كثيرا ما يجتهد الساسة في برامجهم الانتخابية التى يدعون الناس إلى مبايعتهم عليها، ومشايعتهم على أساسها، على التركيز على التغيير تغيير الواقع، بإشراك الشباب، و إدخال ما يسمونه بالدم الجديد، وهو تعبير بليغ إفرنجي الأصل، استعير فيه الدم الذى يتغذى به جسد الإنسان، عن القوى الحية التى تنفخ الروح في جسد المجتمع.كثيرا ما يجتهد الساسة في برامجهم الانتخابية التى يدعون الناس إلى مبايعتهم عليها، ومشايعتهم على أساسها، على التركيز على التغيير تغيير الواقع، بإشراك الشباب، و إدخال ما يسمونه بالدم الجديد، وهو تعبير بليغ إفرنجي الأصل، استعير فيه الدم الذى يتغذى به جسد الإنسان، عن القوى الحية التى تنفخ الروح في جسد المجتمع.
غير أن هذه الإستعارة البديعة يجب أن تؤخذ اليوم بحذر بعد أن تأكد أن عدوى مرض الإيدز – أعاذ الله منه المسلمين- إنما ينتقل في غالب أحواله من الدم الجديد، فإذا كانت السلامة مع الإحتفاظ بالدم القديم ، فالاحتفاظ بالدم القديم أولى من المخاطرة بما لا تحمد عقباه، إذ تقرر عند أهل الأصول أن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح وخصوصا إذا كانت المصالح غير متيقنة.
أما المفاضلة بين الشيب والشباب فلنا نحن العرب فيها مذهبان معروفان، فتارة نمدح بالسن ونراها مظنة الحكمة والتجريب ونروى في ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه : رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ، وهو صريح في تفضيل الشيوخ، في ملاقاة الخطوب على الشباب، ويقولون في المثل : زاحم بعود أو دع ، والعود الجمل المسن وما زالت العرب تفضل القارح على الجدع. ومن هذا المنحى قول أبى الطيب المتنبي:
[| [( سأطلب حقى بالقنا ومشائخ*** كأنهم من طول ما التثموا مرد )] |]
وقول أحد مانعى الزكاة من قبيلة كندة أيام ردتهم : ليمنعها شيخ بخديه الشيب ، لا يحذر الريب، ومنه قول زهير يصف عانة من الحمر يقوم بأمرها حمار هو أسنها و أكثرها تجربة فقال:
[| [( بفضله إذا اجتـــهدا عليها *** تمام السن منه والذكاء
وليس بغافل عنها مضيع *** رعيته إذا غفل الرعاء )] |]
وتارة نفضل الشباب ومن ذلك قول البدوي رحمه الله في نظم الغزوات :
[| [( وهو النفاق في الشيوخ لا الشباب*** والخير كل الخير في عصر الشباب )] |]
ومنه قول عامر بن الطفيل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم : والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا . ومنه قول أبى جهل عمرو بن هشام يوم بدر :
[| [( ما تنقم الحرب العوان منى *** بازل عامين حديث السن *** لمثل هـذا ولدتنى أمى )] |]
والتحقيق عند أهل التحقيق أن كلا من المذهبين ليس على إطلاقه، و أن ما أصدروا من أحكام في كلا المذهبين إنما هو لحالتين مختلفتين : فإنهم إذا أرادوا الحزم وحسن الرأي والتدبير و التأنى والثبات إذا اشتدت الخطوب، فالشيخ أولى، وإذا أرادوا الجلادة والقوة والتحرر من الرواسب الضارة فالشباب أولى، مع أن كلا من الأمرين قد يوجد في كل من الطرفين، فإنه كما لا خير في رأي الشباب الغمر الجاهل بالواقع وسنن التاريخ وخصائص المجتمعات، لا خير كذلك في رأي الشيخ الخرف الذي يقيس الحاضر بمقاييس الماضى السحيق ولا يكاد يدرك تحول الدهور وتقلبات الأحوال والظروف.ومن ثم قيل في الحكمة : إياك ومشاورة شاب معجب برأيه، أو كبير قد أخذ الدهر من عقله كما أخذ من جسمه.
ولأجل هذه الإعتبارات كان العرب في الجاهلية يحرصون على أن لا يسودوا على قبائلهم إلا كهولا يصدرون عن رأيهم وينفذون أوامرهم يرضون لرضاهم ويغضبون لغضبهم دون أن يستفسروهم عن سبب رضاهم أو غضبهم، وما كانوا يستصحبون الهرم إلا تيمنا بهم و لاسيما إذا كانوا من ميمونى النقيبة كما استصحبت هوازن يوم حنين دريد بن الصمة وكان من شرط السيادة عندهم أن يكون الرجل ميمون النقيبة ميمون الرأي.
أما الشباب فنادرا ما كانوا يسودونهم فلم يذكر لنا التاريخ ممن ساد وهو شاب إلا عامر بن الطفيل العامري- وقد غمز النابغة الذبيانى في سيادته لأجل شبابه- و أبو جهل فقد حضر برلمان قريش وما طر شاربه وعاقبة الرجلين معروفة والعياذ بالله.
والسبب في عزوف العرب عن تسويد الصبيان هو الخوف من غائلة زهوهم و إعجابهم بنفوسهم بالإضافة إلى أن تسويدهم فاسد – في وجهة نظر الآخر- لأنه دليل على أن كبراء القبيلة غثاء لا خير فيهم فتحتقر القبيلة جمعاء من أجل ذلك ، ولذلك كان يقال : لا تسودوا صغاركم فتحتقر الناس كباركم، ولقد بلغ بالعرب هذا الموقف إلى أن طعن بعض الصحابة في إمارة أسامة بن زيد رضي الله عنه ولم يكفوا عن ذلك إلا بعد أن بين لهم من أمره أنه خليق بالإمارة.
ولعل الصواب في كل هذا هو التبصر وتجنب الحكم الكلي فكل فتى ولي عن تجربة، وثبتت نزاهته واستقامته وذكاؤه وعدله فهو خير من يسود على المجتمع، وليس تسويده داخلا فيما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم من إمارة الصبيان، بل له أسوة بتأميره عليه الصلاة والسلام لعتاب بن أسيد و أسامة بن زيد واستشارة عمر بن الخطاب لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو في العشرين من عمره.
أما الإكتفاء بالمظهر الخارجي والشهادة الجامعية والإلتزام المذهبي فقمين أن يؤدى إلى مفاجآت لا تسر، قد يتكلف إخفاؤها – كما تخفى داء ابنيها أم المروى- ثم لابد أن تظهر للناس مكشوفة ولو خالها صاحبها تخفى على الناس فلابد أن تعلم.
وقديما قالت العرب في المثل : ترى الفتيان كالنخل ، وما يدريك م الدخلا ، ومعنى المثل أنك ترى الشباب حسان الظواهر والزي والهندام و لا تدرى حقيقة أمرهم وحال باطنهم، فلا تولهم شيئا من أمور الأمة حتى تبلو أخبارهم، إلا تفعل تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
بقلم الأستاذ: محمدفال بن عبداللطيف
نقلا عن جريدة الشعب العدد 8856 بتاريخ الاثنين 4 فبراير 2008
بقلم محمدن بن مناح تعليقا علي ما ذكره في مقاله شيخنا وأستاذنا بباه ابن اتيش-حفظه الله ورعاه:
أجدتم في مقالتكم يقينا****تري الفتيان* والمعني استبينا
فلا زلنانرىالفتيان فينا***لأنواع المعارف ناشريـــــا
جواهر نظمت درا ثمينـــا***وما زلنا لها متعطشينــــا
فزيدوامعشر المتصفحينا ***فمنكم للزيادة طالبيــــا
يريدون الإ فادة معجبينا*** بكم وبما استفادوا أجمعينا
صلاة الله رب العالميــــنا***علي المختار ختم المر سلينـا
ما شاء الله مقال رائع وتحليل رصين ظريف وليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل خفيف الظل ,ولا غرو فهذا بباه لين العريكة حلو اللسان مفهوم المنطوق.
فحبذا لو أتحفنا بمقاربة حول ثنائية المرأة والرجل , ودور كل منهما في الحياة من منظور الشرع والعرف والعصر . خاصة وأن هذه الإشكالية مثارة في وقتنا الحاضر
كامل التقدير والاحترام
معالجة نادرة ملاه ينتر امن الظف فتباركالله أحسن الخالقين
أطال الله عمر شيخنا وحقق له مراده