لا زلت أرسف في قيود البحث والتنقيب عن ماهية أو تعريف أو حتى عن رسم يجنبني ابتكار أو تكلف صفات لعلم مجهول يرافقني في جميع حركاتي وسكناتي، وتعيدني المواقف واللقاءات لنقطة البداية لكي أنتقي له تعريفا لا يتطلب كبير معرفة ولا طول مطالعة ولا حتى القراءة لمن لا يحسن ذلك ، ولا أجدني أنكر على نفسي شيئا مما أصف به هذا المجهول .
ففي أبجديات علم النفس أن الإنسان مادام يعرف نفسه أو يملك إجابة على السؤال: من أنت؟ فهو لا يزال يتمتع بعقله، كما أنه من التعاريف التي وضعها علماء الانثربولوجيا للإنسان أنه : “حيوان يملك تصورا عن ذاته”، هذا عن الجانب العقلي من تعريف الانسان.
أما من الناحية الاجتماعية فإن التعريف يسلك طريقا آخر حيث تعطي الثقافة حسب المكان ترتيبا جديدا للاوليات في التعريف فمن الناس من يعرفك بحدودك الجغرافية أو بما يعرف به مصرك في الغالب، ومن الناس من تحتل الثروة والمكانة السياسية عنده القمة، وبها يتعرف على غيره وبها يدخل المجهول دائرة العلم، أما حين تصادف أحدا من الجماعة الأخيرة ويفرض عليك الحال تقديم نفسك التي تنعدم فيها هذه الرتب عندها تضطر للعودة لذاتك لصناعة تعريف يليق بك وأنت موجود بين الجمع، والمؤلم حق الألم أن تظل تسرد من قصص عاصمتك وكرامات أهلها ولا أحد يعيرك سمعا سوى أن يلمح أحد الحاضرين أنك لعلك تقصد شيئا آخر.
وفي بعض الأحيان تمنحك القرية التي تفد منها كسوة وظلالا تزيل عنك ضباب الغرابة وتخرجك من دائرة المجهول، أما حين تجهلك الجغرافيا وتقصيك السياسة ورجالها و لا يسعفك مسقط الرأس ولا ما يجاوره ولا ما يعرف به في الوسط الثقافي، فحينها تتغير ملامح معرفتك بمكانك الأصلي، وكأنك توحي لنفسك باكتشاف جديد تدوّن خلاله المعاني الملازمة لقريتك الصغيرة المجهولة، والتي يعني جهلها قمة الجهل، فيكفيك أن تسأل الرجل : هل تعرف انيفرار؟ فإن أجاب بلا، فأسأله عن الدنيا وعن السياسة والإبل والتعينات، وإن رد عليك بنعم ، فظن به خيرا ولا تسأل..
وهنا لا حظت أن مفردة “انيفرار” هي كلمة من قاموس الثقافة العالمة ودلالة على العلم والمعرفة بل هي ابتعاد عن جملة المعاني التي قد تحيل الذهن للدنيا وأهلها والشهرة وأهلها، وأقرب مرادف لها هو الخمول والسلام.
ديد مشروع مثقف و اديب من الطراز الرفيع تتجلى في كتاباته نجابة أهل النجيب :
تعلم فليس المرء يولد عالما***وليس أخو علم كمن هو جاهل
فإن كبير القوم لا علم عنده***صغير إذا التفت عليه المحافل
Esky ye5ey 7ebv78eka ellahou we re3aka
العنوان مثير ومن اكتفى به دون أن يكمل المقال فسيخرج بانطباع أن هناك تكبرا أو رؤية فضل على الآخرين.
لكن من وصل إلى نقطة النهاية قد يجد ما يخفف عنه صدمة العنوان.
خلاصته فقط أن هذا الاسم كان يوحي بمجموعة قيم كانت يوما ما هي السائدة على هذه الربوع وأن هذه القيم لم تعد سائدة وحلت محلها قيم أخرى ما زال البعض يجد صعوبة في التكيف معها.