـگيدى” شعر الاخوانيات واعتبروه من أجمل الأجناس الأدبية و أخصب مجالاتها، لأنه غالبا ما يكون تعبيرا صادقا عن موقف مع صديق أو دعابة طريفة أو نكتة ظريفة وهو ما ينسجم مع طباع و أخلاق سكان تلك المنطقة.
ومن شبه المؤكد أن شعر الاخوانيات لم يبرزكغرض مستقل في الأدب انيفراري، إلا مع شعراء “عصر الوسط” و خصوصا القاضى الأديب أحمد سالم بن سيد محمد ، حيث تذوقته القمة واستساغته القاعدة وحفظه الصغار وسمر به السمار ، حتى أن أحد أقار.به قال مرة:(.. إن ديدِ أفرغ قريحته في لداته خصوصا أدُّمْ ودَيّاهْ عليهم رحمة الله) . ثم واصلت “الأعصار” التى تلت “الوسط” في إنتاج هذا اللون الأدبي وبرعت فيه.
وتقتضى الاخوانيات عندنا أن “يتعاصر” (يتقارب في السنّ)أهلها، و لا تشترط القدرة على نظم الشعر في طرفيها، لأن أغلبها مبني على العفوية والإرتجالية ، وبالتالى فهي ضرب من المزاح والصُّحب معهم توضع الأثواب كما يقولون.
ويبدو أن الأستاذ الأديب عبد الله بن أحمد سالم المعروف ب (بل بن ديدِ) ورث من والده – مع ما ورث منه- تلك الخاصية، فكان لا يفوت فرصة للداته “عصر لسياد” دون أن يدونها في إخوانية جميلة.
اتخذ الأديب الشاعر بلِّ من إخوانياته وسيلة لتخليد بعض المواقف النادرة التى جمعته بلِداته ، من خلال قطع شعرية قصيرة، أظهر فيها براعته في تخير العبارات وانتقاء المعانى و مهارته البيانية و إحاطته اللغوية، أما أسلوبه فيها فهو أقرب إلى السهل الممتنع ، حيث وشّاها بعبارات من الحسانية سهلت على العامة تذوق شعره وحفظه، وعسرت على الخاصة مجاراته.
وقد أتحفنا الأديب بلِّ مؤخرا بثلاثة نصوص نادرة من إخوانياته المحلية، جعلناها هدية للمتصفحين بمناسبة ظهور الموقع بعد أيامٍ من حجبه لدواعى الصيانة السنوية.

النص الأول: رحلة سياحية إلى السنغال
اصطحب السيد عبدُ بن بـگ رحمه الله في خريف 1986 خليله بلِّ في رحلة سياحية إلى السنغال، بغية تعريفه على المعالم السياحية و الأثرية للجارة الجنوبية.
غادر بلِّ أرض البيظان(Les Maures) ,ومر في طريقه بقرى و “اكصورالولوف”، فشاهد بنى جلدته يمارسون تجارتهم ، فعرفهم بأزيائهم . ثم انتهى به المطاف في مدينة “رفسك” المعروفة لدى الموريتانيين ب “تنكجيج” وقضى بها أياما فى حوانيت صديقيه “عبدُ وسيد محمد بن ناصر الدين ” حلت بقبريهما شآبيب رحمة المبين.
و يبدو أن الفترة التى سبقت قدومه تميزت بانعدام الامن من خلال موجة من أحداث السرقة طالت العديد من متاجر الجالية. وقد أصيب بعض التجار نتيجة ذلك بالقلق والتوتر وخصوصا صديقي الشاعر.
وعندما تجهز بلّ لرحلة العودة ،أنشد صديقيه القطعة الساحرة الساخرة التالية، و التى ضمنها إشارة إلى الهواجس الأمنية التى تنتاب الجالية البيضانية عند حلول الظلام فقال:

[| [(
قل “للبطارين” أهل العــــلم والـــدين *** قوم البــياضـين منهم و الســـواديــن
في”سينغال” جـنوب “المَوْرِ” سائحة *** بين “الكُصور” تمَشَّـــــى في “القفاطين”
لم تأخذ العينَ فيـــــــها لحظة ســـنةٌ*** خـــــوف الشيــاطين أرباب الســكاكين
وما استرحـــت بها خوفا بـــها وبها*** خوف “الكراطين” ما قال الكرى “طين”
لما دخلــــت لنومى باب موطـــــننا *** ناديـــــت ربى بما نـــــــاداه ذو الـنون
هاتى “الكراطين” و الأكواخ مغلقة*** لا يصـــــــلحون لتسكــــينى وتو طينى
كذا الشــــــياطين إنى منـــــهمُ وجل *** أعـــوذ بالله من شـــر الشـــياطين
)] |]

وحدثنى بلِّ أن المرحوم عبدُ قام بعد ذلك باستئجار منزل و جهزه بالفراش المناسب تحسبا لزيارة مستقبلية لبلِّ أولغيره من أسياد العصر.

النص الثانى : زيارة لقرية انيفرار
وصف الأديب بلّ في نصه الثانى الجو العام السائد في قرية انيفرار بعد رجوعه إليها، كما عكس فيه التغيرات الاجتماعية التى طرأت بعده، والتى أثرت على اهتمامات لداته الأربعة الموجودين في القرية آنذاك.
ويبدو جليا من النص تأثر الشاعر في شبابه بمدرسة ازْرَيْگ حيث اشتمل على عدة عبارات حسانية يقول بلِّ:

[| [(
ألا إنما “انيفرارُ” أصـــبح “مِسْتحف” *** لهذا كـــــفـــاني منــــه أني مستكف
و يكفيك أن القــــوم أمسى حــديثـــهم *** معادا وكـل الناس أصبح كا”المِكْف”
فـ “إعْبَيدَ” إن تســأله “مزمز” قائـــلا *** كــــفانى من الأقـــــوال أُفٍ بكم أُفٍ
و إن جئت “لِمَّيْفـِـيدَ” في الجمع خلته*** جنازة نعش و “الصَّغيراتُ” كالصـف
و”التاهُ” عـــند “الفـُورِ” يحـرق دائما *** “يـُخَــنزُ” بالـدخان ” أَفِّ” بـــه “أَفِّ”
و “امينُ” شيخ “الدشرَ” إن جئت بيته*** وجـــدت جمــــــاعات وقنديله مطف
فما اللهو إلا في “صُومَاهِيلَ” إنـــها*** لأقــــــوامها لهـــــــو ولكــــــنه مخف
)] |] و”اسْغَـيراتْ” بالتصغير لقب يطلق على نسوة في القرية من نفس الفئة العمرية ، أما “صُومَاهِيلَ” فهي تعاونية تجارية تم إنشاؤها للوفاء بالإحتياجات الأساسية لسكان الحي لكن يديرها رجال يكبرون الشاعر سنا.

النص الثالث : موقف مع صديقه التاه بن أحمدُّ
خص الأديب بلّ صديقه وصفيه السيد التاه بن أحمدُّ بن حلاب بنصه الثالث ، وكان الأخير قد بنى وجهز مخبزة يدوية ، وشرع في توفير مادة الخبز للحي، لكن البناء تم في الجهة الشمالية الغربية ، وهو ما يقتضى أحيانا أن تجري الرياح بما لا يشتهى صاحب المخبزة.
وقد مرّأحد الشيوخ مرة أمام المخبزة وقرأ بصوت مرتفع لوحة منصوبة عليها كتب عليها بخط عريض “مخبزة انيفرار” فصحّف الباء بالنون، بعدما ضم الميم ، ففهم الحضور من ذلك ما فهموا.
لكن الأديب بلِّ لم يفوت تلك الفرصة ، فكتب إخوانية لزميله طواها على تفسير الإشارة الضمنية لكلمة الشيخ ، مقدما لها طبعا بشواهد شعرية وقرآنية كعادته فقال:

[| [(
الـــــــتـَّاهُ شاع وذاع في بلدان*** إيــــگـــيد بالمعروف و الإحسان
ما مثله فــي الناس يوجد سيِّد*** لا في بنــــــــــى ديمانَ لا جاكان
الرأي منه – ولا غرابة- نافع*** والرأي قــــبل شجاعة الشجعان
حفظ القرآن وهو طـــفل يافع *** و أعـــــاده من ســــورة الدخان
)] |]


وقد لفت القاضى أحمد سالم بن سيد محمد انتباه بلَّ إلى أن كلمة الدخان غير مشددة أصلا لكن يجوز تشديدها للضرورة الشعرية.
وفي الختام نشكر الأديب بلّ على النصوص النادرة التى أتحفنا بها و أذن لنا في نشرها ، كما نطلب منه ومن غيره من الأدباء تزويدنا بمزيد من النصوص في هذا الغرض فالحديث شجون.
يعقوب بن عبد الله بن أبن

16 تعليقات

  1. متصفح من بني نفرار

    أعجبتني هذه المقالة بشعرها و نثرها و بصفة خاصة البيت
    ما مثله فــي الناس يوجد سيِّد*** لا في بنــــــــــى ديمانَ لا جاكان
    فشكرا و وخيرت أكبيييره

  2. الشيخ الرضى ولد حمدي

    وخيرت هذو الابيات ينزارو ووخيرت ب بلل وهذا زين زيدون من شعر بلل انتم نتبرك بيه

  3. الشيخ الرضى ولد حمدي

    والللللللللله ال اسكيييييييييييييييييييي هذا زينن ما كط انكال شي كيفو زيدون من اشعار بل ولد ديد

  4. أهل انيفرار زدووون من شعر بل ولد ديدي ذاك الل خفيف بهلل معلووم فلحموضه ومقبول و منصور ويمثل أل انيفرار قلبا وقالبا

  5. طريفة جدا مساجلة طه حسين والعقاد وأبيات هذ الأخير أحسن حسب رأيي

  6. فعلا كما كتب المعلق الأخير هذا النوع من أدب الاخوانيات نادر وجميل وإنساني.
    لكن أيضا تقديم الكاتب له جعل إطارا ذهبيا لهذه اللوحة فصارت أجمل وأوضح.
    مزيدا من هذا النوع

    والسلام

  7. كثيراما نسمع في مجالس الكبار عن قصص تاريخية تحمل في ثناياها مدونة شعرية توصف بالقيمة تأخذ من التاريخ بعدا وثائقيا يشهد على ماض جميل وعلى ثقافةحصرية كانت قائمة بهذه الربوع… وتوحي النصوص الشعرية التي بين أيدينا بأن الأدباءهناك كانوا يعيشون لحظات من الفكاهة والمزاح من أمثال ما يدور بين الأصدقاء ويحدث أن يدون ذلك في شعر يجعل من الطرافة وخفة الظل سبيلا نحو الولوج بسرعة لقلوب العام والخاص حتى تعتاده الذائقة وتفتقده أحيانا ومن ذلك ما يسمى أدب الاخوانيات.

    وقد أضاف الكاتب لطرافة الشعر وخفة المقاصد وبلاغتها بعدا سياقيا جعلها أكثر تماسكا وانسجاما في ذهن القارئ حتى وإن كان من غير المتابعين لماضي القصص الحصرية ولا علم له بتاريخ الشاعر، وحتى أوصل حلقة الماضي بالحاضر وجعل من الشعر دليلا له وشاهدا لاسترجاع لحظات من تاريخ الثقافة الحصريةلأدب الفكاهة عموما وللإخوانيات خصوصا في هذه البيئة … “بين الكثبان”….

  8. لمرابط بن دياه

    راااااااااااااائع شعرا ونثرا وما بينهما

  9. نشكر موقع انيفرار علي مانشره لشاعرناالغائب المغيب عن الساحةالأدبيةفهذاهوالشعرالطريف الظريف الخفيف اللطيف الذي يزيل الهموم ويرضي العموم

  10. محمدن ابن عبدالله [الملك] معلقا يقول:
    لقد نوّرالأشعار *بل*بذا الشعر ***وقدكتب الأشعار *يعقوب* بالنثر
    تبارك ربى ذو الجلال و حاطهـم**** من العين والأسواء في السر والجهر
    فأهديكما مني تحية مخلـــــص ****فقد حزتمافي النثر سبقا وفي الشعر
    فلا شىءيستدعي انتباه متابع **** لذا الموقع المعروف في ساحة الفكـر
    سوى *نكتة *أودرة* أو طريفة****تزيل هموم المرء تشرح للصـــدر
    وقد جئتم نصا بما قد وصفتــه****كواسطة العقد النفيس علي نحــــر
    وأزكي صلاة الله ثم سلامـــه*** علي الروضة الغراء وقفا مدي الدهر

  11. بقلم [ الملك]
    لقد نور الأشعار*بل* بذا الشعر****وقد كتب الأشعار*يعقوب*بالنثر

    فحييتمامني بأسمي تحية

    ******** فقد حزتمافي النثر شأوا وفي الشعر
    تبارك ربي ذوالجلال وحاطكم ***من السوء والأعداء في السروالجهر
    فلا شيء يستدعي انتباه متابع***لذاالموقع المشهورفي ساحة الفكر
    سوا نكتة أو درة وفكاهة**** ففيه خليط للشهاد مع الخـــمر
    وأزكي صلاةالله ثم سلا مـــه****علي الروضة الغراء دائمــةالنشر

  12. د : القطب الآنصاري

    مقال ممتع وظريف كما عودتنا دائما عزيزي يعقوب

  13. هدية مقبولة وهي على مقدار مهديها فهذا الكاتب المتميز يعقوب بن عبد اللله وهذا شعر بلل بن ديد علما وفيى الحقيقة فنحمن قد استفدنا اليوم كثيرا وإننا لنرجو منكم أن تكثروا لنا من أدب أهل لخيام فيجب علينا حفظه وشكرا

  14. أحمد بن سيد ميله

    موضوع طريف وظريف ولا غرو فبل ول ديد شاعر مفلق وما يميز أدبه هو السلاسة وعدم التطويل. وراهوالك عند ياسر مزال
    و أشكر الكاتب يعقوب على المقال الرائع وأرجو منه أن يركز لنا على هذا النوع من الأدب فمثله لا نجده إلا في هذا الموقع

  15. قطع نادرة وتقديم جيد

  16. اسك هاذ زين و خيرت بالفقيه عبد الله الملقب بل مايعرف الناس عن صالح من الصالحين

اترك رد