خلال سمر أدبي كنت فيه رفقة بعض الأصدقاء، لم يصرف أحد الحاضرين اسما منصرفا حرصا منه على استقامة الوزن ، فغلطه أحد الحاضرين قائلا إنه لا تبيحه ضرورة الشعر، فقلت له مستفهما لا منكرا إن العرب لا تصرف أحيانا بعض الكلمات المنصرفة لعلة ضرورة الوزن ، فطلب منى شاهدا على ذلك فأتيته بشاهدين عدلين الأول قول الأخطل :
طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت *** بشبيبَ غائلة النفوس غدور
فترك صرف شبيب وهو منصرف والثانى قول حسان بن ثابت رضي الله عنه
نصروا نبيهمُ و شدوا أزره *** بحنينَ يوم تواكل الأبطال
فلم يصرف حنين وهو منصرف.
ولما رجعت إلى المنزل استهوانى الموضوع فبحثت عنه في الكتب، فوجدته كثيرا في الشعر العربي وقد أجازه الكوفيون وبعض البصريين كالأخفش و ابن برهان، كما نص الشيخ محمد ابن مالك عليه في الألفية عندما قال:
و لإضطرار وتناسب صرف *** ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
ومن أمثلته الشهيرة قول الفرزدق :
إذا قال غاو من تنوخَ قصيدة *** بها جرب عدت علي بزوبرا
فلم يصرف زوبر وهو منصرف (يقال أخذ الشيء بزوبره أي بجميعه فلم يدع منه شيئا)
وقول بشر بن أبى خازم يمدح عمرو بن هند
و إلى ابن أم أناسَ أرحل ناقتى *** عمرو فتبلغ حاجتى أو تزحف
فترك صرف أناس وهو منصرف (و أم أناس بنت ذهل بن شيبان وهي من جدات عمرو بن هند)
وقال آخر
أؤمل أن أعيش و إن يومى *** بأول أو بأوهن أو جبار
أو الثانى دبارَ فإن يفتنى *** فمؤنسَ أو عروبة أو شبار
فترك صرف مؤنس و دبار وهما مصروفان (وهذه أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية أول الأحد و أوهن الإثنين و جبار الثلاثاء و دبار الأربعاء و مؤنس الخميس وعروبة الجمعة و شبار السبت )
وقول العباس بن مرداس السلمي
وما كان حصن و لا حابس *** يفوقان مرداسَ في مجمع
وبهذه الرواية جاء في الصحيحين وليس بعد الصحيحين شيء يرجع إليه
موضوع شيق و طريف زدنا من مثله