بسم الله الرحمن الرحيم
العلامة الشيخ محمد المامي والعلامة زين بن اجمد
نظرة في النشأة الثقافية والوشائج العلمية
موضوع مقدم بالمبادرة التي قامت بها قبيلة أهل باركل بقيادة السيد/ إسحاق بن أحمد بن حَمِّينْ لإحياء حلف تشمشه
د/ التاه بن محمدن بن اجَّمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
في البداية أشكر جماعة أهل بارك على هذه الدعوة الكريمة، والتي أحيوا بها دارس المواثيق والعهود، التي –للأسف- ضيعها الإعراض عنها والصدود، وأخص بالذكر فضيلة الأستاذ/ إسحاق بن أحمد بن حمين، الذي قام بتنظيم هذا الحفل البهيج، ولا غرابة في ذلك فالشيء في منبته لا ينكر ولا يستغرب:
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه | وتغرس إلا في منابتها النخل |
والحديث عن العلامة المجدد الشيخ محمد المامي حديث ذو شجون، لأنه علامة أحاط بجميع العلوم والفنون، لا أعرف من أين أبدأ؟ هل بوسطه العلمي، أو محيطه الثقافي، أو بانتصابه للتدريس والإفتاء، والتأليف والإقراء، أو بمحظرته التي ضمنت الأقارب إلى ذويه، أو بما قيل فيه من الإشادة والتنويه.
وفي البداية أود أن أَلفت النظر هنا إلا أنني لا أحاول أن أترجم لهذا العلم العلامة، وخلفه الحبر الفهامة، بهذه الأسطر القليلة في حقهما وحق أمثالهما من العلماء الجهابذة الأفذاذ؛ ولو حاولت ذلك في بحث مستقل وحر طليق، لا يدخل ضمن دراسة أو تقديم وتحقيق، لما استطعت ذلك، بل ولا نصيف عشر عشره، بل حسبي هنا أن أضع القارئ معي في مكان سوى من حياة هذين العلمين، لا تتجاوزه معرفتي ولا ينبغي أن تقصر عنه معرفته.
لقد ولد العلامة الشيخ محمد المامي سنة (1202هـ) حسبما رجح الشيخ: محمد بن أحمد مسكه، معللا ذلك بأن الشيخ محمد المامي سأل سيد عبد الله بن الفاضل عن مسألة من مسائل التيمم، وذكر جوابه عليها، وسيد عبد الله بن الفاضل توفي (1209هـ) فهو حينئذ ابن سبع أو ثمان سنين، وهي سن يمكن فيها التحصيل والضبط.
والمامي التي في اسمه هي تحريف للإمام، وقد سمي باسم عبد القادر (1207هـ) أحد أئمة مملكة فوتة الإسلامية في السنغال، ويشهد لذلك ما في بعض نسخ نظمه لأهل بدر المسمى “وسيلة السعادة” قال في مطلعه:
قال محمد الفقير اللاهي | ابن البخاري بن حبيب الله | |
سمي والي بُوصَياب المامي | صاحبُ الاستهداف بالأنظام |
ولم تذكر المصادر التاريخية أن الشيخ محمد المامي درس على أحد، بل لا يذكرون إلا أن علمه كان لدنيا من الله سبحانه وتعالى، بلا واسطة تعلم من أي شخص، وكل ما يعرف عن دراسته أنه درس القرآن الكريم وهو طفل، ولكنه لم يبلغ العشرين من عمره حتى طبقت شهرته الآفاق، كعالم مدرس لكافة الفنون ومؤلف فيها، وشاعر مفلق في الشعر الفصيح والحساني، وهذا ما نلاحظ أن الشيخ محمد المامي -رحمه الله- ذكره، ونص عليه في آخر نظمه لمختصر خليل، قال:
فدونكم إبلَ نظم لا تـــــــــــلد ولم يكن مصريُكم والتونسي أعطاكموها فاتحُ الأبــــــــواب بجَذبة من مالك الخــــــــطام وشَربة من بحر نور سلسل لكنها الرؤيا تسر مــــــن رأى فإنما العصور والقــــــــــصور |
تحمل أثقــــــــــــــــــالكم إلى بلد بالغَه إلا بشـــــــــــــــــق الانفس وإنما كنت من الأســــــــــــــــباب ونية فاترة العــــــــــــــــــــــــظام بين يدي -في النوم- خير مرسل ولا تغر مـــــــــثل (سُر من رأى) أحلام نائم لها قــــــــــــــــــــصور |
وقد أحاط الشيخ محمد المامي -رحمه الله- بجميع العلوم والفنون، وطرقها درسا وتأليفا، فهو عالم علامة، مجدد مجتهد، قال عنه العلامة زين العابدين بن اجمد اليدالي: في شرحة لمنطومته الكبرى لأهل بدر، “وأما الناظم فكان غاية في العلوم؛ لأنه مشارك، بل كاد يفوق أهل عصره، لانفراده بعلم الهيئة، وتسيير الكواكب، وأقطار الأرض وأطوالها، حتى قيل إنه يعلم عد الحصى، وربما أخذ ذلك من بعض أزجاله الحسانية.
وقال العلامة الشيخ محمد بن أحمد مسكه عنه: “وليس لدينا الكثير عن صبوة الشيخ، ولا عن تعلمه وأشياخه، ولكنه برز إلينا وهو في سن العشرين من عمره، وقد اكتمل نضجه، وأصبح معدودا من أكابر الأولياء الصالحين، ومن محققي العلماء المشاركين في جميع فنون العلم، ومن الشعراء البلغاء المجيدين، ومع ذلك فلم نستطع العثور على شيخ له؛ سواء في علم الباطن أو علم الظاهر؛ سوى ما يذكر من أن أخاه الأكبر، عبد العزيز بن البخاري كان شيخَه، وكان متصوفا، وله في التصوف تأليف”.
ويقول الشيخ محمد المامي متحدثا عن نفسه: “ألفت في القرآن مائة مؤلف، ولم يسألني أحد عن مسألة منها قط” وقال أيضا: “ألفت في كل فن مائة” ويضيف قائلا: “ووضعت في الفقه أربعمائة مؤلف” وأما تواليفه في الأصول فقد قال عنها في السلطانية:
آخر ما ألفت في الأصول | متمم المائة للوصول |
من هنا نتبين أن الشيخ محمد المامي ألف في جميع علوم عصره بلا استثناء، كما تناول ميادين أخرى غريبة على عصره.
أما عن تنويه العلماء به، فقد نوه به الكثير من علماء عصره، وشهدوا له بالفضل والموسوعية، كما أثنى عليه من بعده من العلماء، فقد وصفه بعض أهل عصره بأنه موقف عقل، وبعضهم بأنه لا مَامِيّ بعده، وكانوا يمثلون به للشيخ الصوفي المربي الكامل الموصوف في رائية الشريشي، كما قال العلامة محمد الخضر: فلأنه الممثل به عند صيارفة وقته، لقول القائل:
ولا تقدمن قبل اعتقادك أنه | مرب ولا أولى بها منه في العصر |
وسئل عنه العلامة سيدي أحمد بابه بن البخاري بن الفلالي الباركي، على أي المذاهب محمد المامي؟ فأجاب: على أي محمد المامي المذاهب؟!.
وقال عنه العلامة الشيخ سيد احمد بن اسمه الديماني عند حديثه عن قبيلته: “ومنهم الشيخ محمد المامي المذكور، ناظم مختصر الشيخ خليل، ومؤلف الكتاب المسمى كتاب البادية، وصاحب القصيدة العجيبة المعروفة بالدلفينية، وصاحب الأخرى المعروفة بالميزابية في الجدل، والذي نظم العلوم كلها من فقه، ونحو، وتوحيد، ومنطق، وبيان، وسيرة، وأنساب، وهيئة، وغير ذلك. بنظم حسن، سلس، محكم من الشعر الحساني، لا تمل الآذانُ منه مع طوله، بل لا تزيده الحكاية إلا حُسْنًا عند سامِعِيه، وهو من العجائب العظام، وهو ديوان للعلوم كلها”.
وقد سجل تلميذه الشيخ محمذن ين محمد الأمين بن اخيار الألفغي سنة ميلاده، وسنة انتهائه من نظم مختصر خليل، وسنة وفاته، في بيتين، قال:
ومولد الشيخ محمد المامي | (بشر) مــــــــــن الهجرة للأنام | |
وتم نظمه خليلا عــــام (لو) | وموته في عام (بفرش) حكوا |
ويحدد الشيخ محمد الخضر تاريخ وفاته أكثر، حيث قال عنه: “توفي آخر ليلة جمعة من جمادى الأولى، كذا أخبرني جمع من أهل بيته، زاعمين أنهم أقرب إلى الحضور، وقد وجدت في نظم تلميذ له ثقة، أنها ليلة خميس، لخمس خلون من جمادى الأخيرة، وأن عمره ثمان وسبعون سنة”. ومراثيه أكثر من أن تعد أو تحصى، أو تحصر أو تستقصى.
أما العلامة زين العابدين بن اجَّمد اليدالي
فهو زين العابدين بن محمذن بن اجمد بن أيدوم بن أحمذو بن أشفغ المختار بابه، وكانت ولادته سنة (1277هـ) باتفاق جميع من كتبوا عنه، وهذا يؤخذ من البيتين الذين رمز بهما ابنه المختار لسنة وفاته، ومقدار عمره؛ قال:
في “حنشس” زين ثوى في رمسه | وثلمة في الدين موت جنسه | |
“أف” لدهر عمره فيه انقـــــــــــضى | وواجـــب لدى انقضائه الرضا |
وقد نشأ في محيط علمي ومعرفي باتفاق، فوالده محمذن بن اجمد كان عالما عارفا ورعا عابدا زاهدا في الدنيا مقبلا على الله سبحانه وتعالى، ويتسلسل العلم في أسرته إلى جده الأبعد، أحمذو بن أشفغ المختار، الذي ورث العلم هو الآخر عن أبيه وأجداده الأدنين والأقصين، وسأقف عنده لأن السلسلة تطول.
وقد افتتح العلامة طلبه للعلم بحفظ القرآن الكريم، وديوان الشعراء الستة الجاهليين، ثم أتبع ذلك بالمتون الفقهية واللغوية المتداولة يومئذ في المحاضر الشنقيطية، مستفيدا بالدرجة الأولى من أخويه المختار بن جنك، وأحمد بن اجمد، ثم طفق يستزيد من العلم على يد عدد من علماء عصره وزمانه، وأيمة وقته وأوانه.
كما زار محظرة العلامة شيخ المشائخ يحظيه بن عبد الودود –رحمه الله- إبان تأسيسها، لكنه لم يلبث بها؛ لأنه لم يجد فيها جديدا على معارفه، فقد روى لي العلامة البشير بن جنك -رحمه الله- أنه يتذكر أيام كان يدرس في نفس المحظرة، وهو صغير آنذاك، أن زين العابدين بن اجمد زارهم في تلك المحظرة، ولبث معهم أياما، وحكى أنه كان يطوف على الطلبة، قائلا لهم باللهجة الحسانية: “الصَّدْكَ مِنْ حَدْ ايدَوَّرْ بَيْتْ يِنعْرَبْ وَلَّ كَلْمَ يِنْزْرِكْ بِيهَا” أي أنه يطلب منهم أن يتصدقوا عليه بشخص يريد كلمة تعرب له، أو يمتحن ببيت، أو غير ذلك.
وقد اتنظمت حول العلامة محظرة كبيرة، تخرج منها عدد من الأفواج والأجيال، وآوت إليها أفئدت الطلاب من كل حدب وصوب، فأَمَّه الأهلُ وقصده الأباعد والغرباء، وقد هيأته مكانته العلمية لاستقطاب الطلاب، فقد كان مواظبا على العبادة، مستقيما في الدين، عاملا على تعمير الأوقات بالذكر، والتلاوة، والصلاة، ملازما لمطالعة الكتب، قليل الكلام، قصير السلام، مكتفيا باليسير من الطعام، محسن الظن بالمسلمين، ملتمسا لهم أحسن المخارج. ويذكر أنه كان معتنيا بالطهارة المائية، حتى قيل إنه ما ريئ متيمما قط، مع سكنه في البلاد الباردة المحاذية للمحيط، وقد خلف مؤلفات عديدة، شاملة لجميع الفنون والتخصصات، تنم عن سعة اطلاعه، وعلو كعبه في العلم ورحابة باعه، فقد ألف في تفسير القرآن، وإعراب كلماته، وتجويد حروفه وأوجه قراءاته، كما ألف في الحديث الشريف، وفي الفقه وأصوله، ونظم الفتاوى والنوازل، ناهيك عن مؤلفاته في فني البديع والمنطق، فهو لم يترك فنا إلا وطرقه بالشرح والكتابة والتأليف، أو الاستدراك والترتيب والتصفيف. ويضيق المقام هنا عن سرد تلك المؤلفات التي تزيد على الأربعين.
وتتجلى مكانة العلامة بإشادات وإنشادات الإكبار والإعظام، وعبارات وأوصاف التقدير والاحترام، التي صدرت من أعيان عصره، رغم حجاب المعاصرة، وما يصاحبها من تعنت ومكابرة.
ومن بين ما حفظ في هذا المجال، قول العلامة حامدن بن محمذن بن محنض بابه الديماني (ت 1342هـ) “إن من غاب ولم يلق زين بن اجمد، فكأنما خسر رحلته، وانتكس على عقبيه يجر أذيال الخيبة وخُفي حنين”.
هذا أحد الإشادات النثرية، أما الجانب الشعري فنصادف فيه شعرا فصيحا، وآخر منظوما على الطريقة الشعبية، ومن هذا الأخير ما امتدحه به الأديب الشهير، محمد ولد هدار، عندما نزل زين على حي آل محم ولد اعمر التندغيين بضواحي كرمسين، وهذا الحي أصبح يعرف فيما بعد بـ”حي لمرابط” قال منوها به وبالحي الذي نزل عليه:
لــــــــــمْرُوّ نِزْلتْ | والدِّينْ امْعَ زَيْنْ | |
اوْ جَاوْ اعْلَ نَزْلتْ | لِمْرُوَّ والـــــدِّينْ |
كما امتدحه أحد معاصريه بأبيات رائعة من بحر الوافر، قال فيها:
محط رحال راجي العلم زينُ | ومنه الوصف مثل الاسم زينُ | |
به رين القـــــلوب يصير نورا | فليس على القلوب لديه رينُ | |
وجهل الجاهلين يصير علما | وصعب المشكلات عليه هينُ | |
وعند لقـــائه لم أخش جهلا | فعـــــــــند لقائه للجهل حَينُ |
ويرى كل من كتب عن العلامة أنه رحل إلى جوار ربه سنة (1358هـ) بمكان قريب من مقاطعة كرمسين، يسمى “امْفَاطْمِي” ودفن به، وقبره بها مشهور مزور، قال محمد يحي بن إياهي في زيارة كان قد أداها لقبره: (شعر حساني)
يَا صَالِحِينْ امْفَاطْمِي | يَعْمَلْنِ فَابْــــــتِغَايَ | |
نِنْزِلْ لَبْخَ مِن فَاطـــمِ | رَيْظتْ تِعْدَالْ الْغَايَ |
وقد رثاه جم من الشعراء والعلماء، من أبرز تلك المراثي مرثية تلميذه الذي أخذ عنه جميع معارفه، العلامة الشاعر المجيد: أحمدو بمب بن أحمد بن الأمين العاقلي، قال:
أرى الأيام تأخذ بالعـــــراض وتسلبك المـــــحبب لا إليها أتانا أنها أخــــــــــــذت بزين بزين العابدين لدى المصلى وزين القارئين بكل حــــرف وزين الموسعين لكل ضيف وزين الآخذين على أويـــس فإن نفضت به غرر الــــزوايا فلا نور يلوح ولا وقـــــــــــار فلا والله لم أر مثـــــــل زين |
وتنتقر النــــــــفائس بانقراض وتشري العــلق منك بلا تراض إلى ذات الــيمين طريق ماض وزين الحاكمين لدى التقاضي وزين المســــندين إلى عياض وزين المعرضين عن العضاض وزين الناسبين إلى مضــاض فأضحت وهي خاويةَ الوفاض ولا رعب تذوب له المـــواضي إذا وضع اليمين على بـــياض |
أما الوشائج العلمية والروحية بين الشيخين، فهي أكثر من أن تعد في وريقات مثل هذه، وسأقتصر هنا على نظم الشيخ محمد المامي المسمى: “وسيلة السعادة لمبتغي الحسنى مع الزيادة” والذي شرحه العلامة زين العابدين بن اجمد شرحا سماه: “جليلة الإفادة في شرح وسيلة السعادة”.
وهذا النظم ذكر فيه الشيخ محمد المامي كل صحابي ورد قول بأنه حضر بدرا، وهو نظم عذب -كما قال عنه- واضح سلس، لغته بسيطة وواضحة، إذا ما استثنينا مقدمته، وقد خصص لكل صحابي بيتا يذكر فيه اسمه وبطنه، وصرح بأنه أخذ أسمائهم من كتاب جالية الكرب بأصحاب سيد العجم والعرب للبرزنجي، إلا أنه زاد في الإيضاح والإعراب، معتمدا في ذلك على كتاب الاستيعاب، وبين لنا هذه المسائل في مقدمة نظمه، حيث قال:
الحمد لله الذي وهــــب لي | سجلين من أصحاب بدر المنهل | |
فمنهما مز وهــــــــــو الأول ياتيك بالشهيد ذي البشائر بيتا لكل منهم بنـــــــــــيت |
ومنهـــــــــما عذب كبدر سلسل منـــــــــــــهم وبالآباء والعشائر يحـــــــــــــــفه من الجنان بيت |
وقد مهد لنظمه هذا بمقدمة توسلية رائعة، ذكر فيها فضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، مثْنيا ومترضيا عنهم، ذاكرا بطونا من المهاجرين والأنصار، متذكرا الدور الذي لعبوه في الفتوحات الإسلامية، قال رحمه الله:
وإن أردت دفع كل حــــــــــــــرج وَشَرْحَ صَدْرِكَ الَّذِي لَمْ يَثْـــــــلُجِ فَامْزُجْهُ بِالْعَذْبِ الزُّلاَلِ الْحَشْرَجِ يا حزب خير المرسلين الفـــلج يا خزرج الأوس وأوسَ الخزرج يا أوس الاوس عرجي لعرجي بِحَمَلاَتِكُمْ لَدَى الْمُعْـــــــــــتَلَجِ ودلج الغزو وسد الفُــــــــــــرَج حمى الملوك وذوات الــــــغنج |
وجلب كــــــــــــــــــل فـرح وفرج وَمَـــــــــزْجَ نَظْـمِكَ الَّذِي لَمْ يُمْزَجِ وَادْعُ دُعَاءَ الْمُـــسْتَغِيثِ الْمُلْتَجِي يا أســـــــــرة المـــهاجرين الخرج وخــــــــــزرجَ الخـــزرج عني فرج وضعــــــــف حيلتي عليه عرجي وبشـــــــــــــراءات النفوس الروج حتى استبحتم بالسيوف المجج وانتــــــــشر الإسلام فوق الأبرج |
وعلى العموم فهذا النظم قد اهتم به العلماء ودرسوه ودرّسوه وألفوا حوله الشروح، فأول من شرحه المؤلف نفسه، كما شرحه العلامة زين العابدين بن اجمد اليدالي شرحا حافلا ومُوسعا سماه “جليلة الإفادة في شرح وسيلة السعادة” استفاض فيه في تراجم الصحابة لاسيما الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وقد أدرج فيه تأليفا له آخر حول مسألة الزبية، وقد قدم له ببحث مفصل حول جواز التوسل، مؤصلا له من السنة النبوية بأحاديث وردت في الصحيحين؛ لأن هذا النظم احتوى على كثير من التوسل بالصحابة الكرام، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
وفي خاتمة النظم يقول الشيخ محمد المامي متوسلا بجاه الصحابة الكرام، داعيا بدعوات صالحة جامعة بين خيري الدنيا والآخرة:
بِجَاهِهِمْ بَارِكْ لَنَا فِي الْمَغْرِبِ | يَارَبِّ وَالْعُمْرِ وَفِي ذَا الْمَكْـــسَبِ | |
وَفِي الْمَفَاتِحِ وَفِي الْمَــــــــخَاتِمِ | وَفِي الْفَـــــــوَاتِحِ وَفِي الْخَوَاتِمِ | |
وَفِي الْوَسَائِل وَفِي الْمَـــــقَاصِدِ وَفِي الْمَصَائِبِ وَفِي اْلَفـــــــوَائِدِ وَفِي الْمَرَاكِبِ وَفِي الْمَــــضَاجِعِ وَفِي الْمَرَاغِبِ وَفِي الْمَـــــرَاهِبِ وَفِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا وَفِي الْأُمُورِ الْوَاجِبَاتِ الْــــــكَتْمِ وَفِي جِوَارِ الْوَحْشِ وَالـــــضِّبَاعِ وَفِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ وَالْأَجَـــلْ وَلاَ تُخَيِّبْ مَقْصِدِي وَاسْتَــــجِبِ |
وَفِي الْمَصَــــــادِرِ وَفِي الْمَوَارِدِ وَفِي الْقَوَاعِــــــــدِ وَفِي الْعقَائِدِ وَفِي الْمَذَاهِــــبِ وَفِي الْمَرَاجِعِ وَفِي الْمَكَاسِبِ وَفِي الْمَوَاهِبِ وَنَسْلِ يَاجُوجٍ لِوَعْـــــــــدِ قُرْبِهَا حَالَ لِقَاءِ الرَّبِّ عِنْدَ الْخَتْــــــــمِ مِن بَعْدِ مَا أُلِفَ فِي الطِّــــــبَاعِ وَالْفَقْرِ وَالْغِنَى وَفِكْرٍ وَعَـــــمَلْ لِيَّ الدُّعَا عِنْدَ وِفَاقِ السَّــــبَبِ |
قال شارحه العلامة زين بن اجمد: الناظم يشير إلى ما يروى عن ابن عطاء: للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق أوقاته فاز، وإن وافق أسبابه نجح، فأركانه حضور القلب، والرقة، والاستكانة، والخشوع، وتعلق القلب بالله، وقطعه عن الأسباب، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شكرا جزيلا للدكتور الباحث التاه بن اجمد على مداخلاته الموفقة والمفيدة في اللاءات الأخيرة ، و أحثه على نفض الغبار عن تراث أسرته فهو غني زاخر بالعلم رحم الله الشيخين محمد المالي و زين بن اجمد ونفعنا ببركتهما وبركة علمهما