الرئيسية / مقالات / بحوث يعقوب بن عبد الله بن أبن / اللغة و الإعجاز النبوي .. يعقوب بن عبد الله بن أبــــن

اللغة و الإعجاز النبوي .. يعقوب بن عبد الله بن أبــــن

ركز الأنبياء المرسلون – خلال تبليغ رسائلهم- على تغييرعقليات من أرسلوا إليهم، خصوصا منها ما يتعلق بإشراك غير الله في العبادة، وذلك بهدف دفع أممهم إلى توحيد الفرد الصمد و إخلاص العبادة له، ونبذ ما كان يعبد آباؤهم من دون الله ، ولتحقيق هذه المهمة النبيلة، اعتمد المرسلون جميعا على المحاورة واستخدام وسائل الإقناع والاستماع إلى وجهات نظر الأتباع، ومجادلة المتشددين بالتى هي أحسن، و دحض دعاويهم بالحجج المنطقية التى لا يتطرق الشك إليها، فلكي يتم التبليغ وتقوم الحجة لابد أن يتكلم الداعى والمدعو نفسَ اللغة، ولذلك ربما لم يبعث الله سبحانه نبيا إلا بلسان قومه.

ومنذ أن رفع ابراهيم واسماعيل عليهما السلام قواعد البيت ، أضحت مكة قبلة وفود العرب و العجم لتأدية مناسك الحج، وغدت قريش بسبب سكناها للحرم على اتصال وتماس دائم مع جميع القبائل العربية ، فتخيروا من كلامهم و أشعارهم ما سلس لفظه وراق معناه فاجتمع ما تخيروه على ما طبعهم الله عليه من السلاقة، فصاروا بذلك أفصح العرب فلا تجد في كلامهم عنعنة تميم و لا كشكشة أسد ولا غمغمة قضاعة و لا طمطمانية حمير .
arton221
حرصت آمنة بنت وهب على أن يتقن ولدها محمدن بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لغة قومه ، فأطالت مكثه في بادية بنى سعد حتى رضع الفصاحة من ثدي حليمة ثم شب وترعرع بين البطحاء والحجون و شعاب الحرم وحضر حرب الفجار واجتماعات دار الندوة و مواسم العرب حيث تروج الفصاحة والبلاغة. كما استمع إلى خطب قس بن ساعدة وغيره في الأندية التى تقام على هامش سوقي عكاظ وذى المجاز…إلى أن بلغ أشده بين أهل مكة ثم أوحى إليه ربه ما أوحى ، وعلمه ما لم يكن يعلم …

جمع صلى الله عليه وسلم سهولة أهل الحاضرة إلى جزالة أهل البادية ، ولم نسمع أبدا أنه أقام ترجمانا بينه مع أي من الوفود أو الرسل التى قدمت إليه في المدينة لتعلن استسلامها و إسلامها. والمفارقة أنه لم يقرأ كتابا ولم يسافر إلا لماما، ومما يثير الحيرة أن أصحابه ووزراءه الذين سافروا وتاجروا واحتكوا بالأمم في رحلتي الشتاء والصيف لا يتقنون سوى لغة قريش .

لقد أهملت كتب السيرة النبوية – التى طالعتها على الأقل- هذا الجانب الهام من إعجازه عليه أفضل الصلاة والسلام ولم تقدره حق قدره، فقد بعث الله رسوله إلى الناس كافة و أعطاه جوامع الكلم فأدى الرسالة وبلغ الأمانة، فكان يكلم أهل نجد وتهامة وقبائل اليمن بلغتهم ويخاطبهم في الكلام الجزل على قدر استيعابهم ويجيب على الأسئلة والاستشكالات بنفس ألسن السائلين ، على الرغم من بُعد مضاربهم عن المناطق التى عاش فيها.
كما كان يرد على الخطيب المفوه أحسن الرد، وشتان ما بين الاثنين، فالخطيب يعد خطبته ويحبرها ويهذبها في الطريق قبل أن يلقيها بين يديه أما هو فيجيبهم على البديهة بدون تحضير ولا كتابة و هو أمر تكرر مرارا حتى أذعنت له خطباء عدنان وقحطان واعترفوا بأنه أفصح مضغ الشيح والقيصوم.

بيد أنى لما طالعت كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى وجدت أن العالم المحقق عياض اليحصبي قد تنبه للموضوع و أفرد له فصلا من الجزء الأول من الكتاب حيث قال :
(… و من تأمل حديثه وسيره يجده عالما بألسنة العرب يخاطب كل أمة بلسانها و يحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها.وليس كلامه صلى الله عليه وسلم مع قريش والأنصار و أهل الحجاز ونجد، ككلامه مع ذى المشعار الهمداني وطهفة النهدي ووائل بن حجر الكندي وغيرهم من أقيال حضرموت وملوك اليمن….).

ونظرا لأهمية الموضوع ، فقد تجاسرت على الكتابة عنه – تطفلا على بركة الجناب النبوي- ، لكي ألفت نظر المتصفحين إليه من جهة، ومن جهة أخرى لمحاولة تقريب كلامه الشريف إلى أمثالى من البسطاء الذين لا يفقهون من اللغة شيئا.
لقد حفظت لنا كتب الحديث والسير الكثير من آثاره صلى الله عليه وسلم كخطبه وكتبه ورسائله ووثائقه ومحاضراته ….وكل من يستنطق هذا الكنز الشامل يجد فيه ضالته حسب تخصصه، فالحاكم يفهم كيف يسوس رعيته والعسكري يستلهم التخطيط المحكم والقاضى يقتبس الأحكام و الفقيه يدرك الأصول واللغوي يتعلم فقه اللغة …

وتحرزا من الإطالة فقد قررت أن أسلط الضوء على الأمثلة الثلاثة التى أشار إليها القاضى عياض وهي كتاباه إلى قبيلتي همدان وبنى نهد وكتابه لوائل بن حجر ، حيث سأذكر قبل كل كتاب الخطبة التى ألقاها الوفد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- إن وجدت- وبعد ذلك أثبت نص الكتاب الذى كتبه لهم، و أنبه هنا إلى أنى وجدت عدة روايات لكتبه صلى الله عليه وسلم فاعتمدت على الرواية التى وردت في كتاب الشفا.
كما حاولت أن أشرح بعض الكلمات الغريبة التى وردت في نصوص الخطب والكتب من أجل تسهيل فهمها واستيعابها.

أولا: وفادة بنى نهد بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدم وفد بني نهد بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام طهية بن أبي زهير النهدي بين يديه فقال‏:

(‏‏ أتيناك يا رسول الله من غور تهامة على أكوار الميس، ترتمي بنا العيسُ، نستحلب الصَّبيرَ، ونستجْلب الحبيرَ، ونستعضد البريرَ، ونستخيل الرِّهَام ونستحيل الجَهامَ من أرض غائلة النطى ، غليظة الموطا، قد نشف الـمُدهُن، ويبس الجعثن، وسقط الأملوج من البِِكارة، ومات العسلوجُ، وهلك الهديُّ، ومات الودِيُّ، برئنا يا رسول الله من الوثن والعنن، وما يحدث الزمن، لنا دعوة المسلمين وشريعة الإسلام، ما طما البحر وقام تِعارُ، ولنا نعم هَمَل أغفال، لا تبضُّ ببلال، ووقير كثير الرَّسَل قليل الرِّسْل ، أصابتها سنية حمراء مؤزلة، ليس لها علل ولا نهل)

شرح بعض المفردات الواردة في خطبة طهية بن أبى زهير:

أكوار :‏ جمع كور بالضم وهو رحل البعير كالسرج للحصان. الميس شجرة من أجود الشجر و أصلبه و أصلحه لصنعة الرحال، فلما كثر ذلك قالت العرب : الميس: الرحل، العيس‏ :‏ الإبل البيض، نستحلب :‏ تحلب العَرَقُ سال ونستحلب أي نستدر وحوالب البئر منابع مائها. الصبير السحاب الأبيض الذى يصبر بعضه فوق بعض ، نستجلب الجلب سوق الشيء من موضع اإلى آخر و الحبير السحاب وقيل هو السحاب الذى ترى فيه كالتثمير من كثرة مائه ونستعضد عَضَدَ الشجر نثر ورقها لإبله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قطع شجر المدينة، والعضَد ما قطع من الشجر أي يضربونه ليسقط ورقه فيتخذونه علفا لإبلهم البرير هو ثمر الأراك إذا اسود وبلغ ونستخيل الرهام استخلت الرهام إذا نظرت إليها فخلتها ماطرة، الرِّهمة بالكسر المطر الضعيف الدائم الصغير القطر والجمع رهام، ونستحيل الجهام استحال الجهام أي نظر إليه هل يحول أي يتحرك و الجَهامُ السحاب الذي فرغ ماؤه. غائلة المنطى غائلة أصلها من الغول بالفتح وهو البعد و أرض غائلة أي تغول سكنها ببعدها . المنطى وروي النطاء وهو البعد وبلد نطي بعيد والمنطى مفعَل منه المُدهُن مستنقع الماء أو هو نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ويجتمع فيها المطر، الجعثن أرومة الشجر بما عليها من الأغصان إذا قطعت ، الأملوج ‏ :هو الغصن الناعم ‏وقيل الأملوج ورق من أوراق الشجر كالعيدان ليس بعريض كورق الطرفاء والسرو البكارة بكسر الباء جمع بكر بفتحها وهو الفتي السمين من الإبل ، يريد أن السمن الذى قد علا بكارة الإبل بما رعت من هذا الشجر قد سقط عنها فسماه باسم المرعى إذ كان سببا له يعني البكر السمين أدركه الهزال، العسلوج ما لان واخضر من قضبان الشجر و يقال العساليج عروق الشجر يريد أن الأغصان يبست وهلكت من الجدب الهدي الهدي بالتشديد كالهدي بالتخفيف وهو ما يهدى إلى بيت الله الحرام من النعم لتنحر فأطلق على جميع الإبل و إن لم تكن هديا تسمية للشيء ببعضه ، أراد هلكت الإبل ، الودي صغار النخل الوثن والعنن :‏ الوثن الصنم و العنن الإعتراض من عنّ الشيء أي اعترض ، كأنه قال برئنا إليك من الشرك والظلم وقيل أراد به الخلاف والباطل ، طما طما البحر ارتفع و تِعار بكسر التاء جبل، وقيده الأزهري فقال تعار جبل ببلاد قيس. همل أي مهملة لا رعاء لها و لا فيها من يصلحها ويهديها فهي كالضالة. أغفال لا لقحة فيها و لا نجيب و قيل الأغفال هنا التى لا لبن لها ما تبض ببِلال :‏ أي ما يقطر منها لبن ووقير :‏الوقير والقرة الغنم وقيل القطيع من الضأن خاصة وقال الأصمعي الوقير الغنم والكلاب والرعاء جميعا، كثير الرَّسل أي شديد التفرق في طلب المرعى و يعنى أن الغنم تتفرق وتنتشر في طلب المرعى لقلته الرِّسل اللبن مؤزلة الأزل شدة الزمان و آزلت السنة اشتدت.

فلما انتهى طهية من خطبته دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنى نهد فقال:

(اللهم بارك لهم في مَحْضِها ومَخْضِها ومَذقِهَا وابعث راعيها في الدَّثر بيانع الثمر وافجر له الثَّمَد، وبارك لهم في المال و الولد، من أقام الصلاة كان مسلما ومن آتى الزكاة كان محسنا ومن شهد ان لاإله إلا الله كان مخلصا ، لكم يا بنى نهد وَدَائعُ الشَّركِ و وَضَائع المِلْـك ، لا تـُلـَـطِّط في الزكاة و لا تلحد في الحياة و لا تتثاقل عن الصلاة)

شرح بعض المفردات: الواردة في دعائه صلى الله عليه وسلم:

المحض : الخالص من كل شيئ وهنا تعنى اللبن الخالص ، المخض الإمخاض اللبن ما دام في الممخاض والمخض تحريكك الممخض الذى فيه اللبن المخيض الذى قد أخذت زبدته المذق اللبن المخلوط بالماء، الدثر : بالفتح المال الكثير، ومنه حديث ذهب أهل الدثور وتاتى بمعنى الكثير، والدثار هنا تعنى الخصب والنبات الكثير. و الثمد : الماء القليل الذى لا مادّ له وافجر لهم الثمد أي افجره لهم حتى يصير كثيرا. ودائع الشرك أعطيته وديعا أي عهدا وقيل ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام ، أراد إحلالها لهم لأنها مال كافر قدر عليه من غير عهد و لا شرط ويدل عليه قوله في الحديث : ما لم يكن عهد. و وضائع الملك : جمع وضيعة وهي الوظيفة على المِلك وهي ما يلزم الناس في أموالهم من الصدقة والزكاة يعنى لا يتجاوزها معكم و لا يزيد فيها ، وقيل معناه لا يأخذ منكم ما كان ملوككم وضعوه عليكم بل هو لكم ، والأول يناسبه الملك بكسر الميم والثانى بضمها ، لا تلطط : أي لا تمنع يقال لط الغريم و ألط إذا منع الحق.

ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طهية كتابا إلى بنى نهد جاء فيه :

( بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من آمن بالله ورسوله لكم يا بنى نهد في الوَظِيفةِ الفرِيضَة ُولكم العارضُ والفَرِيشُ وذُو العِنان الرََكُوبِ والفَــلُـوُّ الضَّبيسِ لا يُمنعُ سَرْحكُم و لا يُعْضَدُ طـَلحُكُمْ و لا يُحْبَـسُ دَرُّكمْ ما لم تُضْمِرُوا الرِّماقَ و تـَأكُـلوا الرِّبَاقَ من أقرَّ فله الوفاء بالعَهْد والذِّمة ومن أبَى فعليه الرَّبْوَة)

شرح بعض المفردات الغريبة الواردة في الكتاب:

الوظيفة : من كل شيء ما يقدر له في كل يوم من رزق أو طعام أو علف وهي هنا بمعنى الزكاة و الفريضة : الهرمة المسنة من النوق وهي الفارض أيضا و يعنى هي لكم لا تؤخذ منكم في الزكاة ، العارض : المريضة أو التى أصابها كسر، يقال عرضت الناقة إذا أصابه آفة أو كسر أي إنا لا نأخذ ذات العيب فنضر بالصدقة .وفي بعض النسخ بالفاء وهيا لمسنة الفريش : التى وضعت حديثا، ذو العنان هو سير اللجام أي يريد الفرس الذلول لأنه يلجم ويركب ، الفلو : المهر الصغير من الخيل، الضبيس : الصعب العسير الركوب لعدم رياضته. والمراد أن ذلك كله يحسب في عدد الفريضة. سرحكم : أي ماشيتكم، يعضد : أي يقطع، الطلح : شجر عظيم الشوك من العضاه . لا يحبس دركم : يعنى أن الماشية ذات الدر لا تحبس لأجل المصدق الذى يأخذ الزكاة، الرماق : بكسر الراء هو النفاق يقال رامقه رماقا وهو أن ينظر إليه شزرا نظر العداوة يعنى ما لم تضق قلوبكم عن الحق والرمق بقية الروح ، الرباق : جمع ربق وهو الحبل فيه عدة عرى يشد به البهم ، الواحدة من العرى ربقة وفي الحديث خلع ربقة الاسلام من عنقه، شبه ما يلزم الأعناق من العهد بالرباق واستعار الأكل لنقض العهد فإن البهيمة إذا أكلت الربق خلصت من الشدة، الذمة : يعنى العهد، الربوة: الزيادة أي من تقاعد عن أداء الزكاة فعليه الزيادة في الفريضة الواجبة عقوبة له.

ثانيا: وفادة همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، برئاسة مالك بن نَمَط ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجِعُهُ من تَُبوك وعليهم مُقَطعات الحِبَرَات والعمائم العدنِيَة، فَقَامَ مالِك بن نَمَطٍ أبو ثور ويدعى ذو المشعار فَقَالَ:

(يَا رَسُولَ اللَّهِ , نَصِيَّةٌ مِنْ هَمْدَانَ , مَنْ كُلِّ حَاضِرٍ وَبَادٍ , أَتَوْكَ عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ , مُتَّصِلَةٍ بِحَبَائِلِ الإِسْلامِ لا تأخذهم في الله لومة لائم مِنْ مِخْلافِ خَارِفٍ وَيَامٍ ,عَهْدُهُمْ لا يُنْقَضٍُ عن شيَّةِ ماحلِ و لاَ سَوداء عَنْ قفيز مَا أقَامَت لَعْلَعٌ , وَمَا جَرَى الْيَعَفُورُ بِصُلَّعٍ)

شرح بعض مفردات خطبة مالك بن نمط:

نصية النصية ما ينتصى من القوم أي يختار من نواصيهم وهم الرؤوس و الأشراف ، ويقال للرؤساء نواص كما يقال للأتباع أذناب ، وانتصيت من القوم رجلا اخترته ونصية القوم خيارهم. القلص : جمع قلوص وهي أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى فتصبح ناقة، والقلوص من النعام الأنثى الشابة من الرئال نواج : أي مسرعات وناقة ناجية ونجاة سريعة وقيل تنجو بمن ركبها، حبائل الإسلام أي عهوده و أسبابه على أنها جمع الجمع. المخلاف هي القرية من قرى اليمن والجمع مخاليف وهي كالأجناد لأهل الشام , والكور لأهل العراق خَارفٍ ويامٍ : قبيلتان معروفتان في اليمن. شية شية من الوشي وهو السعاية ماحل مَحل به كاده و محل بفلان إذا سعى به إلى السلطان ويروى سنة ماحل لعلع :اسم جبلٍ.، و قد أَنَثَه لأنَّه جعله اِسما للبقْعة الَّتي حول الْجبلِ، و اليعفور : ولد الظَّبية والْبقَرة الْوحشية، سمي بِذَلك لكَثْرة لُزُوْقِهِ بِالأَرضِ فَيتعفَّر بِالتراب ، صُلَّع : جمع صلعاء وهي الأرض التى لا تنبت والصلع أيضا الحجارة والصلعة الصخرة الملساء.

ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب التالى إلى رهط ذى المعشار :

(بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من رسول الله محمد لمخلاف خارف و أهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها ذى المعشار مالك بن نمط ومن أسلم من قومه على أن لهم فِراعَهَا ووِهَاطَها وعَزَازَها تأكلون عِلافَها وترعون عَفَاءَهَا ، لنا من دِفئِهمْ وصِرَامِهمْ ما سلّمُوا بالميثاق و الأمانة ولهم من الصَّدقة الثَّـلبُ والنَّابُ والفصيلُ والفارِضُ الدَّاجِن والكبشُ الحَوَرِيُّ وعليهم فيها الصَّالِغُ والقَارحُ )

شرح بعض المفردات الواردة في الكتاب :

فراعها : الفراع ما على من الأرض وارتفع والضمير عائد للأرض وهي ضد وهاطها، عزازها : ما اشتد من الأرض وصلب، و إنما يكون في أطرافها علافها :جمع علف وهو ما تأكله الماشية ، عفاءها : أي مواتها وهو ما لا ملك لأحد فيه ، دفئهم : أي إبلهم وغنمهم و الدفء نتاج الإبل وما ينتفع به منها ، وقيل سماها دفئا لأنها يتخذ من أوبارها و أصوافها ما يتدفؤون به وأدفأت الإبل على مائة زادت صرامهم : أي نخلهم ، الثلب : هو الجمل الهرم الذى تكسرت أسنانه، والناب : هي الناقة الهرمة التى طال نابها وذلك من أمارات هرمها ، الفصيل : ولد الناقة الصغير، الفارض : المسن من الإبل، الداجن : ما يألف البيوت من الحيوان، الكبش الحوري : منسوب إلى الحور وهي جلود تتخذ من جلود الضأن وقيل ما دبغ من الجلود بغير القرظ وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل، الصالغ : ما كمل من البقر والغنم السنة السادسة، القارح : إذ ادخل الفرس في السادسة واستتم الخامسة فقد قرح..
والمراد أن ما ذكر يحسب في عدد النصاب و لا تؤخذ الزكاة منه إما لنفاسته أو لخسته و إنما تؤخذ من الوسط.

ثالثا: وفادة وائل بن حُجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم :

هو وائل بن حُجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي ابن هنيد أحد ملوك اليمن وهو أحد أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم، قدم على المدينة سنة تسع وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومه فقال: يأتيكم بقية أبناء الملوك فلما دخل وائل عليه ، رحب به وأدناه من نفسه، وقرب مجلسه، وبسط له رداءه، وقال: اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده. واستعمله على الأقيال من حضرموت، وأقطعه أرضا و أرسل معه معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما . وعاش وائل حتى أدرك خلافة معاوية.
وقد كتب له ثلاثه كتب؛ منها كتاب إلى المهاجر بن أبي أمية، وآخر إلى الأقيال، والعباهلة. وهو الذى سنورد نتفا منه:

(إلىَ الأقْيَال العَبَاهِلةِ و الأرْوَاعِ المَشابِيبِ …) ومنه (…. في التـَّـيْعَة شاة لا مُـقَوَّرَةُ الأليَاط و لا ضَنَاك و أنْـطُوا الثـَّـبِجَة و في السُّـيـُـوبِ الخمس ومَنْ زنا مِمْ بِكْر فاصقـَعُوه مائةً واسْتـوفِضُوهُ عامًا ومن زنا مِمْ ثيـِّبٍ فضَرِّجُوهُ بالأضَامِيمِ و لاَ تـَوْصِيمَ فِي الدِّينِ و لا غُــمَّة َفي فرائِض الله و كل مُسْكِرٍ حرام ووائلُ بنُ حُجْرٍ يَترفَّـلُ عَلَى الأقيالِ)

شرح بعض مفردات كتاب وائل بن حجر:

العباهلة : عباهلة اليمن ملوكهم الذين أقروا على ملكهم لا يزولون عنه، الأرواع الحسان الوجوه يقال رائع و أرواع، المشابيب : أراد الرؤوس السادة الزهر الألوان وأحدهم مشبوب كأنما أوقدت ألوانهم النار.
التيعة : الأربعون من الغنم ، وقيل هي أدنى ما تجب من الصدقة في الحيوان، وتاع المصدق أسرع إلى أخذ الزكاة، وتاع رب المال إلى إعطائه فجاد به أصله من التيع وهو القيئ مقورة : الإقورار استرخاء الجلود أي لا مسترخية الجلد من الهزال و الألياط جمع ليط وهو قشر العود شبهه بالجلد لإلتزاقه باللحم، أراد غير مسترخية الجلود لهزالها، الضناك : كثير اللحم، و انطوا : لغة يمانية في اعطوا الثبجة : الثبج الوسط وما بين الكاهل إلى الظهر وانطوا الثبجة أي أعطوا الوسط في الصدقة فلا تعطوا من خيار المال و لا من رذالته وحشوه. السيوب : هو الركاز و قد يكون من السيب وهو العطية ، مم : أي من وهي لغة أهل اليمن يبدلون لام التعريف ميما وفي الحديث ليس من امبرِّ امصوم في امسفر، اصقعوه : اضربوه و أصل الصقع الضرب على الرأس وقيل الضرب ببطن الكف ، استوفضوه : أي غربوه وانفوه واطردوه و أصله من استوفضت الإبل إذا تفرقت في رعيها ، ضرجوه : التضريج التدمية أي أدموه حتى يموت، الأضاميم : يريد الرجم و الأضاميم الحجارة واحدتها إضمامة قال وقد يشبه بها الجماعات المختلفة من الناس لاتوصيم : الوصم الكسل والتوانى أي لا تفتروا في إقامة الحد ولا تحابوا فيه ، غمة : بضم الغين أي سترة ، يترفل : أي يتأمر و يترأس استعارة من ترفيل الثوب وهو إسباغه و إسباله.

وفي ختام هذه المحاولة، نسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل و أن يملأ قلوبنا من محبة حبيبه صلى الله عليه وسلم وسنختم بما افتتح به الفيروز أبادى خطبة قاموسه الشهير (… صلى الله على سيدنا محمد خير من حضر النوادى و أفصح من ركب الخوادى و أبلغ من حلب العوادى…).

يعقوب بن عبدالله بن أبن

13 تعليقات

  1. ما يميز أبحاث وتحقيقات ومعالجات يعقوب هو أنه يغوص في التراث فيأتي بالجديد. إن لديه بصيرة الباحث الذي “يجد”، فكثيرون هم الباحثون الذين “لا يجدون” أبدا فتظل أبحاثهم ضربا من الهزل والعبث.. دمت لنا باحثا مهذبا في تناول المواضيع على شاكلة سلوكه

  2. محمدن بن عبد الله بن مناح

    حررت ما قد جمعت اليوم يعقوب *** من كل ما هو مطلوب ومرغوب
    يعقوب يوسف في مـــصر يعبر ما *** من المرائى عن الألباب محجوب
    يعقوب في موقع انيفرار عبر ما *** من الفرائد للماضـين منسوب
    في أسطر قلة جاءت معــــــبرة *** من ابن بجــــدتها لله يعقوب
    أبدعت في ما جمعت اليوم أنت له *** أهل مـن الله دون المن موهوب
    ثم الصــــلاة على خير البرية من *** من ربه مصطفى حقا ومحبوب

  3. لمرابط ول دياه

    يعقوب إنك قـــد شفيـــت غليــلا وعلى الذي أوردت سقت دليلا
    ونهجت في البحث المفيد مناهج الـــأعلام والتفصيل والتأصيــلا
    وبسطت في هدي الحبيب فإنـــــه من بعدقول الله أقوم قيــــلا
    فأعد بهذا الهدي غير مؤجـــــل إن الهدى لا يقبل التأجيــلا

  4. يمثل هذا البحث الذي بين أيدينا صفحة عظيمة تستحق أن توضع عليها الهوامش والطرر..
    إنه يقدم دروسا من “فقه اللغة”تلك المادة النادرة التي لم تعد في متناول يد قارئ اللغةالعربيةاليوم فتراه يضرب عنها صفحا لصعوبتها وابتعادها عن الواقع …فاللغة للسامع وليست للمتكلم…. كما هو معروف في علم اللغة…

    كما يمكن وصف هذا البحث بأنه درس كذلك في علم التواصل اللغوي ، حيث ركز على أمثلة حية من توظيفه صلى الله عليه وسلم للاساليب اللغويةالمختلفة واللعب على انتقاءالكلمات من معجم واحد يتغير تبعا للبيئة والمكان ليصنع في ذهن السامع مركزا للتوقع والاستقطاب يمنحه الثقة الكبيرة في المتكلم ….

  5. يعقوب إنك قـــد شفيـــت غليــلا وعلى الذي أوردت سقت دليلا
    ونهجت في البحث المفيد مناهج الـــأعلام والتفصيل والتأصيــلا
    وبسطت في هدي الحبيب فإنـــــه من بعدقول الله أقوم قيــــلا
    فأعد بهذا الهدي غير مؤجـــــل إن الهدى لا يقبل التأجيــلا

  6. مرحبا بالأديب الأريب لمرابط بن دياه الذى أعتز شخصيا بتصفحه لبعض ما ننشره.

    أما في ما يخص الحديث الذى ذكرت فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير عن طريق أبى سعيد الخدري فقال:( قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَا أَعْرَبُ الْعَرَبِ، وَلَدَتْنِي قُرَيْشٌ، ونَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ؟) انظر الجزءالسادس صفحة 36
    وكما تعلم فحديث أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب رواه الشيخان عن البراء بن عازب ورواه الطبرانى عن أبى سعد بزيادة: أَنَا أَعْرَبُ الْعَرَبِ، وَلَدَتْنِي قُرَيْشٌ، ونَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ؟

    وقد رواه جلال الدين السيوطي فى كتابه المزهر في علوم اللغة و أنواعها بنفس الرواية التى ذكرت فقال(أنا مِنْ قريش ونشأت في بني سعد فأنَّى لي اللحن) انظر الجزء الثانى صفحة 341

    وقد ورد الحديث بصغة أخرى في كتاب كشف الخفاءومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث عند الناس للمحدث الشيخ إسماعيل بن محمدالعجلوني (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش)
    وعلق عليه الشيخ العجلوني بقوله :

    قال في اللآلئ معناه صحيح ولكن لا أصل له كما قال ابن كثير وغيره من الحفاظ، وأورده أصحاب الغريب ولا يعرف له إسناد ورواه ابن سعد عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا بلفظ أنا أعربكم أنا من قريش ولساني لسان سعد بن بكر، ورواه الطبراني عن أبي سعيد الخدري بلفظ أنا أعرب العرب ولدت في بني سعد فأنىّ يأتيني اللحن، كذا نقله في مناهل الصفا بتخريج أحاديث الشفا للجلال السيوطي،. انظر الجزء الأول من كتاب مزيل الخفاء صفحة 206

    و الله تعالى أعلم

    وتحية لي القناع إلى الشاعر البداع

  7. لمرابط ول دياه

    من أهم ما في البحث أنه نادر التناول في كتب السيرةلكن قل لي ما مدى صحة الحديث (أنامن قريش ونشأت في بني سعد فأنى لي اللحن)؟

  8. موضوع مهم ومفيد ونير لمو يطرقه الباحثوث من أهل السير وانبرى له يعقوب فحز في المفصل وأثلج الصدر فلله دره بارك الله فيه

  9. هذه الجملة وردت في جواب لأعرابي سأله الخليفة معاوية بن أبى سفيان عن أفصح العرب
    عنعنة تميم : قبيلة تميم يبدلون الهمزة في بداية الكلمة بالعين

    كشكشة أسد : يبدلون الشين من كاف الخطاب مع المؤنث فيقولون أبوش و أمش، في أبوك و أمك كما أنهم زادوا شينا في الوقف فقالوا مررت بكش.

    غمغمة قضاعة: الغمغمة والتغمغم كلام غير بين كما تعلم
    طمطمانية حمير :رجل طمطم بالكسر أي في لسانه عجمة لا يفصح ومنه قول عنترة العبسي :

    تأوى له قلص النعام كما أوت *** حزق يمانية لأعجم طمطم

    والله أعلم

    وشكرا لكم على التفاعل والمرور

  10. رااااااااااااااائع جدا

    و أطلب من السيد يعقوب أن يشرح لى هذه الجملة :

    فلا تجد في كلامهم عنعنة تميم و لا كشكشة أسد ولا غمغمة قضاعة و لا طمطمانية حمير

    أراهي رابط راص

  11. اجدت وافدت لا عدمناك

    نسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل و أن يملأ قلوبنا من محبة حبيبه صلى الله عليه وسلم

  12. اجدت وافدت لا عدمناك

    نسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل و أن يملأ قلوبنا من محبة حبيبه صلى الله عليه وسلم

  13. Très interessant.

اترك رد