الرئيسية / تأبين المرحومة آمنة بنت دياه / تعزية موجزة في الصالحة العابدة آمنة بنت أحمدُّ رحمها الله

تعزية موجزة في الصالحة العابدة آمنة بنت أحمدُّ رحمها الله

منذ اطلاعي على الحالة الصحية للمخبتة الصابرة، آمنة (امَّتْ) بنت أحمدُّ (دياه) وأنا أحرص على تحسس أخبارها عبر الهاتف، وكأن شيئًا ما بداخلي ينبهني إلى أنها من عباد الله الذين يكرمهم بصعود أرواحهم يوم الجمعة، فكنت كلما اقترب يوم العروبة أتصل بالأهل للاطلاع على حالتها، وقد تواصلت ليلة الجمعة الماضية مع صديقي محمدن بن سيد المختار، فأخبرني أنه راجع للتو من عيادتها وأنها بخير، ثم صبحني النعاة الافتراضيون بنعي العابدة المخبتة فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأرجو من اللطيف الخبير أن يلهمنا الصبر والسلوان، وأسأل الكريم المنان أن يسكن روحها أعلى الجنان..
يا رحمة الله أمي قبر آمنة *** ولا تزالي به دأبًا تسحينا
هاهي إكراهات الغربة تمنعني مجددا، من حضور صعود روح طاهرة لسيدة صالحة، وكم يحز في نفسي أنني لست الآن من بين مستقبلي معزي آل دياه، فلا حول ولا قوة إلا بالله… لا أعرف من أين أبدأ و لا كيف ألم شتات عِبَارات شاردة وعَبرات سائلة، فالفقيدة كانت عادمة المثال في الاجتناب والامتثال، ولن أكون مبالغا إذا قلت إنني لا أعرف لآمنة بنت أحمدُّ شبيها في نسوة المفازة اللاتي عاصرتهن وعرفتهن أو سمعت أو قرأت عنهن.
ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد
حبا الله الفقيدة بسلسلة ذهبية من الآباء والأمهات، فتقلبت في ظهور الصالحين وأرحام الطاهرات فوالدها هو فتى الفتيان أحمدُّ (دَيّاهْ) بن العلامة زين بن الأديب الظريف محمذن بن الشيخ اجَّمَدْ بن السخي الكريم محمد (مَمَّدْ) بن الصالح البركة إمام ابير حيبلل سيد الأمين بن أعمر،أما والدتها فهي العابدة المنفقة محجوب بنت المبرز الحافظ أحمدُّ بن الشيخ سيد (مَامَّيْنْ) وتلك أمها الحصان الرزان بنت والد بن أشفع عبد الله بن محمذن بن ألف، وتلك أمها القانتة العابدة الحافظة لكتاب الله هند بنت الحسن سليلة الأمير العادل أعمر آكجيل بن هدي بن أحمد بن دامان. وقد سرى إلى آمنة صلاح القطب سيد الأمين، وسخاء الزول ممّد، وقبول الفتى محمذن، وإخبات الشيخ اجمد، وعبادة العلامة زين، وإنفاق فتى الوسط دياه، كما اقتبست من أوصاف أمهاتها القانتات العابدات، البشاشة والمداومة على العبادة، والصبر والجلادة، ومحبة الأقارب ومساعدتهم في السراء والضراء.
سيد الأمين قد فشت خوارقه *** بين الورى وشيم فيهم بارقه
وهو الشهير بإمام ابير *** زرناه للخير ودفع الضير
روى الترمذي في صحيحه من طريق أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من شيئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي” كما روى الترمذي أيضا من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال “تقوى الله وحسن الخلق”. كما روى أبو داود في سننه من طريق عائشة رضي الله عنها: “أن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”، وتدل هذه الأحاديث الثلاثة وغيرها على أهمية حسن الخلق وكثرة أجره، ويشهد لآمنة كل من عرفها باتصافها بحسن الخُلق ومباسطة الخَلق، وقد لاحظت أنها من شدة الاعتناء بمخاطبها تحاول دائما أن تظهر له أهمية ما يقول واستفادتها منه، حتى ولو أخبرها المتكلم أن الشمس اليوم بزغت من المشرق أو أنها ألقت يدًا في كافر.
والمرء بالأخلاق يسمو ذكره *** وبها يفضل في الورى ويوقر
لقد عرفت الفقيدة منذ نعومة أظافري، وكنت أزور بيتهم بصفة يومية، فكانت تتلقاني بثغر باسم، ولا تناديني إلا بأحب أسمائي إليَّ “محمد يعقوب”، ما رأيتها قط إلا مقبلة على شأنها، غاضة لبصرها، ملتحفة ثوبا غربيبًا كثيفا يخفي جسمها ماعدى وجهها وكفيها، كانت برة بوالدتها تقف عند أمرها ونهيها ، وتحرص على القيام بجميع شؤونها، وإن الأبرار لفي نعيم. وكذلك كان حالها مع شقيقاتها، وزوار البيت من الأهل والأقارب، حتى أن الشيخ احماد بن أبا كان يلقبها ب “البندانه” وفي ذلك ما فيه فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس
كانت آمنة تتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ولا أتذكر أني رأيت مصحفها إلا مفتوحا بين يديها، وقد امتثلت ما فيه من أمر ونهي، وخاصة قوله تعالى “وقرن في بيوتكن” حسب قراءة أهل المدينة وعاصم، فقرت في بيتها، وكانت لا تخرج إلا لضرورة ملحة إما لعيادة مريض، أو مساعدة محتاج، أو تقديم واجب عزاء، مع الحرص على أن يتم ذلك ليلا، ولا يمكن لأحد من أهل المذرذرة أن يزعم أنه رأى الصالحة “امَّتْ” في اجتماع أو حفلة أومهرجان، أو لمحها بين نسوة يتجاذبن أطراف الحديث في مجلس أومتجر أو سوق، أو شاهدها تطوف بين البيوت أو تتسكع في الشوارع والأزقة.
لها خلق عف ودين ومحتد *** وخلق سوي في الحياء ومنطق
لا يختلف أبهميان على سخاء آل دياه، فقد كان بيتهم كعبة القانع والمعتر، يأوي إليه الضيف والضيفن، والمريض وابن السبيل، وطالب العلم وملتمس الحاج، وكذلك حال الجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب..، وكانت الفقيدة هي الجندي الخفي الذي يتولى إطعام الطعام وإفشاء السلام، فكان برنامجها اليومي مشحون بالصلوات، والمجاملات، والقيام بالواجبات، وإعداد مختلف الوجبات ما بين لحم حنيذ وهريسة نفيسة، بالإضافة إلى تحضير المذق والشوب، وأكؤس الشاي الشهي شرابها كأنها فضة فوق أرض من الذهب.
بيت الندى والمعالي آل دياه *** إذا تباهي بهم بين الورى باه
حدثتني نسوة ضابطات بعضهن لدات للفقيدة، أنها خصصت فترة طويلة من شبابها لذكر ربها، حيث قامت بالمواظبة على ورد سبعين ألف من الهيللة، وهو ما يعرف محليا ب “الفدوة”، فقررت أن تخص كل عضو من جسدها بفدوة رجاء أن يحرمه الله على النار، ولا يخفى ما في ذلك العمل من علو الهمة، وما يتطلبه من الاستقامة؛ رغم الشواغل وتأثير شياطين الإنس والجن، ولكن آمنة عرفت فلزمت، فوهبها الله الشعور بحلاوة العبادة، ولذة الذكر فكان لسانها رطب من ذكر الله.
مما يثلج الصدر ما حدثتني به أختي الفاضلة هند بنت أحمد سالم بن الجيلاني أثناء اتصالي بها اليوم، فقد أسرت لي بأنها كانت جالسة قرب الفقيدة ليلة الجمعة الماضية فسمعتها تكرر : “صلى الله عليك وسلم” فلفت انتباهها استخدامها لضمير الكاف الذي يشير إلى المخاطب القريب، فاسترقت السمع فإذا بها تكرر نفس العبارة عدة مرات، تقول محدثتي فعرفت أنها تخاطب سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ولم تتكلم بكلام أهل الدنيا طيلة الساعات التي عاشتها بعد ذلك. ومن عاش على شيء مات عليه فقد كان هجيراها ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم. وما شهدنا إلا بما علمنا.
في حدود الساعة التاسعة من مساء الجمعة، صعدت روح آمنة بنت دياه الطاهرة إلى بارئها الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وصلى عليها جمع غفير من أهلها وأقاربها ومحبيها، أمهم الشيخ المربي عبد الفتاح بن أحمد سالم بن أشفغ عبد الله، ثم ووري جثمانها الثرى في مقبرة المذرذرة إلى جنب أضرحة والدتها محجوب وشقيقتيها امنيان والشفاء، بالإضافة إلى ضريح آخر، أخبرني صاحبه أن أهل دياه جيرانه في الدنيا والبرزخ وفي عرصات القيامة، حلت على أضرحتهم جميعا شآبيب الرحمة والمغفرة .
أنتهز هذه الساحة لتقديم التعزية إلى أهل انيفرار وأهل المذرذرة عموما، وخاصة أسر أهل دياه وأهل البشير وأهل محمدن بن ديد بن زين، وعصر لمكرعات، كما أخص أختي العزيزتين المحترمتين هند وبوب بتعزية خاصة وأسأل الله العلي القدير أن يربط على قلبيهما ويرزقهما الصبر والسلوان، كما لا يفوتني أن أعزي أهل بيتي وخاصة الأخ سيد محمد، فقد كانت تربطه علاقة خاصة جدا بهذه المرأة الصالحة العابدة ونسأل الله العلي القدير أن يجازيها عنا الجزاء الأوفى فهو وحده القادر على ذلك.

3 تعليقات

  1. محمد فال ول محمد محمود

    لا فض فوك و لا نعمت أعاديك
    هو الحق الذي لا غبار عليه و إنها لكذلك
    العابدة القانتة الزاهدة الصائمة الراكعة الساجدة الذاكرة
    لا تفتر عن صلاة و تلاوة على نهج أدركت عليه أمهات صدق و روته سندا متصلا عن دوحة صلاح و ورع و تقى و سخاء و علم راسخ
    تلك المكارم لا قعبان من لبن
    شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
    أو كما قال الآخر
    إن الغريب على علات عائش إما زار عائش ينسى أمه و أبه
    اللهم اغفر لها و ارحمها و ارفع مقامها و ألهم أهلنا الصبر و السلوان و إنا لله و إنا إليه راجعون

  2. ابيبيه ول مامين

    لاعدمنا ددرك وجوزيت خيرا عنا جميعا فتانا ومدوننا وسفيرنا
    رحم الله الفقيدة بواسع رحمته فقد كانت تعد العدة لهذا اليوم

  3. منت يامتالي
    لا حول ولا قوة بالله
    إنالله وإناإليه راجعون
    كانت الفقيدة صديقتي وكنت مقربة اليها وكنت دائما اذهب اليها وعند مااتيها واسلم عليها تقوم بشيء من حسن الخلق والكلام الجميل الرائع المريح للقلب والان بقيت حزينة
    وعند مااذهب تقولولي عند مايأتين محمد رسول الله سأزورك له
    لله ماأخذ وله ماأعطي وكل شيء عند بمقدار
    الحقية انها امرأة من اهل الجنة كانت تمشي علي الارض وذهبت عنا
    الله يلطف بين عاكبه
    اعزي الاسرة الكريمة وخصوصا اخويد
    رحمها الله وأسكنها فسيح جناته

اترك رد