كان المجال الحيوي لأهل أعمر إيديقب كما رأيت قلب إيكيد و كانت بئرهم ذا المساجد هو العاصمة الأولى للزوايا أيام الجماعة و قبل خروج المغافرة و كان جل اعتماد الناس في معاشهم على تنمية البقر و الزراعة المطرية و ما عرفوا الإبل و الغنم إلا بعد الجيل الثاني بعد شربب و كانوا زمن شربب أهل خيل و كان لناصر الدين فرس حسب ما ذكره اليدالي . و كان الكثير من الزوايا يرى أن البقر أشد ملاءمة للاستقرار و طلب العلم و القيام بنواميس التزاويت و أما الإبل فصاحبها عندهم على خطر إذ ربما مال به طلب الطياش إلى نوع من الطيش و الجهل و التباعد عن خلق الزوايا بخلاف البقر فإنه لا يحتاج إلى رعاية ما دام الخصب موجودا أضف إلى ذلك أن الإبل عرضة للنهب من القبائل المغيرة التي قد تجيء من الشمال و البقر لا غرض لهم فيه لعدم صبره على العطش . و كان أول من تملك الإبل من أهل أعمر إيديقب سكم بن محمذن بن أعمر ثم أبناء المامون بن محمذن بن أعمر خصوصا آل شيبة و آل الشيخ أحمد بن الفاضل و كان من دأبهم أن رعاة البقر يقيمون معهم في الحي أما رعاة الإبل و الغنم فإنما يعاملونهم على بعض منافعها . وكان الزوايا يتفاخرون بطول المكث في الدار الواحدة حتى كان من علامات المجد و السؤدد أن تأكل الأرضة أوتاد البيت لطول مكثه و كان أهل أعمر إيديقب آخذين بهذا المنحى لا تزال حاضرة منهم مقيمة بالبئر و قد يلجئهم الجدب إلى التنقل لانتجاع المرعى في شكل ما يسمى بالعزيب و لكن سرعان ما يعودون إذا جاء الله بالحيا و غالبا ما يلجئون إلى أرض الخط شمال شرقي روصو قال أحمد سالم بن سيد محمد في إحدى استسقائياته :
غيث يحك ببركه أبلادنا *** ثمت يلقي بالخطوط الكلكلا
أرض متى ما أقحطت أبلادنا *** و نبت بنا فهي المعول أولا
و أما الزراعة فكان منها زراعة بشنه و تاغليت و هناك أحراث معروفة بكثرة المحصول و أدركنا أحراثا معروفة منها حرث الشيخ أحمد بن الفاضل بانياركن و حرث ابنه محمدن شمال انيفرار و حرث أحمذ بن زياد المسمى زرع المبجوج جنوب انيفرار الكبير و حرث للمبارك بن سكم عند لعظيميه اشتراه و نجد في الوثائق القديمة ذكرا لكثير من الأحراث منها حرث لآل ألف بن الزبير اشتروه بقطيع من البقر وهذا يدل على أنه كانت لهذه الأحراث مردودية . و كان لهم جزء كبير من مزارع الركيز يستغلونه مباشرة أو بواسطة الأجراء و لكن غالب الحراثة كانت حراثة اشركاش حتى إن هذا الحي كان يعير بذلك على سبيل المزاح كما أن لكل قبيلة من قبائل البلاد ما تعير به و هي عادة معروفة في العرب منذ الجاهلية فقريش تعير بالسخينة و تميم بأكل الضب و لكل بطن من بطون مهنض أمغر ما يعيرون به و ما كان لي أن أذكر ذلك و مما يعير به إيدابهم الدقيق و مما قيل لهم في هذا المعنى :
ذا ابهنض وَرَسِنَن لِهْنَ *** لِهْنَا رَشْنْ ماه بايح
وَرَاوَنْ إذْ ثْرَنْ بِشْنَ *** إذْ راشْ أذَ افِّ صالح
وترجمة هذا الكاف البربري من امريميده أن إيدابهم لا يقر لهم قرار و القرار عندهم غير مباح ( لشدة ثقتهم بأنفسهم ) و أحرى إذا وجدوا بشنه و وجدوا لها رمادا صالحا لقليها .
و مما قاله إيدابهم أو قيل على لسانهم في هذا الصدد من الشعر البربري :
تَمْكَكْ يَلَّ ايلّن اكْنُون *** اشَا دنَنَان كِيفْ اسكُظَنْ
…. …. *** بزكر إذا نويش اثَظَنْ
أجَّجِنَّانْ آرَنْ اللونْ *** ورتا ني آجَج بَرَبْظن
و ترجمة هذا الكاف بالعربية نحمد الله على أن زرع السودان يصل إلينا فور خروجه من سنبله و أن نبات اشركاش قد بلغ سبع ورقات في حين أن أضاة بو زكري و أضاة انو يش مملوءتان ماء فهذا مؤذن بوفرة الحصاد وأن حميرنا خضر ليس فيها حمار أبقع و في هذا تلويح بالخروج على المذهب الديماني إذ كان من عادة بني ديمان استهجان الحمير غير الخضر و فيه إشارة أخرى أعرضنا عن ذكرها .
و كان من اقتصاديات الناس كذلك بيع العلك للنصارى و كانت تجارة تمارس منذ قرون و تتأثر بالصراعات الأوروبية و كان هذا الحي يمتارون من ادويره و هي أبو دور شرقي دكانه وكانت في طريقها محطات معروفة و كانوا يأتون بما يحتاجون إليه من لباس و زرع و حوائج أخرى و ازدهرت هذه التجارة حتى كانت العامة و أهل المجون يضربون مثلا فيقولون إني أفضل هذا الأمر على أبي قادما من ادويره و كانوا ربما اضطرهم الحال إلى الامتيار من ضواحي بوغى و كيهيدي و هذا في العصر المتأخر و أما في القديم فكانت تجارتهم إلى المراسي الأوروبية على المحيط إلا الزرع فكانوا يأتون به من شمام و كانت لـه رحلة معلومة زمن الربيع . و في أواسط القرن الرابع عشر للهجرة انتقل كثير منهم من ادويره إلى روصو ثم إلى السنغال و منهم من استقر في المذرذرة و كانت هذه التجارة هي أهم اقتصاد الحي إلى عهد قريب . و كانوا ربما ذهبوا إلى آدرار للامتيار من تمره و كان أول من سن هذه الرحلة سيد بن سكم حسبما بلغنا . و كان الذهاب في الميرة محكا تعرف به الرجال و تسبر مؤهلاتهم و كان لـه أد بياته و متطلباته من حكمة و حنكة و قوة بدنية و خبرة بالناس و الأرض و الممرات الصلبة و أماكن الخوف و غير ذلك و قد تقدم كلام والد بن خالنا في وصف ما يتعرض لـه المسافرون .
و من مصادر الرزق أيضا ما يسمى بالكبظ و هو وظيفة عرفية سنوية تؤخذ من اللحمة و من على شاكلتهم معروفة و معترف بها عند بدء الخريف .
ولما جاء المستعمر الفرنسي أجبر الناس على الالتحاق بمدارسه بهدف أن يكَوُّن منهم موظفين محليين فكان الأمر في أول الأمر قاصرا على أبناء الشيوخ و الأعيان فتخرج منهم المعلمون و الموظفون و المترجمون .
من كتاب أنساب بني أعمر إيديقب للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف
” ايد منض” وتعنى بكلام الحسانية جميل جزاكم الله خيراوكفاكم ضيرا