تزاحم العوالم خلال حياتنا الجادة نعيش عدة عوالم مختلفة بين يقظتنا ونومنا، ومنا من يشعر تزاحم تلك العوالم بحدة، حتى أنه ليبصر ذلك التعاقب في حيثيات واقعه وجسمه وما حوله، وتذهب به العوالم أحيانا حتى يخرج من الدنيا، وهو ينظر ويمسك بوجوده في العدم. وتعيده فرضيات الحياة ومستلزماتها لليقظة والوعي ليدرك أنه عليه أن يفكر في الدنيا ويمنحها بعضا من نفسه، فيتقلب به المقام لعالم آخر يجوب درجه بقبول وانحناء. وقيل إنه يظهر في الحلم بقية من اللقاء الذي حدث بين الأروح في عالم الذر، فيحدث أن ترى من لا تعرفه وتحدث من تعرفه بما يستحيل عندك في العادة، وتفعل ما لا تعي وتسمع وتحفظ وتحكي ما لم تسبق لك به معرفة. ويشاهد ذلك عندما نرى ما يناقض مألوفنا في الرؤيا او يخالف عاداتنا وطبعنا في الواقع او نرى ماضيا لم يحدث بعد او مستقبلا مألوفا جدا ندرك تفاصيله بكل دقة وهو لما يحدث في حياتنا، بل نظل ننتظره ويؤرقنا توقعه. و لاحدود بين الأرواح فهي تخترق العوالم وتختزل كل مراتب الوجود في لمح البصر، ولا راحة للأرواح فهي من مادة الحياة وهي تلتقي وتتفاعل رغما عن الاجسام والظروف ولا يحجبها زمان ولا مكان. وقد ينعكس شيئ من هيمانها على طبعنا فتصارع الروح الجسم بطبيعته المحسوسة ونشعر نحن ذلك هنا في الزمن والمكان وقد نصنفه مرضا عرضيا ونشفى منه بالدواء، وقد لا نفهمه ولا الطبيب المداويا. ومن صراعهما الدائم يحدث الاتزان في الانسان فهو مركب متزن متناقض الصميم ويعيش تناقضا لا مناص له منه، وكلما اشتد الصراع بينها كلما شعر الانسان بالحياة أكثر، وحين يغلب أحدهما على الآخر عرجت حياته ومالت عن مستقيم الانسانية، فالحياة السليمة وسط بين الحادثية والاصطفاء. وقد يقول قائل ما أجمل هذا لو كان كاتبه غير انسان بشري، اذ كيف استطاع انسان ان يطلع على شيئ من ماهيته وهي كنهه، ويعود الأمر في ذلك الى اختلاف طرق التفكير وتناسب الوعي بالذات والتقدم في مراتب الادراك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والله لطيف بعباده.