“ايده” لم يعد..
قبل أسابيع كنت على اتصال بصديقي سيدمحمد ولدبيباه “ايده” عبر الواتساب في مسألة خاصة.وطبعا أنهيت الحديث بتذكيري اياه بلقب كان دائما يرد عليه بنفس العبارة،فحين أقول:
-ايدة العظيم
يرد ضاحكا:
-العظمة لله الواحد القهار.
وهو كذلك صديقي،فالعظمة والبقاء لله وحده.
“ايده”كان شاعرا بلادواوين،فلم يبع شعره للساسة ولا للناشرين وانما منحه على جرعات للمراهقين المعدمين،كان حالما بحب لم يكن أبدا، فكانت عذرياته دروسا في الحب الخالص..كان متصوفا بلامذهب ولاطريقة، وفقيها بلامؤلفات، كان موظفا بسيط الحياة،كان ظريفا وذكيا وخفيف الظل،بلغة أخرى كان “نيفراريا” طبيعيا،تعرفت عليه حين كنا مراهقين، جمعتنا المذرذرة وأصدقاء وأهل فيها، وجلسات رائعة لاتقدر بثمن،جلسات جموح و شاي وأدب “محصرية” وا”يكيدية” و”شكية” أحيانا، شرفة دار أهل محمد سيديا كانت ملتقانا،نضع المدينة النائمة خلفنا والمقبرة أمامنا، ونسهر حتى الصباح..ذات مرة ودعنا ايدة، ثم بعد ساعات علمنا بأنه تعرض لحادث مات فيه صديقاه، وخرج هو منه بجسم ضعيف ومنهك وان لم تتغير طباعه،أخطأته المنايا ليلتها لكنه لم يعمر كما كنا نريد،فقد عاش فقط عقدين بعد تلك الليلة الحزينة،اذ شاء القدر هذا الصباح أن يضعنا جميعنا خلفه وان يتحامل الى عالم كنا ننظره في سهراتنا دون اكتراث، وكان هو يعد له العدة بطريقته الخاصة التي لاتكلف فيها،فأهل “ايده” يسافرون عادة ككل الناس،لكن لايعرف أحد كيف حضروا الزاد وجمعوا العدة والأواني والصحون والدواب، ولولا وصولهم الى الوجهة لماعرف الناس بأنهم تزودوا أصلا.
ايده -والعظمة لله الواحد القهار-..أحزنني ذهابك ومازلتَ غضا،لكنني أتفهم قوة نداء المقبرة،ترى ‘صديقي الحكيم- هل قصر في الأعمار طول ذلك السهر؟
أيها الزاهد الذي علمني ان الحب ليس خطيئة مادام نقيا وطاهرا،لقد ترقيت في مراقي ذلك الحب الذي علمتني اياه وانتهيت الى جوهره ومجدله حيث انتفى الحقد والبغض والى الأبد..سأظل حب باسمك ثم سألحق بك يوما لأخبرك عن تراثك.
..رحمك الله وغفر لك وأدخلك الجنة والعزاء لكل الطيبين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.