الحمد لله رب العالمين
من أحسن ما سمعت من المراثي وأعلقه بذاكرتي تلك المراثي التي كنت أسمعها في بداية تذوقي للشعر في ثمانينيات القرن المنصرم؛ تلك المراثي التي كانت تكتبها نخبة من الأدباء الكبار بين الفينة والأخرى في رثاء عظماء يستحقون الرثاء فيرسمون بها لوحات فنية تقرأ من خلال فك رموزها مدى تمكن الشاعر ومستوى أهمية المرثي، كانت إذ ذاك المراثي أصدق مما هي عليه الآن ….
لا أنسى المرثية التي أنشد العالم الأديب المؤرخ المختار بن حامد (التاه ) في رثاء العالم والمؤرخ الكبير الشيخ أحمد سالم ابن باكا والتي استهلها مخاطبا ريعة النصف (انبيكت النص ) ، وأدار الحديث مع تلك البئر ممتطيا منها أنجب مطية لنشر خصال ذلك العلم الباذخ في أسلوب منقطع النظير :
يا ريعة النصف لا تأسي ولا تهني *** و غلقي الباب دون الهم والحزن
لا تجــــــزعي لأفول حان من قمر*** بــــدر فــلا بد للـــــمقدور أن يكن
فالرزء إن كـــــان في قوم وقاومه *** صبر نســـوا فكــأن الرزء لم يكن
والصــــبر في أرضــنا مما أوائلنا *** قد دســتروه لنا في سالف الزمن
وأنت في مـــوقع من أرضنا وسط *** يحـــــتل أهـــلوه فينا أرفع القنن
……
تلك كانت الأبيات التي استهل بها المرثية وفاض من خلالها في نشر الكثير مما طوته قريحته المتمكنة من أحاسيس بعثها المصاب الجلل ليمر متمثلا قبل ختامها مستخدما بيت الشاعر اليمني للتعبير عن تلك الأواصر :
من نسل أحمد شينان وذي نسب *** من اجفغ الماحي قال الشاعر اليمنى
إن يغنيا عني المســـتوطنا عـــدن *** فإنـــــني لســــت يومـــا عنهما بغنى
لا أنسى تلك البسيطية غير البسيطة وهي تنشد في كل محفل احتفالا واحتفاء بها، كما لم أنس الخفيفية التي أنشد الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف (بباه) في رثاء نفس القامة العلمية وقد استهلها باستفهامه الإنكاري الذي يجسد التعبير عن استعظام الحدث بصدق وشاعرية متمزة :
عم يســـــاءلون ذا الـخلق عما *** عن جـــــديد من الخــــطوب ألما
لا أرى غــــــير خـــائف أو حزين *** حائــــر يطـــــــلب العــــزاء ولما
جل خطب وطــم خطب وإن قل ت لذا الخطب جل خـــطب وطما
وجــــه إيكيدي قــد غدا مغتما *** بــــعد فــقد الندب الفريد ابن أما
ثم تنساب القصيدة مترجمة ما يدور في نفس الشاعر من تأثر بالحدث ولا ينسى أن يقارن بين نجلي الفقيد الكبيرين مستغلا اتحاد اسميهما ؛ للتنويه بتشابه دورهما في بناء المجد والمحافظة على الإرث التليد في ثوب من الإستحثاث لهما أن يقوما مقام الشيخ :
ولنا في المـــــحمدين عـــــزاء *** كشــــف ضــر عنا وتفريج غما
دلــــت الدال فــــيهما أنما الإع جام و الهمل واحد في المسمى
معجم الذال انت كيما يرى القو م نقـــــاط العـــــلا ببابـــك جما
مهمل الدال أنت عن كل سوء *** تحــــجب المعــتفين كيفا وكما
إلى أن يقول :
عودانا ما عود الشيخ قــدما*** شـــرفا باذخا وعلما منمى
وهلما احفظا المروءة حفظا *** ولنشر الدين الحنيف هلما
أما معجم الذال في المرثية محمذن بن باكا فنسأل الله أن يطيل بقاءه ، وأما مهمل الدال فالمرحوم بإذن الله فتى دهره ونسيج وحده محمد بن باكا علما الذي يقول فيه التاه بيتيه الذين يوزنان بقصيدة عصماء و الذين قالهما وقد سافر معه سفرا فامتلأ إعجابا به من خلال حديثه معه فأرسل معه البيتين إلى عشيرته القبيلة الشمشوية الفاضلة (إدودنيعقب ) مثمنا اللقاء ومعبرا أن الفتى الذي لقي منهم زرع في نفسه انطباعا لا يسعه إلا أن يدونه والبيتان هما :
بلغ بنــــي أحمد الأشياخ شينانا *** واقرأ عليهم وبلغهم تحايانا
أني لــــقيت فتى منهم شمائله *** قانت شمائل بادلي وديمانا
هذا ولو كنت أريد الإطالة فلربما سال بي وادى الأديب الكبير فتى دهره المرحوم محمد بن باكا المعني بالبيتين الآنفي الذكر وإذن ليجدن القارئ ما يقرأ ولكني ضربت الذكر صفحا عن كثير مما ينبغي ذكره هنا خوف الإطالة والله ولي التوفيق
بقلم الأديب الشاعر: سلامى بن النجيب