قد أظلنا والحمد لله موسم “الكيطنة” وهو موسم لو أنصف الدهر لما كان دون مواسم العرب في الجاهلية وصدر الإسلام التى كانت تشكل مناسبات ذهبية للتبادل الثقافي وتوطيد أواصر التضامن والتكافل الإجتماعي ، وترقية المبادلات التجارية كما كان الشأن في أسواق عكاظ ومجنة وذى المجاز ، إذ كانت هذه الأسواق فرصا يبتغى فيها العرب فضلا من ربهم ويتباحثون في مقومات بقائهم وتحديد هويتهم الحضارية وموقعهم بالنسبة للحضارات المحيطة بهم وما يجد على الساحة من أحداث لها تأثير على حياتهم و أمنهم ووسائل عيشهم .قد أظلنا والحمد لله موسم “الكيطنة” وهو موسم لو أنصف الدهر لما كان دون مواسم العرب في الجاهلية وصدر الإسلام التى كانت تشكل مناسبات ذهبية للتبادل الثقافي وتوطيد أواصر التضامن والتكافل الإجتماعي ، وترقية المبادلات التجارية كما كان الشأن في أسواق عكاظ ومجنة وذى المجاز ، إذ كانت هذه الأسواق فرصا يبتغى فيها العرب فضلا من ربهم ويتباحثون في مقومات بقائهم وتحديد هويتهم الحضارية وموقعهم بالنسبة للحضارات المحيطة بهم وما يجد على الساحة من أحداث لها تأثير على حياتهم و أمنهم ووسائل عيشهم .
كان من المفروض أن تكون مواسم “الكيطنة ” كتلك المواسم شبه الغراب للغراب، لتشابه النسيج الحضاري وتماثل المعطيات الثقافية و الاجتماعية وحتى المناخية ولكن شيئا من ذلك لم يقع ، إذ أصبح موسم “الكيطنة “عبارة عن أيام أكل وشرب ، أكل للبلح الأحمر والأصفر وشرب لماء المرق والحساء بكرة وعشيا وحين يظهرون، تتخلل ذلك كؤوس الشاي المنعنع وبعض الأحاديث الخاصة جدا.
ولما كان موسم “الكيطنة” مختصرا على هذه المراسيم فضل كثير من الناس أن “يكيطن” في انواكشوط وروصو وهي مواطن لا تعد من منابت النخل، ووفر على نفسه عناء السفر والخروج إلى حظائر النخل والسكنى تحت أكواخها ، فقد جاءت “الكيطنة ” محمولة في صناديق الشاي الخشبية والتوابيت الحديدية ودخل عليهم البلح بيوتهم محمولا على أطباق من ذهب مقابل دراهم معدودة ، وطعموه بمرق من لحم السوق أو لحم جداء مرباة لذلك إن كانوا من أهل اليسار.
وغاب البعد الثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي لهذا الموسم العريق الذى كان إلى وقت قريب مناسبة للتواصل والاستجمام وتلطيف الجو الصيفي و إنتاج بلح من نوع آخر “البلح الأدبي” بحمره وصفره وفالحته ومالحته و “إبلاله” وتوكيزه” .
غير أن تدهور مفهوم “الكيطنة ” مرتبط بمشكل هو أعم منه و أطم وهو غياب مفهوم السياحة الداخلية، ولا يخفى ما للسياحة الداخلية من فوائد اقتصادية وسياسة ولكن أكثر المواطنين عن ذلك غافلون ، فلقد قام في أنفسهم وتركز في قلوبهم أن من لم ينفق “عملته الصعبة” وكل عملة صعبة – على شواطئ لاس بلماس وفنادق نورماندى وقصور اسبانيا فإنه ما ساح في الأرض و ما رأى الدنيا ولا الناس، حجبه الله تعالى عن رؤية شواطئنا الجميلة وما فيها من طيور عبرة للناظرين وحجبه عن رمال كامور الذهبية والفضية و إكليل النخيل الذى يحيط بها وحجبه عن غابات الضفة المدهامة من شدة خضرتها وجمال أزهارها و أنوارها وبحيرة كنكوصة البديعة، وتامورت انعاج ومائها الثجاج و عيون العتروس وجددها البيض والحمر، ناهيك عن المواقع الأثرية وما فيها من منظر صالح كالنوداش وكومبى صالح وما تحويها هضبات تكانت ولعصابة من آثار ما زالت بحاجة إلى الإكتشاف والاستنطاق
و أخرى هي أحسن من كل ذلك و أنفع وهي لقاء رعيل العلماء وا لأدباء – بل والأولياء- المجهولين الذين ما شاركوا قط في سهرة رمضانية و لا شاركوا في مسابقة و لا ترشحوا لمنصب ديني و لا دنيوي أقاموا في مواطنهم الأصلية أتقياء أنقياء على أصل فطرتهم لم تحتويهم شياطين الحضارة ومغرياتها ومن سألهم عن نازلة أفتوه ومن استعانهم في معضلة أعانوه ومن حدثوه أطربوه و أفادوه لا يسألونه على ذلك أجرا….
وددت لو أن عندى مليونا من الأوقية محررا من سد مفاقر الحياة اليومية أنفقه في السياحة الداخلية لأطلع على بعض تلك الكنوز، فأنضي السيارات الرباعية الدفع من اندياكو إلى باكل ومن اعوينات اشنكاط إلى اعوينات الرجاط رائثا غير عاجل أقضى في كل محطة ردحا من الزمن كافيا للاطلاع عل ما فيها أحاور المواطنين ويحاوروننى و آكل معهم وجبات الخيلوط وامبربلل والرويس وهاكو… ثم أعود بحصاد وفير مفيد لا يضر بميزان المدفوعات فتيلا و لا يدخل البلاد من الأوبئة الحضارية كثيرا ولا قليلا…
ومتى يأتى اليوم الذى يدرك فيه أبناؤنا البررة أن خير السياحة ما كان نافعا للسائح والمتسيح عنده و أن ذلك لا يوجد إلا في السياحة الداخلية فهل من مدكر.
الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف
نقلا عن كتاب : در المراجن و أحلى الطواجن وهو إصدار جديد للمؤلف وقد نزل إلى المكتبات منذ بعض الوقت
نطلب من موقعكم المحترم نشر تسا بيح رمضان وما امكن من فوائده للستفاد وجزاكم الله خيرا عن الام اﻹسﻻمية
مقال رائع كالعادة لأستاذنا محمد فال بن عبد اللطيف وشكرالكم على المعلومة التى تفضلتم بها حول الإصدار الجديد.
وردت فى المقال إشارة إلى أدب الكيطنة وأشار الكاتب إلى نصوص محددة من خلال بعض العبارات التى ساقها كوكزت وبليت اللتين وردتا فى اكطاع ول عيده وول هدار الشهير فليت أحد الأدباء يضيفه كتعليق لإتمام الفائدة.
أشار أيضا إلى الفالحة وهي نخلة معروفة في أطار وقد ورد ذكرها في المقامة الأطارية التى ألفها العلامة المختار بن حامد.
وردت عبارات أيضا من فقه اللغة ك جدد التى تعنى الطريق في الجبل ورائثا التى تعنى بطيئا وغيرهما….
وفي الختام فإن ما يميز هذا الكاتب عن غيره هو جمعه بين الفائدة والطرافة مع جودة السبك وهذه الثلاثة قل ان تجتمع لكاتب.