إنه من المشاكل المحيطة بأفكارنا تعاقب الكلام بين البلاغة والعي، ومستويات الفهم المتفاوتة حسب الحقول الدلالية للكلمة في الفضاء البلاغي المتواضع عليه عند المجتمع، فأنت لو حاولت تتبع كلامك قبل قوله وهو أفكار يوجهها المقام وقارنته بتأثير كلامك بعد أن التقفته الآذان وفهمه كل حسب إدراكه فستجد أنك تحمّل نفسك متاعب جمة أخفها الإساءة إلى أحد بدون علمه وذلك لتضحك جليسا قد لا يدرك كنه قصدك ، من قولك تلك الكلمة في تلك اللحظة كما أن أي إنسان يعبر خلال كلامه عن فكرة سالفة في ذهنه وإذا أقصر كلامه عن مغزاه فالمصيبة أعظم .
ففي كلا الحالتين يبقى الإنسان أسير لسانه وضحية إفصاحه بين إساءة خفية أومعلنة وبين سقوط مزر بقدره وهنا تبرز خطورة اللغة على الإنسان.. إنها ليست مجرد وسيلة تواصل فقط وإنما هي عالمنا بجميع مكوناته الحسية والمعنوية فلسنا نعيش عالما واقعيا بقدر ما نعيش عالما لغويا فليس الكون سوى مفردات تتلاصق في سياق اجتماعي لتنشأ صورة مرئية نطلق عليها أعلاما لنتفق ونعيش اجتماعنا بأقل ما يمكن من الجهد.
كما أن الصمت ليس هو الحل السحري لمواجهة الآخر فقد يكون الصمت أحيانا أبلغ من الجواب كما قد يكون قصورا وضعفا في تكوين الشخصية أوالشعور بالدونية ويدل في بعض الأوساط على الخوف والجهل كما يعتبر من دواعي الاحترام عند بعضهم فيلزمه لشخصية معتبرة عنده ويدل عند بعضهم على العقل إذا تم عقل المرء قل كلامه وسئل أحد علماء البلاغة كيف يكون الإنسان بليغا فقال:لا يسأل عما لا يعنيه ولا يسبق أحدا في الجواب لما يعرف ويجيب باختصار إذا سئل ..
من هنا أمكن تقسيم المقام إلى ثلاث مستويات :
ـ مقام يستدعي الجواب على سؤال وهذا محصور بالفائدة
ـ ومقام يتطلب سؤالا وهذا يلتزم فيه التدقيق ومراعاة الغرض المشكل
ـ ومقام ثالث يفرضه الاجتماع والعصر والدين وطبيعة ا لبشر التي تخضع الانسان لأوامر يعتبرتجاوزها خطأ إجتماعيا يصنف حسب الشذوذ الذي أرتكبه الفرد وهنا يقال فلان صموت وفلان مجامل وفلان ثرثار ، كما لا يخفى ما للجانب الخلقي والنفسي في هذا الباب، فالإنسان في وحدته يعيش حوارات ساخنة لا تدع مكانا لحاجة الكلام كما يستغني عنه عندما يكون الإنسان في مكان مليء بضجيج من الأصوات . فلحظة الكلام المثالية حين نكون مع عدد أقل من الخمسة وحينها تنتقل ملكية الكلام من الفرد إلى الجماعة ويتقيّد التعبير بعدة أبعاد واعتبارات من هنا نلاحظ أن الإنسان يحضر مع الجماعة بمعجم يغيب عنه حقل الآن ويهمل خصوصية الذات ومعانيها المرافقة لها وذلك على عكس وجوده منفردا فإنه يحضر معجم الذات و يهمل مألوف الجماعة ويرمي كل قيودها المعيقة ويكون الحديث حينها بالتصور والمقارنة لا بالكلمات .
وليس جميع ما يحدّث به الإنسان نفسه من الأفكار ممكن بالفعل بل بعضه فقط هو الذي يتحيز بالكلمات بينما يبقى الجانب العظيم من ذلك التراث دفينا في حفر الذات وقد يظهر بعضه في فلتات اللسان والحلم والكتابة وفي ضجيج الصمت.
أحسنت ديدى الان فهمت صمتك