خلال سبعينات القرن الماضي، كان العلامة أحمد سالم ولد بيبّاه (ححّام) يؤم صلاة العصر في المسجد الجامع وسط مدينة المذرذره. في ذات الوقت، كان “حزب الشعب الموريتاني” الحاكم يقيم مهرجانا شعبيا كبيرا في باحة المقاطعة بحضور الحاكم والأعيان والأطر والأمين العام الفرعي. شوّش أزيز البوق على المصلين. كان الهرج كبيرا ومزعجا: مطربون ومهرّجون وسياسيون ومصفقون يحيون ذلك المهرجان الحاشد. بعد انتهاء الصلاة، وقف الإمام ححام وسأل المصلين عن هذه الأصوات المزعجة من أين تأتي؟ قالوا له بأنها تأتي من آلة مكبرة للصوت تستخدمها “الحَكومة” في فعالياتها. خرج الإمام مسرعا باتجاه الصوت. عندما رآه الحشد قادما فهموا أنه ثمة داهية دهياء لأنه ليس من عادة ححام أن يحضر مثل هذه الترهات. استقبلوه كلهم يتقدمهم الأمين العام قائلا: أية خدمة، ححام؟. ضربه ححام بعصاه الطويلة مردفا: أنا اليوم لست ححام وأنت لست “ابن فلان”!. أضاف ححام: أين هذه الآلة التي تزعج المصلين؟ قالوا: إنها معلقة هناك. أشار الإمام ححّام إلى بلال ولد يمر، الواقف قربها والمسؤول عن استخدامها، بأن ينزعها من مكانها وأن يتبعه بها. ساد الصمت، وجحظت العيون الحائرة، وعاد موكب الإمام حتى وصلوا المسجد حاملين البوق الذي كان حينها عملة صعبة لندرته وأهميته، كما كان محترما ومخوفا لأنه من أملاك “الحَكومة”. قال ححام لبلال: ركــّـب هذه الآلة هناك فالمصلون أحوج إليها من ذلك النفر. ركّب بلال البوق في المسجد. فكان أول بوق يقتنيه مسجد المذرذره منذ نشأته.
ذلك البوق، المنتزع قسرا من بين أيدي السلطات، ظل يعمل بالمسجد الجامع إلى سنوات قريبة. وبهذه الفعلة المقدامة الجريئة، كان ححام أول وآخر إمام في موريتانيا يتحدى الحزب الحاكم والسلطات الإدارية فينتزع منهم جهازا مهما ويهدي به للمصلين. رحم الله ححام كم كان قويا في مواقفه، صلبا أمام إغراءات الدنيا!.. سلام تام وتحية وإكرام، موجبه، وكم له من موجب، أننا علمنا من مصادر مطلعة أن إمام المسجد الجامع، في المدينة الجامعة، دعا الناس إلى التصويت بـ”نعم”.
بقلم : الكاتب المتميز محمد فال ولد سيدي ميله
نقلا عن موقع صحيفة انواكشوط