جمع سيدي المختار ولد يحيى انجاي في شخصيته صفاتٍ ميزته عن غيره من معاصريه: فهو منحدر من منطقة النهر من أسرة ولفية عريقة عرفت بالفضل والاستقامة والتدين بمنطقة “جاما” (Diama)، وامتدت علاقاتها لتشمل مناطق واسعة في شمامه على الضفتين اليمنى الموريتانية واليسرى السنغالية, وقد اشتهر والده يحيى انجاي، الذي عمل مترجما أيام الاستعمار الفرنسي لبلادنا، بعلاقاته الواسعة وتواصله المتعدد مع جهات موريتانية مختلفة فقد عمل ترجمانا في أطار وفي امبود وفي كيفه وفي المذرذرة وفي تجكجة، وارتبط بزيجات هنا وهناك وهنالك جعلت ذرية يحيى انجاي ذاتَ خؤولات من مختلف ولايات موريتانيا.
جمع سيدي المختار ولد يحيى انجاي في شخصيته صفاتٍ ميزته عن غيره من معاصريه: فهو منحدر من منطقة النهر من أسرة ولفية عريقة عرفت بالفضل والاستقامة والتدين بمنطقة “جاما” (Diama)، وامتدت علاقاتها لتشمل مناطق واسعة في شمامه على الضفتين اليمنى الموريتانية واليسرى السنغالية, وقد اشتهر والده يحيى انجاي، الذي عمل مترجما أيام الاستعمار الفرنسي لبلادنا، بعلاقاته الواسعة وتواصله المتعدد مع جهات موريتانية مختلفة فقد عمل ترجمانا في أطار وفي امبود وفي كيفه وفي المذرذرة وفي تجكجة، وارتبط بزيجات هنا وهناك وهنالك جعلت ذرية يحيى انجاي ذاتَ خؤولات من مختلف ولايات موريتانيا.
ولد سيدي المختار ولد يحيى انجاي في أطار سنة 1916 لأمه سكينة بنت أحمد بابا بن سيدي امبارك بن الخرشي وبيتها من بيوت الزعامات في أولاد عزوز من أولاد بالسباع، وجدته من الأم فاطمة العزيزة بنت منصور الدليمية وفي أسرة أهل منصور رئاسة الوديكات (من أولاد الرميثية من أولاد دليم). ولم تقتصر علاقات سيدي المختار بشمال موريتانيا على هذه الخؤولات التي ربطته بمجموعات نافذة وعوائل كريمة بل تزوج بفاطمه بنت همدي ولد محمود السيد الشهير والوجيه الكبير والشخصية الأطارية المعروفة، والتي أمها السالكة بنت ابدبَّه رحمهما الله، فجمع بتلك المصاهرة مع هذه الأسرة الكريمة إلى تلك الخؤولات علاقة وطيدة بآدرار وإينشيري وتيرس.
أكمل سيدي المختار دراسته في مدرسة أبناء الشيوخ والمترجمين بسينلوي بالسنغال وتخرج منها مترجما، فعمل فترة طويلة بكيفه بالعصابة كما عمل في المذرذرة بالترارزة وبأكجوجت بإينشيري فتوطدت صلاته بساكنة العصابة وامتدت علاقاته الحميمة لتشمل مجموعات حوضية عديدة، كما تعززت صلاته بالعديد من شخصيات ومجموعات الترارزة، وبين يدي العديد من مراسلات سيدي المختار مع هذه المجموعات وسأستعرض بعضها في نهاية المقال.
السياسية الموريتانية.. سيدي المختار رجل التوافق
انضم سيدي المختار ولد يحيى انجاي إلى الاتحاد التقدمي الموريتاني (UPM) المتأسس سنة 1947، والذي جمع في عضويته غالبية الزعماء التقليديين وشيوخ القبائل ومسؤولي الإدارة الفرنسية، وقد أشرفت الإدارة الفرنسية على تأسيسه لمواجهة الزعيم أحمدو ولد حرمة ولد ببانه النائب البرلماني وممثل موريتانيا في الجمعية الوطنية الفرنسية الذي كان قد أنشأ حزبه حزب الوئام (Parti de l’Entente).
فاز سيدي المختار على خصمه السياسي ولد حرمه مرتين، وكان قد تم في 17 حزيران 1951 في مؤتمر كيفه الشهير ترشيحه لمقعد نائب موريتانيا في الجمعية الوطنية الفرنسية حيث كان محط اتفاق جميع جهات موريتانيا التي كانت ممثلة في ذلك المؤتمر. وقد أعيد انتخاب مرة ثانية في يناير 1956.
ليس من المصادفة أن كانت الشعبية الضاربة لسيدي المختار، الولفي المنحدر من منطقة الضفة، تتركز أساسا في قبائل البيظان ومن الوجهاء في العصابة وآدرار والترارزة والحوض والساحل والبراكنة، بل إن اختياره لخوض الانتخابات ضد ولد حرمه كان من مدينة كيفه قلب موريتانيا حيث أجمعت زعامات موريتانيا التقليدية على أن يكون ولد يحيى انجاي ممثلها والناطق باسمها في البرلمان الفرنسي. وفي نفس الوقت كانت الكثرة الكاثرة من شعبية ولد حرمه من سكان الضفة حيث انضوت تحت لوائه المجموعات الزنجية القاطنة بجنوب البلاد. وبعبارة أوضح كان ولد حرمة “البيظاني” مرشح أغلبية “لكور”، في حين كان ولد يحيى انجاي “الكوري” مرشح أغلبية البيظان. ولعلي لا أبتعد عن الحقيقة إذا كررت مع الباحث والكاتب المتميز محمد ولد عبد الرحمن ولد امين حين قال متحدثا عن هذه اللحظة التاريخية: “لقد كان الناس ساعتها اكثر سماحة وتقبلا لفكرة الامتزاج العرقي منهم الآن والأكثر غرابة في هذه البلاد ن الامتزاج العرقي والانصهار الثقافي حتمي وبديهي”.
الجمهوريتان الفرنسيتان الرابعة والخامسة.. وصراع المفاهيم في موريتانيا
تعرف سيدي المختار، وهو نائب بالجمعية الوطنية بباريس على الطالب المختار ولد داداه، رئيس موريتانيا فيما بعد، وقد تحدث المختار كثيرا عن تلك العلاقة التي انتسجت بينه وبين صديقه سيدي المختار في مذكراته. وقد بلغت الحميمية بين الرجلين أن المختار لا يطلق على سيدي المختار في مذكراته غير لقب الصداقة والحميمية “سيدال” (Sidel).
لن تأتيَ سنة 1961 (سنة واحدة بعد الاستقلال) حتى يبعِدَ الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه رفيق دربه السياسي سيدي المختار ولد يحيى انجاي في موقف تحدث عنه الكثير من الموريتانيين بنوع من المرارة، ورأوا أن المختار رحمه الله كان قاسيا مع سيدي المختار أو “سِيدَلْ”. والظاهر أن الخلاف بين الرجلين لم يكن خلافا شخصيا، فقد كان المختار –في نظري- يحب أصدقاءه ويحترمهم ويقدرهم بما فيهم سيدي المختار، ولم يكن خلافهما حول المنافع كذلك، بل كان خلافا سياسيا محضا حول طريقة الحكم والمفهوم الذي ينبغي أن تتأسس عليه تلك الطريقة.
كان سيدي المختار قد تقلد مأموريتين في البرلمان الفرنسي ممثلا لموريتانيا وقضى ثماني سنوات تحت قبة قصر بوربون (Palais Bourbon) مقر الجمعية الوطنية الفرنسية، وعايش الجمهورية الفرنسية الرابعة وتشبع بفلسفتها في الحكم ونظرتها لتسيير الشأن العام، ومعلوم أن الحكومة الفرنسية الرابعة هيمنت على الشأن السياسي الفرنسي العام ما بين 1946 إلى 1958، تحت الدستور الجمهوري الرابع. كان النظام السياسي حسب رؤية الجمهورية الرابعة نظاما برلمانيا صرفا فلم تكن لرئيس الجمهورية الفرنسية صلاحيات حقيقية تمكنه من قيادة الدولة، فالدولة برلمانية.
أما الرئيس ولد داداه فكان من دعاة النظام الرئاسي الذي يجد تطبيقه الصارم في الجمهورية الخامسة، حيث وقف الجنرال ديغول بحزم وراء تغيير دستور الجمهورية الرابعة ليصبح للرئيس سلطات واسعة ويتراجع نفوذ البرلمان. وبغض النظر عن أي الفريقين أشد وطئا واقوم قيلا، فذلك نقاش بين فقهاء الدساتير لا يعنينا هنا، بل ما يهمنا أن سيدي المختار كان يرى ضرورة إعطاء البرلمان سلطات واسعة وتشجيع الحياة الحزبية وتمكين جميع الأصوات من التعبير، في حين يميل ولد داداه إلى جعل الحل والعقد بيد الرئيس وتقليص دور غيره من السلطات خصوصا السلطة التشريعية وتوحيد جميع الأحزاب في حزب واحد يعمل تحت نظر الرئيس ووفق توجيهاته. وكان لا بد أن يحسم الأمر لصالح طرف من الأطراف فأقصي سيدي المختار وبذلك ودعت الدولة الموريتانية أحد أبرز دعاة التعددية وأنصار الحزبية.
وقد ظل سيدي المختار وفيا لمبادئه ثابتا على موقفه السياسي فحين دخل نظام الرئيس ولد داداه في حوار مع حركة الكادحين في بداية سبعينات القرن الماضي دعا ولد داداه صديقه السابق سيدي المختار واستشاره عن رأيه حول ما ينبغي أن يكون عليه الحوار مع الكادحين؟ فأشار عليه سيدي المختار بأن يشرع للكادحين حزبا سياسيا جديدا، لأن سماع أي نظام لصوت مخالف خير له من احتواء أصوات كثيرة. لكن الرئيس المختار، ظل وفيا لقناعاته وأعرض عن رأي “سيديل”.
وقد توفي سيدي المختار ولد يحيى انجاي عن واحد وثمانين عاما وذلك في 25 يناير 1997 رحمه الله رحمة واسعة.
وثائق ولد يحيى انجاي.. علاقات مع مختلف مناطق موريتانيا
بين يدي بعض وثائق سيدي المختار ولد يحيى انجاي ومراسلاته الخاصة تعكس صلاته بمناطق موريتانيا كلها وسأكتفي بوثيقتين اثنتين وثيقة عن الحوض وأخرى عن الترارزة:
الوثيقة الحوضية عبارة عن رسالة من محمد محمود ولد بوعسريه إلى سيدي المختار ولد يحيى انجاي، وتتحدث الوثيقة المكتوبة بالفرنسية عن الحالة السياسية في مقاطعة تامشكط، والتوازنات السياسية بالمنطقة التي يبدو أن ولد يحيى انجاي زعيم حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني كان معنيا بها.
أما الرسالة الثانية فهي عبارة عن محضر اجتماع بعثته قبيلتا تندغة والمدلش إلى ولد يحيى انجاي وكانت حمى الانتخابات حينها مسيطرة على موريتانيا وكانت كل جماعة تنتخب مستشارا عنها. وهذا نص هذا المحضر المفيد:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم. أما بعد فسلام أسنى وتحية حسنى، سلام تحسد العيونَ الأنوفُ إذا فاحْ، وينعكس الأمر منه إذا لاحْ، سلام كنشر الروض غِبَّ سحابهْ..إلخ. من جماعة تندغَه والمدلش إلى السيد السديدْ، وقاهُ الله شرَّ القريبِ والبعيدْ: سيدي المختار بن يحيى انجاي. موجبه أن تسعى لهم في نجاح ما انتخبوه لأنفسهم في شأن “كونْصَيْ”؛ فإنهم انتخبوا أحمد بن عبد الله. ومن الجمهور المذكور: من تندغه المثلوثة: محمدن بن أبي بكر وأحمد بن مينوك ومحمدن بن اليدالي. وأهل أعمر أگدِبيجَه بأمر من: أبي بن الزائد نائبا عن أهل عبد الله، وبأمر من اگليگمْ نائبا عن غير أهل عبد الله من أعمر أگدبيجَه ومن معهم. ومحمدن بن حمديْت نائبا عن أهل أگدَ يحيى. ومحمد بن مني نائبا عن المختار من أهل بوحبيني. وآدَّه بن محمد نائبا عن أهل عباس. ومحمد عبد الله بن احميد بن باهي من أهل محمذن بن بوحبيني، ومحمد بن خنا من أهل انگرانْ، واطفيل بن جيجي من أهل مختار الله من أهل بوحبيني. وحبيب بن لولي واباه بن المصطف من إدميجنْ، وعبد الله بن بليل من أهل عبيد أگد المصطف. والإمام بن الشريف ومحمد الأمين بن حوم الله من المدلش.
محمد بن أبي بكر لقط شروط الشح في الرخاء.
(توقيعات جميع المذكورين في المحضر)
سيدي المختار ولد يحيى انجاي وادب السياسة
كان همام رحمه الله تعالى يلقب ولد انجاي بـ”ولد الخالَه” فكلاهما أخواله أولاد بالسباع. وكان همام ذا حضور قوي في السياسة الموريتانية في خمسينات القرن الماضي وذا علاقات واسعة بمركز النفوذ في جميع ولايات موريتانيا. وفي هذه الطلعة يذكر همام جوانب من التجاذبات السياسية التي عرفها حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني (UPM) خمسينات القرن الماضي:
[| [(سليمانْ وبونَه مختار۞ والمختارْ وسيد المُختار
وأحمدْ سالم وامير أطار۞ ذاك اشِّي غلبُو يتوالَه
سليمان اتركْ شَدْ اخبارْ ۞ الزرگ مع ولد الخالَه
ءُ ولْ الخالَه كاصرْ الاظفارْ ۞ من سليمان ابذيكْ الحالَه
واحمد للداهْ إنا لله ۞ الحگنَ في اليم اعجالَه
ذاك اليم أخبر فيه الله ۞ تبارك وتعالى )] |]
ويقول اعلي ولد لبيظْ رحمه الله معلقا على نتائج انتخابات 17 يونيو 1951:
[| [(آنَ هاذَ جَيتَ مْنَ أطَارْ ۞ يَالاَحْزَاب ءُ عَندِي لَخْبارْ
مَتْعَدَّلْ عندِ الاخْتِصَارْ ۞ افْيَمَّ رْوَايَتْ دَبِّتَاتْ
بِيَّ حَرْمَ كَنَّ فَنْهَارْ ۞ احْمَرْ ظَلَّتْ فِيهَ الوَتَاتْ
تَلْعَبْلُ لَعْبِيدُ لَحْرَارْ ۞ فِيهَ خْلاتَ الدَّنْيَ وَذْرَاتْ
الّا تَمَّيْنَ لَصْفِرَارْ ۞ إِلَيْنَ ابْگ هاذ سَربَاتْ
گالُو كَنَّ مَاهَ اعْلَ عَارْ ۞ سِيدِ الْمَخْتَارَ افْذُو جِّهَاتْ
فَانْدَرْ ءُ كِيصُ ءُ صَگطَارْ ۞ وَبْلَدْ لَكْوَرْ وَالْكَوْرِيَّاتْ
وَخْلَكْ يَاسَرْ مَنْ الانْتِصَارْ ۞ وَ التَّرْكَه تَرْدَحْ بَالرَّالاتْ
اتَّمَّ ألاَّ تَمْشِ وَتْگولْ ۞ فِيفَ نْجَايُ لَخْبَارُ ءُفَاتْ
افْشِ مَا گطَّعْ ذُوكَ الْمُولْ ۞ وَبْديرَحْ مَا لَصَّگ ذُو فاتْ )] |]
وقال أحد الظرفاء يوم كان حاكم دائرة آدرار جورج بولي (Georges Poulet) صاحب التأليف المشهور عن المجتمع الموريتاني ومكوناته، وكان سيدي المختار ولد يحيى انجاي في حلف سياسي مع الحاكم الفرنسي ذي الأصل الجزائري إيفون رزاق (Ivon Razak):
[| [(يا اخلاگي صبري ذا التحكاكْ ۞ مفروظْ اتَّمَّي مكتولَه
مَحَدَّنْ سيدي من رَزَاكْ ۞ وابُّولَ يلگَ لكْهولَه )] |]
انتهى.
سيدي أحمد ولد الأمير
باحث موريتاني مقيم بقطر
بكل واقعية أقترح على إدارة المعهد التربوي الوطني أن تجمع هذه النصوص النادرة وتجعلها بين دفتي كتاب التاريخ فنحن نجهل الكثير عن تاريخ الوطن.
جزاكم الله خيرا وزيدونا من كنوزكم