نشر أخي العزيز عز الدين بن كراي مقالا رائعا بعنوان: (البحر السريع في ديوان القاضي محمذن بن محمد فال ” اميَيْ”). وقد ساق فيه ما رق وراق من أدب العلامة القاضي اميي الذين كان فعلا أحد رُبَّان سَفين القريض الخائض في البحر السريع كما قال عز الدين.
سيدي أحمد ولد الأمير
نشر أخي العزيز عز الدين بن كراي مقالا رائعا بعنوان: (البحر السريع في ديوان القاضي محمذن بن محمد فال ” اميَيْ”). وقد ساق فيه ما رق وراق من أدب العلامة القاضي اميي الذين كان فعلا أحد رُبَّان سَفين القريض الخائض في البحر السريع كما قال عز الدين.
ومن المشهور عند أهل الأدب بهذه الربوع أن العلاقة بين أهل هذه المنطقة الإيكيدية وبين البحر السريع علاقة وثيقة واتصالهم به اتصال قوي؛ فلم يمنعهم التخلق بالهدوء والتؤدة وعدم السرعة عن النسج على إيقاع السريع حيث ارتفع هذا البحر -في ظني- عن “الطويل” الممل و”البسيط” المخل.
وقد أشار الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا رحمهم الله تعالى في نظمه للنوادر إلى أن أهل إكيدي لما غاضبهم العَيْشُ وخلُص بنفسه قصِيا جاءه وفد منهم يسترضيه وكان من جملة ما استرضوه به أن أنشدوه ذلك اليوم من بحر السريع أشعارا عذبة سلسة وهو ما جعل العيشَ يهتز طربا ويرضي عنهم، فانسلت السخائم وذهبت الموجدة وعاد معهم إلى معاهده وربوعه وحاله مع الوفد تنشد قولة العلامة القاضي المرابط محمد سالم ولد عدود: ما إنْ رأينا معشرًا أظرفَا.. إلخ.
واقتفاء بعز الدين واستهداء بهديه فقد رأيت أن أقدم في هذه الإطلالة بعض ما حضرني من شعر أديب المؤرخين ومؤرخ الأدباء المختار بن حامدن رحمه الله تعالى في بحر السريع:
يقول اتاه في أخذ الدين واستقضائه:
لا تأخذِ الدّيْنَ ولا تَعْطِهِ ۞ فالدّيْنُ ما تَرمِ به تُخطِهِ
إنْ تُعْطَهُ لا بدَّ أن تقضِهِ ۞ أو تُقْضَهُ لا بدَّ أن تعْطِهِ
في الناس من إن تعطِهِ الديْنَ لاَ ۞ يقضيهِ أو إن يقضِهِ يُبطِهِ
وقال وهو يستعد للسفر إلى الشيخ إبراهيم انياص رحمه الله تعالى وهو الشيخ المشهور الغني عن التعريف:
أصبحتُ بالأمس لدي إِنْدَرا ۞ وقبل ذلك بمدردرا
وقبل ذلك لدى أهلنا ۞ من حيثُ بالغاب استَكفَّ العرا
وآخر العهد بهم ضحوة ۞ عند وداعهم حديث جرى
أنابذ أنت لنا بالعرا ۞ قالت ولم تترك لنا من قرا
فقلتُ إني قاصد كولخا ۞ مدينة الشيخ فتاة القرى
فاستبشرت تفتر عن لؤلؤ ۞ رطب فقلت: التمرَ والسكرا
فجئتُ بالكيس معي فارغا ۞ لأسرع الأوب به ابجرَا
وله سريعية من عيون الشعر في هذا الشيخ ويلاحظ أن المبتدأ المذكور في بداية البيت الأول جاء خبره في نهاية البيت الرابع فقد فصل بينها بمتعلقات فصلا جميلا رائعا:
الشيخ إبراهيم فى المؤتمرْ ۞ وفى مقام الحج والمعتمرْ
وفى مقامه وفى مروةٍ ۞ وفى الصفا وفى استلام الحجر
فالمشعر الحرام فى ليلِهِ ۞ وفى منىً أيام رمي الجِمَرْ
وفى المدينة وأرجائها ۞ فذي الحليفة فبدرٍ قمرْ
والشيخ إبراهيم أيضا قمر ۞ فى مصر والشام ومُدنٍ أخر
يُقيم أو يمر نورُ الهدى ۞ حيث أقام الشيخ أوحيث مر
يقبس أهل البدو من نوره ۞ ومنه يقتبس أهل الحضر
وجوده شذرْ مذرْ فى الورى ۞ يكاد فيهم عاذلا لايذر
وعلمه أيضا شذرْ فيهم ۞ مذرْ كما الجودُ شذرْ مذرْ
وإن يقمْ فيهم خطيبا يقلْ ۞ مايُخجل التبر ويُخزي الدرر
من خُطبٍ فى القلب ولاَّجةٍ ۞ مالاتَوَلَّجٌ حِدادُ الإبر
فى دعوةٍ إلى سبيل الهدى ۞ يهدي بها الله قُلوب البشر
لايسمعُ الشيطانُ إلقائها ۞ إلاَّوأدبر وولى وفر
تَوجَّهُ الجموعُ تلقائها ۞ عفواً وتنساقُ إليها الزُّمر
تُصغي إليها شذرةً شذرةً ۞ تٌشنِّفٌ آذانها تلك الشذر
وحظ واعِها وقُرائها ۞ نورُ البصيرة ونور البصر
فيصبحُ الفاجر من فضلها ۞ براً ويُمسي البر يُدعى الأبر
ياوارثًا فى الخوف من ربه ۞ عُمرْ وفي البِرِّ عليًا فَبَر
ياسالك الطرْقِ التى ينتهي ۞ منها إلى عين اليقين السفر
يابهجة العصر الذى زانه ۞ أحسن مما زان نور شجر
يامن عطاياه وآلائه ۞ تُحْيَى بها فينا ليالي السمر
ويخبر البدو بها والقرى ۞ ناوينَ معنَى كائن ٍواستمر
عوَّدتني فى كولخٍ عادة ۞ مرَّت عليَّ مرَّةً بعد مرْ
كنتُ تعللتُ بآثارها ۞ عن زيدِ زيدٍ وعطايا عمر
فقلتُ يُغني الله عن دَرِّ ذا ۞ ودَرِّ ذلك ويأتي بِدَر
فنابَ عن عشرةٍ واحدٌ ۞ وشاعَ الإستغنَا بحادي عشر
واليوم إذ عاينتكم هاهنا ۞ فلستُ بعد العين أقفو الأثر
من أمَّكم لرغبةٍ فيكمُ ۞ يظفرْ وأياً تنصروهُ انتصر
عمرك الله لنا مرشدا ۞ ودام عزكَ فينا واستمر
وللمختار في رثاء العالم العلامة الورع محمذن بابه بن داداه امني علما المتوفى عشية الأحد سادس رجب سنة 1394/ 28 يوليو 1974، ودفن بمقبرة بئر المساجد (انيفرار الصغير) و هو إمام تلك المقبرة. وهي سريعية من أروع السريعيات:
محمذن باب إمام الفئه ۞ نشأ يخشى ربه منشئه
مطبقا لسنة المصطفى ۞ أمرا ونهيا مائة في المائه
معبئا لصد أهل الهوى ۞ جهوده يا حسنها تعبئه
مصارما لكل ذي بدعة ۞ من قدرية ومن مرجئه
فما رأى مبتدعا عاتيا ۞ إلا رآه شكه في الرئه
ومخطئ الصواب في دينه ۞ إن يرمه الشيخ فلن يخطئه
كان فقيه القطر نحويه ۞ صوفيه قارئه مقرئه
كان على ما كان من عزة ۞ يدرأ بالحسنة السيئه
لا حقد لا حسد لا لا التي ۞ هي لنفي الجنس والتبرئه
من فئة عريقة في الندى ۞ والعلم من ميزات تلك الفئه
تواضع عن ورع منبئ ۞ وعزة عن شرف منبئه
تلقى الضيوف عندهم شاههم ۞ وشاءهم والظل والتدفئه
ثم تهيأ فنون القرى ۞ تهيئة ما مثلها تهيئه
وإن تهيأ القرى هانئا ۞ فللقراءة إذن تهنئه
يا رب يوم صالح منهمُ ۞ فيه لك الهناء والتهنئه
وكم فتى فيهم نجيب ولا ۞ حاجة للتعيين والتجزئه
يا فئة عريقة في الندى ۞ معيدة في شأوه مبدئه
ما إن لنا عنكم غنى إنكم ۞ لدائنا أدوية مبرئه
مسجدكم قدما وقرآنكم ۞ وغيثكم حرز من الأوبئه
حياتكم رغم لهيب الأسى ۞ فينا لحر ناره مطفئه
والشيخ في جوار خير الورى ۞ في برزخ قمن أن يهنئه
فليثو في مقعد صدق كما ۞ يبغيه وليهنئه وليمرئه
وليتكئ فيه على رفرف ۞ وعبرقي حسن التوطئه
وليهن من نجلهم إنهم مثَّل كل منهمُ ضئضئه
فكلهم بالعلم بله التقى ۞ ملئ ما أبوهمُ مُلِّئه
قد واطؤوه في الهدى والندى ۞ لم تعد منهم قدم موطئه
تعزية وجيزة ربما ۞ تكون إن سامحتمُ مجزئه
فهدئونا أنتمُ إننا ۞ نحتاج للتثبيت والتهدئه
وله في الشيخ الفاضل أحمدو بن احبيب اليدمسي وكانا صديقين يجمعها العلم والمعرفة والاهتمام بالتاريخ وقد ترجم له أحمدو في كتابه الأعداد ترجمة وافية جميلة:
أَحْمَدُ مَنْ لَقِيتُ فِي أَنْدَرٍ *** أَحْمَدُ مَنْ تَاهَ بِهِ أَنْدَرُ
مَنْ مِثْلُهُ فِي أَنْدَرٍ نَادرٌ *** وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ أَنْدرُ
وقال في غرض الفخر وهو قليل في ديوانه:
خَفف عنا العبءَ من غمنا ۞ نحنُ “الديامين” ومن همنا
ما أنعمَ اللهُ به من إلًى ۞ في علمنا أو غِبْنَ عن علمنَا
فصيتنَا بين الورى شائعٌ ۞ من هاهنا إلى الحِمَى من منَى
وشاعَ عنا العلم في قطرنَا ۞ والحلم عمَّنْ لج في ثلمِنَا
والمسلمون كلهم سالمٌ ۞ منا وجانحٌ إلى سلمنا
وحولنا قبائل إن نشأ ۞ حماية من أيهمْ يحمِنَا
فالعلويون صديق لنا ۞ والشمشويون بنو أمنا
وله في بعض المواقف:
يريد أن يطفئنا الماكنُ ۞ فينا وفينا نورنا ساكن
يا أيها الماكن فينا لكي ۞ يطفئنا يا أيها الماكنُ
وقال مخاطبا حلة أربعين جيدا التندغية:
إني متى أدْعَ لما ابتغي ۞ لا أندعي إلا إلى تندغي
أزورهم شوقا ومن نورهم ۞ أَسُرُّ حسوًا عندما ارتغي
فأجابه القاضي محمد يحيى بن محمد الدنبجة أو العالم الدنبجه بن معاوية رحمهما الله تعالى:
قد زارنا فزادنا حكمة ۞ وزادنا حُكما كما نبتغي
السيد المختار من كفُّهُ ۞ وكَّافة كالوابل المزرع
زاد بلاغة بلا غاية ۞ على البليغ وعلى الأبلغ
إن زارنا فذاك من فضله ۞ كرامة لنا بني تندغي
فرد المختار قائلا:
علمني الشعر بنو تندغي ۞ فصرت للشِّيحِ من الْمُضَّغِ
أنبَغَنِي في الشعر إحسانهم ۞ ومن يجاور تندغا ينبغِ
يُهْجَرُ ما لا ينبغي عندهم ۞ وعندهم يحسن ما ينبغي
يقول المختار رحمه الله في بعض السلوك الاجتماعي الطارئ:
تجول الغادة في الشارع ۞ ينقص من جمالها البارع
إذ تذرع الشارع مختالة ۞ في خطوها كالفارس الفارع
لا هي بالمروءة استمسكت ۞ و لم تطع أوامر الشارع
القوم في المرأة في بيتها ۞ أرغب منها وهي في الشارع
وقال في بعض المستجدات العصرية أيضا:
لا بأسَ بالساعةِ في الساعد ۞ كخاتمٍ أو سبحةِ العابد
ما لم تكن نقدا فمهما تكن ۞ نقدا فلا نقد علي الناقد
وقال وهو في المحصر:
توتو بنتُ اعْليَّ التي شفتها ۞ ما فَشَّنِي منها الذي شفتُه
وما خَفَى والخير ظني به ۞ ما شفته لو شفتهُ قلتُهُ
وقال في السياسة وهما بيتان من شعره المتداول السائر:
خلّ السياسة إلى جانب ۞ وارمِ لها الحبل على الغارب
لا تك مغلوبا ولا غالبا ۞ كن ثالث المغلوب والغالب
ومن قوله أيضا في السياسة والمواقف الحزبية:
لست بناهض ولا ناقض ۞ او ناقد امر الفتى الناهض
واسطة ما بين هذا وذا ۞ فلست بالبكر ولا الفارض
وقال وهو في السنغال مخاطبا ولفيا يسمى بوكر وهي أبيات تناسب أبيات الديْن المذكورة فوق:
باكر الى “الفرنة” يا باكر ۞ وهيئ القهوة للباكر
وغادني صهباء صينية ۞ سيقت صويب الباكر الماطر
واذهب الى “الفور” فجئني بها ۞ فائرة من ذلك الفائر
وراع الاسطرلاب حتى اذا ۞ حان المدى من وقته العاشر
فاشتر من لحم لنا قطعة ۞ وجرعة من لبن خاثر
واذهب الى زيد فجئني بما ۞ اسلفته في الزمن الغابر
ثم إلى عمرو إلى خالد ۞ إلى أبي عمرو إلى عامر
فإن همُ قضوا وإلا فلا ۞ تذكر لهم شيئا الى دائر
ولا تكثّر إن همُ استكثروا ۞ لستَ على ذلك بالقادر
إني امرؤ لم اكُ بالشاعر ۞ وما علي الشعر بالواعر
وقال في الكبر في السن:
رأيت في المرآة وجها طرا ۞ أشهب لا أشعبَ منه يرى
سماته الكاشفة اطورت ۞ فطروت سُماه فاطورا
فسمه أشيب او سمه ۞ أشهب أو أشعب أو أشعرا
فأضاف الأديب نافع بن حبيب رحمه الله موريا بحبيب الشاعر المعروف بأبي تمام:
انا نسميك وما نمتري ۞ حبيب هذا العصر أو أشعرا
وله في مدح الشرفاء أولاد بالسباع:
أَهْلُ السَّمَاحِ الْمَاطِرِ الْهَاطِلِ ۞ أَوْلاَدُ عَامِرِهِمُ الْهَامِلِ
وَهُمْ أُولُو الطَّوْلِ طِوَالُ الْمَدَى ۞ طَالُوا عَلَى كُلِّ مَدًى طَائِلِ
كَمْ عَادَ طَوْلُهُمُ عَلَى عَائِلٍ ۞ وَكَمْ وَكَمْ سَالَ عَلَى السَّائِلِ
أُولاَءِ أَطْوَادُ السَّمَاحِ الأُلَى ۞ طَوْلُهُمُ هَامٍ عَلَى الآمِلِ
وَهُمْ لِمَنْ عَادَوْهُ أَوْ صَاوَلُوا ۞ أَوَائِلٌ أَطْعَنُ مِنْ وَائِلِ
هُمُ الأُلَى إِنْ هَدَّدُوا صَائِلاً ۞ هَدُّوهُ مِنْ هَوْلِهِمُ الْهَائِلِ
أَوْ سَدَّدُوا سَهْمًا لَهُ عَائِلاً ۞ أَوْ عَامِلاً كَانَ سِوَى الْوَائِلِ
أَوْ أَوْرَدُوا لِدَمِهِ صَائِلاً ۞ عَلَوْهُ مِنْ دَمِ الْمَلاَ الصَّائِلِ
أَوْ أَعْمَلُوا الْعَوْصَ لإِرْدَائِه ۞ أَرْدَوْهُ دُونَ السَّهْمِ وَالْعَامِلِ
أُولاَءِ أَوْلاَدُ رَسُولِ الْهُدَى ۞ مِنَ الْوَلِيِّ عَامِرِ الْهَامِل
وِدَادُهُمْ حَقٌّ عَلَى مُسْلِمٍ ۞ لله أَوْ رَسُولِهِ وَاسِلِ
وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَى ۞ هُوَ عَلَى مَدْحِي لَهُمْ حَامِلِي
عَلاَمَ لاَ أَمْدَحُ مَنْ طَوْلُهُمْ ۞ لَوْلاَهُ لَمْ أَحْصُلْ عَلَى طَائِلِ
وَهَاكُمُوهَا سِرُّهَا مَدْحُكُمْ ۞ وَهُوَ حَالِي صَدْرِهَا الْعَاطِلِ
مِنْ حَامِدٍ الآلاَءِ لاَ حَائِدٍ ۞ عَنْ عَهْدِ وُدِّكُمْ وَلاَ حَائِلِ
وفي الختام أقول ولا قول لي:
هذا الذي حصَّلتُ يا قارئي ۞ ومن سريع التاه قد سقتُه
وما بقي والخير ظني به ۞ ما جِبتُه لو شِفتهُ جبتُهُ
المختار عجيب الا تمو طلبولي مولان نعود كيفو
عليك بالنحو ألا فاحوه *** والفقه فاحوه على نحوه
واللغة انح نحوها إنها *** من خير ما ينحى إلى نحوه
والزم عروض الشعر تغنم به*** واحو المعان والبيان احوه
واعمل بعلمك و إلا يكن *** علمك كالعدم او نحوه
و ساعة الجيب بداة الورى *** أولى بهم من ساعة الساعد
بقي على الباحث الكريم كثير من سريعيات اتاه الرائعة ومنها مرثيته لمحمدن بن لمحبوبي التي يقول في أولها: إمامنا المحبوب فينا ابنه = محمد ركن الهدى حصنه = أصبح بطن الأرض مثوى له = وظل يحتضنه حضنه = لله منه مؤمن مسلم = قانى إلى إيمانه علمه = ومحسن وقارئ مقرئ الخ