الرئيسية / فيسبوكيات / كرامة امْبَيْكِتْ رَاهَ (الجزء الثانى)

كرامة امْبَيْكِتْ رَاهَ (الجزء الثانى)

 

يخرج الشيخ – كعادته- في الصباح من المنزل، فيسلك طريقه اليومية المعتادة ، حيث يمر أمام بيت عيشة بنت عبدالله الكورى، فتحث الخطى في إثره، ملتمسة دعاءه وتشيعه بضع خطوات ، وكذلك تفعل أمّي حين تراه من بعيد، يواصل الشيخ احماد سيره قدما باتجاه منزل الهاشمية بنت بلال الجولى، حيث يسكن ولي الله أحمد بن محنض اليعقوبي، فيُجرى  معه حديثا نيرا مشفرا بمصطلحات القوم ، ثم يدلف إلى زقاق صغير يوصل إلى الحانوت، وعندما تراه الطبيبة زينب بنت بَابَ سمكَ يتهلل وجهها فرحا، وتتيامن بأنها التقته قبل توجهها إلى المستوصف.

تخلو رفوف دكان الشيخ دائما من البضائع والعروض التجارية، وتزخر بالمؤلفات النفيسة، وأكثرها في مجال التصوف  كإحياء علوم الدين للغزالي و رسالة السلوك للحلبي و مؤلفات الشعراني و أبي بكر البناني و ابن عطاء الله و مناقب عبد العزيز الدباغ و غيرها .. إضافة لبعض شراح الشيخ خليل وكتب السيرة النادرة، ويلاحظ المتصفح لتلك الكتب أن الشيخ قارئ نهم،حيث تكثر تعاليقه الدقيقة في هوامشها وعلى بطون الأغلفة أيضا.

إن  يكن ما قلت فيه كذبا *** قطع الله لسانى وجدع

عاد الشيخ بدَّ بن ادَّ إلى الدكان، وشرع في تجهيز الغداء، وقد أخرج الفرن إلى الشارع المقابل للحانوت، لكي لا تصل رائحة دخانه إلى الحاضرين، وصار يراقبه من بعيد، وهو يعد الشاي لزوار الشيخ الذين بدأوا في التوافد، وأغلبهم من الصالحين وضعفة المسلمين وضيوف الأهل والمعارف.

بدأ الحاضرون يتجاذبون أطراف الحديث والشيخ منكب على كتبه، وربما تدخل بين الفينة والأخرى معلقا على مادار في الحوار. بعد ما انتهى بدّ من إعداد الشاي، نظر إلى الشارع فلاحظ أن القدر ملقى على الأرض، وقد أهرق مافيه وعبثت به أغنام الحي. كانت الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، فكر سريعا في كيفية الحصول على كمية من اللحم، مع علمه أن السوق لا تتجاوز عروضها الحادية عشرة صباحا. وضيوف الشيخ كثر ، ولابد من إعداد مائدة أخرى وبسرعة.

ذهب مسرعا باتجاه المسلخة في غور المدينة، فوجد الجزار الشاب أحمد بن شداد، قد شرع في ذبح عجل حنيذ، فتولى إلى الظل في انتظار انتهاء الجزار من عمله، وقف يتأمله وهو يقطع اللحم ويرمى العظم بمهارة، ويوزع – في نفس- الوقت النكت والطرف على الحاضرين…لملم اللحم في ورقة تغليف إسمنية وعاد مسرعا إلى الحانوت، جهز الفرن وأعد الغداء وقدم المائدة إلى الضيوف دون أن يشعر أحد بما حدث. واستلقى على ظهره وأغمض عينيه، وأخذ نفسا عميقا وحمد الله على لطفه به.

عند الغروب، التقى بدّ صدفة بالجزار أحمد وهما في الطريق إلى المسجد، فداعبه قائلا لقد تأخرت اليوم في الذبح والحمدلله على ذلك، فقال له أحمد: بالفعل لم أحصل على بهيمة إلا في حدود العاشرة، وذلك عندما أبلغني أحدهم أن عجلا قد عرض للبيع فذهبت إلى صاحبه واتفقنا في السعر وقررت أن أذبحه فورا.

بعد الصلاة كان بدّ يشترى عصيدا من البائعات في الشارع الرئيسي، وفجأة جال في ذهنه حديث الشيخ البارحة حول الأرزاق، وتذكر المثال الذي ساقه لهم ، فوقف متسمرا في مكانه وقال سبحان الله أيمكن أن يكون العجل الذى تغدت من لحمه الجماعة اليوم هو المعني بكلام الشيخ البارحة وليس مجرد مثال عرضي لابدّ أن أتأكد من ذلك.

يقول بدّ ذهبت مسرعا إلى منزل الجزار، وسألته عن صاحب العجل الذي ابتاعه منه، فأخبرنى أنه أجير يعمل في بقر لسيدات بن المعلوم عند امبيكت راه، وأن بيعه تقرر فجأة هذا الصباح لأمر طارئ. فأسقط في يديه وكر راجعا يكرر أَلاَ إنَّ أوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

مصدر الكرامة: سماع من الشيخ بدّ بن ادّا رحمه الله.

من صفحة المدون: يعقوب بن اليدالى

اترك رد