لأول يوم في حياتي أجلس على راحلة البحث عن الخبر هنا في زاوية “الآتلانتيك ميديا” ، وجدتني مشتت الأفكار، محبط القدرة، منهك الإرادة، لا أدري أين أتجه لجلب خبر خطير تقرؤه الآلاف المؤلفة وتنقله المواقع الألكترونية دون عزو إن شاءت ؟ هل أهتم بجديد الساحة الرياضية وملاعبها والانتقالات الشتويةـ وذلك ما أحبه ـ ؟ أم أكتب عن أطول رجل في بنغلادش، أو أقصر أمرة في الصين؟ أو أراقب أحدث ما توصلت إليه شركات الاتصال العالمية من مغريات تسلب لب الصغار . من أيام اتلانتيك…..
لأول يوم في حياتي أجلس على راحلة البحث عن الخبر هنا في زاوية “الآتلانتيك ميديا” ، وجدتني مشتت الأفكار، محبط القدرة، منهك الإرادة، لا أدري أين أتجه لجلب خبر خطير تقرؤه الآلاف المؤلفة وتنقله المواقع الألكترونية دون عزو إن شاءت ؟ هل أهتم بجديد الساحة الرياضية وملاعبها والانتقالات الشتويةـ وذلك ما أحبه ـ ؟ أم أكتب عن أطول رجل في بنغلادش، أو أقصر أمرة في الصين؟ أو أراقب أحدث ما توصلت إليه شركات الاتصال العالمية من مغريات تسلب لب الصغار ، أو أكتب عن آخر صيحات الموضة العالمية في الأزياء والمطاعم والرفاهية؟ أو اهتم بما توصلت إليه الأبحاث العلمية مثل كبد يعمل خارج الجسم، أو قلب يعيش بعد صاحبه، أو دراسة تثبت خطورة أكل لحوم الخيول أو شرب لبن الحمير؟ أو ..أو أو….!!!
أم أحشد أكبر عدد ممكن من عمليات القتل البشعة بالأسلحة البيضاء والسوداء، والاعتداءات التي تسود العاصمة، والقضايا الشائكة التي تملأ الأفق من عطش و أرض منتزع عليها أو طلاق مختلف فيه أو طفل ضل من منزل أهله وتبنته أسرة تحمل الحقد لأبيه وخاله، أو بضاعة مسمومة تباع رخيصة في سوق العاصمة، أو سلع مهربة بطريقة غير شرعية، أو أصنف أخبار الحوادث حسب الخطورة بداية ب “ياساتر ” مرورا ب “أخبار النهارده” وختاما ب”صوت روسيا”،؟ أو أحضر أحدث عملية اغتصاب وقعت في الهند أو السند؟ أو رجل يقتل أباه أو زوجة تبيع أولادها أو فتاة تغدر بعشيقها؟ ـ وذلك ما يحبه القراء حسب نظرتي الخاطفة ـ، أم أوجه اهتمامي صوب الرئيس والرئاسة، والوزير والوزارة، والمدير والإدارة، والتعيينات والإقالات، وأبحث عن عيون من الجن والإنس تخطف ما وراء الستار، وتتكهن وتتوقع حسب التسريبات السرية والأهواء الخفية،؟ وأراقب مسار الحراك السياسي في البلد ولا أدع حزبا ولا جزء إلا وأعلنت له عن تاريخ تظاهره و أتتبع الأيام من الأول إلى يوم25 ،؟
ولكنني وبعد أيام من الحضور والمواكبة، بدأت أبصر قليلا مما يدور حولي وأخذ غشاء البراءة ينجلي عن نظرتي الضيقة ، وضباب الصفاء يختفي ويبتعد شيئا فشيئا عن منطقة الملاحظة ، وعندها انهالت علي نقاط الاستفهام الجريئة، وتساءلت يومها قائلا : أيهما الهدف وأيهما الوسيلة، السياسة أم الأخبار ؟؟ وهل الإعلام في خدمة المواطن ومآزقه ونكباته، وأرضه وأسعار بضاعته وجديد سوقه ومحروقاته، والواقع ومتغيراته، أم هي دعاية للحظ والتقرب والتزلف للحضرة الرآسية ودعما للميل والتوجه الحزبي؟ وهل للمصالح الشخصية، وتصفية الحسابات مكان هنا في صفحة الأنباء؟؟
سؤال كهذا ينبئ بادئ ذي بدئ عن سخافة صاحبه وجهله الواضح بما وراء اللثام وجهله كذلك بفرض عينه من السياسة والعلاقات الجماعية التي ترزق بغير حساب ! ، ولكن العلم وليد السؤال وأنا متعلم وطالب علم هذا الباب، وأملك حق التعبير عن ما أرى وأسمع وأشاهد يوميا، كما أنني أصبحت على اطلاع بما يحدث أثناء صناعة الخبر، وأساسياته وما ينبني عليه من مغاز لا توحي إليك بها الكلمة و لا تجلبها البلاغة ولا الفقه، ولا يضمها السياق غالبا، وإنما هي لغة ثنائية توافقية وضعية، تدركها الثلة منا وبها تدير ما تريد.
ومما أدركت كذلك أن الأخبار تخدم القارئ المتتبع والمتطلع النهم والعطش لكل جديد، كما تنتظرها العيون الخفية، وتنتقدها الألسن اللاذعة، وتراعى فيها المصالح الشخصية، والخلفيات المتعصبة، والأهواء الداكنة، وأمور يضيق عنها المقال، والهدف المنشود المعلن، أن تنجح في كتابة ما يقرؤه الآلاف ،وتحسدك عليه الأطراف ، ولا تنزعج منها الأطياف، وتخرج أنت من دائرة الخبر، سليم الجانب والصدر، لا أحد يسأل عنك ولا عن حزبك ولاعن ميلك وانتمائك،
و كما عادة الإنسان أن يألف الزمان والمكان، أصبحت مدمنا على ما كنت أخافه ويعجزني، ولم أعد أريد أن يكون هذا خبر أغنى عن الخبر.
إنها تجربة شخصية فتية ، لا تستهدف أبعادا جماعية، و لا خصوصية فردية، ولا تثار لخدمة واقع ، ولكنها عبارات ضاق بها اللسان وملها الفكر فرمى بها صوب الآخر لعله يقاسمه الحمل، و يعي ما تراه العيون وتسمعه الآذان وتخفيه عن السمع، وتحجبه عن اللفظ والكلام …. !!! .
ولا يمكنني أن أغادر هذه الورقة قبل أن أسدي جل شكري لأخي وزميلي أحمد سالم ولد يسلم الذي جعلني أملك القدرة على البقاء وحيدا، وجعلني كذلك أحظى بثقة الآخرين، وأجلس هنا على مرأى ومسمعا من العالم،
بقلم :ديدي أحمد سالم