الدكتور محمد عابد الجابرى رابع ثلاثة هم الدكاترة حسن حفنى وحسين مروه وطيب تيزينى كرسوا معظم جهدهم الفكري للبحث في التراث العربي الإسلامي.
وهو حامل مشروع فكري جديد يغاير و يمايز رؤية ومنهاجا ما سبقه أو زامنه من عربي مشاريع الفكر.. ولعل تفرد الجابرى وتميزه عن سائر الباحثين في حقل التراث المعرفي متأت من حرصه على التحلى بالموضوعية الفكرية حرصا دؤوبا قل أن يتوفر في سواه.
والدكتور الجابرى معروف لدى تلامذة الأقسام النهائية في ثانوياتنا الوطنية من خلال اسهاماته الثرة في كتاب “دروس في الفلسفة” المقرر في برنامج الباكلوريا الموريتانية وهو كذلك معروف لدى جل مثقفينا من خلال آثاره:
” العصبية والدولة” و ” من أجل رؤية تقدمية لبعض مشاكلنا التربوية والفكرية” و ” أزمة التعليم في المغرب” وخاصة من خلال كتبه الثلاثة الأخيرة ” نحن و التراث” ” الخطاب العربي المعاصر ” نقد العقل العربي الذى صدر جزؤه الأول ” تكوين العقل العربي” في أواخر السنة الماضية وينتظر صدور جزئه الأخير ” بنية العقل العربي” في أواخر السنة الجارية.الدكتور محمد عابد الجابرى رابع ثلاثة هم الدكاترة حسن حفنى وحسين مروه وطيب تيزينى كرسوا معظم جهدهم الفكري للبحث في التراث العربي الإسلامي.
وهو حامل مشروع فكري جديد يغاير و يمايز رؤية ومنهاجا ما سبقه أو زامنه من عربي مشاريع الفكر.. ولعل تفرد الجابرى وتميزه عن سائر الباحثين في حقل التراث المعرفي متأت من حرصه على التحلى بالموضوعية الفكرية حرصا دؤوبا قل أن يتوفر في سواه.
وقد وظف في سبيل إدراك موضوعيته المتمنعة المستعصية استيعابه العميق للثقافة العربية الاسلامية العالمية، وتحكمه الكبير فيما أنتجته العلوم الانسانية الحديثة من طرائق في البحث مستخدما ما أحدثه من قطيعة منهجية واعية مع موروث الفكر العربي ترسانة تقيه عوادي اختلاط الذات الدارسة بالموضوع المدروس..
والدكتور الجابرى معروف لدى تلامذة الأقسام النهائية في ثانوياتنا الوطنية من خلال اسهاماته الثرة في كتاب “دروس في الفلسفة” المقرر في برنامج الباكلوريا الموريتانية وهو كذلك معروف لدى جل مثقفينا من خلال آثاره:
” العصبية والدولة” و ” من أجل رؤية تقدمية لبعض مشاكلنا التربوية والفكرية” و ” أزمة التعليم في المغرب” وخاصة من خلال كتبه الثلاثة الأخيرة ” نحن و التراث” ” الخطاب العربي المعاصر ” نقد العقل العربي الذى صدر جزؤه الأول ” تكوين العقل العربي” في أواخر السنة الماضية وينتظر صدور جزئه الأخير ” بنية العقل العربي” في أواخر السنة الجارية.
ومن خلال الكتب الثلاثة الأخيرة بدا الأستاذ الجابرى يبسط هيمنته الابستمولوجية على الساحة الفكرية العربية حتى أنه كاد يصبح سلطة مرجعية تفرض نفسها على كل باحث في مختلف فروع الحضارة العربية الاسلامية.
ولكن ما هي مقومات مشروع الجابري الفكري وما هو موقفه من الإرث العقلي العربي و إلى أي حد يطابق تشخيصه الفكري واقعنا الثقافي المعاصر؟ و إلى أي مدى وفق في تقديم بديله؟
يتهم أستاذ الفلسفة المغربي الفكر العربي المعاصر بأنه فكر لا يطابق واقعه أي لا يفهمه فهما سببيا و من ثم تأتت لا معقوليته، وقوام هذه التهمة أن إنتاج العرب الفكري من عصر النهضة إلى اليوم هو إما إنتاج وضعية مضت او إنتاج وضعية لم نعشها بعد . بعبارة أخرى الفكر العربي الراهن منقول إلى العرب المعاصرين أما من ماضيهم أو من ماضى الغرب وحاضره وهو في كلتا الحالتين لا يطابق واقعهم الحالى المعيش.
و انطلاقا من هذه التهمة يحدد الجابرى مكمن الداء في العقل العربي ويرى أن مراجعة العقل العربي بناء و آليات هو السبيل الأوحد إلى الخلاص من دوامة الاجترار والتكرار التى ينحبس الفكر العربي الراهن برمته في دائرتها الضيقة المنغلقة العقيمة.
ويقوده تشخيصه للعقل العربي عبر ما أنتجه من فكر على مر التاريخ إلى تبنى ثلاثة أنظمة معرفية متمايزة المناهج متباينة الرؤى تتقاسم في نظره حسب نسب متفاوتة الثقافة العربية الاسلامية منذ تأسيسها إلى اليوم وهذه الأنظمة المعرفية هي النظام البياني و النظام البرهاني والنظام العرفاني.
ويرى الجابرى أن حركة تدوين العلوم العربية الاسلامية في قرون الهجرة الأولى كرست النظام البياني باعتمادها اياه وسيلة أساسية لإنتاج المعرفة مقلصة من ثم دور النظامين البرهاني والعرفاني ولذلك غدت السمة البيانية هي الطابع المميز للعقل العربي من عصر التدوين إلى راهن الوقت.
و أهم ما يميز العقل البياني حسب تحديد الجابري له هو اعتماده من حيث المنهج على مبدأين هما ثنائية اللفظ والمعنى وقياس الفرع لأصل دون إعارة أدنى اعتبار للواقع وشروطه الموضوعية.
فالعقل البياني إذن عاجز بطبيعته عن تشخيص واقعه نظرا لقفزه عليه و لعدم منطقيته و لا معقوليته.
ولهذا يدعو الجابرى إلى قطيعة ابستمولجية مع الارث العقلي العربي و يسعى سعيا دؤوبا متجددا إلى تجاوز ما أنتجه الفكر العربي الراهن من قراءات.
فمشروعه الفكري المؤسس على العقلانية يتلخص إذن في محاولة تأسيس انطلاقة فكرية عربية جديدة على أساس نقد منهجي للفكر و أدواته.
و ما دام الأستاذ الجابرى يصف مشروعه الفكري بالانفتاح القابل للتحاور المرحب بالنقد فلا باس بأن نبدي بشأنه جملة من الملاحظات.
و أول ما نسجله مع الاعتراف المسبق بهاجس الشمول و التعمق الذى يطبع المشروع الجابري إننا لا نوافق صاحب ” نقد العقل العربي على ما ذهب اليه ضمنيا – و إن كان سكوته الصريح عنه سكوتا واعيا- من أن النص القرآني الذي انطلقت منه كل العلوم العربية الاسلامية من فقه ولغة و كلام وغيرها نص لا يقبل إلا القراءة البيانية وحدها.
ذلك أننا نعتقد بوعي و إدراك أن القرآن العظيم نص قابل لقراءات الجابرى الثلاث و ربما لغيرها من القراءات أيضا، فهو قابل للقراءة البرهانية بدليل ما يزخر به من الآيات الداعية إلى التعقل والتبصر و التفكر وهو قابل كذلك للقراءة العرفانية بحجة ما يحتويه من ءايات كثر تدعو إلى الايمان بالغيب المؤسس على الفطرة والذوق.
و إنه لمن الشطط التاويلى الزعم بأحقية أو تاريخية استبداد إحدى هذه القراءات الثلاث على الآخرين بل من المنصف أن نعتبر هذه القراءات متكاملة متلاحمة لكل منها حقلها المعرفي الخاص بها.
ونحن إذ ننوه بموقف الجابرى من مناهج البحث الغربية الحديثة التى يرى أنه يجب على الدارس أن يتخذها أدوات للبحث لا آليات للتفكير فإننا نلمس في أنفسنا نوازع إلى الشك في مدى افلاح الجابرى في التقيد بهذا الموقف في كتاباته.
ذلك أن مفاهيم الأنظمة المعرفية والقطيعة الابستمولجية التى اعتمدها الجابرى أدوات للبحث مستقاة كلها من الجهاز المفهومي الذى صاغه الفيلسوف الفرنسي المعاصرميشيل فوكو.
و لا يسعنا في الأخير إلا أن نقول إن انفتاح المشروع الجابرى وقبوله للتحاور أمران كفيلان إذا لقيا تجاوبا فكريا جادا وعميقا أن يضمنا تحسين المشروع وتحسنه فاستمراريته وتواصله.
مصدر المقال : أرشيف الوكالة الموريتانية للأنباء
جريدة الشعب الصادرة يوم الإثنين 29 شعبان 1405 الصفحة الأخيرة
شكرا لموقع انيفرار على “هذه الحفرية الجديدة” على طريقة ميشل فوكو، وشكرا لأستاذنا المتميز محمذن باب على ما خطت أنامله في أوساط الثمانينات، ودام لنا عطاؤه وتألفه، ورحم الله الجابري، فقد كان يكتب دوما “ليت لنا عقلانية ابن رشد، ونقدية الشاطبي، وتاريخانية ابن خلدون، وشيئا من ظاهرية ابن حزم”
شكرا لموقع انيفرار على “هذه الحفرية الجديدة” على طريقة ميشل فوكو، وشكرا لأستاذنا المتميز محمذن باب على ما خطت أنامله في أوساط الثمانينات، ودام لنا عطاؤه وتألفه، ورحم الله الجابري، فقد كان يكتب دوما “ليت لنا عقلانية ابن رشد، ونقدية الشاطبي، وتاريخانية ابن خلدون، وشيء من ظاهرية ابن حزم”
يكثر الحديث عن الجابري في بعض الأوساط !! وهو الذي تقول عنه إحدى الباحثات : بعد هذا الشوط الطويل الذي قطعناه في عرض وتلخيص وتحليل ونقد ومناقشة فكر وفلسفة الدكتور محمد عابد الجابري الاسلامي والمعاصر لايسعنا القول الا ان البحث قد قادنا الى غير ما كنا نتوقع الخوض فيه والانتهاء اليه، اذ بدأنا بحثنا بطرح فكر لمفكر معاصر بعينه، وانتهينا الى مناقشة موضوعات وابواب عديد اسلامية ومعاصرة وقد اجبرنا انفسنا على التوقف عن الحوار في بعض الامور خشية الاطالة في الطرح.
وسنحاول ان نلم في هذه الوريقات ابرز ما توصلنا اليه من نتائج وافكار من خلال مناقشتنا ودراستنا لفكر الجابري.
لقد توزع مجهود الجابري ضمن ثلاثة مجالات متداخلة متكاملة فيما بينها: وهي جانب الشكل او المنهجية والمفاهيم والثاني جانب الفكر العربي الاسلامي والثالث الفكر العربي المعاصر.
وقد ارتبط الجانب الاول بالشكل او الاطار واقتبس فيه الجابري من الغرب مجال البحث الايبستيمولوجي والمنهج البنيوي والتفكيكي بالاضافة الى اعتماد المفاهيم والمصطلحات المعاصرة في مجال الدراسات الانسانية والعمل على توظيفها في دراسته للتراث الاسلامي والفكر المعاصر وقد نجح الباحث في هذا الجانب نجاحاً كبيراً.
والجانب الثاني وهو مجال الدراسات الاسلامية تناول فيه الباحث الفكر العربي من جوانب عديدة في مجال المعرفة والوجود والاخلاق والسياسة. وقد قسم الجابري الفكر العربي الاسلامي الى ثلاثة اقسام وفق طبيعة الآلية التي اعتمدها هذا الفكر في تحصيل المعرفة ونقد هذه الادوات، فعلى صعيد البيان وهو الحقل الاول للمعرفة الاسلامية الذي تضمن الفقه وعلم الكلام وعلوم اللغة العربية ويقوم على آلية الاستدلال او القياس (قياس الغائب على الشاهد) التي نقدها الجابري ثم رفضها. وتوصل الى ان هنالك ثلاثة مباديء تحكم العقل البياني العربي وهي مبدأ الانفصال ومبدأ التجويز والمقاربة.
وقد توصلنا من خلال مناقشة الباحث الى ان هذه المباديء لاترقى الى مستوى آلية شاملة تحكم العقل البياني العربي كما ان الباحث قد عمد الى التغاضي عن بعض الحقائق واستنطاق النصوص من اجل ان ينتهي الى فرض هذه المباديء الثلاث كقانون عام وشامل للعقل البياني العربي وهي مبدأ الانفصال ومبدأ التجويز والمقاربة.
وقد توصلنا من خلال مناقشة الباحث الى ان هذه المباديء لاترقى الى مستوى آلية شاملة تحكم العقل البياني العربي كما ان الباحث قد عمد الى التغاضي عن بعض الحقائق واستنطاق النصوص من اجل ان ينتهي الى فرض هذه المباديء الثلاث كقانون عام وشامل للعقل البياني العربي.
… !!!