تعرفت على الشيخ سيد امحمد بن امحمد لحوار بن آدبّ خريف 2012 في قرية البقيع التي تبعد بضع كيلومترات إلى الشرق عن مدينة مكطع لحجار، بهرني الشيخ بعلمه وفهمه وحفظه وسعة اطلاعه، فقررت أن أمضي إلى جنبه المدة التي خصصها لزيارة إخوته في البقيع.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم * مثل النجوم التي يسرى بها السارى
بعد لقاء البقيع، تواصلت اللقاءات في ليردي ومكطع لحجار وانواكشوط، كان الشيخ كهمك منه، فإذا حاورته في علم الخليل وسيبويه، وجدته معينا لا ينضب، يتحفك بنوادر الأعراب دون الإيحاش والإغراب، ثم يروى من حفظه محاضرات طويلة للشيخ عدود أو بداه أو لغيرهما من العلماء المحاضرين، فقد أولع في صغره باقتناء أشرطة المحاضرات وصار يحفظها عن ظهر قلب.
أما إذا خيض في علم الأصبحي فهو جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، فيتحف الجلساء بمشهور المذهب معتمدا في الغالب على نصوص شراح الشيخ خليل. كل ذلك يتم في جو مرح لا كدر فيه ولا تكلف فالرجل آتاه الله أخلاقا حميدة جذب بها القلوب عنوة فلا يكاد يخلو مجلسه من عشرات الأشخاص، قدموا إليه طمعا في ماله وعلمه وصلاحه فيتحف كلا منهم بما يريد مع الإكرام والتقدير.
أما أدب الزمان وأنساب القبائل وأيامها ومشاهيرها، فهي مجاله ومجر عواليه ، ثم يختم المجلس عادة ببعض الطرف والنوادر وقد يفضل حكاية بعض أمات لبتيت مشفوعة بالسياق الذي قيلت فيه، ثم يعلق عليها شارحا وناقدا دون مجاملة أو تحيز جهوي بل يحكم ذوقه في النصوص الأدبية.
وفي ما يتعلق بعلوم القوم -وما أدريك ما علوم القوم-، فالشيخ سيد امحمد حاز ما حاز منها وهو في سن الشباب، حيث بدت عليه علامات الصلاح والبركة وهو لا يزال يافعا، فحدث عن صلاحه وبركته ولا حرج؛ فكم عالج من ذي عاهة مستعصية من ذوى الاحتياجات الخاصة، عن طريق الرقية الشرعية، فيده شافية لا يمررها على ذي وصب إلا شفاه الله، وريقه كريق سحنون، ويروى عنه مريدوه وأتباعه من الخوارق والكرامات العجب العجاب، ولا غرو في ذلك فالشيخ سليل محمد لحوار وحفيد الصالح حمّ، وقد سرى إليه من سرهما ما جعله من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين.
وبمفقده تفقد موريتانيا عموما وولايات لبراكنة وتكانت والحوض الغربي أحد فتيانها البارزين المجلين في حلبة العلم والصلاح والفتوة فكأن المتنبي عناه بقوله:
كتب الأنام لنا فكان قصيدة * كنت الأديب الفرد من أبياتها
أعزى –في هذا المصاب الجلل- أخي الدكتور أدى بن آدبّ في الدوحة ، كما أعزى من خلاله كافة أهلنا في البقيع و التاشوط وليردي و تمبدغة، سائلا المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته ويخلفه في أهله وذويه إنه سميع مجيب. إنا لله وإنا إليه راجعون .
يعقوب بن عبدالله بن أبن