فتح المجيب
في شمائل الحبيب
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
الحمد لله وبعد فهذا نظم نظمت به بعض شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، تبركا بالأوصاف وتوسلا بالموصوف صلى الله عليه وسلم، وتشبها بالكرام الذين نظموها أو ألفوا فيها، وقد نحوت فيه الاختصار والتزام العبارات الواردة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، والله المستعان وعليه التكلان.
الحمُدُ لله الذي بالهادي
مَنَّ عَلَى العبادِ والبلادِ
فكانَ مولدُ النبيِّ طه
أعظمَ نِعمةٍ لهمْ أعطاها
واختارَهُ مِنْ صَفْوَةِ الأَشرافِ
نُورًا يُزيحُ حُجُبَ الأَسْدافِ
وأوْجَبَ التعظيمَ والتوقيرَا
للْمصطفى والنصرَ والتعْزيرَا
أسْنى الأنامِ خُلُقا ومَنْظَرا
سُبحانَ مَنْ خَلَقه وصَوَّرا
ومِنْ لَآلِي وَصْفِهِ المنظومهْ
صُغْتُ بحمد الله ذي المنظومَهْ
تبَرُّكًا بوَصْفِ طه المصطفى
صلَّى عليه ربُّنا وشَرَّفا
عسى بذكْرِ حِلْيَةِ الرسولِ
يَمُنُّ ربُّنا بنَيْلِ السُّولِ
ومن شفا القاضي الرضا عياض
فاح نسيم هذه الرياض
وَفي الشمائلِ المُحمَّديهْ
للترمذيِّ النَّفحةُ النَّدِيهْ
وفي المواهبِ شَذا الرَّيْحَانِ
قد بثَّهُ إِمَامُ قَسْطَلانِ
فقلتُ واللهَ تعالى أسألُ
عونًا به يُحَقَّقُ المؤمَّلُ
قد كان أفضلُ الورى وَسِيمَا
فَخْمًا مُفَخَّمًا رِضا قَسِيمَا
وكان أزْهرَ وكان أدْعجَا
وكان واسعَ الجَبين أبلجَا
ووجهُه كالقمَرِ الوهَّاجِ
وكفُّهُ ألْينُ مِنْ ديباجِِ
ضَخْمُ الكراديسِ أزجُّ أشنَبُ
وريحُه مِنْ ريحِ مسكٍ أطْيبُ
وكان رَحْبَ راحةٍ مُدَوَّرَا
وجهٍ عظيمَ هامةٍ مُنَوَّرا
له أصابعُ كقُضْبانِ اللُّجَيْنْ
بعيدُ ما قد كان بينَ المنكبينْ
وفي أعالي صَدْرِهِ وفي الذِّرا
عَيْنِ ومَنْكِبَيْهِ كان أَشْعَرا
ولم يَكُنْ ذو المطْلَعَ المنيرِ
ببائنِ الطُّولِ ولا القصِيرِ
بل رَبْعَةَ القَِّدِّ طويلّ الزّندِ
وليس بالسَّبْطِ ولا بالجعدِ
كان مسيحَ القدمين رَجِلَا
معْتدلاً سَبطَ العظامِ أنْجلَا
وكان طه سائلَ الأطرافِ
مُقَصَّدًا مُوَطَّأَ الأكنافِ
ولم يكنْ مُطَهَّمًا مُكَلْثَمَا
وكان جُلِّ ضَحْكِه تبسُّما
وكان فمُّ المصطفى ضَليعَا
مُفلَّجًا ومشْيُهُ ذَريعا
يَخرُجُ من بين ثنايا النُّورِ
إذا تكلمَ سَنا كالنُّورِ
كأنما الدرُّ إذا يَفْتَرُّ
بَلْ أينَ من فَمِ النبي الدُّرُّ
وأينَ مِنهُ البَرَدُ الفَتيقُ
وأينَ ما ألَّتْ به البروقُ
عُنُقُه قد كان مِثْلَ جِيدِ
إحدى الدُّمى بل هو كالفريد
كأنَّما لحُسْنِه ولِبَها
ءِ وجهِه تَجري بوجههِ المها
وكان أقْنى بادنًا دقيقَا
مسْرُبَةٍ مؤَدَّبا رَقيقَا
مُعْتَدَلَ القَدِّ سواءَ الصدرِ
والبطنِ نورُه كنور البدرِ
وكان سَهْلَ الخدِّ شَثْنِ الكَفِّ
وكثَّ لِحيَةٍ غَضيضَ الطَّرْفِ
وكان ذا عَقيقةٍ ما فرَّقا
شَعَرَها إلا إذا تَفَرَّقا
عَرَقُهُ كالبارقِ اتِّقادا
والشَّيْبُ عن عِشرينَ ما إنْ زادا
وخاتمُ النبوَّة الذي اشتهَرْ
قد كان بين كَتِفَيْ خيرِ البَشَرْ
وكان أكمل البرايا صَوْنا
يخْطو تَكَفُّؤًا ويمشي هَوْنا
كأنما في صُعُدٍ مَمْشاهُ
إذَا مَشى يطولُ مَنْ ماشاه
وما يُرَى في حُلَّةٍ حَمْراءَ
مثلُ النبيِّ المصطفى بَهاء
وكان حُسْنُ الهاشميِّ البدرِ
في ليلةِ البدرِ ببدرٍ يُزْري
يقول مَنْ يَنْعَتُهُ ما مثلَهُ
رأيتُ في مَنْ بعدَهُ أو قبلَهُ
وكان أبهى الناس مِنْ بعيدِ
أحلاهمُ في قربِهِ الحميدِ
أفْضلَهُمْ أشْرحَهمْ جَنانا
أشجَعَهُمْ أصدَقَهُمْ لِسانا
أكرمَهمْ عِشْرَةً أَسْخاهُمْ يَدا
ألْيَنَهمْ عَرِيكَةً وأنْجَدا
وليس بالغليظِ والصخَّابِ
والفَظِّ والفَحَّاشِ والعَيَّابِ
يهابُه الذي له قد أبْصَرا
بَديهةً لله أفضلُ الورى
وكلُّ مَنْ قد خالطَ البشيرا
معرفةً أَحَبَّه كثيرا
قد ترَكَ النفسَ حبيبُ الباري
مِنَ الرياءِ ومنَ الإكثارِ
وكلَّ ما لم يعْنِه قد هَجَرا
ولم يكن لأحدٍ قد عَيَّرا
ولم يَذُمَّ أحدا، لم يطلبِ
عورةَ أيِّ أحد خيرُ نبي
ولم يكن يَغضَبُ إلا للملِكْ
إذا رأى حِمَى المليكِ يُنْتَهَكْ
وحيثُما انتهَى بطه المَجلسُ
يَجلسُ، كلَّ الجُلساءِ يُؤْنِسُ
وكلُّهُمْ ما إن يَرى مِنْ بَشَرِ
أكْرمَ منه عند خيرِ البَشَرِ
يَضحكُ ممَّا منه يَضحكونا
يَعجَبُ مِمَّا منه يَعجبونا
ومَن إلى النبيِّ نفْسَه صَرَفْ
صابَرَهُّ النبيُّ حتى ينصَرِفْ
ومَنْ له سألَ حاجًا ما ذَهَبْ
إلاَّ بِهِ أو بمقالٍ مِنْ ذَهَبْ
يَسُوقُ صَحْبَهُ على انتظامِ
يبدأُ مَنْ لاقاهُ بالسلامِ
قد وَسِعَ النَّاسَ بِحُسْنِ الأدبِ
فصارَ للناسِ النبيُّ كالأَبِ
ويَسْتَوُونَ عنده في الحقِّ
يَمِيزُهُمْ تقواهُمُ للحَقِّ
مجلسُهُ تَزِينُهُ الرَّزانَهْ
والحِلْمُ والحياءُ والأمانهْ
ولم يَكنْ يُرْفَعُ فيه الكَلِمُ
ولم تَكنْ تُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ
صانُوا الغريبَ فيه والكبيرَا
قد وقَّرُوا ورحِموا الصغيرا
ويُطْرِقُونَ إنْ يَفُهْ ذو الجاه
ويَتَعاطَوْنَ بتقْوى الله
ونَظَرُ النبيِّ ذي السَّناء
أطْوَلُ للأرض مِنَ السماءِ
يُطِيلُ للسكوتِ أفضلُ العربَ
لا يتكلمُ لغيْرِ ما أَرَبْ
سكوتُه كان على التقديرِ
والحلمِ والحذَرِ والتفكيرِ
حديثُه كالجَوهرِ النَّثيرِ
فَصْلٌ بلا فُضولٍ أو تَقصيرِ
كَمْ في عِطافَيْه وفي أثْناءِ
بُرْدَتِهِ مِنْ جُودٍ أو سخاءِ
رُوحٌ مِنَ النورِ بجسم القَمَرِ
كحُلَّةٍ قد نُسَجَتْ بالزُّهُرِ
لِمِثْلِه لمْ تلد النساءُ
كأنَّما كانَ كما يَشَاءُ
ربِّ به حقِّقْ لنا الأَوْطارا
وأبْعِدَنْ عَنَّا به الأَكْدَارا
وهَبْ صلاحَ الحالِ والمآلِ
والنصرَ في الأقوالِ والأفعالِ
لنا به يا حيُّ يا قيومُ
وهبْ لنا عافيةً تَدومُ
وأتْحِفَنْ يا ربِّ بالمرادِ
أشياخَنا وانصرْهُمُ بالهادي
وَهبْ لهمْ بالمصطفى التَّيْسِيرا
والعَوْنَ والتمْكِينَ والتسخيرَا
عليه ما تَمَّ به المرامُ
مِنْ ربِّنا الصلاةُ والسلامُ
وآلِهِ الزُّهْرِ المُطَهَّرِينَا
وصَحْبِهِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَا.
الأستاذ محمدن بن امَّدْ بن أحمدُّ بن المختار