العطاء والكرم والسخاء والجود ألفاظ تستخدم كلها للتعبير عن الإنفاق وبذل المال بطيب النفس، إلا أن بينها عموما وخصوصا، فالكرم أعم من العطاء والجود أعم من السخاء وذلك راجع إلى أن الكرم والجود من صفات الله ، فالله هو الكريم المطلق وهو الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه.
وقد ورد الحث على الإنفاق في القرآن الكريم (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92 ) كما ورد الترغيب فيه فى حديث حكيم بن حزام الذى رواه البخاري ومسلم وفى غيره من الأحاديث التى رواها أصحاب السنن.
وقد حث عليه السلف الصالح فقد قال سلمان الفارسي رضي الله عنه : إذا مات السخي قالت الأرض والحفظة : رب تجاوز عن عبدك فى الدنيا بسخائه.وقال محمد بن عباد للمأمون عندما عاتبه على كثرة عطائه: يا أمير المؤمنين منع الموجود سوء ظن المعبود.
وقال سفيان بن عيينة : السخاء: البر بالإخوان والجود بالمال . أما الإمام الشافعي فقد أكد أن كل صفة تنفى ضدها إلا السخاء فهو ينفى جميع الصفات غير المستحسنة عن صاحبه عندما قال:
و إن كثرت عيوبك فى البرايا***وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكـــــــــل عيب *** يغطيه كما قيـــل السخاء.
من خلال هذا التقديم المختصر، يتضح للمتصفحين الكرام أن موضوع الحلقة الثالثة من قسم الطرائف و التلائد هو السخاء وقد كان صفة سائدة في مجموعة أهل أعمر اديقب وفي بني ديمان بصفة عامة وقد عرف كل من عبيدي بن محمذن بن ألفغ عبدالله وممد بن سيد الامين من حي أهل أعمر اديقب بالسخاء كما أشار إلى ذلك الشيخ والد بن خالنا رحمه الله.
أما الجد المختار فيها فهو : محمذن بن أعمر إديقب و أمه تنغوس بنت باب أحمد
والحفيد المختار هو : أحمد بن المنجى بن حنبل بن محمذن بن أعمر إديقب و أمه هي: ديد بكسر الدالين بنت ممد بن سيد الأمين بن أعمر .
كان محمذن بن أعمر متوسطا بين أخويه أشفغ عبد الله وسيد الأمين، وقد تحلى بصفات نادرة حيث كان رجلا عالي الهمة عصامي النفس على قدر كبير من العلم والصلاح. و قد كان المدبر لشؤون الأسرة و القائم عليها.
وقد حفظ لنا التاريخ له عدة كرامات غريبة ، أشار القاضي أحمد سالم بن سيد محمد رحمه الله لبعضها بقوله :
ولمحمـــذن خـــــــــوارق تعد*** منها له غنمه التـى وجد
إذ عز مرفد على حين التزم*** للنادي مرفدا لجمع قدألم
وهذه الأبيات تشير إلى كرامة متواترة لمحمذن هذا وسأرويها باختصار وتصرف نقلا عن الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف:
(… نزل فى إحدى الليالى كثير من الضيفان على الحي الذى تقيم معه أسرة أهل أعمر إديقب، وكان في الحال ضيق،و من عادة الزوايا تحمل أعباء الضيوف بالتناوب، وكان الضيوف في ذلك الزمن ينزلون في المسجد فيقتسمهم الناس بعد ذلك.
وكانت تلك النوبة على أسرة أهل أعمر إديقب، وبالتالى فقد بادر محمذن بدعوة الضيوف إلى بيته رغم أنه ليس لديه صامت ولا ناطق، ولعل ذلك ما دعا أحد الحاضرين إلى اقتراح أن تتولى أسرة أخرى أعباء تلك الضيافة. لكن محمذن امتنع عن ذلك أيما امتناع، وذهب بالضيوف كلا متكلا حقا على الله فستره الله بستره الجميل.
فراحت عليه من حيث لا يحتسب ثلة من الغنم ، فذبح وحلب لضيوفه منها و بات يطوف عليهم باللحم المشوي واللبن الشهي، هذا مع استغراب أهل الحي ، لكن الله آخذ بيد السخي).
أما أحمد بن المنجى فقد كان رجلا كامل المروءة وافر العرض سخي الكف ، حدث عن كرمه ولا حرج يتفق القاصي والداني من محيطه الجغرافي على أنه كان أجود الناس في زمنه، فلذلك أطلقوا عليه لقب حاتم بنى ديمان.
ولكننا قد لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه كان زاد ركبها و زاد مشاتها. و ذلك من شدة اجتهاده في التلقي للضيوف فى مظان تواجدهم، سواء في المسجد أو عند البئر أو فى ممر القوافل ومبالغته فى تفقد خلاتهم وحرصه على سدها.
ومن أغرب ما روي عنه أنه كان يوما راكبا جملا متجها إلى بلدة تدعى بوتيشطاية وهي قريبة جدا من محل إقامته، فاستوقفته امرأة ضعيفة وسألته عن وجهته فقال: لها إني في طريقى إلى بوتيشطاية، فقالت له: أما أنا فذاهبة إلى كنار فأناخ جمله وقال لها قولته الشهيرة (بوتيشطاي ماه كلب الكنار) أي غير مناف له ، فأردفها و حملها إلى أهلها عند كنار.
ولايخفى ما في مضامين هذه القصة من الجود بالوقت والجهد والمال و قوة التحمل و شدة الحرص على مكارم الأخلاق ونفع المسلمين.
ويروى له الشيخ سيد احمد بن إسمه قصة غريبة، وضعها فى عداد الكرامات فى كتابه ذات ألواح ودسر وسنوردها منه بتصرف قال:
(….ومن ما ينبغي أن يذكر هنا جود أحمد بن المنجى الأبهمي، الذي هو حاتم دهره و له حكايات فى الجود غريبة منها أن قافلة من بني ديمان و أظن أنها من أولاد يعقب نلل عزموا على السفر فقالوا : إن أحمد بن المنجى فى وجهتنا وسيبحث بحثا شديدا عن جميع الحوائج التي نسيناها ليوفرها لنا، ففوتوا عليه هذه الفرصة، وخذوا أهبتكم للسفر وخصوصا كل ما يحتاج إليه المسافر من ظهر و زاد ومزادات الماء، و لا تتركوا شيئا إلا أخذتم منه ما يكفيكم، فاجتهدوا فى ذلك جدا حتى ظنوا أنه لا يجد عندهم أي نقص.
ثم بعد ذلك مروا بالحي الذي يقيم فيه، فلما أتاهم وسلم عليهم بدأ بأوعيتهم يتفقدها عله يجد خلة يسدها ، فكان كلما سألهم هل عندكم كذا؟ أجابوه نعم حتى يئس من وجود أي نقص فذهب عنهم، وظنوا أن هدفهم تحقق، لكنه لما كان فى بعض الطريق كر راجعا إليهم وسألهم هل عندكم سكين؟ فتفقدوا الأوعية فإذاهم لم يجلبوا معهم أي آلة للقطع فزودهم سكينا وتعجبوا من اجتهاده في طلب الأضياف ومن تيسير الله له لذلك.
ومن أغرب نوادره في السخاء ما روينا متواترا وهو أنه كان جالسا تحت شجرة بخلاء بعيدا عن حيه إذ قدم عليه ركب من بني ديمان وبعد السلام بادروه على وجه المزاح والتعجيز إيه يا ابن المنجي نحن ضيوفك فأين نزلنا؟. أكمل معهم مراسيم السلام ثم استأذنهم لبعض شأنه. وبعد جولة مضنية بحثا عن قرى لأضيافه صعد ربوة فأبصر عن بعد راعي غنم فقصده وتمكن – بعد أن تحمل له ثمنا مغريا – أن يشترى منه سقاءه المملوء لبنا وشاة من غنمه آجره على ذبحها وإعدادها ثم عاد إلى ضيوفه حاملا لهم اللبن ليسقط في أيديهم كيف حصل ابن المنجي على هذا الشراب في هذه المفازة إلا أن المفاجأة اكتملت عندما جاء الراعي حاملا معه شاة ناضجة.
وهذا النوع من الموافقات كثيرا ما يقع لأهل السخاء. وقد قال الإمام الحسن أن من ضعف يقين العبد أن يكون أوثق بما فى يده مما فى يد الله.
كان رحمه الله حيا فى أوائل القرن الثالث عشر ودفن إلى جنب عمه سيذن فى ابير حيبل وإلى ذلك يشير العلامة بباه بن اميه رحمه الله بقوله:
زيارة البدرين نجل المنجى***احمد وسيذن مِ المخوف تنجى
إليهما انم دونـــــــما تكلف*** ذكــــــــاء إياس وحلم الأحنف
وجود حاتم وكل ما صفــة***حميدة تعلى المقـــــــــام كاشفة
وقد روى الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف فى كتاب الأنساب أن الشيخ محمدن بن الشيخ أحمد لما بلغه نعي المرحوم بدى بن حامدت بن محمدفال بن أحمد بن المنجى – وهو فى ريعان شبابه- أجهش بالبكاء قائلا لقد انقطع اليوم فخذ هو خير من طلعت عليه الشمس من أهل أعمر إديقب علما وصلاحا ودينا ومروءة وسخاء.
رحمة الله عليهم أجمعين
يعقوب بن عبد الله بن أب
يا رب من يقرضني بيصة وقل من يقرض في ذا الزمن
مات ابنم المنجي وعم الفتى هيهات أن يقرض أو يؤتمن
السخاء المعنون له هنا لا يعني فقط بذل المرء ماله في واجباته الدينية والاجتماعية.
وهو عندي أهلية وقابلية يجعلها الله في بعض عباده تجعلهم يشعرون أن كثيرا مما ليس يجب عليهم متعينا عليهم فيبذلون وسعهم في تحقيقه كما يفعلون مع الواجبات يقول: اذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت الخ وقصة حلة اربعين جيد التندغية خير مثال على ذلك وأمثلة الكاتب تندرج تماما تحت هذا النوع النادر من السخاء.
وعلى ذكر ول المنجي فقد أدركت بعض احفاده وكان فيهم السخاء الفطري لايتعبهم السعي فيه فكأنه ميسر لهم.
وخيرت اكبيره
كل ميسر لما خلق له فيا سبحان الله العظيم
من أجمل ما قيل في الكرم
لو أشبهتك بحار الأرض في كرم *** لأصبح الدر مطروحا على الطرق
أو أشبه الغيث جودا منك منهملا *** لم ينج في الأرض مخلوق من الغرق
لاتستوي الكف الشريحة للندى *** عند الكرام وشيمه المناع
وإذا صنعت إلى الكرام صنيعه *** ألفيت دخرك وهو غير مضاع
والكريم النامي لأصل كريم **** حسن في العيون يزداد حسنا
كم ناقص دل على فاضل ****كما دل على بيت كريم نباح
إن الصنائع في الكرام ودائع **** تبقى ولو فني الزمان بأسره
إن الكريم الذي لا مال في يـده* مثل الشجاع الذي في كفه شلل
والمال مثل الحصى ما دام في يدنا*** فليس ينفـع إلا حين ينتقل
ونكرم ضيفنا ما دام فينا **** ونتبعـــه الكرامة حيــــث مالا
يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهي…إليكم تلقى طيـبكم فــــيطيب
وإنما المرء حــديث بعـده…. فكن حـــديثــاً حــسناً لمن وعى
إن رباً كــفاك ما كان بالأمس…..ســيكــفيك في غد مــــا يكون
يقضي على المرء في أيام محنته*** حتى يرى حسناً مـا ليس بالحـسن
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا****من كان يألفهم في الموطن الخـشن
هم القوم إن قالوا أصابواوإن دعوا****أجابواوإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
يلال معدل ذ الراجل زين عند هذى بوتشطاي ماه كلب الكنار وان امن اهل النقل و صرتك يلبلديتين ال ابعيد اعل الوتات اشكال اعل مركوب
وخيرت حك عندى بهل انيفرار
والله الل وخييرت نفعنا الله ببركتهم . أحسنت أخي يعقوب ووفقت فما احوجنا الى التعرف على هذا الصنف من الناس الذين كانوا يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة يفعلون ذلك بتواضع وخمول وزهد ابتغاء مرضاة الله تعالى رحمهم الله برحمته الواسعة. ومازلنا يا استاذنا المبرز بانتظار المزيد بارك الله فيك
وخيرت
عند ذكر الصالحين تنزل البركة