لا يكون الشعب له مكانة في التاريخ و دور في الحاضر إلا إذا كان شعبا يتحمل ماضيه خيره وشره، حلوه ومره لا يتنكر لشيء من ذلك و لا يحرف منه شيئا يخدم به الحاضر ولا يهون خطيره و لا يهول حقيره.
و إن من تَحمُّلِ الشعب لماضيه أن يوثق رجالاته المشهورين في أي ميدان كانت تلك الشهرة فلا يقتصر على الزعماء السياسيين والعلماء والفرسان بل يتعرض للتاريخ و التعريف بكل من لهذا الوطن العزيز عليه ولادة أو رضاعة إذا كان له شيء يلقى به السلطان كخبرة في فن أو تفوق في ميدان ولو كان ذلك الميدان ليس مما يخدم الدين ولا الدنيا.و إن في تاريخ بلادنا هذه شخصيات تتوفر فيها عدة معايير مشهورة ومغمورة في نفس الوقت.
مشهورة لأنها يضرب بها المثل في ميدان من الميادين تناقلت الأجيال ذلك كابرا عن كابر و حفظتها الذاكرة الجماعية و ربما وردت في الأشعار الشعبية و الفصيحة. مغمورة لأنا لا نعرف شيئا عن تاريخها و لا انتمائها الشخصي و لا عن شيء من مقومات شخصياتها الأخرى و لا هل تركت عقبا في الآخرين.
ونحن ذاكرون هنا من هذه الشخصيات أمثلة تكون عنوانا لما سواها مستثيرين بذلك أهل العلم من الباحثين و المؤرخين ليأتونا فيها بالمعلومات الصحيحة التى يثلج لها الصدر و يطمئن لها العقل.
أول هذه الشخصيات شخصية “اللَّـكْــلُوكْ” الذى يضرب به المثل في الكذب فيقال أكذب من اللكلوك أو فلان اللكلوك في الكذب ، لم يحدثنا التاريخ عن هذا الرجل الذى يبدو أنه من الخطورة بمكان و الذى يتبادر إلى الذهن بشأنه أنه رجل من أهل البادية يشبه إلى حد بعيد الأعراب الذين اشتهر عنهم الكذب في الجزيرة العربية قبيل الإسلام فكان أيسر شيء عند أحدهم أن ينشئ صورة من خياله و يخلدها في شعره، كما فعل تأبط شرا في قصته مع الغول. وقد رمي بالكذب فرسان كبار نتورع من ذكر أسمائهم هنا.
والشخصية الثانية ” تَيْبَ” وهي امرأة يضرب بها المثل في الحماقة و مورفولوجية هذا الإسم تدل على أنه ذو أصل إفريقي و يبدو أن تيبه هذه على حماقتها كانت مطاعة في قومها يصدرون عن أمرها و يستنيرون برأيها. ومن أشهر ما روي من حماقاتها أنها أغلقت حظيرة من الشجر لتحبس بها سربا من الغربان كان بداخلها.
ومن حماقتها كذلك أنه كان لها غرماء كل منهم يطالبها بمبلغ من النقود فأمرتهم بالمقاصة و هذه الصيغة قد تكون مفيدة للبلاد التى تعانى من المديونية، و يغلب على الظن أن تيب هذه عاشت في أوائل القرن الثامن عشر عند ما بدأت طرق التجارة مع الغربيين تتحول من المحيط إلى النهر.
و الشخصية الثالثة هي “بَيْرْتَتْ” يضرب به المثل في الجبن فيقال أجبن من بيرتت فهو كالمثل العربي ” أجبن من صافر” أو أجبن من صفره” ولم تأتنا المصادر بجزئيات من جبنه ولكن الذاكرة الجماعية احتفظت له بهذه الصفة و لقائل أن يقول أنه ربما يكون من الطبقة الاجتماعية التى تكون فيها هذه الصفة عيبا يرد به و استثناءا يؤكد القاعدة و إلا فلا يقال للحائط أعمى كما هو معلوم.
الشخصية الرابعة شخصية :“بَـيْبـُوطْ” يضرب به المثل في اللعب ويزعمون أن الموت وافاه و هو يلعب.و لا آمن أن تكون قصة بيبوط هذه صغة “مشنقطة” لقصة وفاة المسرحي الفرنسي الشهير مولير فقد قيل إنه توفي وهو يمثل إحدى مسرحياته المعروفة . ومنهم من يقول أن بيبوط هذا ليس علما بشخصه و لكنه يطلق على القط الأليف الذى لا يفتأ يبصبص بيديه و ذنبه.
والشخصية الخامسة شخصية :امْبَطْ شَيفُّ” بفاء مضمومة مشددة يضرب به المثل في ضعف السبب و ذلك أنهم زعموا أنه ورد على أمة من الناس يسقون فطلب منهم أن يسقى فرسا له فامتنعوا فذهب عنهم و أرسل جارية له إليهم فقال لها قولى لهم قال لكم “امبَط شيفُّ” أن تسقوا له فرسه هذه ففعلوا. وعلى قصته هذه رائحة المثل العربي ” أن تسمع بالمعيدي خير من أن تره” . والذى يستشف من قصته هذه أنه كان من طبقة النبلاء و أنه ربما كان دميم المنظر والله أعلم.
وهنالك شخصيات أخرى ضاق عنها المقام و لعل النوبة تعود لنا فنتحدث عنها لاحقا ولكل علم فائدة.
الأستاذ: محمد فال بن عبد اللطيف
مقال طريف كالعادة لا عدمنا كاتبنا و أستاذنا محمد فال بن عبد اللطيف