أعلن يوم الأربعاء الماضي في العاصمة نواكشوط خبر انتقال السيد أحمد سالم بن دمين بن محنض باب بن بون بن سكم بن محمذن بن أعمر إلى الرفيق الأعلى فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولد الفقيد أحمد سالم سنة 1940 في انيفرار ، وقد حرصت والدته الحصان الرزان غمبوج بنت محمذن بن محمد بن أحمد سالم على تنشئته كما يتربى أنظاره في محيطه، فدرس في بئر المساجد وتخرج من مجالس أهل انيفرار فقيها نوازليا لا يشق له غبار.
كان الفغ أحمد سالم تلميذا نجيبا عالي الهمة يكتب سبعة ألواح ويحفظها، وكان يقسم برنامجه اليومي بين الدرس والمراجعة والمطالعة والتحصيل، فكان يدرس وقت الضحى الفقه على الشيخ العالم محمذن باب بن داداه، فيعب من معينه ويستنير بفهمه للعويص واطلاعه الواسع على الفقه المالكي، ويدرس المنطق وقت الزوال على يد الشيخ العالم سيد محمد بن النجيب، أما المساء فيزور فيه حضرة القاضي أحمد سالم بن سيد محمد حيث تدرس علوم اللغة العربية وأشعار العرب حتى ير الحاضرون النار تضطرم.
كان الفغ أحمد سالم قارئا نهما، وأبدى في مقتبل عمره اهتماما شديدا بمطالعة الكتب واستنساخ المخطوطات، فطالع جميع الكتب الفقهية الموجودة في الحي، وتخصص في فقه النوازل فبرع فيه بشهادة الشيوخ، وبعد ذهابه عن الحي بزغ نجمه كعالم متخصص في صناعة الفقه فكان المتخاصمون يسلكون إلى بيته طرائق قددا، فيتعقب أحكام القضاة، ويصحح فتاوي المفتين، ويدرس الجاهل وينير له طريقه لكي لا يهبط حقه.
تعلق الفغ أحمد سالم بشيخه عبدالفتاح بن الشيخ أحمد الفاضل، فزكى نفسه، وحصل له على يديه فتح عظيم، وقد أسر إلي ببعض تلك المواهب اللدنية التي من الله عليه بها في فترة حرجة من عمره، وكيف رباه شيخه ورعاه حتى تجاوز تلك الأحوال.
كان الفغ أحمد سالم رجلا متواضعا حسن الخلق مسالما مقبلا على شأنه، لا يتميز عن الناس بشيء، يسير في الشارع دون عمامة أو هيدورة أو سبحة، ولن يلاحظ تبحره أو تميزه إلا من زاره مستفتيا أو طالبا للعلم، فيفتح صناديق الكتب، ويخرج منه كنوزا نادرة يحفظها عن ظهر قلب ويستنار فيه، ومن الكتب التي دائما أسمعه يشيد بها مدونة سحنون، ونوازل أبي العباس أحمد المازوني وتعجبه اجتهاداته، ومعيار أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي وكان يقول لي إن فتاوي أهل المغرب والأندلس وأفريقية التي جمعها المعيار مهمة للقاضي والمفتي لأنها تشبه القضايا التي عندنا.
كما يبدي الفغ أحمد سالم دائما إعجابه بكتاب الذخيرة ولديه منه مخطوط نادر ويقول إن القرافي جمع بين الفقه والأصول وأن الذخيرة ذخيرة، كما كان يوصيني بمطالعة كتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد ويقول لي إنه عالم شديد العارضة وقد تجلى ذلك في معالجته للقضايا والنوازل التي ظهرت في زمانه.
كان الفغ أحمد سالم مكتبة تسير على قدمين، فاهما للعويص، قوي الشخصية، وكان معجبا بالقاضي أحمد سالم بن سيد محمد وبسعة علمه وذكائه، أما الشعر فكان يطربه منه بحر الكامل، ويفضله على جميع البحور الخليلية، وقد أتحفني بمرثيتين له في هذا البحر كتب إحداهما في صديقه العالم محمدن بن فال، والأخرى في الشيخة القارئة البركة خديجة بنت التاه بن ابباب رحمها الله.
وقد طلب مني ذات يوم، أن أسمعه آخر ما قلته من الشعر، فأعرضت عن ذلك ولكنه ألح علي، فأنشدته نماذج منه فطرب لها وبدأ في هز رأسه، وقال لي هل تعلم أن شعرك فيه طعمة شعر أخوالك أهل ابباب فقد كان أهل انيفرار يطلقون على شعرهم المرقص، ويدخل هذا ضمن دائرة التحفيز وتشجيع الكبار للصغار أما ذي سويري فأنا أعرف حقيقته.
كان مجلس الفغ أحمد سالم يلهي حت ويجمع فيه من كل فن بطرف، فيحدثك عن فترة ازدهار الحي وكيفية تكوين المكتبة العامة، فكان يعرف عن ظهر قلب معلومات عن كل كتاب مثل مالكه، ومتى جلبه للحي، وهل أجزاؤه مكتملة. ثم ينتقل بين الطرف الإكيدية ومجالس العلماء وروغهم ويدرسك بمذاكرة أقوالهم والحديث عن حالهم.
زرته في العطلة الصيفية وقضيت معه يوما حافلا، ففتح الكتب، وأخرج الكنانيش، وناقشت معه العديد من المسائل المستجدة في هذا العصر فوجدته فاهما قادرا على إسقاط كبرى الشكل على صغرى الشكل،
سألته عن تقدمه في مشروع يعمل عليه منذ عقود وهو شرح مختصر ابن الحاجب، فأخبرني أنه قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال وأن تبييضه بلغ مرحلة متقدمة، وأردف قائلا لازمته الشهيرة الواعر ماهو شرح اخليل الواعر شرح ابن الحاجب.
كان يوما جميلا مفيدا يذم له يوم الضليل في دارة جلجل، ويوم المهلهل في الشعثمين، ويوم ول احمدو التونكلي مع إلفه حورية.
أصيب فقيد العلم بوعكة صحية، وأسلم روحه إلى بارئها، وقد أم جموع المصلين عليه العالم والمهندس عبدالرحيم بن أحمد سالم بن سيد محمد، وووري جثمانه الثرى في مقبرة المذرذرة، حلت بضريحه شآبيب الرحمة الهمل.
انتهز هذه السانحة لأقدم تعازي القلبية الصادقة إلى عموم أهل انيفرار وأبناء باركلل واليعقوبيين وأخص بالتعزية أسر أهل أحمد سالم بن دمين، وأهل بباه بن اميه، وأهل أحمد بن محنض، وأهل الأمير بن عبد الرحمن، كما أخص أخوي محمدن وأحمد بتعزية خاصة سائلا المولى عز وجل أن يجعلهما خير خلف لخير سلف ولن ينحل الثور في سجلهما بإذن الله، كما أعزي أختي العزيزتين عيشة وامتو سائلا المولى عز وجل لهما طول العمر والصحة والعافية وقرة العين، ولا نقول إلا ما يرضي الله والله لا امشات عن بركتو.