فقد أهل أعمر إديقب السيد أحمذُ (بَدِّ) بن الفتى سيد محمد (ابَّاه دِيدِ) بن الشيخ محمد الأفظل بن الحبر أحمذُ بن البحر زيَّاد بن الشيخ حامدت بن العلامة عبيدي بن العالم محمذن بن لمرابط أشفغ عبدالله.. سلسة ذهبية يصدق عليها وصف أم الكملة لبنيها عندما شبهتهم ب “الحلقة المُفْرغة لا يُدْرى أين طرفاها”، فما من واحد من هؤلاء الكُمَّلِ إذا تجرد النظر إلى خصائصه، إلا وقد حاز تالد مجده وزاد عليه بطارف من عنده.
وكما أن بَدِّ مُعَمٌ في العشيرة فهو مُخْوِلٌ فيها أيضا، فأمه هي السيدة آمنة بنت عبد اللطيف و أمًّ أمه تسلم بنت محمد فال بن زياد، وأم جدته خديجة السالم بنت الشيخ أحمد الفاضل وأم خديجة فُلَّ بنت محمدفال بن أحمد بن المنجي، رحمات الله تترى على أرواحهن الطاهرة.
فأدبرن كالجزع المفصل بينه *** بجيد معم في العشيرة مخول
نشأ بدِّ يتيما، فقد توفي والده الكريم الهمام اباه ديد سنة 1969 إثر حادث سير مؤلم في السنغال، ودفن بمقبرة “رفسك”، فتربى في كنف أعمامه و أخواله يحوطونه برعايتهم، فأخذ عنهم القرآن العظيم و مبادئ العلوم الشرعية واللغوية، ثم دخل المدرسة العصرية، وعمل إطارا في بلدية السبخة، وقد شهد له زملاؤه بالتفاني والإخلاص في العمل، وحسن السيرة والسلوك، والسعي في مصالح المواطنين، تقبل الله منه صالح العمل وزكاه في ميزان حسناته.
عاش الفقيد –مثل جده محمد لفظل- عمرًا من أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم، شحنه بالعبادة وما ينوب الفتى شرعًا وعادة، كان كثيرالذكر دائم الفكر، لسانه رطبٌ بذكر الله، فلم نر بدِّ يوما إلا والسبحة في يده يذكر الله سِرًا قائمًا وقاعدًا ومستلقيًا على جنبه، أوسائرًا في الطرقات، أما الصلاة في الجماعة وكثرة الخطى إلى المساجد فهما ربع عزة لديه، فقد تعلق قلبه بالمساجد وهو شاب يافع ناشئ في طاعة الله.كما يشهد له كل من عرفه – وأنا منهم- بكثرة الإقبال على تلاوة القرآن، ودوام التعهد لمصحفه حتى أنه لا يكاد يفارقه، هذا بالإضافة إلى التزامه بحزبه من دلائل الخيرات، وكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سرى إليه سرُّ جده الشيخ العالم محمد فال بن زياد، الذي كان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن إلا يوم الجمعة فيخصصه لقراءة دلائل الخيرات، وتخميس أبي بكر بن مهيب لعشرينيات الفزازي وكتاب أفضل الصلوات للنبهاني.
كان الفقيد بدِّ حسنَ الأخلاق طيبها، فيه خصلتان يحبهما الله ورسوله هما الحلم والأناة، دائم البشر، أنيق الملبس، طريفا ظريفا عفيفا، أريحي النفس ، وصولا للرحم، مقبلا على شأنه، متجنبا لمجالس اللغو والفضول، مفضلا للعزلة والخلوة والتفكر والتدبر في عجائب المخلوقات و أسرار الكون.
أصيب الفقيد بوعكة صحية في العشر الأواخر من رمضان، وقضى نحبه بعد مرور ست من شوال، وكأن الله قد كتب في سالف أزله لأسرة أهل اباه ديد السعيدة أن يكون ختام عملها في رمضان شهر الرحمة والمغفرة الذي يصعد فيه الكلم الطيب ويرتفع فيه العمل الصالح، حيث توفيت والدته آمنة في شهر رمضان وكذلك أخته فاطمة تغمدهما الله برحمته. غُسل الفقيد بماء الأربعاء، وصلى عليه جمع غفير من المسلمين، في مسجد الرابع والعشرين، أمَّهم خاله الشيخ محمد فال بن عبد اللطيف، ثم ووري جثمانه الثرى في مقبرة “أغكجس” غرب انيفرار قرب جده عبد اللطيف ووالدته وأخيه وأخته حلت عليهم شآبيب الرحمة والرضوان.
أنتهز هذه السانحة لأقدم باسمي شخصيًا واسم أسرة أهل اليدالي بن أبٌ تعازي القلبية الخالصة إلى أهل انيفرار عموما وبالخصوص إلى شيخي محمد فال بن عبد اللطيف و إلى أسر أهل زياد و أهل الدّاهي، كما أقدم تعزية خاصة لأسرة الفقيد و أتمنى أن يحفظ الله عقبه من كل سوء، ويجعله قرة عين لوالديه و أن يربط على قلوبهم، ويرزقهم الصبر والسلوان ويسكن الفقيد جنة الرضوان و إنا لله و إنا إليه راجعون.
ورقة تأبينية مكتملة الأركان فشكرا للباحث الكاتب يعقوب و أمد الل في عمره ورحم الفقيد و أسكنه الجنة … عزاؤنا للأهل في انيفرار بئر المساجد و نواكشوط والصنك وإنا لله و إنا إليه راجعون