أعلن في نواكشوط مساء الأحد الموافق 21 مارس 2021 عن انتقال الشيخ البركة الولي الشيخ بن احمادَ بن محمدُّ بن اباَّ إلى الرفيق الأعلى إثر وعكة صحية ألمَّت به، وقد ووري جثمانه الثرى في مقبرة انيفرار الغربي “أغودس” حلت على قبره غوادي الرحمة وسواري المغفرة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عاش الفقيد وترعرع في حاضنة علمية وثقافية، مكنته من حفظ القرآن وتحصيل العلوم الشرعية وهو غض الإهاب، ثم أخذ عن والده الشيخ المربي احماد بن أبا، معالم الطريق إلى الله، فنهل وعبَّ من معين أسرار علوم القوم، وعرف فلزم وأفاض الله عليه من علمه اللدني ما نال به الفتوحات وترقى به المقامات، فتصدر في حياة والده، واتفق العلماء والصالحون في إيكيد على علو كعبه في التصوف والتربية والصلاح والبركة، بعدما فشت بينهم خوارقه، وما شاهدوه من قدرته على معالجة أمراض القلوب، ومكافحة مخاطر النفس والهوى والشيطان، من خلال حث المريدين على اتباع ظاهر الشرع، وتجنب المحدثات والبدع، فكان ورده المحافظة على الصلاة في وقتها بطهارتها، وقراءة حزبين من القرآن يوميا، ويقوم جوهر فلسفته التصوفية على العبادة المحضة للخالق تعالى، ومساعدة المُرِيد في الوصول إلى المُرَاد، عبر تذوق العبادة وحبها لذاتها حتى تكون مركوزة في النفس فتصبح عادة للعبد وديدناً، بالإضافة إلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره ونصره وتعزيره، وحث المريدين على دراسة وتدبر السيرة النبوية الشريفة، واستنطاق المواقف النبوية، وتدبرها وشرحها شرحا مبسطا بهدف غرس محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في نفوس المريدين، واستنهاض هممهم.
يعتبر الفقيد أحد أبرز الشخصيات الصوفية والعلمية في الجنوب الموريتاني، وتربطه علاقات قوية بجميع المجموعات والمجتمعات، وقد استطاع بأخلاقه وسمته وبعد نظره أن يجمع حول شخصه مئات المريدين من مختلف الأطياف والشرائح، فرباهم وهداهم ونصحهم وأرشدهم إلى الصراط المستقيم، من خلال انتهاج طريقة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط، حيث يحرص في مجلسه على بث الرقائق واللطائف التي تغذي روح المريد وتنشط أعضاءه إلى العبادة، و تساعده على شهود نعم الخالق وشكره عليها. وقد اتخذ من التواضع وهضم النفس شعاراً ومن محبة المسلمين والنصح لهم دثاراً، لا يطلب شهرةً ولا منصباً ولا مكسباً مادياً، ويعفو ويصفح ولا يجادل أصحاب الأهواء إلا بالتي هي أحسن.
ناهز عمر الشيخ السبعين، حرص على توظيف أيامه ولياليه في العبادة المخفية التي لم يرد بها إلا وجه الله تعالى، بالإضافة إلى خدمة للدين الإسلامي الحنيف، والسعي في منافع المسلمين، وقد عرف بالسخاء والتقوى والسؤدد ولين العريكة وحسن الخلق والبشاشة في وجه الزائر، وحب المسلمين والنصح لهم، فكم من لهيف وعانٍ قد أعانه الشيخ، وكم من عاطل قد حلاه ووظفه، وكم من مريض ساق الله على يديه شفاءه، وكم من رقية شرعية ودعاء مستجاب نفع الله بها العباد والبلاد، كان سيد قومه المطاع، وسفيرهم المحترم، والمجلي في أمورهم العامة، يبرم الأمر، ويرتق الفتق، ويسعى في مصالح ضعفاء القبيلة ويعينهم على نوائب الدهر، ولا يمكن لخبر نعي مختصر أن يحيط بجميع جوانب شخصية فذة ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، تقبل الله منه صالح العمل وجعله في ميزان حسناته.
تنتهز أسرة موقع انيفرار هذه السانحة لتقدم تعازيها القلبية الخالصة إلى عموم سكان ولاية اترارزة جميعا، ومريدي الشيخ ومحبيه في مقاطعة المذرذرة، كما تخص بالتعزية أسرة أهل احماد بن أبا ودوحة أهل محمد بن عمِّ وأهل الشاه بن الشيخ أحمد الفاضل، وأهل محمد بن امو وأهل محمدن بن أبن، سائلة المولى عزَّ وجل أن يربط على قلوبهم ويرزقهم حلاوة التسليم، ويتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.