الرئيسية / سلسلة مقالات الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف / مقابلة الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف مع موقع الأخبار

مقابلة الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف مع موقع الأخبار

نشر موقع الأخبار يوم 04/11/2009 مقابلة مع الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف و اليوم يقوم موقع انيفرار بإعادة نشر هذه المقابلة تعميما للفائدة.
نص المقال منقولا عن الأخبار :
هو كاتب من طراز نادر يجمع بين الأسلوب النثري العباسي والأسلوب الصحفي الحديث وحين تقرأ له تحار هل انت تقرأ نثريات الجاحظ أم تقرأ في أعمدة النقد الاجتماعي في صحف الصباح .نشر موقع الأخبار يوم 04/11/2009 مقابلة مع الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف و اليوم يقوم موقع انيفرار بإعادة نشر هذه المقابلة تعميما للفائدة.

نص المقال منقولا عن الأخبار :

هو كاتب من طراز نادر يجمع بين الأسلوب النثري العباسي والأسلوب الصحفي الحديث وحين تقرأ له تحار هل انت تقرأ نثريات الجاحظ أم تقرأ في أعمدة النقد الاجتماعي في صحف الصباح .

وفي كل ما يكتب فإن محمد فال ولد عبد اللطيف يستصحب النكتة ويعبر بها إلى قول “ما لا يقال” مخادعا مقص الرقيب حينا ومناورا الأسلوب المباشر أحيانا أخر.

كتب محمد فال عن الاختلاس الإداري مقالا بعنوان “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت” ومن عادة ولد عبد اللطيف في عناوينه أن تكون مغرية بالقراءة إما بالاقتباس أو بالإيحاء.

محمد فال ولد عبد اللطيف كانت له جهود في المحاولات الأولى لإقامة رابطة الأدباء الموريتانيين ونشر عد مؤلفات شعرا ونثرا هو مع ذلك إداري تقلد وظائف سامية في عدد من الوزارات وعمل مستشار لرؤساء حكومات متعاقبين وفي هذه المقابلة تثير الاخبار مع الكاتب والإداري محمد فال ولد عبد اللطيف من داخل مكتبه بوزارة الداخلية عددا من الاستشكالات الثقافية الموريتانية

نص المقابلة
أستاذ محمد فال نرحب بكم معنا في بداية هذه المقابلة ونشكركم على قبولكم لها

السؤال الأول: كيف انتهجتم أسلوبكم الخاص في الكتابة عن الشأن الاجتماعية وكيف تصنفونه ضمن الأدب النثري ؟

محمد فال : نحن المنتجين ليست وظيفتنا التصنيف وإنما النقاد هم الذين يقومون بذلك وأنا شخصيا حاولت أن أكتب النثر لأني لاحظت أنه كان هناك تضخم في الجانب الشعري في موريتانيا وحاولت أن أتأثر بالناثرين الأولين وأحيي طريقتهم مثل الجاحظ والصاحب بن عباد وابن العميد وحتى الحريري الذي كتب المقامات .

وحاولت أن أكتب بلغة راسخة في التراث موسومة بالأصالة لأني أرى أن اللغة لها روافد منها ماهو متحرر يدخل في اللغة ما ليس منها ومنها ما يحافظ على مكوناتها الأصلية وأنا أعتمد على هذا الرافد الأخير وكتاباتي تخدم هذا الهدف

أما ما يتعلق بالمحتوى فإني كتبت في النقد الاجتماعي والسياسي محاولا إثارة بعض المواضيع وفي خضم كل ذلك ظل هاجس المحافظة على اللغة الأصيلة الفصيحة والاعتناء بها يسيطر علي ويحضر بقوة في ذهني.

الأخبار: من القضايا الاجتماعية التي طرحتموها قضية انعكاس الهجرة من الريف إلي المدينة على القيم الاجتماعية سواء ما تعلق منها بالقيم القديمة مثل المروءة وما يتعلق بالأمانة تجاه المال العام عالجتم هذه الأمور كيف تعيدونها للقارئ الآن؟

محمد فال ولد عبد اللطيف: لا شك أن للهجرة تأثيراتها الكثيرة وفيما يتعلق بانهيار القيم القديمة التقليدية كالمروءة والشهامة فإني كتبت مقالا عن المروءة حاولت أن أحدد فيه مفهوم المروءة وخلصت إلى قاعدة وهي أن لكل وضعية جديدة مروءة جديدة وضربت لذلك مثلا وهو أن ما كان يجب في السنة صار يجب في الشهر وما كان يجب في الشهر صار يجب في الأسبوع وما كان يجب في الأسبوع صار يجب في اليوم.

إذن لابد أن تولد مروءة جديدة خاصة بهذه الوضعية وقلت إن هذا لا تغيره الأفراد وإنما التاريخ هو الذي يغيره حين يجمع محصلة يعبر عنها بالممكن وليس المراسيم والقوانين وطبعا يمكن أن يقام بأعمال تخدم في الموضوع لكنها لا تملك الفصل والحسم النهائي من أجل الحل

أما ما يتعلق بالقيم التي تتعلق بالأمانة فقد كتبت عنها أيضا ، كتبت كثيرا عن المال العمومي وأتذكر أني كتبت مرة مقالا بعنوان “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت” أريد أن أقول فيه أن التفتيشات الإدارية غالبا لا تبرز الحقيقة وحتى أني شبهت التقارير التي تقدم في شأن الموضوع بصحائف المقربين فالفواتير صحيحة وكل شيئ صحيح والواقع يخالف ذلك فمن أين للموظفين بقطعان الإبل التي لا يمكن أن تشترى برواتب لا تتجاوز العشرين ألفا وقد قلت في هذا المعنى :

ورواتب العشرين منها ممكن ** عقد الدثور بمغرب وبمشرق

وهو بيت من قطعة تتحدث في الموضوع وكتبت المقامة الحذامية التي تلخص تاريخ موريتانيا مما قبل عهد المرابطين إلي عهد “الكزرة”

وكثير من نوع هذه المقالات قد صدر مؤخرا في كتاب بعنوان “عيبة الشتيت” طبعته دار الفكر وقد نشرت عنه وكالتكم وكالة الأخبار سابقا مقالا كتبه أحد الأساتذة وهو مختار ولد أحمد بزيد.

الأخبار: هناك موضع آخرعالجتموه وهو نظرة المجتمع الموريتاني في بدايته للدولة الحديثة الدولة الوطنية فقد كان ينظر إليها على أنها امتداد للمستعمر هذا موضوع عالجتموه في أحد المقالات كيف تنظرون لنظرة المجتمع هذه؟

محمد فال: لا شك أن الحكومة الأولى المنبثقة عن جيل الاستقلال كانت من العمال الذين كانوا يعملون مع المستعمر ولا شك أنهم تأثروا بثقافة المستعمر وتكوينه ولن أكون قاسيا عليهم بالقول أنهم كانوا امتدادا للفرنسيين إنه كان من الطبيعي أن يتولوا الأمور إذاك بقانون الموضوعية لأنه لا يوجد غيرهم.

ولا شك أن الشعب كان يرى أن الدولة مفروضة عليه من الخارج فما كان موجودا هو القبائل والفوضى وكانت هناك إمارات تمارس قدر من السلطة كان قطعا ضروريا للتوازن لكنه لم يكن يؤدي جميع وظائف السلطة لذا حين ذهب المستعمر وحل هؤلاء مكانه كان الناس يرون أن رجال الدولة إذ ذاك مجرد أغصان نبتت من شجرة المستعمر( أنكري النصارة ) بعدما اجتثت وفي هذا قساوة.

الجيل الأول فعل ما يستطيع وكان على قدر المسؤولية الصعبة فأدخل ما يستطيع من إصلاحات رغم أنه لم يكن هو نفسه يتصور إمكان هذه الإصلاحات والشعب كان في طور استثنائي يجعلنا لا نحاسبه.

وأنا عندي نظرة وهي أن اعتبار الواقع سلم لفهم أي قضية وقد قال لينين إن “الواقع عنيد” الفرنسيون كانوا موجودين والأنظمة الأولى حاولت أن تقرب الدولة من الشعب لتكون حكومة وطنية تمثل الشعب وتخدم الشعب وهذا فهمه صعب وما أؤكده هو أن الحكومة الأولى قامت بإنجازات لا يمكننا إلا أن نقول إنها وطنية

الأخبار: بالنسبة لسلوك التحايل تجاه الدولة هل هو امتداد للتحايل على الفرنسيين الذي كان الفقهاء يبررونه فالإتاوات التي كان النصارى يفرضونها كان يتم التحايل عليها ولما جاءت الدولة الوطنية قوبلت بشيئ من هذا التحايل الإداري على اعتبار أنها امتداد للمستعمر ؟

محمد فال : ما قلته صحيح ، إن الإيمان بالدولة وكون المواطن صالحا محصنا يساند المنتخب الوطني ويعرف العلم الوطني لم يكن الناس إذاك متساوين في استيعابه ولم يكونوا يقومون به ولا مستعدين له

غير أن علينا أن نفهم أن التحايل على الدولة قديم فالراعي النميري يقول:

أخذوا الحوار من الفصيل ***غلبة قسرا ويكتب للأمير أفيلا

هذا نفس الشيئ يقول أن جامع الصدقة يأخذ منهم “حوارا” ويكتب للأمير أنه أخذ أفيلا وهو دون ذلك ، إن من سلوك المواطن أيا كان الاحتيال على الدولة وهو أمر طبيعي وليس ضعفا في الضمائر المهنية وإنما هو ضعف في البشر ليس أكثر، هذا ما أعتقده وقطعا غياب الدولة أصلا كمؤسسة في حياة المجتمع البدوي لعب دورا كبيرا في انهيار الضمير المهني.

إلا أني قلت لك أيضا أنه راجع إلى طبيعة في الإنسان وخصوصا البدو وضربت لك مثالا ببيت الراعي في قصيدة يمدح بها أحد الخلفاء الأمويين

الأخبار: تكلمتم عن بداية الدولة وعهد الاستقلال وجيل الاستقلال كيف تقارنون بين وضع الثقافة اليوم ووضع الثقافة عند جيل الاستقلال و في أيام انتقال الدولة الموريتانية من مرحلة المستعمر والبدو؟

محمد فال: المستوى الثقافي كان لا بأس به لكنه منحصر في شريحة قليلة من المواطنين، يمكن أن نقول أنه كان لا بأس به من ناحية الكيف أما تنوعه وشموله لجميع شرائح المجتمع فلم يحدث إلا بعد الدولة الحديثة.
لقد كان الأشخاص المثقفون محصورين بمستوى يكاد يكون متوارثا ولما جاءت الدولة الحديثة أضحى التعليم متاحا أمام الجميع وكل أحد ينال منه ما يريد وهذه إيجابية من إيجابيات الدولة الحديثة ينبغي أن نعترف لها بها.

كما كانت الفنون محصورة في علوم اللغة العربية والشريعة أما بعد وجود الدولة الحديثة فقد توسعت المعارف وتنوعت الفنون

إذن الثقافة يمكننا أن نقول إنها زادت كما لكن ذلك انعكس على الكيف؛ كثر المثقفون والمعدل العام أضحى ضئيلا وهذا ما يعبر عنه بعض المسؤولين بمحو الأمية فالتهذيب أصبح محو أمية ولم يعد نخبويا.

الأخبار: بالنسبة لمؤلفاتكم يطبعها طابع المحلية وفي فتاوى الشياطين طبع كتابكم طابع العالمية بمعالجتكم فيه موضوعا عالميا لأن الشياطين يرتبطون بالإنس عموما كيف جاءت هذا الخاصية لهذا الكتاب؟

محمد فال: أنا لست مؤمنا بمحلية أي شيء وأرى أن للعالمية تجليات تظهر في المحليات كل شيء يعالجه الانسان أو يكون هما لإنسان في فترة ما لابد أن يكون له بعد عالمي وهذا إذا اتفقنا عليه تكون المسلمة التي بني عليها السؤال قد سقط نصفها من وجهة نظري.

بقي أن أجيبك عن خصوصيات كتاب “فتاوى الشياطين” فالأبطال فيه عالميون وذلك ما جعلكم تعتبرونه عالميا وحاولت أن أستغل ارتباط الشياطين في الذاكرة الموريتانية بل والإسلامية عامة بالشر فهم مصدر الشر وحاولت أن أظهرهم يفتون الناس بحسب النصوص المعمول بها في شريعتهم.

وهناك البعض من القراء والنقاد أعطى لكل ولاية من ولايات الوطن شياطين من جملة الشياطين المذكورين في الكتاب يفتون في المشاكل التي تطرح في تلك الولاية خصيصا مثل المشاكل العقارية ومثلها والحقيقة أن ذلك لم أقصده لكني لا أتبرأ منه .

الأخبار: ألا يمكننا أن نعتبر كتاب فتاوى الشياطين نقدا لبعض الفقهاء أو بعض الفتاوى؟

محمد فال : لا مطلقا بل العكس فأنا حاولت أن أضع فيه الفقه على الواجهة وفي الساحة من أجل أن يسأل الناس ما هذا وما هذه الأساليب فيقال هذا أسلوب الفقهاء يجيبون به الفقهاء وهذه فتاوى أحكام ونوازل فيتعرفون بذلك على هذا الجانب من الفقه.

فالنوازل فضلا عن قيمتها التاريخية والدينية والقانونية فيها جوانب يمكن أن توظف من الناحية الأدبية والبعض من الناس قالوا أنه يمكن أن تكون في الكتاب سخرية من بعض الفقهاء وأنا لم أقصد ذلك ولا أتحمل المسؤولية ولا يمكن أن أتحملها فمن الخطير أن يسخر الإنسان من حملة الشريعة وأنا لا يمكن أن أدخل تحت تلك الراية .

الأخبار: بعض كتبكم رغم أنها بالعربية كتبتم عناوينها بالحسانية رسالة الفيش مثلا ما السبب؟

محمد فال: هذا صحيح والهدف منه شد القارئ فالشيء المخالف للعادة يلفت انتباه الناس ويجذب أنظارهم ومن هدف الكاتب أن يشد القارئ إلا أني لا أسلم أن العنوان في رسالة الفيش جاء بالحسانية وغير فصيح فالفيش إذا نظرت في القاموس تجد الفيش والفياش وهي تدل على معنى المفاخرة.

أما في كتاب “تكوس” فتكوس لا شك أنها كلمة محلية وقد حاولت في الكتاب أن أؤصلها في اللغة العربية وقلت إن كاس البعير معناها مشى على ثلاثة أرجل أو أنها يمكن أن تكون مشتقة من الكأس ورغم كل ذلك أنا أعترف أنها كلمة عامية.

الأخبار: القارئ لأدبكم وتآليفكم يلاحظ أنكم تتحدثون عن التمييزات الاجتماعية وتعتدون بها ألم يتجاوز العصر التمييزات الاجتماعية ولم يعد يستوعبها كما يقولون أم أنه مازال يسمح ببقائها؟

محمد فال: هناك نوعان من الخطاب خطاب سياسي لا يقبل من أهله أن يقولوا إلا كلاما موزونا وهناك خطاب عام عند الناس أرى أن الكاتب لا يمكن أن يتجاهله وهو أن التمييزات الاجتماعية مازالت موجودة وليس معنى ذلك أن الناس غير متساوين أمام القانون.
هي موجودة وهذا هو الحق ويمكن أن يوصف من يستخدمها بأنه يتبنى قناعات خاصة وأنا لا أرى ذلك وأعتبر أن على الكاتب أن يعبر عفويا وإذا عبر عفويا فإنه سيتحدث عنها ولا يمكن أن نعتبر ذلك من قبيل الاستخفاف ونحوه وهو الواقع.

وما تضمنته إنجازاتي أنا من التطرق لهذه التمييزات الاجتماعية فإنه ليس بالكثير وأغلبه حدث في فترة شبابي الأولى حين لم أكن محاسبا فالشباب لا يحاسبون على كثير من الأمور وخصوصا أني كنت إذاك أمارس وظيفة الحكام الإقليميين فكنت واليا مساعدا وعندي مستوى من الغرور يمنعني من التنبه إلى أبعاد بعض التصرفات .

ا لأخبار: في نفس القضية البعض قالوا إن كتاب الفيش بين كسكس والعيش يعكس الصراع الجهوي الصامت في الوطن بين ( أهل الشرك وأهل الكبلة) وأن طرحا كهذا لا يخدم الفكرة الوطنية ؟

محمد فال: هذا من الناحية الواقعية ليس موجودا فالعيش في كل مكان وكسكس في كل مكان وأنا لم أقصد هذا الفهم وطبعا لا أقول فيه إلا ما قاله أبوسفيان بن حرب يوم أحد لما مثل المشركون بشهداء المسلمين “ذلك أمر لم آمر به ولم يسؤني” .
.
هذا بالرغم من أنني في صلب الكتاب حاولت أن أبرهن أن القضية قضية تكامل فهي حبة من الزرع أو القمح طحنت وعجنت فالبعض “كسكسها” والبعض “عيشها” وهي في نفسها حقيقتها واحدة.

ومن الطريف جعل هذا الأمر في الصراع الجهوي فدائما يوجد الصراع بين المناطق والمدن على مر تاريخ المسلمين فالدارس للأدب يجد الصراع بين أهل الكوفة والبصرة والقارئ للأدب الأندلسي يجد الصراع بين غرناطة وقرطبة ومثل هذا مما كتب فيه الكتاب كثيرا وهي صراعات أدبية لا تصل لمستوى الصدام أبدا وإنما تعبر فقط عن ترف فكري.

وأنا في الحقيقة لم أقصد هذه القراءة ولم تكن هدفا مسبقا بالنسبة لي ولما حدثت فإني أتبناها ،والكتاب يقولون أنهم دائما يكتبون أشياء فيقرأ الناس والنقاد منها تحليلات لم يقصدوها لكنهم لا يتبرؤون منها أبدا.

الأخبار: هل معنى ذلك وتحديدا إذا أخذناكم كنموذج أن الكتاب والأدباء ليسوا حساسين تجاه القضايا الاجتماعية ؟

محمد فال : لقد قلت في مقابلة سابقا مع جريدة الراية حين سألوني عن التزام الأديب إن موقف الأديب الإرادي في الالتزام ضئيل فهو عبارة عن تفاعله العفوي مع بعض القضايا والمسائل.

إذن الأديب لا ينتج شيئا تحت الطلب فلا يطلب منه أن ينتج إبداعا معينا وإذا حدث ذلك فإن المؤلف سيكون جافا وباردا أما ما ينتج عن تفاعل الأديب مع واقع معين فذاك هو موقفه حسب وجهة نظري وهو الذي سيكون له صدى وقيمة.

والأصل عندي أن الأديب لا يجب عليه شيء كما أن الله لا يجب عليه شيئ وكذلك الأديب فالحادث والقديم يجتمعان في الصفات المنفية لأنها لا وجود لها فالله يوصف بالبقاء والعبد يوصف بالبقاء لأن البقاء صفة عدمية لا وجود لها .
والأمر هنا نفي شيء فالأديب لا يجب عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى اللهم إلا إذا تفاعل مع موضوع أو أحس به فإنه سيولد إبداع معين لا نعرف طبيعته ولا ينبغي للأديب أن يتجاهل الواقع فالواقع يتجاهله السياسيون يغلفونه وينكرونه وليس معني ذلك أننا نخدم أي قضية غير عادلة بل هذا هو الواقع المحض الذي يتكلم به الناس في أسواقهم.

الأخبار : البعض يقول إنه ليست هناك حاجة لشرحكم لكتاب شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ألفه ببها ولد أحمد العاقل أكثر مما هو خدمة لتراث الاسرة؟

محمد فال: التذكير بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم أمر لذيذ لا يمل منه فشمائله مصدر الخير وهدفي من شرحه قد ذكرته في مقدمة الشرح وهو أني أريد أنا أتعلم من خلال شرحي له.

أما اختياري لهذا الكتاب الذي ألفه ببها ؛ فببها لا شك أنه من أهلي الأقربين ومن مشايخي الذين تلقيت العلم عنهم وهذا لا ينبغي أن يصدني ويمنعني من شرح كتابه بل ينبغي أن يكون محفزا لي على ذلك من أجل أن أعرفه أكثر وأستفيد من علمه وتأليفي لشرح كتابه هو أمر وافق فيه الشرع الهوى وإذا وافق الشرع الهوى فهو الشهد بالزبد ولست بدعا في هذا فالمؤلفون دائما يؤلفون عن مشايخهم ومن يعرفون .

هذا بغض النظر عن خصوصيات الكتاب فأنا أرى أن للكتاب خصوصية وهي أنه تعرض لكثير من الشمائل وتوسع فيها ولم يكن مثل بعض المؤلفات في الشمائل التي اقتصرت على جانب واحد كالخَلق أو الخٌلُق أو العبادات رغم أن سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم كله شمائل وببها توسع فيها لأن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم كله شمائل .

وهذا من الدواعي التي حدتني إلى أن أشرح الكتاب من أجل أن أتعرف على كم أكبر من الشمائل وليس فيه دعاية أبدا للأسرة فهي غير محتاجة لها ومثل هذا النوع لا يمكن أن يكون دعاية .

فقط يمكن أن يكون هذا دعاية لي أنا وليس للمجموعة هو دعاية لي أنا لأنه يذكر اسمي في سجل مع شيخ جليل لا شك أن في هذا دعاية كبيرة بالنسبة لي أنا ولم أكن قصدتها أبدا حين أردت تأليف الكتاب.

الأخبار: البعض يلقبكم بشاعر الإداريين وإداري الشعراء كيف ترون هذه التسمية؟

محمد فال: هذه المقولة أرجو أن تكون حقا ولا شك أن لها ما يبررها فأنا أصدرت ديوانا بعنوان “جذاذات” فيه مقطوعات من شعري كتبت أغلبها في فترتي بالمدرسة الوطنية للإدارة وأيامي الأولى في المهنة والتوظيف واليا وحاكما وسميته جذاذات لأنه مقطوعات غير طويلة نادرا ما تجد فيه قصيدة طويلة وهو يعكس تجربتي الأولى موظفا وتلميذا في انتظار التعيين وهذا هو المبرر الذي جعلهم يلقبونني بشاعر الإداريين وإداري الشعراء.

والديوان طبعه اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين جزاهم الله خيرا وهو موجود وقد قابلتني في شأنه الإذاعة الموريتانية سابقا وأعطوا منه نماذج وبالمناسبة يقال إن الإدارة تختلف طبيعتها مع طبيعة الشعر فالإدارة جفاف على جفاف إلا أني قلت في مقدمة الكتاب أني لا أقر بذلك فالشعر تعبير الشاعر عما أحس به والانفعالات التي تحدث للشاعر في عمله ونشاطه هي الشعر.

وهذا الديوان محلي جدا هو الآخر وقد تبرأت من ذك العيب في مقدمته وقلت أن فيه بعدا عالميا قد يمر عليه القارئ في المرة الأولى ولا يشعر به إلا في القراءة الثانية أو الثالثة .

الأخبار: بوصف تجربتكم الإدارية والثقافية نريدكم أن تلخصوا لنا طبيعة الصراع بين العربية والفرنسية في الدولة الموريتانية لأنه يقال إن العربية الآن انتشرت ولكن في قطاعات هامشية لا تتحكم ثقافيا وسلطويا؟

محمد فال : أنا لا أعتقد أن هناك صراعا مقننا ومخططا الإرادة السياسية تفرض أن العربية هي لغة الدولة والدستور ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية وجميع الأنظمة كانت تسعى لرفع مستوى العربية من عهد ولد داداه حتى اليوم.

وعلينا أن ننبه أن الناس الذين كانوا يتهمون ببغض العربية وأنهم ضدها أنهم برءاء من ذلك وأنه مجرد إفك عليهم حسب تجربتنا بهم كان يقال إن إخواننا الأفارقة ضد العربية لكني لاحظت أن ذلك كذب أنا عملت داخل البلاد ولاحظت أنهم يحبون العربية في مساجدهم ومنازلهم ويتعلمونها هي مسألة افتعلت على أيدي بعض المثقفين الدارسين بالفرنسية وإذا نقب عنها وبحث الناس في حقيقتها سيجدونها زيفا وبهتانا.

هذا هو الواقع وجميع الأنظمة من عهد ولد داداه وإلى اليوم كان يسكنها هاجس رفع مستوى اللغة العربية إلا أن الظروف لم تكن مواتية في الأول كان من الصعب إبراز إداريين عربيين من الناس الذين لم يتكونوا التكوين العصري فكان لابد أن يكوَنوا فتم تكوينهم.
ونحن قد أتينا من مسافات بعيدة جدا جدا فأنا أتذكر أنه لم يكن يوجد من العربية إلا كلمات شعار الدولة أو كلمات في رأسيات أو النشيد الوطني فقط وكل الأنظمة حاولت خدمتها ولد داداه زادها في فترته إلى معدل تسع ساعات في الثانوية وترتب على ذلك ما ترتب عليه ثم أصبحت فيما بعد لغة مجلس الوزراء والأمر في تطور مستمر ولا أنكر أن هناك من يسوءهم وجود اللغة العربية وانتشارها

الأخبار : تقصد التيار الفرنكفوني ؟

محمد فال : لا يمنكنني أن أسمي أحدا لأني لا أملك دليلا لكني في نفس الوقت أؤكد أن هناك من يسوءهم الأمر والناس والحمد لله جميعا مسلمون بأن العربية لا بد أن يعتنى بها ولا يقبلون التقصير.

وكما قلت لك المسألة لها جذور بعيدة فأتذكر أن ولد داداه كان يخاطب للأمة بمناسبة عيد الاستقلال بالفرنسية وكان عامة الشعب التي لا تعرف الفرنسية يتندرون أثناء الاستماع للخطاب بأنه إذا ذكر زمبابوي فمعناه أن الخطاب قد أوشك على النهاية لأنه كان يتطرق للشأن الخارجي في نهاية خطابه.

بعد ذلك أحس في آخر زمنه أنه لا بد أن يغير سياسته هذه فلما أراد أن ينشئ الأوقية عقد مهرجانا وتكلم بالحسانية واستحسن الناس إذا ذاك الخطاب وأرى أنه لو كان طال به زمنه لكان عدل عن مخاطبة الناس بالفرنسية .

وهناك مسألة رئيسية وهو أنه كان يستمع إليه المجتمع الدولي والخارج فيحتاج إلى أن يتكلم بالفرنسية من أجل أن يظهر أهلية وكفاءة الدولة فالدولة كانت في أزمة مصداقية دولية، مصداقية السيادة الدولية فاستدعى ذلك أن يهتم بجانب الأجنبيين في الخطاب أكثر .

وهذا أمر ينبغي ألا يغيب عن الحسبان والقضية صعبة واللغة لا ترسخ بالقوانين والقرارات والأزمة ليست أزمة العربية فالفرنسية هي الأخرى تعيش نفس الأزمة تجاه الانكليزية فمن يستمع إلى RFI يكتشف أنهم يعانون نفس المشكلة وقضية اللغات هي قضية عالمية فالفرنسيون المتحمسون للفرنسية يغضبون إذا سمعوا كلمة من الانكليزية وأتذكر أنه كان عندنا أستاذ من الكبك من دعاة الفرنسية وإذا سمع كلمة من الانكليزية منا يغضب وحتى أني أتذكر أنه قال لنا أن “تلكس” يقال لها “تلكوبي” وأنwek-end يقال لهLa fin de la semaine

إذن معناه أن قضية اللغة ليست خاصة بالعربية فهي صراع لاشك أنه بعيد الغور ويتطلب أجيالا من أجل الحل فلا تحل مشكلته بجيل واحد والمهم أن تكون هناك إرادة تمنع من الانتكاسة

الأخبار: ما هو تقويمكم للثقافة الشنقيطية:

محمد فال: الثقافة الشنقيطية القديمة أبطلت التصنيف التقليدي الذي كان عند النقاد والمؤرخين للأدب العربي فأنتم تعرفون أنهم يقسمون التاريخ إلي الأدبي إلي عصور: الجاهلي وصدر الإسلام والأموي والعباسي الأول والثاني والانحطاط والنهضة ، عصر الانحطاط نحن لم نشهده بل كانت فينا إذ ذاك نهضة قوية معروفة حتى إن شوقي ضيف خصص أخيرا جزء لموريتانيا لتفادي ذلك الخطأ في وصف حقبة معينة بعصر الانحاط واعتبارها شاملة لكل أقطار الوطن العربي فكتب عن الأدب الموريتاني وأشاد به فما سموه الانحطاط نحن لم نشهده .

أما اليوم فالناس يتحدثون عن الركود الثقافي لكن ذلك نسبي توجد نوادي ووجود هذه المواقع الإلكترونية خدم الثقافة وإذا كان هناك اعتبار للواقع الثقافي أنه متدن فهو مجرد اعتناء بموريتانيا لا يرضى لها إلا الكمال .

الأخبار: هناك نوعان من المثقفين مثقفون يخدمون السلطة ومثقفون يخدمون المجتمع كيف تنظرون إلي هذين النوعين ؟

محمدفال : هذا التقسيم قديم من قيام الدولة الاسلامية ، دائما كان هناك شعراء البلاط وشعراء ليسوا مع البلاط وعلماء الدولة وعلماء ضدهم وهذا يقتضيه التوازن فالتوازن ضروري ولا بد منه ومثقفو السلطة هم هؤلاء الذين يناصرون الدولة وسياستها ويجعلون ثقافتهم لخدمة الدولة هؤلاء إذا كانوا فعلوا هذا عن قناعة فأنا لا أرى فيه بأسا أما إذا كان المثقف حرباء فذاك ما لا ينبغي ومسؤولية المثقف حينئذ يتحملها كاملة .

وموريتانيا ليست بدعا في هذا فأنتم تعلمون أنه كان هناك علماء البلاط وعلماء ليسوا مع البلاط ولا بد من ذلك فالعلماء لا بد أن يبقي بعضهم مع السلطة من أجل تنويرها وتبصيرها فما ذا سيكون لو كان العلماء استقالوا ولم يكونوا مع هارون الرشيد وإذا كان أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة لم يدعم الرشيد لكان الرشيد قام بكثير من الانحراف مع أن الرشيد كان فاضلا وعالما لكنه يبقى محتاجا إلي عالم ولو كان مالك لم يوجه أبا جعفر المنصور ولم ينصحه لانحرف .

إن الهروب لم يكن على إطلاقه هو نوع من الورع لكنه قطب لا بد منه في التوازن يكون هناك قطب قوي في الهروب من السلطة من أجل أن يظهر أن الاندفاع إليها بالنسبة للعلماء لا ينبغي أن يكون على إطلاقه وليس معنى هذا أن العالم يفتي السلاطين بالباطل إن يحي ابن أكثم كان مع المأمون وعنده مقامات شهيرة فقد كان المأمون سيأمر بسب الصحابة تحت تأثير دعاية الشيعة فلما استدعى يحي ابن أكثم قال إذا سبوا معاوية اليوم سيسبون غدا عثمان وبقية الصحابة وذلك أمر خطير والشيعة كانوا قالوا إنهم يريدون أن يسبوا معاوية قليلا.
الأخبار: اشتهرتم بالكتابة في الشأن الاجتماعي وأخيرا كتبتم مشيدين ببعض الأنظمة كيف نفسر ذلك؟
محمد فال: على كل حال زمن حرية الصحافة لم يكن موجودا ولما وجد أخيرا أرخيت لقلمي العنان وفعلا ساهمت في حملة محمد ولد عبد العزيز قلت فيها تائية قال أهل الخبرة في الشعر إنها لا بأس بها ولما وجدت الاعتراضات على نتائج الانتخابات قلت أبياتا كان لها صدى رددت فيها على قضية أن الباء تنتقل من مكان إلى مكان بمقالة استثمرت فيها مقولة الأشاعرة أن “العرض لا ينتقل” !!

هذا هو قناعتي والحياد لا يتنافى مع تعبير المرء عن قناعته إذا وجدها ومن يقرأ مقالاتي كلها لا شك أنه سيجد موقفا بارزا أنا كتبت في وسط الحملة الرئاسية الأولى (1992) مقالا بعنوان ” التنين ذو الرؤوس السبعة ” أحدد فيه التحديات التي ستواجه الرئيس الذي سينتخب وقد نشرته في الشعب وبينت فيه موقفي ورسالتي إلى الرئيس القادم .

الأخبار: قلتم أنكم كتبتم في مواضيع متعددة أخيرا – حين سمح بالحرية الصحفية – إذا لم يسمح بالحرية الصحفية هل ترون أن ترك الكتابة والكلام هو الأولى وأن محاولة إبداء الموقف والآراء لا بد أن يعطى لها الإذن من الأنظمة ؟

محمد فال : لا آمر بالسكوت ولا بالكلام المهم عندي أن الإنسان الذي لديه موقف ووجد حرية صحافة يعبر عنه ، أما إذا الم توجد فالناس ينقسمون قسمين قسم يجابه وقسم يلتزم مذهب التقية وهو مباح وفي الجانب الفقهي ويقلون ان هناك بعض الأمور مباح تحت التهديد!! وهناك أمر يحتاج تهديدا شديدا قال خليل ” وأما الكفر وسبه صلى الله عليه وسلم فإنما يباحان بالقتل”

الأخبار: هل تختمون لنا بكلمة أخيرة توجهونها للحقل الثقافي الموريتاني ؟

محمد فال : لست في مركز أوجه منه مثل هذه الكلمة إلا أني أريد أن أقول إننا محتاجون جدا إلى دار للنشر نريد أن يكون النشر متوفرا وقد سمعنا سابقا أنه ستفتح دار للنشر فابتهجنا لذلك وإن من مثبطات الحركة الثقافية في موريتانيا غياب دور للنشر وأنا شخصيا متضرر من غيابها ولدي كتب جاهزة في انتظارها منها كتاب بعنوان ” إنضاء الطية لتحصيل الطية من المضاف والمنسوب في الثقافة الشنقيطية” وازيت به كتابا ألفه أبو منصور الثعالبي يسمي ثمار القلوب في المضاف والمنسوب وقد حاولت أن أخدم من خلاله الثقافة الشنقيطية ولدي كتب أخرى ، لذا أوصي الجهات المعنية بتشجيع النشر ، أما أن أقدم نصائح فلست أهلا لذلك فأنا مستهلك أكثر من منتج .
الأخبار: شكرا لكم

محمد فال: شكرا جزيلا.

محمد فال ولد عبد اللطيف
من مواليد المذرذرة 1952
درس الابتدائية في مدرسة انيفرار والاعدادية في روصو والثانوية في انواكشوط
درس في المحظرة موازاة مع دراسته النظامية
التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة سنة 1974 وتخرج منها 75 ملحقا إداريا
التجربة المهنية
75 – 78 حاكما وواليا
عاد إلي المدرسة الوطنية للإدارة مجددا 79 -81 وتخرج إداريا من السلك المالي
81 إلي 92 تقلب في وظائف عليا في وزارة الداخلية
92 – 98 مستشار بالوزارة الاولى مكلفا بالشؤون المالية
83 إلي 98 مستشار في المحكمة العليا الغرفة الادارية
98 إلي 2002 أمين عام وزارة العدل
2002 إلي 2008 مستشار مكلف بالمالية بالوزارة الأولى
2009 مستشار مكلف بالشؤون العقارية في وزارة الداخلية
التجربة الأدبية:
عضو اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين
ديوان جذاذات طبع 2007
كتاب عيبة الشتيت طبع 2008
كاتب في جريدة الشعب منذ 1986
شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لببها ولد أحمد العاقل
لديه كتب غير مطبوعة منها:
إنضاء المطية لتحصيل الطية في المضاف والمنسوب في الثقافة الشنقيطية
ديوان حمر النعم مجموعة مدائح نبوية

[المقال الأصلي->http://www.mmandc.com/8866-0–F-B-F0FB-FFCC-BF-FAB-FF0–C0-5B.html]

تعليق واحد

  1. هذا ممتع ككل ما يصدر عن بباه، و لله الحمد.

اترك رد