نظر بعض الوزراء إلى أحد معاونيه وكان يتهمه بتسريب بعض المعلومات التى يتحصل عليها بحكم وظيفته ومنصبه، إلى جهات لا يحق لها أن تطلع عليها فقال له: ( اعلم يا فلان أنى أظن أنك أنت رجل الشارع الذى يتحدث الناس عنه ويعزون إليه ما يشاءون…).
نظر بعض الوزراء إلى أحد معاونيه وكان يتهمه بتسريب بعض المعلومات التى يتحصل عليها بحكم وظيفته ومنصبه، إلى جهات لا يحق لها أن تطلع عليها فقال له: ( اعلم يا فلان أنى أظن أنك أنت رجل الشارع الذى يتحدث الناس عنه ويعزون إليه ما يشاءون…). و لا ندرى ما كان من بقية هذا الحديث إلا أنه يعطى بيانا واضحا عن طبيعة الاشاعات (أو الشائعات إن شئت) هو موضوع خطير تكلم فيه علماء الأمن ومنظرو الاستراتيجيات العسكرية، وعلماء الاجتماع والسياسة وقسموا الإشاعات إلى أنواع وفصائل وحدوا فصائل كل نوع وطبيعته وكيفية التعامل معه، وكيف قيل….
ولعل الاشاعات في المجتمعات ذات التقاليد الشفهية أكثر من غيرها كما هو الواقع في بلادنا هذه حيث اختلطت الحضارة الافريقية بقصاصها وعلماء آثرها وحملة أساطيرها بالحضارة البدوية العربية بنواديها و أنديتها وخطبائها وشعرائها، فظاهرة الشائعات فينا قديمة جدا. ولعل كلمة “أساغ” بالحسانية تحريف لكلمة “إشاعة”.
وقد كان عندنا في النظام الأميري طائفة من أهل بلاط الأمير متخصصة في ترويج الاشاعات خدمة للأمير ومناواة لخصومه، يحيكونها ويبرمونها ويستوشونها في إطار حرب نفسية حقيقية لا يكاد يفك خيوط حبكتها إلا الأحوذي المجرب.
هؤلاء القوم طائفة ممن يؤمن بالله ويصلى الخمس بلا شك ولكنهم لم يزنوا بالقسطاس ولم يحاسبوا أنفسهم على الأنفاس فلم يتورعوا عن كثير من الغيبة والنميمة و إطلاق الإشاعات الكاذبة والمغرضة ويقومون بترويج المقالات الإرجافية خدمة لمخدومهم وفتا في عضد خصومهم.
والحق أن تعاطى الإشاعات ليس محرما في الشرع بصفة مطلقة فربما دخل في إطار الخدعة التى تقوم عليها الحرب فالحرب خدعة كما يقال و أي منا لا يتذكر الإشاعات المتقنة التى فرق بها نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه جموع الأحزاب الذين أحاطوا بالمدينة المنورة من كل جانب ليستأصلوا أهلها ويقضوا على الدعوة الجديدة.فقد استطاع هذا الصحابي الجليل بما أوتي من ذكاء ودهاء أن يخذل بين جنود قريش وغطفان وجنود اليهود بعد أن أذن له الرسول عليه الصلاة والسلام في أن يقول في ذلك ما شاء.
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يدرك خطورة الاشاعات فيتحاشى كل ما من شأنه أن يكون مثار إشاعات سيئة ضد الإسلام فأحجم عن قتل المنافقين مخافة ” أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”… وعدل عن التحقيق بصفة أعمق في قضية سحر بنات لبيد الأعصم مخافة أن يثير على الناس شرا من ترويج السحر وتعاطيه في صفوف المجتمع المسلم.
وهناك نوع من الإشاعات يمكن أن يسمى بالإشاعات الرسمية وهي شائعات تطلقها دوائر الدولة عمدا لمقصد شريف من استطلاع رأي أو مقاومة فساد أو رد على شائعات مثلها. وتحدثنا كتب التاريخ أن الخليفة معاوية بن أبى سفيان كان إذا عزم على أخذ قرار سياسي خطير أطلق شائعة بشأنه فينظر ما كان من رد فعل الناس فإن كان رد الفعل حسنا مضى في تنفيذه و إن كان رد الفعل سيئا تراجع عنه وتبرأ منه وفند الشائعة وشجب الأوساط التى قد “تكون” صدرت عنها.
ومن المواد التى تتأثر بالشائعات كثيرا سلبا و إيجابا ، المنتوجات التجارية فكم شائعة سيئة حول بضاعة معينة أدت إلى إفلاس صاحب البضاعة بغض النظر عن صحة تلك الشائعة أو كذبها.
[| [( قد قيل ما قيل إن حقا و إن كذبا*** فما اعتذارك من قول إذا قيلا )] |]
وكم من بضاعة راجت رواجا ما كانت تحلم به، جراء شائعة سعيدة رفعت خسيستها، وهل الموضات إلا نتائج الشائعات؟ هذه المادة ترطب البشرة وتمنع الصلع وتزيد في كذا: طارت بذلك لها الشائعات فراجت رواج بنات عبد الرحمان بن الحارث بن هاشم . ومن منا لا يعرف قصة تاجر الخمر السود الكاسدة إذ روجها له أحد نساك المدينة بإشاعة أطلقها في أبيات شعرية تحدث فيها عما فعلت المليحة ذات الخمار الأسود بالراهب المتعبد.
وممن يتعرض للشائعات كثيرا السياسيون و لا سيما أيام الحملات الانتخابية بالرغم من أن القانون يمنع التجريحات الشخصية ويعطى المقذوف الحق في المطالبة بحق القذف، بيد أن من لطف الله بالسياسيين أن هذه الشائعات نادرا ما تضرهم لأن الناخبين يعلمون مصادرها ودوافعها فيوقعونها مواقعها.
وهناك في الفقه الإسلامي طبقة نصوا على أن الإشاعات لا تقدح فيها وهم طائفة المبرزين المشهورين بالصلاح إذ قل أن يوجد صالح إلا وله عدو من الجن أو الإنس يروج عليه الأقاويل ويصمه بالهنات.
بقلم: الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف
نقلا عن جريدة الشعب العدد 8732 الصادر بتاريخ 7 أغشت 2007