حضرت يوم أمس الصالون الأدبي للولي محمذن بن محمودا ، و قد كان عنوان الجلسة هو ” الأخلاق و المجتمع” ، ويبدو أن الآدب لم ينتقر ، فقد حضر صالونه جمعٌ غفير من الأساتذة والدكاترة ولفيف من العلماء و الوزراء و السفراء السابقين. إضافة إلى وفد ضم شخصيات أزوادية وازنة و ممثل عن السفارة المالية في انواكشوط.
ترأس الأستاذ أبوبكر بن أحمد الجلسة نيابة عن الشيخ الخليل النحوى ، فنظَّر الموضوع و أطَّره ، كما قدَّم المحاضر بومي بن ابَّياه إلى الحاضرين ، الذى قام بدوره بإنعاش عرض عام عن الأخلاق و المجتمع ، ناقش فيه مأزق تعريف الأخلاق واختلاف الفلاسفة و القانونيين و الأنتربولوجيين والسياسيين حوله…كما وضع الخطوط العريضة لأسباب وجود أزمة أخلاق في المجتمعات الاسلامية ، و أحال الحاضرين إلى مرجع هام جمع بين السلطة و الأديولوجيا و موقف المجتمع منها . وهذا المرجع هو الحديث السابع من صحيح البخاري ، الذى طرح فيه هرقل عشر أسئلة – تتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم- على الصحابي أبي سفيان بن حرب.
ثم ختم العرض بمجموعة من التساؤلات حول أزمة المجتمع الأخلاقية و ذلك بهدف إثارة النقاش بين رواد الصالون.
أعطى الأستاذ أبوبكر القوس باريها عندما أحال الكلام إلى الشيخ الخليل النحوى – وقد أنصف القارة من راماها- فقدم مداخلة هامة لا لغو فيها و لاحشو، أشار فيها إلى أن أخلاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الجامعة المانعة لأن رسولنا بعث متمما لمنظومة الأخلاق التى حصلت الأمم السالفة على جزء منها ، ثم أشار إلى أن المجتمع الغربي قد تبنى منظومة الأخلاق الاسلامية، كاحترام الوقت و الانسان و الصدق و التزام الوعد.. بحيث صرنا اليوم نرى في الغرب اسلاما بدون مسلمين.
وقد ساق أمثلة حية -وقعت في الفتوح الاسلامية- تؤكد فعالية الأخلاق في فتح قلوب غير المسلمين للإسلام و ختم قوله بلطيفة مفادها أن القلوب إذا انفتحت تبعتها القوالب.
وقد عقب السفير محمد لمين بن الكتاب على العرض الرئيسي، من خلال ورقة مكتوبة قدم فيها رؤيته لأسباب تداعى المنظومة الأخلاقية في بلادنا، وقد ركز على أن العامل المادي و السعي إلى التحصيل السريع للمال والجاه هو السبب الرئيسي في تخلى المجتمع عن الكثير من العوائد التى تناقلتها الأجيال عبر الزمن.
أما الدكتور محمدفال الحسن بن امين فقد أشار في مداخلته إلى وجود اغتراب أخلاقي في المجتمع الموريتاني ، و تسائل عما إذا كانت الأخلاق التى نريدها هي التى نعيشها؟ كما أكد إلى تراجع دور المدرسة الجمهورية في رعاية الأخلاق، أمام مد المدرسة الخصوصية التى يشكل الربح المادي أهم أهدافها. و قد قدم الدكتور مثالا أكد فيه على أن الموروث الشعبي قد يكون سببا في انحسار الأخلاق. وقد ختم مداخلته بقوله إن الحقبة التى سبقت قدوم الاستعمار تميزت بوجود علماء ربانيين يمدون مريديهم بالأخلاق الفاضلة و يحثونهم على التمسك بها كما يراقبون عن كثب مدى التزام المجتمع بمنظومة الأخلاق الفاضلة ، لكن دورهم انحسر بعد قدوم المستعمر حسب رأيه.
بعد تلك العروض القيمة فتح مجال النقاش حيث حرص أغلب الحاضرين على إبداء وجهة نظرهم حول الموضوع ، و سأعرض بإيجاز لبعض تلك المداخلات التى تولى إنعاشها الصحفي المقتدر سيد بن لمجاد.
طالب السيد أحمد باب بن أحمد مسكه في مداخلته بضرورة إعادة النظر فى الاستراتيجيات الهيكلية التى تم تبنيها عشية الاستقلال، مضيفا إلى أنه يرى ضرورة وضع أساس فكري يلائم خصوصية مجتمع البيظان وقد ساق سؤالا طريفا طرحه أحد المواطنين السنغاليين على الرئيس ليوبورد سينكور عندما خاطبه في أحد الاجتماعات قائلا: ترى متى سوف ينتهى هذا الاستقلال؟
نبه الأستاذ محمدُّ بن احظانا الحاضرين إلى إشكالية انتربولوجية أطلق عليها اسم “المقدس المتجانس” ، وتعنى أن المجتمع قد يضفي على العادات والتقاليد هيولى، تماثل القدسية التى يضفيها على الأمور العقدية.
أما الدكتور الشيخ بن سيد عبدالله فقد ركز في مداخلته على الشق الأدبي للأخلاق فذكر اشمئزاز النقاد في القديم من السرقات الشعرية، لكنه أشار إلى أن المتأخرين اعتبروها نوعا من الإبداع وساق نموذجا على ذلك. كما نبه أيضا إلى تساهل المجتمع في تداول نصوص شعر الحسانية الصريحة في حين لا يعطى ذلك الهامش من الحرية لشعراء الفصيح.
استعرض الدكتور الحسين بن امدُّ ، المخاطر التى تهدد المنظومة الأخلاقية لدول العالم الثالث، مشيرا إلى عدم توازن ميزان المدفوعات، فالصادرات الغربية الكثيرة التى تصل عبر التلفزيون و الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى لا تقابلها صادرات معاكسة باتجاه تلك الدول ، وبالتالى فقد بقي النموذج الغربي مسيطرا على الإعلام، في حين أن هشاشة التعليم وغياب سياسة ممانعة فعالة جعلت أغلب دول العالم الثالث مهددة بخطر الاستلاب الحضاري.
كما أكد على أن الدور الريادي الذى لعبه سفراء شنقيط في المشرق و المغرب تم أساسا بفضل دماثة أخلاقهم و طريقة تعاملهم الراقية مع المجتمعات الجديدة التى سكنوا فيها ، و أشار إلى نكتة طريفة وهي اطلاق تلك المجتمعات لقب الموريتاني أو الشنقيطي على الوافد الجديد من أرضنا انطلاقا من مستواه المعرفي.
أما الدكتور أحمد بن امبيريك فقد قرب مفهوم الأخلاق بقوله إنها تعنى فن المعاملة مع الناس ، ثم نبه الحاضرين إلى نكت لغوية هامة منها أن المجتمع صغة صرفية غير مستقيمة و يجب أن تكون بالكسر، وختم مداخلته بدعوة قوية وجهها إلى الساسة و الصحفيين وصناع القرار حضهم فيها على تقوى الله و ضرورة المحافظة على هذا الكيان الهش.
و في الختام عقب الأستاذ أبوبكر بن أحمد على المداخلات مؤكدا انها أحاطت بالموضوع من جميع جوانبه و ركز على أن الغرب و إن كان تقدم علميا و تكنولوجيا فإنه يعانى أزمة أخلاق حقيقية، ثم أشار إلى أن المسلمين اليوم يجب أن يطرحوا سؤالا عن كيفية اللحاق بالشعوب العالمة بدلا من السؤال التعليلي التقليدى الذى كان مطروحا وهو لماذا تقدم الغرب و تأخرنا؟.
أما الشيخ الخليل النحوى فقد ختم الجلسة بلطائف هامة أشار فيها إلى غياب الأخلاق عن المقرر الدرسي المحظري الشنقيطي، كما ساق قصة هامة وقعت لأحد المسلمين في انكلترا، و ملخصها أن مسلما انتقل للسكن في أحد الأحياء اللندنية، وبينما كان يستقل الحافلة إلى منزله دفع ثمن التذكرة المعهود إلى السائق لكنه لاحظ أن الأخير أرجع إليه مبلغا زهيدا زائدا على المعتاد، ففكر أولا في أخذه لحقارته لكنه قرر أن يرجعه إلى السائق، فخاطبه الأخير قائلا أأنت هو المسلم الذى سكن هذا الحي مؤخرا؟ فأجابه بالتأكيد فقال السائق لقد قررت أن أقرأ عن الاسلام، ثم سمعت عنك فقلت لنفسى سأقوم بالتعرف على الاسلام من خلال هذا المسلم ، فدهش المسلم وذهب إلى منزله وهو يقول كدت أن أبيع الاسلام ب 20 سنتيما.
من صفحة السيد يعقوب بن عبد الله على الفيسبوك
اخي بباه نقلا عن تقرير حول الجلسة كانت مداخلتك من أحسن المداخلات شكر ا لك افدت وأجدت اما عن التقرير فهو تقرير صحفي عنده إلمام بالصحافة .
تقرير ممتاز
جزاكم الله خيرا
اجدت وافدت