الرئيسية / الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022 / {الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022} محاضرة بعنوان : علو الهمة

{الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022} محاضرة بعنوان : علو الهمة

تميزت الليلة الثانية من أماسي النسخة الرابعة من أسبوع انيفرار الثقافي بإلقاء الأستاذ عبد الفتاح بن اليدالي بن أبٌ لمحاضرة بعنوان : علو الهمة، وفيما يلي نص المحاضرة في انتظار أن يتم نشرها قريباً بالصوت والصورة إن شاء الله تعالى

 

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن علو الهمة من الأخلاق الرفيعة والصفات الكريمة، والخلال الحميدة، تهفو إليه النفوس الشريفة، وتتوق إليه قلوب العظام.

وهو سلم الرقي إلى الكمال الممكن في كل أبواب الخير، من تحلى به لان له كل صعب، واتصف بكل جميل، واستطاع أن يحقق مراده وهدفه. ولما كان هذا الخلق بهذه المنزلة اخترت لكم هذه الورقات تنبيها لأصحاب الهمم العالية، واستنهاضا وتحريكا لمن قصرت بهم هممهم عن الحرص على معالي الأمور، وقد راعيت فيها الإيجاز، وحرصت على وضوح الفكرة، والله أسأل أن يجعل كل ذلك خالصا لوجهه الكريم.

تعريف علو الهمة:

الهمة في اللغة: ما هم المرء بفعله من الأمور.

وفي الاصطلاح: الباعث على الفعل، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور. قال الشاعر مصورا طموح المؤمن:

إذا ما كنت في أمر مروم*** فلا تقنع بما دون النجوم

وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله:

“علو الهمة ألا تقف النفس دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلا منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات”.

 

الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:

قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: “لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته”.

وقال ابن القيم: “لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه”.

وقال ابن نباتة رحمه الله:

حاول جسيمات الأمور ولا تقل***إن المحامد والعلى أرزاق

أقسام الهمة

تقسم الهمة تقسيمتين فمن حيث الرفعة وضده إلى عالية وساقطة. ومن حيث الاستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة. وليس معنى ذلك أنه لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء ومثل الذاكرة وحسن الخلق.

مراتب علو الهمة

ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:

  1. منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس له همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني***ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

  1. ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها، وهذا_ إن اهتدى_ يكون سباقا للخيرات: “خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا”.
  2. وفريق ساقط الهمة يهوي سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:

إني رأيت من المكارم حسبكم***أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا

  1. وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئا له.

وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية. زمن أمثلتهم في القديم:

  1. ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سل”، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة…
  2. عكاشة بن محصن بادر فقال: “ادع الله أن يجعلني منهم…”.
  3. أبو بكر الصديق الذي قال: “ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال نعم وأرجو أن تكون منهم…”.

فأين نحن بالله عليك أنه علينا أن نستثمر في رفع الهمم حق الاستثمار، وأن نحاول أن نرتقي بأنفسنا حق الارتقاء”. ألم تسمعوا المعري يقول…:

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه***وإني لها فوق السماكين جاعل

ثم ألم تسمعوا بالفتى الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه، فقال قول طرفة:

إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني***عُنيت فلم أكسل ولم أتبلَّدِ

يقول علال الفاسي:

أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب***وألهو مع اللاهين حولي وأطرب

ولي نظر عــال ونــفس أبــــــية*** مقـاما على هامِ المجرة تطلب

ثمرات الهمة العالية

  1. تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً.
  2. الوصول إلى مراتب عليا في الدين والدنيا، فإذا أصبح قدوة للناس تغيرت حياة الشعوب والأفراد.
  3. البعد عن سفاسف الأمور ودناياها فقد رد عبد الرحمن الداخل جارية جميلة أهديت إليه.
  4. صاحب الهمة العالية يعتمد عليه وتناط به الأمور الصعبة وتوكل إليه.
  5. صاحب الهمة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة وتكون أوقاته مثمرة بناءة.

وسائل ترقية الهمة

  1. المجاهدة: قال تعالى: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
  2. الدعاء: والالتجاء إلى الله تعالى.
  3. اعتراف الشخص بقصور همته.
  4. قراءة سيرة السلف الصالح.
  5. مصاحبة صاحب الهمة العالية.
  6. البرمجة وحسن استغلال الوقت.
  7. مراجعة جدول الأعمال اليومي ومراعاة الأولويات والأهم فالمهم.
  8. الابتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها مثل:

أ. كثرة مجالسة أهل اللهو والعبث: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه….

ب. كثرة التمتع بالمباحاة.

ج. التسويف، قال الشاعر:

ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ***إلى غد إن يوم العاجزين غد

د. الكسل والفتور، فالراحة حيث تعب الكرام أودع لكنها أوضع، والقعود حيث قام الكرام أسهل لكنه أسفل. وقال الشاعر:

كــان التواني أنكـــح العجز بنته***وساق إليها حين أنكحها مهرا

فراشا وطينا ثم قال لها اصـبري***فأنت وذا لا شــك أن تلدا فقرا

مظاهر علو الهمة:

  1. التحرق على ما مضى من الأيام وكأنه لم يكن قط صاحب الهمة المتألق المنجز لكثير من الأمور.
  2. كثرة الهموم والتألم لحالة المسلمين.
  3. مواصلة النصيحة وتقديم الحلول والاقتراحات لمن يرجو منهم التغيير والإصلاح.
  4. طلب المعالي دائما.
  5. كثرة شكواه من ضيق الوقت.
  6. قوة العزم وثبات الرأي وقلة التردد:

لكل إلى شأو العُلا حركات***ولكن قليل في الرجال الثبات

محاذير أمام أهل الهمم العالية

  1. صاحب الهمة العالية تحلق به همته دائما فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد، فليطعها بقدر ولا يستبعد ما تأمره به، وفي الوقت نفسه لا يقم به كله، بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به.
  2. صاحب الهمة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته وتحاول أن تذكره دائما بأنه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه… فالحصيف لا يلتفت إلى هذه النصائح إلا بحذر. قال ابن نباتة السعدي:

أعاذلتي عـلى إتعاب نفسي***ورعيي في الدجى روض السهاد

إذا شام الفتى برق المعالي***فأهــــون فأنت طـــــيب الـــــرقاد

  1. صاحب الهمة معرض لسهام العين والحسد فعليه بالأذكار المأثورة ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه.
  2. صاحب الهمة العالية تعتريه فترة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب الخلق فلا يحزن وليوطن نفسه على الإحسان والنصيحة.
  3. أهل الهمة العالية قد يكونون مفرطين في بعض الأمور التي ربما لا يرون فيها تعلقا مباشرا بعلو هممهم مثل حقوق الأهل والقارب، فعلى من أصيب بشيء من ذلك أن يصلحه ولو بالقدر الذي يبعد عنه سهام اللائمين.
  4. قد تؤدي الهمة العالية بصاحبها إلى التحمس الزائد فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل وحساب العواقب، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية، وأن الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها.
  5. أهل الهمة العالية قد يتعرضون لإثارة الخلافات الفقهية بينهم فينتج عن ذلك الذم والمقت، ومن أمثلة ذلك التعرض للناس، ومن أصبح ذلك ديدنه فستتخلف همته وتقعد به عن معالي الأمور.
  6. قد يتعرض صاحب الهمة إلى عدم المداومة مع أن أبرز سمات صاحب الهمة العالية المداومة وعدم الانقطاع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة وعزيمة متقطعة”.
  7. إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته النبيلة، وتحقيق بغيته الشريفة؛ لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، واللذات والكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعْبَر إليها إلا على جسر من التعب.

بصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها***تُنال إلا على جسر من التعب

عالي الهمة يُرى منطلقا بثقة وقوة وإقدام، نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب على كل الأحوال…

قال لي بالله عليك:

أين همتك العالية وعزيمتك القوية وإرادتك الصلبة؟ …. أين طموحك العالي لكسب معالي الدرجات في الآخرة والفوز بمعالي الأمور من طيبات الدنيا … أخبرني عن همتك في طلب العلم أين هي؟

فهذا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: بعثه ربنا عز وجل إلى الناس كافة هاديا ومبشرا ونذيرا فقال له: “يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا” و “يا أيها المدثر، قم فأنذر”.

فما عرف صلى الله عليه وسلم نوما كنومنا حتى لقي الله عز وجل، وكانت أمنا خديجة رضي الله عنها تشفق عليه وتقول له: ألا تستريح، ألا تنام؟ فيقول: “ذهب النوم يا خديجة”. وكذا عائشة رضي الله عنها حتى قال لها: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ وقال للزهراء عليها السلام: لا راحة لأبيك بعد اليوم.

وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: قالوا له: ألا تتفرغ لنا؟ قال: وأين الفراغ، ذهب الفراغ ولا فراغ ولا مستراح إلا تحت شجرة طوبى (يعني في الجنة).

وهذا أحمد بن حنبل: “كانت أمه تشفق عليه من طول السهر في مدارسة العلم، وتقول له: متى تستريح؟ فيقول: عندما أضع قدمي في الجنة أما الآن فمع المحبرة حتى المقبرة”.

وكان الإمام النووي يحضر في اليوم 12 درسا، وكان رحمه الله يمشي بالطريق يكرر ما حفظه من العلم.

وقرأ ابن حجر معجم الطبراني بين الظهر والعصر: وهذا الكتاب يشتمل على نحو 1500 حديث.

ونعيم المجمر جالس أبا هريرة 20 سنة.

وعبد الله بن نافع جالس الإمام مالكا 35 سنة.

وقال الشافعي: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.

وقال ثعلبة: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة.

وقال أبو زرعة: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث، يعني مليونا. قال وأنا أحفظ مائتي ألف حديث.

وقال جرير: جلست إلى الحسن سبع سنين لم أخرج منها يوما واحدا.

وقال أبو حاتم الرازي: مشيت على قدمي في طلب العلم ألف فرسخ.

وقال مكحول: طفت الأرض كلها في طلب العلم.

وقال سعيد بن المسيب: إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد.

وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي حديث غير صحيح، وكتبت عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده.

فعليك يا أخي العزيز أن تبادر ولا تتأخر بل تكون في طليعة الركب وتقرأ قول الفرزدق:

ولم أر في عيوب الناس عيبا***كنقص القادرين على التمام

وتسمع لقول الشاعر:

منـاي من الـــدنيا عـــلوم أبثها***وأنــــشرها فـــي كل بـاد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي***تناسى رجال ذكرها في المحاضر

اترك رد